From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
ساعة زمن الحكومة السودانية في أزمة دارفور : فاوضوا كما تشاءون و نحن نفعل ما نشاء...أو لله يا محسنين!! محجوب حسين
By
Apr 17, 2011, 19:37

ساعة زمن الحكومة السودانية في أزمة دارفور : فاوضوا كما تشاءون و نحن نفعل ما نشاء...أو لله يا محسنين!! محجوب حسين

 

بالنظر إلي جملة تداعيات محلية و داخلية و إقليمية و دولية يبدو أن زمن الساعة السياسية الحكومية لحل قضية دارفور السودانية قد يتأخر و الازمة و طبيعة الصراع فيها قد تتمدد و تضيق و تتسع كما قد تشهد فيها تحولات و نقلات نوعية و كمية ، عمودية و افقية و قد يتغير فيها اللاعبين حكومة و معارضة ، نظام و حركات ، فاعلين و غير فاعلين .... إلخ
و تبقي قضية الشعب ماثلة و طامحة لن تنتهي إلا بتحقيق غاياتها و أهدافها ما دام الحراك الفكري و السياسي و الإجتماعي والخلخلة المفاهيمية تمت و كسرت هواجس و حواجز انا الكبير و أنا الصالح و أنا المالك و أنا الممتلك و أنا الموزع ، أنا الدولة ، أنا وحدي أو نحن وحدنا.
في ظل هذه الساعة الحكومية و التي تعيش خلال هذه الفترة حالة من حالات
الإستجمام و التي منعها من التفكير و الإنتاج الإيجابي من جراء تخمة راحة
الإستجمام ، حيث بتنا نلحظ و بإهتمام بالغ شكل المراوحة القائم في إدارة الأزمة و شكل الصراع و الذي تحولت فيه أدب المفاوضات من تقنية لحل الصراع إلي تقنية لبحث معالجة إفرازات الحرب عوض بحث الإشكالات البنيوية التي تتعلق بنظام الدولة وإعادة بناءه وفق معطيات موضوعية تتناسب و حقائقه الماثلة ، حيث ينسحب الأمر إلي التكييف الإداري و المالي و الإقتصادي و الإجتماعي و الثقافي و الديني و بمعني آخر نقد جوهري لكل بنيات و أسس منظومة الدولة السودانية قبل الإنفصال و بعدها ، قبل ثورة التحرير في دارفور و بعدها أيضا.
الغريب إننا أمام مفارقات عديدة بالنسبة لعموم المشهد السياسي في دولة الشمال السودانية المفترضة ، و هي الدولة الوليدة و قيد الترتيب، ما زالت عناصر و مكونات عقدها السياسي الرضائي بين مكوناته لم تحدد و لم تتبلور ، بل لم تكتمل وفق معطيات المعقول و الممكن، حيث ما زالت زهنية الوصايا و الحماية مستشرية و هي نفس الذهنية التي دفعت إلي تغيير التاريخ السوداني جنوبا ليبقي الأمر كما هو سائد و كائن شمالا ، في ديمومة و إستمرارية دون مساءلات و إستفهامات ، في وقت تبرز عمومية هذه المفارقة بشكل اكثر وضوحا في قضية شعب دارفور و صراعها مع سلطات الحماية و الوصايا القائمة في مركزية التمركز السوداني. ،مع الإشارة إلي أن ترمومتر الصراع السياسي و بالمقارنة ليس الأمر كما كان في السابق ، سنوات2003- 2009، ثمة تراجع كبير لأننا تجاوزنا فيه مفهوم المجهودات بضمير" النحن" إلي الإجتهاد بضمير "الأنا" فطبيعي أن يتم التجاوز من الطرف الآخر ، بل يتعداه إلي سحب لمشروعية المقاومة و أسسها و خطابها و أدبياتها و بنياتها من داخل الفضاء و الذي يتم تحويله إلي تابع و بشروط الدولة الجديدة و لما لا ربما هذه التبعية ذاتها تحمل درجات و فيما بينها قد تحتاج لمغريات او محفزات قصد بلوغها.
المؤكد في هذا الإتجاه إن زمن ساعة الإستحقاقات السياسية و الإقتصادية و
العدلية بالنسبة لشعب دارفور لم تاتي بعد، كما لم تتوفر كل او جل شروطها ، لذا العناوين الحكومية جاهزة و واضحة كما نري ونراقب فيها تريد أن تحول الحقوق و الإستحقاقات و التي لها من الشرعية بمكان إلي هبات، كما تريد تحويل أسس التفاوض إلي قرارات حكومية ضدية، و تتحول معها ثورة التحرير و التغيير و العدل و المساواة المنطلقة من الغرب السوداني كلها إلي خطر و آفة بشرية ، بالضرورة إستئصالها و العودة بها- أعني سلطة التمرد- مجددا إلي بيت الطاعة في سلطة الوصايا و الحماية مع إقامة بيعة خاصة وفق تراتيل الدخول في دينكم أفواجا و الدين هنا ليس المعتقد

.
اللاءات في المجال الحكومي

 

