From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
اللواء دانيال كودي، مستشار سلفاكير في ندوة بمدينة زيورخ: "ما زالت بندقيتي تنتظر...!" (1)/د. محمد بدوي مصطفى - لصوت العرب أونلاين
By
Apr 18, 2011, 23:54

اللواء دانيال كودي، مستشار سلفاكير في ندوة بمدينة زيورخ: "ما زالت بندقيتي تنتظر...!" (1)

 

د. محمد بدوي مصطفى - لصوت العرب أونلاين

 

استلمت رسالة من مكتب الحرکة الشعبية بمدينة زيورخ، راجين مني الحضور للوقوف بتقديم الندوة السياسية عن نشاطات الحركة الشعبية وتطورات آلياتها الحديثة في فك النزاع القائم بالسودان. من الضيوف اللواء دانيال كودي بمرافقة وزير الثروة الحيوانية وبعض الأخوة من حركة العدل والمساواة. بكل صراحة، لم أكن على بيّنة من أمر الضيوف القادمين، الذين تكبدوا مشقة السفر، طيرا من جوبا، ومنها إلى أديس أبابا، حيث المشاورات القائمة بين الحركة الشعبية وحكومة السودان، انتهاءا بمدينة زيورخ عاصمة المقاطعة الجرمانية بسويسرا.

لقد أدهشني وزاد اضطراب "مفكرتي"، ما حملته الأيملة المعقبة على الدعوة التي أرسلت إلينا. هذه التعقيب كان من أمره تصحيح صيغة الدعوة المرسلة إلينا سلفا، بأن ليس للحرکة مكتب ينوب عنها بزيورخ، وكان ذاك الأمر قد أجحف في أمر من  قاموا بالترتيب لها، لا سيما صديقي الدكتور على كوبا، وكنت أنتظر منه مراجعة هذه المعلومة في حضور مستشار سلفاكير اللواء دانيال كودي أثناء النقاش، لكن دارت حوارات ومشابكات عديدة عالجها هو بحكمة نيرة، جفلته ربما من أمر الإستفسار عن ماهية التعقيب على دعوته التي تكرم بأيملتها لنا. للأسف، لم يفصح صديقي بما جاش بدواخله من ضيم، أنزل من منزلته تجاه أصدقاءه الذين يلتفون حوله، بيد أنه كان يدير مسار الإستعدادات التي سارت على قدم وساق في تلك الظروف المجحفة لشخصه، بكرمه وبشاشته المنقطعة النظير.

 

يقول التصحيح الذي جاء من قبل الحركة:

 

