From sudaneseonline.com

تقارير
تضارب التصريحات الحكومية حول زيارة غرايشون لبورتسودان : ماذا يخبئ ؟
By
Feb 13, 2011, 16:08

تضارب التصريحات الحكومية حول زيارة غرايشون لبورتسودان : ماذا يخبئ ؟

تقرير : صالح عمار

أربعة وعشرين ساعة قضاها بولاية البحر الاحمر مبعوث الرئيس الامريكي للسودان (السابق) سكوت غرايشن، كانت كافية لاثارة ضباب كثيف وتساؤلات لاحصر لها : عن أسباب ودواعي الزيارة ؟ ومايمكن أن يترتب عليها من نتائج ؟. وبالنظر لتقاطعات السياسة بين الحكومتين السودانية والامريكية؛ وتضارب تصريحات المسئولين السودانيين، من الصعب الوصول في هذه المرحلة للاجندة الحقيقية للمبعوث الامريكي.

ولكن وبالرجوع لعدد من الملفات والاحداث في الفترة الماضيه ـ ومن ضمنها مؤشرات توتر الاوضاع في الشرق وأمن البحر الاحمر والقرارات الدوليه والحصار ضد ارتريا ومؤتمر المانحين بالكويت ووضعية منطقة جنوب طوكر وميناء عقيق المحاذي لارتريا وحتي غياب والي البحر الاحمر واقامته في السعوديه ـ واعادة قراءتها من جديد، يمكن أن نمضي في خطي فهم ما يدور والي أين تتجه المنطقة في المرحلة القادمه.

 

طوال السنين الماضية تحولت منطقة البحر الاحمر لمسرح نزاعات من الدرجة الاولي، إبتداءً من الملف الصومالي المعقد؛ والقراصنة الذين يهددون الملاحة والسفن، والإتهامات الاسرائيلية والامريكية لإيران بالتواجد في المنطقه وتهريب السلاح لحركة حماس الفلسطينية، وتمرد الحوثيين الشيعة في اليمن الذي إمتدت آثاره للسعودية.

ورغم التواجد الامريكي الكبير في البحر الاحمر إلا أن هناك ثغرات متعدده، فالساحل الصومالي بأكمله تحول لملاذ آمن للجماعات الإسلامية المتطرفة والقراصنه. كما تواجه امريكا عقبات في الساحل السوداني، حيث التعاون الامني بينها وبين السودان ضعيف.

غير أن التحدي ومصدر الخطر الاكبر ـ وفقاً للمنظور والمصالح الامريكية والغربية ـ يأتي من الساحل والدولة الارترية صاحبة العداء السافر والمعلن للغرب.

فارتريا صاحبة الساحل الممتد لـ 1200 كلم توجه إليها إتهامات متكررة، بدعم الجماعات الإسلامية المتطرفه في الصومال، والتعاون الامني والإستخباراتي مع إيران، والإشتراك مع الاخيرة في دعم الحوثيين.

 وقد أصدر مجلس الامن في ديسمبر 2009 قراراً بفرض عقوبات علي إرتريا؛ تشمل حظراً علي تصدير الاسلحه؛ وسفر وارصدة كبار المسئولين بالدوله، إلا أنه وحسب تصريحات تصدر من عدد من الدول والمنظمات الغربيه فمن الواضح أن هذه العقوبات لم تسهم في تغيير ملموس في الموقف الارتري.

 وبناءً علي ذلك تحتاج واشنطن لادوات ضغط ومراقبة جديده علي ارتريا، وليس هناك أفضل وأكثر تأثيراً من الاراضي والساحل السوداني للقيام بهذا الدور؛ وللإسهام بشكل عام في ضمان المصالح الامريكية بالمنطقة، وزيارة غرايشون المفاجئة للشرق يمكن أن تقرأ في هذا السياق.

 

مؤتمر الكويت : تنمية الشرق أم "عربون صداقه" ؟

زخم إعلامي ودولي غير مسبوق صاحب مؤتمر "المانحين الدولي لدعم وإعمار شرق السودان"، وتبرعات فاقت الثلاثة مليارات دولار. قابلها محلياً إسناد الملف بالكامل لمستشار الرئيس د.مصطفي عثمان إسماعيل وجولاته المكوكية بين ولايات الشرق وتفرغه في الآونة الاخيرة لهذا الشأن (وهو الذي لم يكن حتي أثناء مفاوضات أسمرا ينفق إلا القليل من الوقت والجهد لملف الشرق).

