From sudaneseonline.com

بقلم : محمد علي صالح
نيويورك تايمز: امريكا وتقسيم السودان وانا: واشنطن: محمد علي صالح
By
Feb 20, 2011, 22:03

“MY COUNTRY DIVIDED”

Mohammad Ali Salih

“The New York Times”/ “The International Herald Tribune”

February 17, 2011

---------------------------

"نيويورك تايمز": امريكا وتقسيم السودان وانا

واشنطن: محمد علي صالح

--------------------------

في بداية الشهر، صوت جنوب السودان، واغلبيته وثنيون ومسيحيون، بما يشبه الاجماع للانفصال عن الشمال الذي اغلبيته مسلمين وعرب.  هل احتفل، انا الشمالي المسلم العربي، رغم ان جنوبيين وصفوني باني استعماري وظالم وتاجر رقيق؟  صحيح، كان عند جدي عبيد من الجنوب، لكن، هل كان هذا ذنبي؟

--------------------------

قبل اكثر من نصف قرن، شاهدت اول جنوبي، عندما زار قريتي وادي حاج، قرب مدينة ارقو، على نهر النيل، في شمال السودان، جنوب الحدود مع مصر.  كان مفتش تعليم، وجاء لتفتيش مدارس ارقو.  وفي يوم من الايام، جاء الى القرية لزيارة كبار رجالها.  وكنا، مجموعة من الصبيان، نتبعه من منزل الى منزل في فضول.

كان هناك اكثر من سبب للفضول:

اولا: رغم ان لوننا اسود، استغربنا لان لون الجنوبي كان اسودا قاتما جدا.  وسألنا مدرسا في المدرسة كان مدرسا في الجنوب.  واشار الى حذائه الاسود اللامع، وقال: "كلهم في مثل هذا السواد."  وايضا، اخرج المدرس بندقية قال ان الحكومة صرفتها له عندما كان في الجنوب، ليحمي نفسه ضد اي جنوبي معتدي.

ثانيا: في منطقة لا يوجد فيه غير المسلمين، كانت زيارة غير مسلم شيئا نادرا.  رحب الناس في المنطقة بالجنوبي لانه ضيف، ولأنه موظف حكومي.  وصادفت زيارته شهر رمضان، شهر الصوم عند المسلمين.  لكن، لسوء حظه، انتشر خبر بانه يأكل اثناء النهار.  لهذا، وصفه الناس بانه "الجنوبي الكافر"، ووصفه آخرون بانه "العبد الكافر".

--------------------------

ومرت الايام والسنوات.  وقبل ثلاثين سنة تقريبا، زرت القرية لآخر مرة قبل ان اهاجر الى الولايات المتحدة.  وكشف لي والدي سرا عائليا ما كنت اعرفه.  وهو ان جدي شيخ العرب (محمد علي ود ادريس الكباشي) الذي توفي قبل ولادتي، كان عنده رقيق من الجنوب.  وانه عتقهم قبيل وفاته.  وان اولادهم واحفادهم يعيشون بالقرب من القرية.

في اليوم التالي، ذهبت مع والدي الى منزلهم.  واستقبلونا احسن استقبال. وتحدثنا في مواضيع كثيرة، الا الماضي، والا تجارة الرقيق.  وعندما خرجنا، نصحني والدي النصائح الأتية: "كن صديقا لهم.  لا تتحدث عن الماضي.  افتح صفحة جديدة.  لا تقل لهم عبيد.  وعندما تعود من امريكا، احضر لهم هدايا من هناك."

------------------------------

ومرت الايام والسنوات.  وخلال سنواتي في امريكا، ويا للهول، لقيت نصيبي من شتيمة "نيقر" (عبد).  لكن:

اولا: شكرا لوالدي الذي علمني ان ارتفع واسمو عن الشتائم وسفاسف الامور.

ثانيا: عرفت ان الناس يشتمون بعضهم البعض في كل مكان وكل زمان.

ثالثا: اقتنعت بان لوني لا صله له بهويتي.  وان اساس هويتي هو الايمان (ايماني بنفسي، وايماني بالله).  وشعرت ان هذه القناعة "حررتني" من "لعنة" اللون.

خلال سنواتي في امريكا، ناقشت مع اميركيين سود، وكتبت في مطبوعاتهم، عن رايي بان عندهم عقدة نقص لانهم يتحدثون كثيرا عن الماضي، وعن تجارة الرقيق، وعن لونهم، وعن شتيمة "نيقر".  وقال لي بعضهم انني لا افهم وضعهم وظروفهم.  وكما جاء على لسان واحد منهم: "لم يكن جدودك رقيقا، ولم يعيش والداك في ايام التفرقة العنصرية في ولاية مسيسبي وولاية الاباما."