"الاخوة اعضاء و محبي الحركة الشعبية .... و مشروع  السودان الجديد  بناء علي الخطاب اعلاه، اود ان انبه الجميع باننا في سويسرا لم نجتمع حتي الان لتكون مكتب الحركة الشعبية  كما و اننا لم نعلن حتي الان عن قيام المؤتمر العام للحركة  و هذا نسبة لحرصنا علي تقديم نموزجا  للديمقراطية الحقة لاننا نعيش في احدي دول الديمقراطيات الشعبية العريقة. و لا تريد ان نكون اضافة عقيمة و سازجة لان الشعوب اذكي بكثير و التاريخ لن يرحم. و نسبة لما ورد اعلاه  يجب فهم الاتي باته  ليس لدينا  رئيس و لامكتب في سويسرا الي حين  اقامة مؤتمرنا عام , يل لدينا فقط لجنة للتحضير.... لاننا ببساطة  لا نريد ان نخدع انفسنا بممارسة غير ديمقراطية  , لا نريد ان نشارك في دفن حلم الانعتاق و التحرر  وتحقيق مشروع السودان الجديد. و الا صرنا مثل المركز و رما ابشع منه بكثير.  الاخوة الكرام ليس لدينا اهداف شخصية- فهدفنا هو الدفاع عن مشروع السودان الجديد  الذي  عشانا له كل عمرنا نبشر به .لذي عزمنا ان لا  نترك اي خطاء  ان  يمر  تحت مرمي ابصارنا سوي كان بحسن نية او خبث  خاصة اذا كان هذا الامر في عقر دارنا الثاني (سويسرا). مع تحفظاتنا علي بعض الدعوات الكثيرة  للتعامل مع سفارة النظام و اموال الاحتفالات و غيره و  لنا من الادلة المسموعة و المقرؤة ما يكفي , لذي و جب الاتاباه.  و في هذا المنعطف التاريخي الهام و نحن بصد انقاذ الحركة من الانهار اتوسل  للجنة الرؤية والبرنامج ان تضع غي نصب اعينها  هذا النوع  التجاوزات في الداخل و الخارج فهي مؤشر خطير  خاصة  اذا اردنا  احترام مشروعنا الثوري  الذي لابد ان  يفوم علي اساس قوي ومتين  , فالرجاء  الانتباه  لكل السلبيات  - فلايستقيم الظل و العود اعوج . علما بان  هذا هو الشيئ الذي  الاحزاب الاخري برغم خبراتها و تضحياتها  وكذلك ادي الي تشرزم  الحركات المسلحلة الثورية  . اخوتي  لابد من تقديم نموزج معافا  حتي نقنع الشارع العام باننا اصحاب مشروع و ليس متسلقين علي اكتاف اهل الهامش .  و اخيرا ان جماهير الشعب  تراقب عن كثب ماذا سيحدث من تغير , علما بان هذه الجماهير ذكية و قادرة ان تقود نفسها نحو التغير الحقيقي  و لن تتنطر طويلا . الا انها تريد ان تعطي القادة فرصة  لاحدات التغير احترام لنضالاتهم  التاريخية. فعليه الانتباه  لكل صغيرة و كبيرة لان هذه الجماهير هي ذاتها التي خرجت للقاء قرنق و هي نفسها التي رفضة ان تخرج لاي مظاهرة دعي لها الاخرون اتدرون لماذا؟  و اخير نحن في عصر العولمة و سيولة المعلومات من القنوات الفضائة الي الفيس يوك و غيره , انه عصر المعلومة للجميع و سوف يصل صوت الشعوب بدون حجر و باسويرد يتحكم فيها زيد و عبيد و القادم اكبر فعلينا العمل في وضح النهار مادمنا ثورا. و اخيرا اذا ارنا ان نحترم  يجب انحترم الشعوب . يجب ان الانصبح مركزا اخر  لانه حينها ستنفض شعوب الهامش من حولنا . و لربما تنقض علينا اذا امعنا في تهميشها.  عبد الباقي شحتو عضوء اللجنة العليا لمكتب الحركة الشعبية بسويسرا( للتحضير للمؤتمر العام)

زيورخ – سويسرا

عبد الباقي شحتو عضوء اللجنة العليا لمكتب الحركة الشعبية بسويسرا( للتحضير للمؤتمر العام).

(لم آخذ بعين الاعتبار الأخطاء المطبعية – فهي متروكة كما جاءت بالرسالة)

 

لم أكن أعرف، وبكل صراحة، عن خلفية الجنرال كودي السياسية الحربية من قبل. لقد بدى لي كرجل ملئ جوخه، لكنه بسيط متواضع ملح، يبتسم ببشاشة وحكمة.  تحدث العديد في الندوة قبل أن يشرع كودي في حديثة، إلى أن سار الجمع مطالبين بمداخلاته، لأنهم أتوا من كل فج عميق ليروا هذ الرجل الذي ذاق من الهوان "الكوبري" ما ذاق.

لفت نظري في حديثة - وإلى تلك اللحظة كنت أحلم بسودان يعمه السلام المتواضع، إن لم نبلغ ثريات هذا الأخير. أحلم ببلدي تغيم عليها مذن العدل وسحائب الكرامة الشاملة لكل الفئات – رغم ملاحته، كان الحديث في غالبيته سلبي، يشوبه عدم الطمأنينة لوقائع صارت في الإعلام حقائق، كمعاهدة نيفاشا. لا تجد في الحديث روح المناشدة والرجاء للوصول إلى سلم شامل، فكان يردد كلمة أزعجتني وأيما إزعاج، ألا وهي: ما زلت أحمل البندقية...! قالها فخورا باسما. وهل البندقية لعبة يُبتسمُ لها؟

 

رجعت بي الذكرى إلى أصدقاءي وابناء عمومتي وخوولتي الذين خرجوا ولم يعدوا...أكلت بقاياهم النسور والضباع بعد أن تهشمت رقتها تحت وطأة الألغام الغادرة:

 

أين هشام؟ وأين أولاد أبوكدوك من الرعيل الشاب، ممن قضينا معهم، ألذ لحظات اليفاعة ونحن أطيفال لم نذق للحرب طعم ولم نشم لها رائحة...