قبول الحكومة بعقد مؤتمر دولي حول الشرق؛ حتي وإن كان للتنمية وطلب المساعدات؛ يعني ضمنياً تدويل ملف الشرق وإدخاله في دائرة الضؤ، مع أن موقفها كان دائماً يرفض التعاطي الدولي ـ بل وحتي الاقليمي أحياناً ـ مع هذا الملف، والسؤال : لماذا قبلت الحكومة بقيام المؤتمر ؟ وفي أي سياق عقد ؟ .

يري مراقبين أن إنفصال الجنوب جري في إطار صفقة كامله شملت مناحي وملفات متعدده مابين الخرطوم وجوبا وواشنطن وعواصم أخري، وأن واحدة من التحفظات والمخاوف التي ساقتها الخرطوم ـ ضمن مخاوف أخري ـ  كانت إمكانية توجه أقاليم من ضمنها الشرق نحو المطالبة بحق تقرير المصير أسوةً بالجنوب.

وكواحد من بنود صفقة كاملة لمعالجة آثار قيام الدولة الجنوبية، تم الإتفاق علي عقد مؤتمر دولي للمانحين؛ تحت مظلة ورعاية كويتية؛ بعد تشخيص أسباب الازمة بالشرق بأنها تنموية بحته، يمكن حلها بضخ مساعدات إنسانية ومشاريع تنموية.

 كما شكل المؤتمر ستاراً لمساعدات عربية وغربية للخرطوم؛ ومصدراً للعملات الصعبه؛ تواجه به التداعيات المتوقعه لنقصان نصيبها من نفط الجنوب.

 

جنوب طوكر : عندما تدفع الشعوب ثمن (الاقدار)

تقع منطقة جنوب طوكر في أقصي الشمال الشرقي للسودان، في مساحة ثمانية الآف كلم، تمتد بين مايزيد علي 200 كلم علي ساحل البحر الاحمر وارضي جبلية للداخل.

قبائل المنطقة وتضاريسها وحتي تاريخها القريب والبعيد، ذو صلة بإمتدادها الإرتري، وكانت طوال سنين الثورة الإرترية قواعد إنطلاق للثوار.

وبعد فترة لم تتجاوز الاربعة أعوام من التواصل والعلاقات مع الدولة الإرترية الوليده، تحولت المنطقه من جديد لساحة لحرب عنيفة بين المعارضة ونظام الانقاذ؛ دارت رحاها في كل المنطقة الممتده من قرورة وهقر جنوبا وحتي طوكر شمالاً، وادت لعمليات نزوح واسعه للمدن الرئيسية وتدمير كل البنيات الموجوده.

ورغم إعلان رفع حالة الطوارئ عن الشرق في نوفمبر 2006 بعد توقيع إتفاقية الشرق، إلا أن مواطني جنوب طوكر يشكون من إستمرار إجراءات الطوارئ، ومن قيود علي حرية الحركة والتعبير.

ويتهم معارضين ومثقفين من أبناء المنطقة الحكومة بمحاولة إفراغ مناطقهم من السكان، عبر ترحيل مدينة طوكر؛ وعدم تشجيع عودة النازحين؛ وحرمانها من الخدمات.

 وأمس الاول أصدرت قوي الاجماع الوطني بولاية البحر الاحمر بياناً أشارت فيه إلي أن خلافات مجموعات المؤتمر الوطني المتناحره بالولاية والتراشقات الإعلامية بينها، صرف الانظار عن جرائم تحاك ضد الوطن، مثل لها البيان با اعطاء المشروعية لما يجري في حلايب من احتلال؛ وممارسة الضغوط علي المواطنين لتهجيرهم قسراً من طوكر وجنوبها؛ والشروع في إعداد ميناء عقيق ليصبح قاعدة عسكرية "لضمان حماية وتأمين المصالح الاجنبية بالبحر الاحمر" وذلك حسب نص البيان.

