From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
وقفات مع فكر ومباحث علي الطنطاوى بقلم : حسن محمد صالح
By
Apr 18, 2011, 10:31

 

وقفات مع فكر ومباحث علي الطنطاوى

بقلم : حسن محمد صالح

خلال حقبة الثلاثينيات والاربعينات من القرن العشرين نشرالاستاذ/ على الطنطاوى اكثر من خمسة وعشرين موضوعاً ضمها كتابه الذي جاء  تحت عنوان  فكر ومباحث . وقد اشتملت على جوانب مختلفة فى اللغة العربية مابين النحو  والادب  والعقيدة  والثقافة والقضاء  والمرأة  والفتح الاسلامى  والحياة  الادبية  فى دمشق وبغداد كما شملت الترجمة والتأليف وقضايا  التكافل  الاجتماعى  وغيرها  ويصلح  كتاب الاستاذ على  الطنطاوى مرآة ينظر من خلالها  الى واقع المجتمعات  العربية  والاسلامية  خلال  تلك الحقبة ...  ورغم  ان الكاتب  من سوريا  ولكنه  شديد التعلق بمصر وقد  تنبأ  بالدور المصرى  انطلاقاً مما كانت تحتوى عليه من مؤسسات  مثل الازهر الشريف ودار العلوم  وحركة  الاخوان المسلمين التى اسسها  حسن  البنا ومجلة الرسالة  واحمد حسن الزيات .

ومن بين خواطر المؤلف المهمة  فى كتاب  فكر ومباحث  ماجاء حول مسئولية  العرب والبلدان العربية تجاه  اللغة العربية ونشرها وزيادة  الناطقين بها  خاصة  وسط الباكستانيين والهنود  الذين اقبلوا  على اللغة العربية  فى تلك الفترة  من التاريخ اقبالاَ  منقطع النظير .  وفى عام  1935 نشر الاستاذ  على الطنطاوى  فى مجلة الرسالة  تحت عنوان  آفة اللغة العربية  - هذا النحو- وكان الزيات نفسه قد هاجم علم  النحو فى اللغة العربية  وقال : ان النحو  اصبح علماً  عقيماً  يدرسه الرجل  ويشتغل به سنيناً  طويلة  ثم لايخرج منه الى شىْ  من اقامة  اللسان والفهم  عند العرب ....  واستدل الطنطاوى  فى هجومه  على النحو بقول الحسن ابن خالويه الشهير باين خالويه وهو من ائمة النحو  قرأ  القرآن  على يد ين مجاهد  والنحو  والادب على يد  ابن دريد  ونفطويه . سكن بن خالويه  حلب  واختص بسيف الدولة  وهناك انتشر علمه  وروايته  وله مع المتنبى  مناظرات .  وقال بن خالويه : انا منذ خمسين  سنة اتعلم  النحو  وما تعلمت  مااقيم به لسانى وكان  الحسن بن صافى قد  اشتهر  بملك النحاة وكان فهماً ذكياً  انفق عمره  كله  فى تعلم النحو  وتعليمه كان يسئل عشرة مسائل  وتستعصى عليه  فيسميها :  المسائل العشرالمتعبات  الى يوم الحشر  ويأمر ان توضع معه فى قبره ليحلها فيه .   وسبب التعقيد  ان النحاة  اتخذوا النحو وسيلة  للغنى  وطريقاً للمال  ولذا  هولوا  امره  حتى يعجز  الناس  عن فهمه  فيأتونهم  فيسألوهم  فيطيعوهم  فيغتنوا  . ونجد الاستاذ/  على الطنطاوى  ينحاز  الى الادب  عندما  ميز بينه وبين العلم   وقال :  ان الادب  ضرورى  للبشر  ضرورة الهواء  والدليل  على ذلك  ان البشرية  عاشت  قروناً  طويلة  من غير علم  وما العلم الا طفل ولد امس ولايزال يحبو حبواً  ولكن البشرية  لم  لم تعش ساعة  واحدة من غير ادب  .  ولم يكن اديباً  مالم يكن انساناً  ويقول  :  انا  لااعنى الادب بمعناه  الضيق  اى الكلام  المؤلف نثراً  أو نظما  بل اعنى  الادب  بالمعنى الآخر  اريد كل ماكان  وصفاً للجمال  وتعبيراً عنه  فالموسيقى  اديب والمصور أديب  والنحات أديب والشاعر أديب  وينقل المؤلف المناظرة  التى حدثت بين  سيد قطب وعبد الوهاب   خلاف  وهو للأسف  لايذكر تاريخ  المناظرة  على وجه  التحديد ولكنها  فى الغالب  كانت اواخر  الثلاثينيات  من القرن العشرين  ..  وقال انه  التقى سيد قطب  عندما كان  يأتى للاستاذ  احمد حسن  الزيات  فى دار الرسالة  بالقاهرة  ويصف سيد قطب بانه  شاب أسمر اللون  لطيف هادىء  تبدو عليه  سيماء  المسالمة  والموادعة والايناس ..  وكان سيد قطب  فى هذه المقابلة  قد أهدى  للاستاذ على الطنطاوى  كتابه
(التصوير الفنى فى القرآن)  .. وقد أيد الطنطاوى  سيد قطب  فى مناظرته مع عبد الوهاب  خلاف  على عكس  المرات السابقة  وكانت المناظرة  تدور حول   الذهن  والقلب  وهل  يكفى  الذهن  وحده  اى المحاكمة المنطقية  الحاذقة  والايمان . 

