From sudaneseonline.com

زفرات حرى بقلم : الطيب مصطفى
ثورة مصر والفتوحات الكبرى/زفرات حرى: الطيب مصطفى
By
Feb 13, 2011, 11:55

زفرات حرى: الطيب مصطفى

[email protected]

ثورة مصر والفتوحات الكبرى

 

اليوم يستعدل تاريخ مصر وتصحَّح مسيرته بعد أن طاشت البوصلة وتنكبت طريق الحق ردحاً من الزمان.. اليوم يسقط فرعون مصر الجديد في يم الذُل والهوان مصطحباً معه اتفاقية العار «كامب ديفيد» كما سقط فرعون موسى قديماً مصحوباً بهامان ... اليوم ترفرف من حولنا روح حسن البنّا وتدب الحياة في «ظلال» سيد قطب وترسم «معالمه» خريطة «الطريق» من جديد.. اليوم يفرح القرضاوي والغنوشي ويقبر بن علي وبورقيبة في قاع التاريخ ودهاليز النسيان إلا من سيئ الذكرى وسوء المنقلب وخزي الدنيا والآخرة.

إنها رسالة إلى المسلمين في كل مكان ألا ييأسوا من روح الله العزيز بل إنها رسالة إلى سكان الأرض جميعاً بمن فيهم أقزام أمريكا وبني إسرائيل أن لهذا الكون رباً أكبر يدير شأنه وفق سنن ماضية لا تتخلف ولا تتبدل.. رباً يُمهل ولا يُهمل.. رباً ينصر عباده المؤمنين ويذل الطغاة والمتجبرين.. رباً يزلزل الظالمين ويرفع من شأن الشهداء ويرحم المجاهدين ويفرحهم ولو بعد حين.

عجيبٌ والله أن تُبتلى مصر على امتداد التاريخ بالفراعنة وأن يعيد التاريخ، في مصر خاصة، نفسه كل حين وعجيبٌ أن يأبى الفراعنة إلا أن يعيدوا سيرة أسلافهم الذين ينوء المتحف المصري اليوم على بعد خطوات منهم بحملهم رافضين الانصياع إلى عبر التاريخ ودروسه الباقية والمتجددة.. عجيب أن يحكم مصر قزم صغير مثل مبارك يفعل بها الأفاعيل متقاصراً عن أن يدرك دورها الذي صنعه الله وأراده لها حية عبر الزمان نابضة بالحياة.. رائدة بل قائدة توجه حركة التاريخ ومساره على مر الدهور والأزمان..

حدثوني بربكم أي بلاد الدنيا غير مصر ذُكرت في القرآن الكريم ثلاث مرات بل وفي كل الكتب السماوية.. هل ترون أن ذلك يحدث إلا لبيان دورها المحوري في حركة التاريخ البشري وهل أدل على ذلك من أن يختار الله مصر مسرحاً لسيرة رسل الله وأنبيائه من لدن إبراهيم الخليل ويوسف وموسى وعيسى وأن يوصي الرسول الكريم بأهلها خيراً.. وهل أدل على ذلك من أن تكون مصر هي أم إسماعيل من هاجر المصرية زوج إبراهيم الخليل التي لها عرق في رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال جده إسماعيل وأن تكون مصر مزروعة في دم إبراهيم ابن الرسول الكريم من زوجه مارية القبطية؟!.. وهل أدل على ذلك من أن تتكالب عليها الأمم من قديم الزمان كلٌّ يسعى إلى ضمها إلى مملكته ليرصِّع بها مُلكه؟

لكم كان عمر بن الخطاب عبقرياً وهو يضم مصر إلى حظيرة الإسلام ولكم كان فتح مصر فتحاً للإسلام فقد أسهمت مصر كثيراً في كسر شوكة الأعداء في لحظات انكسار الأمة ولكم كان دورها كبيراً في صد الحملات الصليبية على أرض الشام حين ألحق صلاح الدين الأيوبي هزيمة منكرة بالصليبيين في حطين عام 7811م ولكم كانت عظيمة في تصديها للمغول الذين اجتاحوا العالم الإسلامي وأسقطوا بغداد وأوشكوا أن يستأصلوا شأفة الإسلام فكان أن قادها قطز ليُنهي سطوة المغول في معركة عين جالوت عام 0621م.

على النقيض تماماً من عين جالوت تسبّب الصغير حسني مبارك في معظم الهزائم التي حاقت بالعالم الإسلامي وهل أدل على ذلك من دوره في غزو العراق وإسقاط بغداد التي انتصر لها قطز ومصر قديماً من مغول تلك الأيام وهل أبشع من أن يتآمر مبارك عليها مع المغول الجدد ــ أمريكا وحلفها المشؤوم ــ وهل أبشع من تحالف مبارك مع «إسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني بل وإقامة جدار عازل إمعاناً في التآمر والكيد لأبناء فلسطين وهل أسوأ من أن ينحاز مبارك إلى إسرائيل ضد حركة حماس المجاهدة.. مقابل ماذا أيها الحقير تقدم كل ذلك لإسرائيل وأمريكا؟! مقابل ثمن بخس بيعت مصر بكل ثقلها في التاريخ من قِبل عميل صغير لم يعرف قدر البلاد التي وُسِّد إليه أمرها في غفلة من الزمان!!