وبينما لم يعلن رسمياً عن إنشاء قاعدة عسكرية بميناء عقيق "التاريخي" ـ الواقع في جنوب طوكر والقريب من ارتريا ـ يعتقد أن الشروع في هذه الخطوة ليس ببعيد عن مجمل الحراك والصراع الدولي علي ساحل البحر الاحمر، كما يري مراقبين أن منطقة جنوب طوكر تدفع ثمن موقعها الإستراتيجي.

 

تضارب التصريحات الحكومية حول زيارة غرايشون : ماذا يخبئ ؟

(فجأةً وجدنا أنفسنا وجها لوجه مع مبعوث الرئيس الامريكي للسودان سكوت غرايشون، يستقل معنا نفس الطائرة المتجهة من الخرطوم لبورتسودان عصر الجمعة الماضيه)، محدثي الصحفي الذي يروي الواقعة احد أثني عشره صحفياً كانوا في طريقهم لبورتسودان لتغطية عودة والي البحر الاحمر لبورتسودان.

 وقع المفاجأة لم يمنعنا ـ يقول محدثي ـ من التوجه بعد اقلاع الطائرة مباشرةً لمقاعد المبعوث الامريكي وسكرتاريته، للحصول علي تصريحات صحفية عن أسباب الزيارة ودوافعها، غير أن المبعوث الامريكي اعتذر عن الادلاء باي تصريحات وقال انه سيتحدث بعد انتهاء الزيارة.

في مطار بورتسودان لم يكن هناك مسئولاً حكومياً واحداً في استقباله، والراجح أن استقباله تم بواسطة سيارات تتبع لمنظمات طوعيه؛ مع وجود مستقبلين بالطبع من الاجهزة الامنية والعسكرية. 

غياب المسئوليين بالولاية عن استقبال مبعوث الرئيس الامريكي؛ بزخمه السياسي والدبلوماسي والاعلامي؛ والتصريحات المتضاربه للمسئولين الحكوميين، أثار تساؤلات حول الزيارة، يحاول الطرفين السوداني والامريكي عبر سلسلة من التصريحات الاعلامية الاجابة عليها.

الخارجية السودانية أوضحت أن (الهدف الأساسي للزيارة هو الالتقاء بكبار المسؤولين والوقوف على الحقائق على الأرض)، ونفي المتحدث باسمها خالد موسي (وجود علاقة من قريب أو بعيد بالملف السياسي للشرق)، وقال إن ملف الشرق حسم بالتوقيع على إتفاق تمضي مراحل تنفيذه وفق ما هو مرتب له في الاتفاقية، وأكد موسي أن الزيارة تمت بإذن وموافقة الوزارة.

السفارة الامريكية من جهتها وزعت بياناً قالت فيه ان الزيارة تمت بموافقة وتنسيق تام من قبل السلطات الحكومية بالخرطوم، ونبّه غرايشن في البيان إلى إمكانيات مدينة بورتسودان الواسعة في أن تصبح واحدة من أكبر المراكز الاقتصادية في السودان. وأعلنت السفارة في بيانها أن غرايشن؛ في زيارته التي امتدت خلال يومي الرابع والخامس من فبراير؛ التقى بعدد من السياسيين وموظفي المنظمات الإنسانية المحليين ببورتسودان وعقد اجتماعات وصفها بالمثمرة للغاية مع ممثلي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الصحة العالمية. وأكدت السفارة الأمريكية قيام المبعوث الأمريكي غرايشن بزيارة إلى بعض المواقع الخاصة بتوفير المياه الصالحة للشرب وعيادة للرعاية الصحية وعقد لقاءات مع وزيري الصحة والتربية والتعليم بولاية البحر الأحمر، وقام المبعوث بجولة إلى ميناء بورتسودان برفقة المدير العام للميناء. 

والآن لنتابع بدقة التناقضات القادمه في تصريحات المسئولين الحكوميين وقيادات المؤتمر الوطني.

