From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
تعال " نفسبك " /عبد المنعم الحسن محمد
By
Apr 18, 2011, 10:30

التاريخ : 18/04/2011

تعال " نفسبك "

[email protected]

المدعو الفيس بوك ، أصبح شيئاً ضروريا ومهما ( يخرم ) له الناس ويتركون من اجله الكثير من الأعمال وملهيات الحياة الأخرى ، فبسببه قلت نسبة المتسكعين في الشوارع بسبب عدم الموضوع ، وكادت أن تندثر بعض وسائل التسلية التقليدية مثل الكوشتينة والضمنة وما في حكمها، الكل في أيامنا هذه يريد أن "يفسبك" رجالا ونساءً شيباً وشباباً ، كل الناس ما شاء الله منورين وأون لاين هذا مع حبيبته " يجكس " وذاك مع صديقته أو زميلته السابقة يجتر معها ذكريات أيام خلت بينهم في جامعة الفرع حيث لا يوجد فيها آنذاك سوى وجهها الصبوح وكتابه " الما ناقش " فيه حاجة ، وآخرون عجائز ينشرون صورهم أيام الشباب ويبثون ذكرياتهم ولوعتهم عساها تخفف عنهم حسرة ومرارة حاضرهم التعيس ، وآخرون من دونهم لهم مآرب أخرى بعضهم سياسيون أو أدباء أو نشطاء في أي من مجالات الحياة الأخرى، وكل يعبر أو" يفسبك "  بما يحلو له " أكتب شئياً " أليست هذه العبارة ثابتة على صدر أي صفحة فيه .

الشباب صغار السن هم الفئة المسيطرة لهم مواضيعهم التي تهمهم وصورهم وحيطانهم الملئية بالهوس بالأغاني الغربية وفيديوهات مغنيي الراب ومهند ونور وغيرهم من نجوم العصر .

لم يعد للناس ونسة في هذا الزمن غير شبكتي وشبكتك ، " النت اشتغل ، " النت قطع " ، الشبكة طشت ، دخلنا النت ، اشتركنا مع الجيران ، اشتريت كونكت ، جارنا عمل باسوورد للشبكة ، رصيدي خلص ، لاب توب بنتي أتسرق ،  هذه أصبحت أكثر الكلمات والعبارات تداولا في هذا الزمن المفسبك .

ولو عقدنا مقارنة سريعة بين الآن وحقبة ليست ببعيدة وعملنا فلاش باك لعشرين سنة للوراء سنجد الناس كانت تتداول العبارات التالية :

ساعي البريد ، وهذا رجل مهم آنذاك ترتجف قلوب وتتدفق مشاعر على وقع حضوره ، فكم من المحبين تعلقت قلوبهم وحرقهم الشوق في انتظار أحرف ندية تأتيهم مع رجل قد يطول غيابه وقد لا يأتي أصلا ، البوستة ما جات ، رسلنا الجواب ، يا ولد تعال اكتب لي جواب ، رجل أمي يأتي من أقصى المدينة يسعى حاملا ورقة يبحث عن من يقرأها له ، ثقافة برقيات التعازي ، التلغراف ، نشرة الوفيات ، الراديو ، الحجار ، الشريط .

لم تكن في زمن قريب مضى هناك وسائل كثيرة وسريعة لنقل الإخبار والمعلومات والأشواق ، فمن شدة شح هذه الوسائل كان الناس يستخدمون بعض الوسائل الحسية " جانا الخبر شايله النسيم والليل يوشوش في الخمائل " ، وكان الشعراء وأهل الحب عندما يغلبهم الشوق ويستبد بهم الشجن يبحثون عن وسائل سريعة فكانت الطيور هي الأسرع ، فاستعانوا بالحمام والقماري والطير المهاجر للوطن زمن الخريف . كانت تزف مشاعر الحب للوطن وللحبيبة مع كل طائر مرتحل عبر البحر قاصد الأهل حملته أشواقي الدفيقة .. ليك يا حبيبي وللوطن .. لترابه .. لشطأنه للدار الوريقة. كان الناس صبورين على الوسائل البطئية ومجبرين عليها مثل القطار الحلا وترك لعمري الآلام والمذلة ، وآسيا بابورك في الآراك . ولا ننسى ذلك الشاعر المحب الولهان الذي تابع رحلة " من الاسكلا وحلا " حتى وصل الجنوب.

 زمان كان المغترب يأتي بعد سنة أو اثنين يجد " نص ناس الحلة انقرضوا "  ويطرشه لم يسمع بهم، وقد يجد أناس أعزاء عليه فارقوا هذه الفانية خلال غيابه فيقضي نصف إجازته في رفع الفواتح حتى تبرد يديه قبل أن تبرد مشاعره من كثرة الصدمات التي يتلقاها واحدة تلو الأخرى بلا رحمة وبدون مقدمات .

كان الناس يرسلون خطابات للسعودية يطلبون من أحدهم إرسال " شيله "  لأخيه الصغير كي يلحق يعرس مع ود عمه في العيد الكبير القادم ، الشيلة تصل بعد ما الراجل يكون عرس وشبع عرس وتحول الشيلة " لعدل " ولادة مولوده الثاني .

ونفس هذا المغترب البعيد الغريب المقطوع يأتي فجأة محملا بالشنط وبصحبته شيله " كاربة " وفي ذهنه قائمة من رفيقات الصبا والطفولة والشباب، فيجد كل الخريطة قد تغيرت ومن تركهن في خاطره ملهمات له أثناء رحلة غربته المريرة تزوجن بأبناء حلال آخرين ، لم يدر بخلده إن يأتي يوماً ويكون هناك شيء اسمه الفيس بوك يتابع من خلاله أخبار أحبته وأعدائه وكل العالم ومن أي مكان في العالم ، ويأتي جيل يدمن هذه الأشياء وكل الأخبار تصير ببلاش ، وينتهي إلى غير رجعة دور الحمام والقمري والدليب وكل الطيور الجميلة . ويُمسح من قاموس الشعر إلى الأبد البيت القائل " قالوا الليلة شفنا الشافها .. ما شفتوها لي يا أخواني" .

مع تحياتي وعميق مودتي

عبد المنعم الحسن محمد



© Copyright by sudaneseonline.com