From sudaneseonline.com

تقارير
أسرار الاسلاميين في مجالسهم الخاصة :الثورة والاصلاح داخل الحركة الإسلامية ...... قتال بالسلاح ( الفشنك ) ... !! (1- 3 )
By
Feb 28, 2011, 08:55

أسرار الاسلاميين في مجالسهم الخاصة :

الثورة والاصلاح داخل الحركة الإسلامية ...... قتال بالسلاح ( الفشنك ) ... !! (1- 3 )

الخرطوم : الهادي محمد الامين

من أبرز المظاهر التي أفرزتها سياسات الجبهة الاسلامية القومية في الميدان السياسي وظهرت لاحقا خلال سني حكم الانقاذ الوطني هي فتح الساحة علي كل الاحتمالات وظهور تناقضات ومواقف متباينة تجاه قضية واحدة تحتمل أكثر من وجه ورأي ولها أكثر من دلالة وإشارة ومعني بحيث أنها لاتستقر علي حالة واحدة يتفق أو يجمع عليها الناس ولعل ذلك مرجعه يعود إلي طبيعة التنظيم الذي يعتمد علي السرية وإدارة عمله وقيادة نشاطه في ظل تكتم شديد وما يظهر للسطح يمثل أقل بكثير مما هو مخفي أو تحت المنضدة من أجندات وجدول أعمال وهو ما أشار اليه الدكتور الترابي في كتابه ( الحركة الاسلامية ... التطور- الكسب والمنهج ) حيث تطرق الي قضية السر والعلن في كيفية ادراة التنظيم وتوجيه رسالته وتنفيذ برامجه بحيث ان الكوادر التي تدير دفة الحركة قد لا تكون معلومة ومعروفة حتي علي مستوي أهل الشأن أنفسهم وبالضبط هذا ما عناه وركز عليه الدكتور عبد الوهاب الافندي في كتابه ( الثورة والاصلاح السياسي في السودان ) كشف من خلاله ما اطلق عليه السوبر تنظيم أو الحكومة الخفية وما يسمي بتنظيم الظل الذي ميّز مسيرة الحركة الاسلامية عن غيرها من منظومات العمل الاسلامي أو عن بقية القوي السياسية الاخري التي اعتمدت علي العمل المباشر والمفتوح وبالتالي أصبحت عرضة للاختراق من قبل حركة الاتجاه الاسلامي التي زرعت غواصاتها في أواسط الاحزاب السياسية وأصبحت مكشوفة الظهر بالنسبة للاسلاميين ...

 وأفرز هذا الاسلوب بل وأضفي نوعا من الغموض في تحرك الجبهة الاسلامية لجهة الحماية والتأمين وتجنيب الاسلاميين اي ضربات أو مخاطر متوقعة يمكن أن يواجهها التنظيم من خصومه ومناوئيه ( المتربصين به الدوائر) سواء كانوا من الداخل أو من الخارج لكن من الواضح ان هذا التكتيك انقلب مثل الخنجر المسموم علي ظهور اصحابه في ظل غياب المرجعية الفكرية والتنظيمية التي اختارت أو خيّرت أو قل أجبرت علي التخلي عن الامساك بمفاصل العمل التنظيمي وفقدان كافة الاوراق والكروت التي كانت تحتفظ وتمسك بها وهي شخصية الدكتور الترابي نفسه منظر وعراب النظام لان قيمة دقة التنظيم وحيويته وقوته كانت في قيمة الرجل الذي كان يدير اللعبة في الميدان وفقا للترتيب أو التقليد المعروف وسط الاسلاميين بان الكلمة الاولي والأخيرة لشخصية الترابي لانه يمثل أهل الحل والعقد في كل كبيرة وصغيرة وبالتالي فان خروج الترابي عن مواقع الفاعلية والتأثير يعني بالضرورة انفراط العقد وتأـسيسا علي ذلك يتحول التنظيم إلي ( شلليات ولوبيهات ومجوعات نفوذ ) لا يجمع بينها رابط ...