فقد كشف د. قطبي المهدي أمين أمانة المنظمات بالمؤتمر الوطني (أن زيارة الجنرال أسكوت غرايشون لشرق السودان لا تقف وراؤها أجندات خارجية وأمريكية تسعى للقيام ببعض الأنشطة والممارسات السياسية الإقليمية. وأوضح الدكتور قطبي المهدي في تصريح خاص لـ(smc)  أن زيارة غرايشون لشرق السودان لا تحمل طابعا خفيا تقف من ورائه أجندات عالمية بل جاءت بطلب من بعض المسئولين في حكومة ولاية البحر الأحمر وبموافقة الحكومة المركزية، ويأتي هذا الأمر ضمن اهتمامات حكومة الولاية لعكس الجانب السياسي والاقتصادي لبعض المسئولين الغربيين).

فيما يقول والي البحر الاحمر محمد طاهر ايلا في حوار له مع صحيفة الرأي العام (نحن في الولاية لدينا دستور وسلطات وصلاحيات فيما يتعلّق بالشأن الخارجي، حيث يتم التنسيق بين الخارجية والولاية، وعندما تكون هناك زيارة لسفير أو وفد أجنبي تخطرنا الخارجية، ويكون للولاية رأي أو مقترح حول أي تعديلات خاصة بالزيارة أو أية ملاحظات تتعلّق بمواقيت الزيارة، وما تم بشأن غرايشون أن الإتصالات والإخطار بشأن الزيارة أتى متأخراً، وهناك مواقف مماثلة أُلغيت فيها زيارات وتَمّ تعديلها).

غير أن الإعتراف بوجود تناقضات وخلافات داخل القياده العليا للمؤتمر الوطني؛ ومابين الخارجية والممسكين بملف الشرق؛ أعلنه رسمياً مستشار رئيس الجمهورية والمشرف علي ملف الشرق د.مصطفي عثمان إسماعيل.
فقد قال إسماعيل في حوار مع قناة الشروق الاربعاء الماضي إن زيارة المبعوث الأميركي للسودان أسكوت غرايشن لشرق السودان لم تكن موفقة في توقيتها ولا في التصريحات التي صاحبتها لان الولايات المتحدة لم تكن مشاركة في اتفاقية سلام شرق السودان، كما لم تساهم بأي مبلغ ضمن التزامات المانحين في مؤتمر الكويت رغم حضور وفد لتمثيلها وعلمهم بالمشروعات المطروحة لتنمية الشرق، وأضاف : إن الدور الأميركي المساهم في انفصال الجنوب والوعود الأميركية المتكررة وغير المنفذة للسودان تجعل المواطن في شمال السودان متشككاً تجاه أية أدوار أميركية جديدة.
وأوضح إسماعيل أن المسؤولين المحليين في شرق السودان كانوا رافضين لزيارة المبعوث الأميركي، لكن وزارة الخارجية السودانية وافقت على الزيارة لدعم اتجاه تطبيع العلاقات بين السودان والولايات المتحدة، وأفاد بأن والي البحر الأحمر نفى علمه بزيارة المسؤول الأميركي، وقال إنه أبلغ وزارة الخارجية بأن توقيت زيارة المبعوث الأميركي للشرق غير مناسب، لكنه تفاجأ بتنفيذ الزيارة من الصحف.

وبينما منعت عدد من الاحزاب السياسية بالولاية من لقاء المبعوث الامريكي، عقد ممثلين من أسر ضحايا أحداث 29 يناير لقاءً مع غرايشون، يقول عنه عضو اللجنة كرار عسكر في إتصال هاتفي معه (إنهم قدموا خلاله شرحاً للاوضاع في الشرق، وتعريفاً بقضية البجا ومعاناتهم، وسرداً لسير مجريات قضية الشهداء).

 

زيارة لها مابعدها

يري مراقبين أن زيارة غرايشون ستكون بداية إنطلاق وتحول جديده للرؤية والدور الامريكي تجاه شرق السودان ومنطقة القرن الافريقي والبحر الاحمر، ليكون أكثر فاعليةً، وأن الحجر الامريكي كان يضرب بالزيارة عدد من العصافير في وقت واحد.

كما تعد الزيارة مؤشراً واضحاً علي تعاون سوداني ـ أمريكي يمضي قدماُ في ملفات الإرهاب والامن بالمنطقة، تقبض ثمنه الخرطوم برفعها من قائمة الإرهاب وتدفق أموال المانحين التي تم الإلتزام بها في مؤتمر الكويت.

 

 



© Copyright by sudaneseonline.com