لماذا طُعن جمال جنانبو، ابن خالتي، في الشهر المنصرم، في ظهره وهو يعول صغارا ما زالوا يرفلون على أبواب حياة اللامبلاة بالخطر؟ لماذا حُرق جون وصمويل، من إخوتنا الذين ترعرعوا معنا، بعد أن عادوا إلى الجنوب؟ أهل هذه النهاية في دولة حديثة تنشد مبدأ الديموكراسي ("ديمو على الكراسي" على حد قول القذافي). أبديت خوفي، رغم أنني أخطط لبناء جامعات ببلدي أمدرمان وبجنوب البلاد وغربه وشرقه. قلت للسيد كودي: أخاف أن تكون نهايتي نهاية أخويّ صمويل وجون في خندق، يشعل النار فيه على الناس وهم على قيد الحياة، وبين هذا وذاك تترامي ضربات الكواليت عليّ. أهل هذا جزاء من أحب الوطن ونهاية من أخلص له؟

قلت للسادة الحضور: هل هذا الفيلم الذي شاهدناه عن الذين أرادوا الرجوع إلى الشمال وممن صوتوا للوحدة أفك عظيم؟

قام عليّ عضوا من أعضاء الحركة قبل أن يرتدّ إليّ رِيقي، قائلا: نحن نعلم بأن المسألة مفبركة وعملت بتقنيات حديثة للنيل من الحركة الشعبية. أنا خبير في تقنيات المعلومات وهذا الأمر يمكن دربكته بسهولة فائقة. قلت له والجنراك يصاحب بأعينه حوار الأشقة: هذه الأمور الأبجدية لا تحتاج إلى أدلة. فالصور تتحدث عن نفسها. ولو علم هذا الصديق الجليل، بعلوم مورفوليجا الإنسان وإنثروبولوجيا الشعوب، لما قال هذا.

٭أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم ٭

 

 واصل الجنراك كودي في حديثة ذاكرا: ما زالت قوى الحركة تحمل الأسلحة على طاولات السلام.

 

قلت في نفسي: هل هذه هي الحال من الجانب الآخر أيضا؟ هل كلما ذكره البشير في خطاباته ولقاءته تجاه سلفاكير ببرامج تلفزيون جنوب السودان، هو هراء وإفك مبين؟ هل تم الإنفصال تماما وصار الآن شر لا بد منه أو خير لا مانع فيه؟  هل يناور البشير كما ذكر كودي؟ هل المعضلات المتبقية من الإتفاقية ليس لها حل وتكون بذلك، على حد كودي، لا صلاحية للإتفاقية إن لم تنفذ كل البنود والشروط المتفق عليها ويتم حل المعضلات الشائبة  المتبقية.

 

لقد طرحت هذه الندوة أسئلة جمّة وطوفت ذكرى أليمة لكل من قضى نحبه من الطرفين، فكل فقيد، هو فقيد الوطن، وكل جريح ينزف دمه على أرض بلادنا الطاهرة وكل شجرة تُحرق وكل أرض تبور وكل طائر يرحل يعلم بسرهم البارئ الخلاق.

لكن إلى متى والشعوب بلغت مجرات المريخ ونحن ما زلنا نعافر للقمة السلام؟

 

ندد كودي قائلا بأن الإتفاقية  المطروحة لسلام عادل وشامل لم تروي ظمأ الشعوب المهمشة بالسودان، يقصد بها: شعب جبال النوبة، وشعوب دارفور وشرق السودان. لا أحد ينكر ما يعانيه أهلنا بتلك المناطق المهمشة ولا أحد يكذب ما يعانونه من شحّ في البنى التحتية والمرافق الصحية والتعليمية، ناهيك عن أبجديات الحياة اليومية من مؤن تمونية وماء ذلول يسد الرمق.

 لقد وضّح كودي في غير موضع مقاصد الشعب بجنوب السودان وذكر أن الجنوبيين صارعوا طيلة الحقب المنصرمة، ومنذ استقلال البلاد، من أجل هدف واحد، هو إرضاء طموحاتهم والإنفكاك من غياهب الإستعباد والتهميش الدائم من قبل الشمال.

 

لا شك أن قراءة خطابه الحركوشعبيّ بالندوة كان يركتز على محاور عدة، سياجها العام يبغي تسليط الضوء على ضيم شعوب الجنوب، دارفور، كردفان وجبال النوبة.

 

لكن يا سيادة الجنرال: أين بقية أهل السودان من المهمشين؟ أين المناطق القابعة على سبات عميق في معظم بقاع البلاد؟

وتلك النائية البعيدة التي تعثر في أرجاءها وجود مصطلح تطور "لفظ أعجمي".