ويورد فى رسالته  التى نشرت سنة 1946 من غزل الفقهاء الكثير وكانت النماذج الشعرية  التى  أتى بها  قد جاءت  رداً على قول  شيخ من المشايخ  وصفه بانه متزمت  قال  له :  مالك وللحب وانت شيخ وانت قاض وليس يليق  بالشيوخ والقضاة  ان يتكلموا  فى الحب ،  او يعرضو للغزل  وانما  يليق  ذلك بالشعراء  وقد نزه الله  نبيه  عن الشعر  وترفع العلماء وهم  ورثة  الانبياء  عنه  وصرح الشافعي  ان يزرى بهم ولولا ذلك  لكان  اشعر من لبيد .... قال فضحكت وقلت له :  اما قمت يوماً فى السحر  فاحسست  نسيم الليل  الناعس وسكونه الناطق وجماله الفاتن  فشعرت بعاطفة لاعهد لك  بمثلها ولا طاقة  لك على وصفها .. اما سمعت  مرة فى صفاء الليل  نغمة عذبة  من مغنٍ حاذق  قد خرجت من قلبه فهزت منك وتر القلب ومست  حبة الفؤاد . اما خلوت مرة بنفسك  تفكر فى الماضى فتذكر  افراحه واتراحه واخواناً كانوا  زينة  الحياة  فطواهم الثرى  وعهداً كان ربيع العمر  فتصرم الربيع  فوجدت فراغاً فى نفسك فتلفت  تفتش هذا الماضى الذى ذهب  ولن يعود ؟

