From sudaneseonline.com

زفرات حرى بقلم : الطيب مصطفى
بين غازي صلاح الدين والدور المصري في جنوب السودان!!/الطيب مصطفى
By
Feb 22, 2011, 23:24

زفرات حرى

الطيب مصطفى

[email protected]

بين غازي صلاح الدين والدور المصري في جنوب السودان!!

 

دراسة رائعة خطّها يراع د. غازي صلاح الدين حول الثورة المصرية اختار لها عنوان: «مستقبل الثورة الشعبية بمصر في ضوء تفاعل قوى التأثير الصلبة والمرنة: نظرة من الخارج» وقد حدّد د. غازي بشكل عميق دور قوى التأثير في رسم مستقبل مصر بعد حسني مبارك وأرجو أن أسهم بهذه الإشارات العابرة حول دراسة د. غازي.

لا تعليق لي على اختيار صفتَي «الصلابة والمرونة» في تحديد عناصر التأثير فقد قدّم د. غازي شرحاً مقبولاً لاستخدام تلكم العبارتين بالرغم من أني كنت أرى أن الأفضل النفاذ مباشرة إلى عناصر التأثير بدون تأطيرها في تلكم العبارتين فذلك أقرب إلى البساطة وإلى تجنُّب التقعُّر الذي لا يحبَّذ إلا عندما تشتد الحاجة إليه في سبيل توضيح المعنى بصورة أفضل.

أرى أن د. غازي استعجل في استخلاص نتيجة أعتبرها أمراً مسلَّماً به اختزلها في عبارة: «كنا نرى أن استفراد الغرب بالسودان إلى أن استطاع تقسيمه هو نتاج مباشر لتخلي مصر عن ذلك الدور» الذي عنى غازي به تخلي مصر وانسحابها عن دورها القيادي والحيوي بعد أن انكفأت على نفسها جرّاء كامب ديفيد وغيرها الأمر الذي ترك الساحة خالية للغرب ليفصل الجنوب!!

د. غازي رجل يتجاوز السياسي إلى المفكر وأعلم أنه يعلم الكثير من خبايا مشكلة جنوب السودان التي ألمّ بأطرافها من خلال إمساكه بملف التفاوض الذي أفضى إلى توقيع بروتوكول مشاكوس لكن أظن أنه أغفل بعض الحقائق التاريخية التي تقدح في رؤيته تلك وأعني بها دور الغرب في تقسيم السودان.

أريد أن أذكِّر غازي وغيره بأن الانفصال كان كامناً ومركوزاً في شخصية الإنسان الجنوبي منذ ما قبل مؤتمر جوبا الذي انعقد عام 7491 أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وقد اعترف السكرتير الإداري البريطاني جيمس روبرتسون الذي ترأس ذلك المؤتمر بأنه زوّر النتيجة بحيث تؤكد على اختيار أبناء الجنوب الوحدة مع الشمال ومعلوم أن بريطانيا كانت حينها القوة الكبرى الثانية في العالم بعد أمريكا في أعقاب الحرب العالمية الثانية وبالتالي فإنها تمثل الغرب الذي قال د. غازي إنه فصل الجنوب.

صحيح أن مياهاً كثيرة قد جرت تحت جسر التاريخ منذ مؤتمر جوبا قد يتوهّم البعض أنها أفضت إلى أن يغيِّر الغرب رأيه حول الانفصال لكني لا أظن أن د. غازي يجهل أن الصراع داخل الحركة الشعبية بين تيارَي الوحدة والانفصال كان محتدماً من قديم وكان قرنق وحدوياً على أساس مشروع السودان الجديد الذي كانت أمريكا تدعمه بقوة ولا أظن غازي نسي تصريحه لصحيفة «الرأي العام» الذي قال فيه إن أمريكا تريد الوحدة حتى تميِّع الإسلام في السودان من خلال الوجود الجنوبي كما يعلم غازي حيثيات مؤتمر رومبيك الذي ضم قيادات الحركة الشعبية والمنعقد في بداية شهر ديسمبر 4002م أي قبل شهر واحد من توقيع نيفاشا... في ذلك المؤتمر احتدم الخلاف بين قرنق وسلفا كير وكان معظم الحضور من قادة الحركة والجيش الشعبي مؤيدين لسلفا كير الذي كان معروفاً عنه أنه انفصالي في مواجهة قرنق الوحدوي.