 

من جهة أخرى، سألته:  أين الإخاء والتواصل والتآصر بين أهل بلاد المليون ميل؟ بل أين المبادئ السامية التي لا ترتكز على عرقية، جهوية أو لاهوتوية؟

هل المهم في الأمر الحوزة على مفاتيح شجرة الملك، تلك التي تنؤء بحملها العصبة أولي القوة؟

 

قلت له محدثا: سيدي الكونيل، مع احترامي لفخامتكم، لكن الشعوب بكل بقاع المعمورة، سيما في هذه الألفية الثالثة لها أوليات مختلفة: أنها تنشد مذ طاحت الدكتاتوريات الغربية، مبادئ سامية، حكيمة تتوکأُ عليها، كالتضافر "السينيرجي" وتكاتف الجهود في ظل راكوبة واحدة لشعب واحد بخلفيات أثنية وثقافية متعددة المضامين مختلفة الرؤى.

هاهي الألمانيتان أتحدتا وبلغتا، رغم التحديات الاقتصادية، التأريخية والسوسيولوجية، مراتب عُلى، تبحث عن نظير. أنا أقول ذلك عن تجربة وعن معايشة طالت مدة إقامتي في هذا البلد الأمين.

 

 سألته: سيادتة الجنرال، فلتمعن النظر في أقليم بافاريا الحرّ، الذي يمثل دولة داخل الدولة، إنظر إلى الفدرالية الألمانية، التي تحكمها السيادة التامة للمقاطعات أو البلدان (لاند) تحت مظلة تشريعية قويمة تحكم الداخل لكنها توطد وتنسق تطبيقا للتعاون الكيفي بين بقية المقاطعات في شتى المجالات الثقافية والتعليمية والعلمية الأكاديمية، ناهيك عن الصناعية. لماذا لا تحبذون هذا المسار، الذي يجمع بين الأفئدة يا أولى الألباب، بل وينبذ الفتنة والحيلة بين الإخوة؟

كانت إجابته لي بلاءٍ ضمنية: أن الخلفيات السياسية والتاريخية لهذين البلدين لا تتناغمان مع جغرافية السودان السياسية ولا يمكن أن تطبق في بلد كالسودان.

سألت نفسي، لكن ما المانع؟ وما هي المعضلات التي تقف دون ذلك، لا سيما وأن البلد لم يقف على أعتاب تجربة كذينك؟

 لم يكن تلك حجة تقنعني، لأنني أعرف معنى الحرب، من أعماق صميم أسرتي ومن تاريخها منذ عهد الإستعمار وما كابده السناهير وأعمامي وأبناء عمومتي من حروب داخلية وخارجية.

بالنظر إلى الألمانيتين نجد الجغرافية "الحربوسياسية" تتناغم بلا أدنى شك، مع ما حدث بالسودان. إتحاد، ثم تهميش، ثم ثورات، ثم إمبريالية رأسمالية من جهة وإمبريالية ماركسية من جهة. ثم المارشال بلان لألمانيا الغربية ثم محاربة القوى الشيوعية بالشرقية، ثم الحائط اللعين، ومن ثم الثورة ومن ثم الإتحاد في ١٩٨٩ ومن ثم تهميش الجزء الشرقي ولكن كل ذلك لم ينسف الأخوة بين الشعبين، رغم ما كان ينشده الأعادي للنيل من الحكمة وأعراف الرقي والحضارة المتأصلة بينهما. وفي نهاية المطاف صارت ألمانيا الشرقية منذ أطلالة الألفية الثالثة أنموذجا حيا للتعايش السلمي ولتضافر الجهود. هل تعرفون كل منا، إن كان أجنبيا أم ألمانيا، يدفع من مرتبه ضريبة تسمى "ضريبة التضامن". فالشركات الألمانية، المدارس التعليمية والجامعات والمسارح ودور الثقافة بالشرقية لا تصل إلى رقيها تلك المتواجدة بألمانيا الغربية الآن.

يا سيادة الجنراك لو تضافرت الجهود وسلِمت القلوب من داء الغبن وسكتت السبابة بأن تشير للآخر موحية بأنه ظالم طاغية، لصارت البلاد مثالا لثورة الرقي وثورة الإخاء والمحبة، كما جاء في سفر التكوين وكما جاء في القرآن: أنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا.

فليعد منا كل لصوابه وليعد منا كل للحكمة التي يكون أساسها العلم والمعرفة والرقي لشعوبنا التي لا تنشد أكثر من كلمة – "لقمة سلام".

 

تابعوا معنا بقية اللقاء في الحلقة القادمة




© Copyright by sudaneseonline.com