 اما  قرأت قصة من قصص الحب أو خبراً من اخبار  البطولة فاحسست بمثل النار  تمشى فى اعصابك وبمثل جناح الطير يخفق فى صدرك ؟ اما رايت فى الحياة مشاهد من البؤس ؟  اما  أبصرت فى الكون  روائع الجمال ؟  فمن هو الذى يصورلك هذه ؟ من الذى يصف لذائذك النفسية  وآلامك  وبؤسك ونعمائك  .. فمن هم اهل القلوب انهم الشعراء ياسيدى وذلك هو الشعر  ويرد على ماأثاره الشيخ  فى الشعر  رداً علمياً ومنطقياً ويأتى  بنماذج  منها قصيدة  كعب بن زهير  فى حضر ة النبى صلى الله عليه وسلم  - وينشر فى عام 1934 مقالة فى التحليل الا دبى حيث يعرف الادب  والنقد  ودور  النقاد فى تقويم  الاثار  التى خلفها  الادباء ويتحدث  عن تاريخ  الادب لكونه المرحلة  التى تلى  مرحلة النقد  والعوامل  التى تعمل  فى تكوين  الاديب  بما فيها  الخطيئات  التى  ارتكبها  بالاضافة  الى الزمان والبيئة  والثقافة  والوراثة  والتكوين النفسى  . ويتحدث عن الوظيفة  والموظفين والموظف وواجباته  ومعادلة الترغيب  والترهيب  فى الوظيفة  وفي  عام 1937م  نشر مقالته بعنوان  الحلقة المفقودة تحدث فيها عن واقع  التناقض والاضطراب  الذى كان يعيشه  الشرق الاسلامى  فى كل مناحى  الحياة  كما تحدث  عن المستقبل  وعقد الآمال على المؤسسات  العلمية  مثل الازهر الشريف والمؤسسات  التى  انشئت  للجمع بين الثقافتين   ككلية الشريعة  فى بيروت ودار العلوم فى بغداد  ... وهذه الطبقة القادمة من ابناء الامة عليها دراسة الاسلام علي أساس العلم الحديث واستخراج رايه في مشاكل العصر وحكمه في الأحداث التي لم يعرفها الفقهاء ولم تحدث في أيامهم .. وكما  ذكرت انفاً فقد حدد الكاتب مصر علي انها هي الحكومة الاسلامية التي يؤمل منها تحقيق هذا المدد العظيم لانها وحدها التي ينص دستورها علي ان دينها الرسمي هو الاسلام وفيها الازهر المعمور وفيها العلماء وفيها اتجاهاً اسلاميا قوياً ظهر في السنين الاخيرة ودعوة قوية لاستبدال القوانيين القديمة (الاسلامية) ونشر في سنة 1947م في مجلة الرسالة من شوارد الشواهد : اكثر من  (64)  بيت من الشعر لشعراء مجهولين وقد دفعه لهذا البحث سؤال سائل له عن بيت  الشعر :

فما كان قيس هلكه واحد                     ولكنه بنيان قوماً تهدم

وهو لعبده بين الطبيب وهو شاعر معروف من قصيدته التي يرسي فيها قيس ابن عاصم . وتحدث عن القضاء في الاسلام  في محاضرة قام بالقائهاعام 1942م وقال ان القضاء عند المسلمين اقوي الفرائض بعد الايمان وهو عبادة من اشرف العبادات لانه اظهر العدل وبالعدل قامت السموات والارض ووصف القضاء في السلام بانه قضاء مستقل وكان القضاة المسلمين احراراً ولاقيود عليهم حتي بالمذاهب وهو قضاء ناجز لاتاجيل فيه  ولاالتواء ولاتسويف ويستفيض الكاتب في ذكر قضاة الاسلام الذين صبروا واحتسبوا وضربوا المثل في الثبات علي كلمة الحق وبطش الامراء مثال الحارث ابن مسكين قاضي مصر واحمد ابن حنبل والعزين عبد السلام القاضي  .