الغرب يا د. غازي كان مع الوحدة حتى بعد مصرع قرنق وكان المحافظون الجدد في إدارة بوش لا يُخفون سعيهم لتحقيق ذلك الهدف ولعل أكثر المعبِّرين عن ذلك كانت مساعدة وزيرة الخارجية للشؤون الإفريقية السابقة جيندي فريزر وما تغيرت رؤية أمريكا إلا في عهد أوباما وكانت فريزر تعتب على إدارة أوباما وعلى الحركة أنها سحبت عرمان من السباق على رئاسة الجمهورية والوثائق موجودة ولذلك فإن القول بأن الغرب هو الذي فصل جنوب السودان أمرٌ يحتاج إلى دليل ذلك أن الغرب اقتنع بأن الانفصال هو عبارة عن رغبة جامحة لأبناء الجنوب وكان لخسارة الحركة للانتخابات دور في تعزيز التوجه الأمريكي لدعم خيار الانفصال بعد أن تأكد لأمريكا استحالة تحقيق مشروع السودان الجديد أو الوحدة على أسس جديدة وكل أدبيات الحركة الشعبية تؤكد هذا الكلام ولن ننسى كيف صفّى قرنق دعاة الانفصال في السنوات الأولى من انطلاق تمرده ولا يفوتني أن أعترف بأن بعض صُناع القرار داخل الإدارة الأمريكية مثل روجر ونتر كانوا مع الانفصال حتى خلال حقبة حكم الرئيس بوش كما تبيِّن أحاديثُه داخل لجان الكونغرس إلا أن ذلك كان رأياً مرجوحاً لذلك كله فإن القول بأن الغرب هو الذي فصل الجنوب كما لو كان أبناء الجنوب الذين لطالما عبّروا عن رغبتهم في الانفصال.. كما لو كانوا مجرد قطع شطرنج يحرِّكها الغرب كما يشاء.. فيه كثير من تبسيط الأمور وكما أدى تزوير إرادة الجنوبيين في مؤتمر جوبا إلى استمرار الحرب فإن تزوير إرادة الجنوبيين خلال الاستفتاء الأخير كان سيُفضي إلى تجدُّد الحرب واستعارها من جديد.

أما القول إن مصر كان بمقدورها منع الانفصال أو أن حدوث الثورة قبل عدة أعوام كان سيحُول دون انفصال الجنوب فإنه قفْز على الحقائق أربأ بدكتور غازي أن يقترفه ولا أظن أن نتيجة الاستفتاء خاصة بين أبناء الجنوب الذين كانوا يعيشون بين ظهرانينا في الشمال وواقعين تحت تأثير الحملة الإعلامية الضخمة التي استخدم فيها المؤتمر الوطني كل أسلحة جعل الوحدة جاذبة.. لا أظن أن نتيجة الاستفتاء يمكن دحضها ولذلك يعز عليّ أن نظل غارقين في أوهام من صُنع خيالنا وأن نردِّد الكذبة حتى نصدقها!! إنها كذبة ظللنا نبذل في سبيل تحقيقها كما يبذل من ينصب ويشقى ويجدّ في إدخال الجمل في سم الخياط رغم أنه يرى ويعي أن ذلك هو المستحيل بعينه.

ما كان والله للعميان أن يحكموا بغير ما تحقق أخيراً من انفصال لا يختلف البتة عن طلاق المتنافرَين منذ خلق الله الكون.. طلاق القط والفار والشحمة والنار.. طلاق نشهده يومياً في حياتنا لكننا لا نرى ولا نسمع ولا نعي عِبر التاريخ وعِظاته التي تتبختر أمامنا ونراها رأي العين في عالم الدول وفي عالم البشر.. طلاق تبدّى أمام ناظرينا منذ تمرد توريت الذي انفجر في شكل عمليات تطهير عرقي في حق الشماليين قبل استقلال السودان وتكررت تلك العمليات والأحداث ولا تزال كل يوم أو كل حين وما الإثنين الأسود وما تشاكس الشريك المعارض ونفوره الذي رأيناه ماثلاً أمامنا حتى يوم الناس هذا عنا ببعيد.

لم تكن تلك المشاعر المبغضة للبقاء في وطن واحد مع من يكرهون نزوة عابرة أو خاطرًا محدودًا إنما كانت رغبة حقيقية وجامحة وكامنة من قديم في نفوس أولئك الناس فإلى متى نتغافل عن هذه الحقائق ونعزو الأمر للغرب ونعذِّب أنفسنا بالأوهام؟!



© Copyright by sudaneseonline.com