From sudaneseonline.com

بقلم : هاشم بانقا الريح
عندما قال الوزير إنه لا يتشرف بقيادة وزارة تُعذّب المواطنين/هاشم بانقا الريح
By
Feb 18, 2011, 22:30

عندما قال الوزير إنه لا يتشرف بقيادة وزارة تُعذّب المواطنين

هاشم بانقا الريح

[email protected]

 

في غمرة أحداث الثورات الشعبية التي تجتاح بعض البلدان العربية، والتي وصلت ذروتها بإزاحة نظامين دكتاتوريين في تونس والجزائر، لم تجد كلمات الشيخ جابر الخالد الصباح، وزير الداخلية الكويتي المستقيل حظها من الوصول للناس. وهي في ظني كلمات تتسامى فوق المناصب، والجاه والإرث الأسري، وتفتح الباب مشرعا أمام المسؤولين في العالم الثالث لكي يأخذوا منها درساً يفتح عليهم أبواباً أوصدوها، وآذاناً أبوا إلا أن يجعلوا أصابعهم عليها، وأبصاراً عميت عن رؤية الحق، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

الشيخ جابر الأحمد الصباح، أيها السادة، تقدّم باستقالته في شهر يناير المنصرم بعد أن أثبتت التحقيقات أن وزارة الداخلية كان لها دور في تعذيب مواطن كويتي حتى الموت، وهي قضية تنادت لإدانتها، والعمل على كشف الذين ورائها مجموعة من المؤسسات الكويتية، وهذا أيضاً أمر يدعو للاستحسان، إذ بدون مؤسسات قوية لا تخشى في الحق لومة لائم، تنافح وتصدح بالحق لكانت قصة المواطن الكويتي قد دُوّنت ضد مجهول كما هو حال آلاف بل  ملايين حالات التعذيب والقتل التي تحدث في عالمنا.

لم يشفع للشيخ جابر الخالد الصباح أنه من الأسرة الحاكمة الكويتية، وأنه تخرج من أكاديمية ساندهيرتس Sandhurst الملكية في بريطانيا، وتدرّج في المناصب العسكرية حتى أصبح رئيساً لأركان الجيش الكويتي عام 1992م, وكان قبلها قائدا للقوات الكويتية أثناء تحرير الكويت، وترك السلك العسكري سنة 1998 ليعمل في السلك الدبلوماسي، حيث عين سفيراً لبلاده في السعودية لمدة أربع سنوات.

أعرف أن أحدكم سيقول إن الوزير تقدم باستقالته بعد النقد الحاد الذي تعرضت له وزارته من قبل وسائل الإعلام والمجموعات الحقوقية، وأنه خشي أن يسير النقد إلى منتهاه ويُستدعى الوزير أمام مجلس الأمة، الأمر الذي ربما يُمهد لإقالته لاسيما وأن هناك حالات مماثلة في الكويت. وهذا كلام لا غبار عليه، لكن ما وددت الإشارة إليه هو تلك الروح المبادرة نحو الاعتذار والاستقالة والتي لا تشبه مسؤولي عالمنا الذي يوصف بالثالث، ولا تشبه سياسة التشبث بالمنصب التي ظلت ظاهرة في بلداننا. وحتى ظاهرة توجيه النقد العلني والتهديد بالاستجواب والإقالة فتُحسب إيجاباً على الحياة السياسية في دولة الكويت، على الرغم من التحغظ الشديد على المرات المتكررة التي يتم فيها حل البرلمان كلما حمي الوطيس بين السلطة والمشرعيين.

تقديم الشيخ جابر الخالد الصباح لاستقالته وقوله: (إنني لا أتشرف بقيادة وزارة تُعذّب المواطنين)، وقبلها أمره بإجراء تحقيق فوري يتسم بالشفافية وإحالة المتهمين للنيابة العامة لمحاكتهم، كلها تُحسب إيجاباً لصالحه ولصالح العملية الديمقراطية في الكويت، وإن رأى البعض أنها ديمقراطية شكلية تشوبها الكثير من العيوب، وهذا ليس محل تناولها.

وكان يمكن للشيخ أن يتكيء على "مشيخته"، وأن يقاوم بشراسة أي محاولة في البرلمان لإدانته، وأن يبحث عن "كبوش فداء" يقدمها وينجو بنفسه من المسؤولية والملاحقة القانونية، ولو لحين. لكنه آثر أن يعلن تحمل المسؤولية الكاملة، وإقرار وزراته بوجود شبهات جنائية خلف وفاة المواطن الكويتي عندما كان معتقلاً لدى الشرطة، وإعلان الوزارة كذلك أن تحقيقاتها أفضت إلى ضلوع عدد من رجال الشرطة في وفاة المواطن، مضيفة أنهم جميعاً سُلموا للسلطات القضائية.

وليس الهدف من هذا المقال بأي حال من الأحوال "التطبيل" لوزير الداخلية الكويتي المستقيل، الذي بالطبع لا تربطني به أي علاقة أيا كان نوعها، ولم يحدث أن ألتقينه وجهاً لوجه. وكما قلت في مقال سابق نُشر في 27 يونيو 2008م، أنني لا أُخفي إعجابي الشديد كلما قرأت أو سمعت أن مسؤولاً ما في دولة ما تقدم باستقالته و أقرّ بالتقصير الذي حدث في وزارته أو إدارته. ومصدر هذا الإعجاب هو أن هذه الممارسات إما أن تكون ناتجة عن صحو في الضمير أو أن هناك مؤسسات و رأي عام و وسائل إعلام تلاحق هذا التقصير و لا تفتأ تكشفه و تظل تمارس الضغوط على المسؤول لتقديم استقالته و تطالب جهات الاختصاص أن تعمل على إقالته و محاسبته. وقلت أيضاً أن مشكلتنا أننا نتعامل مع المنصب العام و كأنه إرث خاص لا ينبغي أن يجادلنا فيه أحد، ولذا فمسؤولينا لا يجدون في أنفسهم حرج في أن يدافعوا عن مؤسساتهم، ويكيلون الإتهامات لجهات أخرى بأنها تعمل على تشويه الصورة "الناصعة" لهذه الإدارة أو تلك، ومحاولة تشويه صورتهم الشخصية.

وبغض النظر عن ما إن كانت استقالة الشيخ جابر الأحمد الصباح من وزارة الداخلية الكويتية قد جاءت بسبب ضغوط من هنا وهناك، إلا أن عبارته التي ينتقد فيها الجهاز الذي يرأسه وتحمله وزر أخطائه، وصيحته أنه لا يتشرف بقيادة وزارة تُعذّب المواطنين، تبقى مواقف ناصعة تُحسب إيجاباً له. ونسوق مثل هذه الأمثلة، النادرة، لعلها تُحي ضمائر الكثير من مسؤولينا لاستشعار المسؤولية وترك مناصبهم، وعدم الانتظار حتى تُفتح عليهم النيران من كل جانب.    



© Copyright by sudaneseonline.com