----------------------------

ومرت الايام والسنوات، وما كنت اتابع اخبار السودان بكل تفاصيلها.  حتى عرفت ان اتفاقية السلام لسنة 2005، التي اشرفت الحكومة الامريكية عليها، اوقفت الحرب بين الشمال والجنوب.  ووضعت جدولا لاستفتاء في جنوب السودان لتحديد اذا كان الجنوب يريد الوحدة او الانفصال.  وفجأة خفت من ان السودان سينقسم.  وان هذا سيكون طامة كبري. واجريت مقابلات صحافية مع اكثر من عشرة من القادة الجنوبيين.  وفوجئت بما عرفت:

اولا: فوجئت – وهل هي حقيقة مفاجأة – انني لا اعرف كثيرا عن "اخواني" الجنوبيين.

ثانيا: فوجئت بان اغلبيتهم تريد الانفصال.

ثالثا: فوجئت بانهم يركزون على الماضي، وعلى تجارة الرقيق، وعلى سواد لونهم، وعلى شتمية "عبد".

وقلت في نفسي: وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا.  هذه نفس عقدة النقص التي لاحظتها عند الامريكيين السود.  وقلت لاخواني الجنوبيين السودانيين اننا، شماليين وجنوبيين، كلنا سودا في امريكا.  وقلت لهم عن مناقشاتي مع الاميركيين السود. 

لكن، لم يطلب الامريكيون السود الانفصال.  رغم ان معاملة البيض لهم كانت اسوأ من معاملة الشماليين في السودان للجنوبيين.  ولم تتقسم الولايات المتحدة حتى خلال الحرب الاهلية هناك (قبل مائة وخمسين سنة تقريبا).  وتعاون البيض والسود في امريكا لازالة اثار الماضي.  وها هي اميركا يحكمها رئيس اسود: باراك اوباما.

وسألتهم: لماذا لا يكون السودانيون مثل الامريكيين في هذا الموضوع؟  لكنهم استمروا يكررون نفس المسلسل عن تجارة الرقيق وكلمة "عبد".

----------------------------

الأن، عندي بعض الاسئلة عن دور الحكومة الامريكية، في تفسيم السودان:

اولا: لماذا، مثلما تحولت امريكا من تجارة الرقيق الى المساواة بين البيض والسود، لم تريد ان يحدث نفس الشئ للسودان؟  لماذا، مثلما حافظت على وحدتها، لم تريد ان تحافظ على وحدة السودان؟
ثانيا: لماذا اهملت الحكومة الامريكية الفقرة الهامة في اتفاقية السلام لسنة 2005 التي تقول: "على الاطراف ان تعمل من اجل ان تكون الوحدة في السودان جذابة"؟  لماذا لم تضغط على الشماليين والجنوبيين، وهي تعرف انها كانت تقدر على ذلك؟

ثالثا: لماذا لم تسلك الحكومة الامريكية مسلكا اخلاقيا.  وتجعل من السودان مثالا للتعايش بين الاعراق والاديان.  وتجعل منه، حقيقة، حلقة وصل بين العالم الاسلامي وافريقيا؟

----------------------------

قبل شهور، نشرت مجلة "تايم" الامريكية موضوع غلاف تحت السؤال الأتي: "از اميركا اسلاموفوبيك؟" (هل تخاف امريكا من الاسلام؟).  وقالت المجلة ان نصف الاميركيين ينظرون نظرة سلبية للاسلام والمسلمين.  وانهم يرون ان الاسلام ليست فيه المبادئ الاميركية عن الحرية والعدل.

وقالت المجلة ان هذه "الاسلاموفوبيا" اثرت على السياسة الامريكية في الداخل والخارج.  (وصار هذا واضحا في هذه الحروب التي اعلنتها اميركا ضد المسلمين باسم مكافحة الارهاب، في العراق وافغانستان وباكستان والصومال.  وفي قتل المسلمين، واعتقالهم، وتعذيبهم، والتحقيق معهم، والتجسس عليهم، والشك فيهم، في كل العالم تقريبا).

-----------------------------

اخيرا، انا اقول بان دور وطني الثاني (اميركا) في تقسيم وطني الاول (السودان) سببه هذا الخوف من الاسلام، ومعاداته، والشك فيه.  وانا اقول بان هذا سيجعلني حزينا وغاضبا الى ان يتوفاني الله، او الى ان يتوحد السودان مرة اخرى، بطريقة او اخرى

© Copyright by sudaneseonline.com