عموما كان الغموض والي عهد قريب حالة أو ظاهرة ملازمة لمسيرة الحركة الاسلامية لكن بروزه بشكل واضح وكبير تمظهر في قيام ثورة الانقاذ الوطني أو انقلاب الـ30 من يونيو 1989م فمن جهة استطاع التنظيم العسكري التابع للاسلاميين من استلام السلطة بسهولة ومن غير اراقة الدم أو حدوث مقاومة ومواجهة مسلحة بين الاجهزة الخاصة للحركة الاسلامية وخصومها الاخرين الذي كانوا ضحية للخداع الذي مورس ضدهم بحيث صعب عليهم كشف هوية ووجهة القادمين الجدد وانطلت عليهم التعمية حتي وصلت شمال الوادي حيث قام الرئيس المصري السابق ونظامه بالترحيب بقادة الانقاذ وتسويق النظام للخارج واستطاع مبارك إرسال تطمينات للمجتمع الدولي او الدول الغربية والعربية والاسلامية بان ( الناس ديل أولادنا ) وابرق السفير المصري بالخرطوم حسن الشربيني حكومة بلاده بـ( ان الصعايدة وصلوا !! ) الامر الذي  جعل حتي الولايات المتحدة الامريكية ترحب بالتغيير الذي حدث في السودان طبقا لما تلقته من معلومات من حلفائها أو من خلال تمثيلها الدبلوماسي بالخرطوم  ..... علي ان الاسلاميين وفي مجالسهم الخاصة يؤكدون ان النجاح الذي حدث في الـ30 من يونيو رغم ان توقيته قد تقدم في زمانه قليلا  وكان من المفترض حسب التخطيط ان تكون الثورة في بدايات العام 1990م أو قبلها بشهور وليس في ميقاتها الذي قامت فيه وكان تعديل لحظة الإنطلاقة او الانقضاض علي السلطة جاء نتيجة لوجود معلومات مؤكدة تفيد بان التنظيم العسكري لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان أقوي تنظيم بعد الاسلاميين داخل الجيش وبدعم من الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين كان قد حدد نقطة الصفر للاستيلاء علي الحكم لكن التنظيم الاسلامي كان الاسرع وقطع الطريق اما البعثيين في وصولهم لاستلام مقاليد الحكم ...

 فالاسلاميون يؤكدون ان النجاح يرجع في الاصل الي قوة مكتب معلومات الجبهة الاسلامية التي كان لديها أقوي مكتب معلومات مدعوم بامكانيات هائلة وكوادر بشرية مؤهلة ومدربة علي الالتقاط  وقدرة فائقة في الوصول للمعلومة الصحيحة وبالتالي تحليلها وفحصها وبناء القرارعلي ضوئها مما مكنهم من الجلوس بهدوء ليستريحوا لاكثر من عقدين من الزمان علي كراسي الحكم والسلطة في ظل ظروف محلية واقليمية ودولية بالغة التعقيد بينما عجز رصفائهم أو قل اخوانهم الاخرون وفشلوا في تحقيق الاستمرارية في اجهزة الحكم رغم وصولهم للسلطة كما هو الحال بالنسبة لاخوان تركيا بقيادة نجم الدين اربكان أو الاسلاميين بالجزائز بزعامة عباس مدني وعلي بلحاج ومحفوظ النحناح الذين زج بهم في السجون بدلا من دخولهم للقصور الرئاسية وكذا الحال بالنسبة للمجاهدين الافغان بمجموعاتهم المختلفة وبقياداتهم الميدانية والعسكرية والمدنية أمثال قلب الدين حكمتيار وعبد رب الرسول سياف وبرهان الدين رباني وصبغة الله مجددي واحمد شاه مسعود رغم الدعم الكبير الذي تلقوه من دول العالم العربي والاسلامي لكن تجربتهم باءت بالفشل مما جعل حركة طالبان تزيحهم عن مراكز السلطة وتبقي بديلا لهم بتحالفها مع تنظيم القاعدة .. أو إخوان آخرين ظلوا في المنافي كراشد الغنوشي ... فالمهم ان اخوان السودان نجحوا في استلام السلطة مثل نجاحهم في استمرارية الحكم ... فالاسلاميون في دول الجوار تحولوا وأصبحوا ضيوفا للمعتقلات أو نزلاء في الزنازين بينما الاسلاميون في السودان كما يشير الشيخ الصافي جعفر جاءوا من السجون الي القصر الجمهوري حينما تطرق للنموذج الاسلامي السوداني في كتابه ( ربانيون بين الزنزانة والقصر – إسقاطات علي الواقع السوداني ) وهو مقاربة تلامس تجربة الحركة الاسلامية في السودان وعلاقاتها بالحكم ...