كنت أعلم أن الظلم الأمريكي والغطرسة اليهودية قد بلغت مداها خاصة بعد مجيء نتنياهو إلى السلطة في إسرائيل وكنت أشعر أن ما فعله مبارك بفلسطين إبان العدوان الأخير على غزة بكل الجرائم التي ارتُكبت فيه والشهداء الذين سقطوا واليتامى والأرامل الذين رُوِّعوا... كنت أعلم أن ذلك يستوجب غضب الله على مبارك فقد آن الأوان لإذلال هذا الرجل الذي شنّ الحرب على الله ورسوله وكاد للإسلام والمسلمين وأذلّ مصر وشعبها وقزّم من دورها  وطغى وتجبر.. لقد آن الأوان لسنة الله الماضية أن تفعل فعلها وليد الله الغلابة أن تتدخل بعد أن بلغ الظلم والاستكبار منتهاه وبعد أن رُفعت أكف المستضعفين إلى المنتقم الجبار فكان أن أُزيح الصغير مبارك وزبانيته وقبله زين العابدين بن علي وطغمته فلله الحمد والمنّة.

عندما زارني قنصل مصر «معتز» عاتباً على «زفرات حرى» نفثت فيها غضبي على مصر مبارك وهى تحاصر فلسطين إذعاناً لأولمرت إبان محنة غزة قلت له ألا يكفيك أنى متيم بمصر التاريخ ومصر الجغرافيا ومصر الدور؟! أيهما أبقى مصر وشعبها أم مبارك وطغمته ولماذا يكون ولاؤك للنظام على حساب ولائك لمصر الأرض والشعب والدور؟! إنه الوجه الكالح للعمل الدبلوماسي الذي يجعل المرء مجرد تابع يُلغي عقله ويصبح ديكوراً يزين القبيح من الأفعال بل مجرد قطيع يبيع عقله وربما دينه في مقابل وجاهة تافهة يصبح بعدها جيفة بالية؟!

عندما كتب إليّ أحدهم بأن هذا عام خير وبركة وفتوحات ـ أعني هذا العام الهجري ـ كتبت له رابطاً بين ما جرى في مصر وتونس والسودان.

في تونس يعود راشد الغنوشي بعد عقود من الهجرة ويفر الطاغية زين العابدين بن علي بعد أن فعل بتونس الأفاعيل وأبعدها عن دينها ووجهتها فقد أراد الله لي أن أزور تونس عدة مرات إبان إدارتي للتلفزيون فرأيت عجباً ويكفي هذا للتعبير عن ما فعله بن علي وسلفه البغيض بورقيبة من تغريب أوشك أن يقتلع تونس من هُويتها ومحيطها العربي والإسلامي..

أما مصر فقد قاوم شعبها رياح التغريب بالرغم مما فعله مبارك وأسلافُه منذ محمد علي باشا بتخطيط محكم من الإنجليز الذين سعوا لاقتلاع القرآن من حياة شعب مصر ولإلحاقها بنمط الحياة الغربية على أن التأثير الأكبر كان في السياسة التي انكفأت بمصر وقزّمتها وأخرجتها من محيطها العربي والإسلامي بل من قضية العرب المركزية من خلال اتفاقية كامب ديفيد.

أما السودان فرغم «مكابرة المكابرين» ممن أخذتهم العزة بالإثم ولا يريدون الاعتراف بحقيقة الملك العريان فقد كان خروج الجنوب منه بالانفصال فتحاً لا يقل عن فتح مصر فقد انتهى عهد التشاكس والتناحر حول الهُوية وأصبح السودان الشمالي خالصاً للإسلام الذي أصبح يشكل 89% من سكانه واستعدلت الوجهة واستُعيدت البوصلة وبدأت الجمهورية الثانية على أنقاض جمهورية الصراع والحرب والدمار التي أغرقنا فيها مستعمِر لئيم لم يرد بضم الجنوب للشمال إلا ما تمخض عن ذلك الضم من دماء ودموع وصراع حول الهُوية ولو صدق المكابرون لاعترفوا أن معركة مبارك وبن علي مع شعبيهما كانت معركة هُوية سعيا لاقتلاعها فما الفرق إذن بين معركتهما ومعركة الهُوية في السودان التي حُسمت أخيراً بالانفصال إلا أن «يدغمسها» أولاد نيفاشا من جديد بالانبطاح للحركة ولأمريكا ابتغاء إله التطبيع الذي نصب بديلاً لصنم الوحدة فهل يسمح بذلك مصمِّما شعار الجمهورية الثانية البشير وعلي عثمان وأعوانهما؟

هل يعلم القراء الكرام أن مبارك عندما سُئل لماذا ترسل مصر مليون فلاح إلى العراق وترفض إرسالهم إلى السودان القريب أجاب بقوله: «أمريكا ما تسمحش» نعم لقد كانت أمريكا لا تسمح بدخول المصريين إلى السودان لأنها كانت تعمل من أجل طمْس هُوية السودان الشمالي من خلال مشروع السودان الجديد وكانت الحركة ترفض الهجرات العربية حتى لا تحسم قضية الهُوية أما اليوم فقد ذهب ذلك العميل الصغير وذهبت الحركة التي كانت ترفض فهنيئاً للسودان الشمالي وهنيئاً لمصر وهنيئاً لهوية البلدين ومبروك لشعب مصر والتحية لشبابها المجاهد.. والحمد لله رب العالمين.

 



© Copyright by sudaneseonline.com