وتناول في كتابه قضية الحجاب وهو هنا لا يتحدث عن حجاب النساء ولكنه تحدث عن حجاب الأمراء وكان حديثه عن هذا الموضوع قد جاء رداً علي سؤال ورد علي مجلة الرسالة عن الحجاب في الاسلام وقال : أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يكن دونه حجاب وكان يكره حتي مظاهر الاحترام المألوفة فيمنع أصحابه أن يقوموا له إذا دخل ويأبي إلاّ أن يجلس حيث ينتهي به المجلس. ولما توفي الرسول صلي الله عليه وسلم سار خلفاؤه علي طريقته فلم يختبئوا وراء الابواب يحتموا بالحجاب. وأول من إتخذ لنفسه مظاهر السلطان وحولها من خلافة إسلامية إلي ملكية قيصرية هو معاوية. وإشتد الحجاب بعد ذلك ولكن بقيت في السليقة العربية فأمر زياد حاجبه منع صاحب الحاجة ورسول البريد وحاجب الطعام وداعي الصلاة فلما ولي الأمر الي عمر بن عبدالعزيز خامس  الخلفاء الراشدين ترك بيت الخلاقة إلي الدار الخضراء وفتح بابه للناس .. فلما آلت الخلافة إلي بني العباس وأخذوا أساليب الحكم الفارسي صار للحجابة قواعد وقوانين وصار الحاجب من أركان الدولة(الامين العام للقصر) وإستفاد من الحجاب جماعة كان لهم أثر ظاهر في سياسة الدولة كالربيع وولده الفضل والمنصور في الأندلس.

الفتح الإسلامي: نشر الاستاذ علي الطنطاوي مقالته حول الفتح الإسلامي في عام 1936م- وقال إن التاريخ الإنساني لم يري حادثاً أعظم وأعجب من الفتح الإسلامي وقد تميز الفتح الاسلامي بالسرعة والسعة وخلال اثني عشر عاماً فقط فتح المسلمون طرابلس الغرب الي آخر بلاد العجم. وحاز مصر وسوريا كلها. ولم تكن ميزة الفتح الاسلامي في السرعة والسعة ولكنه فتح أبدي فلم يعرف عن المسلمين أنهم دخلوا بلاداً وخرجوا منها إلاّ الأندلس وقد بقيت روح العرب المسلمين في الأندلس برغم نصرانيتها وأسابنيتها. وقد تجلت أفعال الفتح الاسلامي علي المسلمين وعلي الإنسانية في العلم والفلسفة وتوطين العمران بطبيعة العربي المسلم.

وكتب في عام 1932م كيف تكون كاتباً وكتب في النقد عدد من المقالات رغم العراقيل التي كانت الصحف تضعها في طريق النقد ويضعها كبار الادباء الذين يفذعون من النقد من أجل ذلك مات النقد في البلاد العربية وجهله الناس ولم يبق من يفرق بينه وبين السب والشتم.. وألزم نفسه بكتابة النقد الذي له ميزان حساس ويعطي القطعة الأدبية الميزان اللازم من التقدير .وكتب عن الأدب العربي في مدارس العراق وعن الادب الاقليمي بحيث يكون لكل قطر من الاقطار " أدآب إقليمي" يصف طبيعة الأقليم الذي نشأ فيه جمال الطبيعة ويصور البيئة التي قطن فيها وعادات أهلها وأخلاقهم ومشاعرهم. وكتب عن الحياة الأدبية في دمشق وقد أحدثت مقالته تحت هذا العنوان والتي قام بنشرها عام 1936م دوياً في العالم العربي كما جاء في هامش كتابه وإستجاب لها الكتاب فكتبت في الرسالة عن الحياة الأدبية.في بغداد وفي تونس وفي الحجاز وفي السودان وفي الأردن وفي لبنان وفي المغرب الأقصي.. وقد عالج الكاتب المشكلات الأدبية في دمشق وقال أن دمشق لم تكن بها مجلات غير مجلة صغيرة إسمها (الطليعة) يصدرها نفر من الشباب المثقفين الذين يحملون الشهادات العالية من أكبر معاهد أوربا وهناك مشكلات النشر التي يشكو منها الأدباء وتحدث عن الترجمة والتأليف في 1945م . وعن أهمية الترجمة ومشكلاتها الفنية والثقافية واللغوية وهناك قضايا أخري كثيرة وقف عندها الكاتب وهي ذات أبعاد إجتماعية وإقتصادية وسياسية مثل الأوقاف والنفقات والتكافل الإجتماعي وجامعة الدول العربية ودورها المستقبلي والمشكلات القطرية والتعليم وغيرها.



© Copyright by sudaneseonline.com