فالواقع ان قيام التغيير وبهذه الصورة والكيفية يبعد تماما السيناريو الذي سبق وأن أشار إليه السيد الصادق المهدي مؤخرا بان الإدارة الامريكية اوعزت أو أوهمت الاسلاميين بضعف البنية السياسية بالبلاد وانهم الوحيدون الجديرون بقيادة السودان ... وكان منطق وفلسفة المهدي ان الامريكان هدفوا من وراء ذلك لاضعاف الاسلاميين باعتبار ان السلطة تمثل محرقة للحركة الاسلامية التي كان ثالث أكبر حزب سياسي بعد الامة القومي والاتحاديين بعد حصولها علي المرتبة الثالثة في انتخابات الجمعية التأسيسة في العام 1986م واكتساحها لغالبية مقاعد الخريجين بحيث انها تفوقت حتي علي الحزبين التقليديين في دوائر الخريجين ... فالصادق المهدي كان يحاول الوصول الي استنتاج مفاده ان الامريكان يريدون التخلص من الجبهة الاسلامية بمحاولة ارهاقها او استنزافها وانهاك قوتها عبردخولها لمعترك السلطة ...

 لكن السؤال هو كيف خدعت مصر بل وكيف رحّبت وروّجت للنظام وأكسبته الشرعية في مستواها الداخلي والخارجي ؟؟

 يكشف بعض الاسلاميين ان السبب في ذلك يعود لظهور او ورود اسم الفريق أول ركن عبدالرحمن سر الختم ( وهو دفعة الرئيس البشير ) في قائمة مجلس قيادة الثورة وهو كما يتردد ومنذ ان كان ضابطا صغيرا محسوبا علي المصريين والمدهش هو ما تم تداوله من قبل ان عبدالرحمن سر الختم نفسه وحينما كان وزيرا للدفاع دارت حوله بعض الشكوك بنيته  تدبير أو محاولة تخطيط لانقلاب علي  الانقاذ نفسها مما اضطر مركز السلطة لابعاده عن المنصب لكن حتي الان لا يمكن الجزم بصحة هذه الرواية أو التعرف علي مدي صدقيتها كما ان هناك رواية أخري توضح ان عبدالرحمن سر الختم كان يمثل قائد المجموعة الاخري التي وضعت الخطة (ب ) في حالة فشل التحرك ( أ ) الذي يقوده البشير وانقاذ الموقف لو تأزم عبر الخطة ( ب ) خاصة وان كل المؤشرات والارهاصات تنذر بحدوث التغيير وكانت هناك رقابة ورصد من قبل البعثات الدبلوماسية التي فتحت أذانها لمعرفة القادمين مما يعني ان عناصر المجازفة والمخاطرة والمغامرة ظلت حاضرة في المشهد السياسي مثلما ان عنصري المفاجأة والمباغتة أيضا كانا موجودين بذات القدر لكن من الواضح ان التمويه كان له أثر كبير في وقوع أي أخطاء فادحة وأتاح فرصة كبيرة للاسلاميين لتمكين أنفسهم وبسط سيطرتهم علي مجمل الاوضاع في البلاد وتثبيت أقدامهم عي أرضية صلبة ساعدتهم في لعب (بلوتيكا ) ومنحتهم مساحة للمناورة كانت مطلوبة في تلك المرحلة الحساسة ..

 وربما تكون قصة ورود عبدالرحمن سر الختم أيضا من أجل التمويه والتعمية والتضليل لان الرجل لم يكن ضمن قادة القوات الضاربة مثل ( سلاح المدرعات – المظلات – وحدة المشاة والمهندسين ) وانما كان قائدا في سلاح الاسلحة وهو قوة غير ضاربة ونادرا ما يتم إشراكها في الانقلابات ....

وما يمكن الاشارة إليه هنا ان الانقلاب لو فشل فان الفاتورة التي كان سيدفعها الاسلاميون ستكون باهظة  وغالية وعالية الثمن وان الكارثة التي كانت ستقع علي رأس الجبهة الاسلامية القومية ستكون كبيرة بل وأكبر من أن يحتملها التنظيم ولهذا فان الهمس وسط الاسلاميين كان يدور بضرورة وأهمية إشراك حزب الامة القومي في التغيير ولو علي سبيل الديكور ليقوم بدور الكومبارس ولضمان الاستفادة من جماهيرية وشعبية حزب الامة أو لاحتمال ان الفشل لو تم تكون ( المصيبة مدروعة في رقبة الامة القومي بزعامة الصادق المهدي بأكثر مما تكون ملتفة حول عنق زعيم الاسلاميين الدكتور الترابي ) لكن عرض الاسلاميين علي حزب الامة ورغم انه ( مدنكل ) لم يجد القبول والاستجابة من السيد الصادق المهدي ... والواقع ان تدبير الانقلاب أو الترتيب له مثلما كان مسنودا من التنظيم الاسلامي بكوادره وعناصره المدنية والعسكرية وتوفرت له العديد من الظروف لنجاحه إلا انه لم يكن محلا  للرضاء في أوساط قادة آخرين كانوا في موقع النفوذ والتأثير من بينهم الاستاذ الراحل أحمد سليمان المحامي والذي تم ابعاده من السودان للعمل سفيرا بالخارج ومن ضمن مهامه توليه لمنصب سفير السودان بواشنطن وقيل ان احمد سليمان كان ضد فكرة الانقلاب جملة وتفصيلا وتمثلت رؤيته بان الاسلاميين ينجحون في قيادة المعارضة أكثر من نجاحهم في شغل المناصب السلطوية وهو موقف غريب مقارنة مع سيرة الرجل الذي كان يوصف بانه صاحب عقلية انقلابية وشخصية ثورية منذ ان كان طالبا بجمهورية مصر العربية وشيوعيا شارك بفاعلية في كافة مراحل تأسيس الحزب الشيوعي واسندت له عددا من الحقائب الوزارية في بدايات حكم مايو ... علي ان المقربين والعالمين ببواطن الامور يوضحون ان احمد سليمان المحامي نصح بعدم الاقدام بهذه الخطوة نتيجة لتراكم تجاربه وخبراته التي وصل فيها لقناعة ان مثل هذه الانقلاب سيضيع معها كل كسب وانجاز ومجهود حققته الجبهة الاسلامية القومية وان ما جري بين الرئيس الاسبق جعفر نميري وأعوانه من جهة وحلفائه الاخرين أمثال زعيم الحزب الشيوعي عبدالخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ والضباط اليساريين أمثال فاروق حمد الله وهاشم العطا التي وقعت في العام 1971م وكانت مجزرة جرت فيها الدماء أنهارا يمكن ان تكرر وبذات السيناريو وانتاج أزمة جديدة يدور رحاها هذه المرة وسط الاسلاميين  قد تطيح برؤس وتهز عروش وحذر من مغبة المغامرة التي قد تنهي الوجود الاسلامي من اساسه وهي نتيجة كان يري ان الحركة الاسلامية في غني عنها طالما توفرت لها ظروف بقائها ووجودها وممارسة نشاطها بالطرق السلمية....

ونواصل



© Copyright by sudaneseonline.com