إن زمن الساعة الحكومية وعناوينها التي أمامنا تقول لنا حتي هذه السانحة من التاريخ ، تاريخ الازمة / الصراع او بشكل أدق لشعبنا في دارفور و فاعلياته و أبنيته و مكوناته و حركاته و قواه الحية فضلا عن طابوره الخامس في السلطة المتحالف أو الخانع أو الخاضع، كل حسب مشخصاته الأيدولوجية أو العرقية أو المصلحية ..... إلخ في أن لا مجال للحديث عن وضع إداري / سياسي جديد لشعب دارفور ، و إن حق الإقليم و ما يترتب عليه قد يدفع بتكتل جهوي ثقافي جغرافي إلي حق تقرير المصير ، كما قد يدفع إلي بناء توازن سياسي بينه و المركز الجديد في ظل إنفصال الجنوب و قد يشكل بذلك ضغطا سياسيا في إطار اوراق اللعبة و التوازن السياسيين الجديدين في السودان ، إلي ذلك، لا مجال للحديث أيضا عن تحقيق العدالة الجنائية أكانت وطنية أو دولية أوحتي هجين!! حيث أقرب تكييف قانوني لجرائم دارفور هو بلاغ ضد مجهول و هو الآخرنفسه سقط بالتقادم ، و هو ملف العدالة و الذي أستذكر انني قمت بتقديم أقتراحه إبان مفاوضات الدوحة و قبلت به الحكومة ضمن ملفات التفاوض، و هكذا قد أكملنا ملفين هما الوضع الإداري للإقليم والذي يساوي الإقليم الواحد و الذي يقابله الولايات المتعددة و المستنسخة قبليا ، فيما ملف العدالة فخطوطه كله حمراء و يمكن أن تعصف بطاولة التفاوض إلي غير رجعة!! لذا يتم تجاوزه فقط يجوز الحديث في شكلياته كشأن الإقليم الذي يحسم إستفتاءا وفق نتيجة جاهزة تقول ان ما نسبة اكثر من 60 في المائة ضد الإقليم وفق قانون إنتخاب تضعه مفوضية الإنتخابات التي صاغت الإنتخابات الأخيرة ، فيما اصوات الملايين من النازحين و اللاجئين و المهاجرين من أبناء دارفور تتم معالجة وضعيتهم تقديرا ووفق سلطة تقديرية تجيد التقدير و بشكل حسن و جيد.
إلي ذلك تمتد اللاءات الحكومية الرافضة لبقية الملفات في السلطة و الثروة و الترتيبات الأمنية ، ففي إستحقاق السلطة لا مجال لتمثيل شعب دارفور في دور نائب الرئيس لان المواقع السيادية لاتمنح وفق توازنات جهوية- " فقط يمكن منحه في شكل تعاقد ذا مصلحة متبادلة بين من له القوة و الفاعلية لإفراغ المعسكرات من جيوش النازحين و اللاجئين و منصب نائب الرئيس" ، كما ان مبدأ التمييز الإيحابي في تمثيل شعب دارفور في المواقع السياسية و السيادية و المدنية و القضائية و الإقتصادية بات في حكم الملغي و كل شيء يخضع لآلية الإنتخاب السودانية ، أي الإنتخابات السودانية التي أتت بنواب في البرلمان و كانوا معنا إبان المفاوضات كأعضاء في الوفد الحكومي المفاوض ، كما لا نعرف لهم دائرة و لا نفوذ سياسي او شعبي او فكري أو إقتصادي، لنتفاجأ بهم في قبة البرلمان ممثليين للشعب و حقيقية هذا هو الشعب ، شعب الفراغ.
إلي ذلك ، فيما يخص ملف الثرورة فإن الأمر عبارة عن عناوين عامة " كشأن
الإيرادات و النفقات و الضرائب و الميزانيات.... إلخ" ، حيث جميعها لا تحتاج لإتفاق بإعتبارها موجودة في دستور السودان الإنتقالي و الذي قد يطور إلي دستور دائم و له من القوة الإلزامية أكثر من أي إتفاق ، فيما ملف النازحين و اللاجئين و التعويضات و التي يجب أن تشمل الطرفين عمليا ، أولئك النازحين و اللاجئين و ما يعرف "بالمستوطنيين الجدد" ، لأن السؤال أين سيذهب المستوطن الجديد إن رجع النازح أو اللاجىء إلي موقعه ، إن معادلة تعويض الطرفين أساسية النازح والمستوطن في أي تسوية في ظل إنعدام التسوية و إنعدام التعويض أو بالأحري حرمة التعويض لأن ميزانية الدولة لا تتحمل أي نفقات إضافية، و هنا الدولة جاهزة لتكشف لنا ميزانيتها و نفقات تسيرها حتي العسكرية و الدفاعية و الأمنية منها.
و في ظل سيناريو متابعة هذه اللاءات الحكومية نجدها تختلف بالنسبة لملف
الترتيبات الأمنية ، فبدلا من سياسية اللامجال الحكومية السائدة فيما سبق نجد هنا تعتمد مجالا حكوميا مفتوحا و واسعا و دون شروط لإستيعاب و دمج و تسريح القوات ، أي قوات المقاومة في دارفور و بسرعة و في آجال محددة مع تسليم السلاح و وضعه في مخازن لضمان سيطرة و سيادة ما يعرف بقوة الدولة و تجفيف ثورة المقاومة لحماية المواطنيين من السلب و النهب وفق خطاب الدولة ، علما أن بحث مبدأ المواطنة و الحريات و الحقوق و الديمقراطية و القوانين و شكل الدولة و مؤسساتها ..إلخ فهي تظل كمبادىء عامة موجودة في الدستور و تطبيقها يتم إنتقائيا وفق قرارات السلطة التي تمنح الحق لمواطنيها متي ما ارادت و شعب دارفور جزءا من هذا الشعب و خاضعا له دون أي عقد إجتماعي متفق حوله و عليه مع سلطة الوصايا و الحماية المتمركزة ، فلاداعي مطلقا حتي النقاش حولهلأنها تحصيل حاصل.
إن زمن ساعة الأزمة / الصراع الدارفوري مع منظومة التمركز السوداني تقول لا إنتاج و لا محصلة أسمي أو أعلي من إتفاق أبوجا شكلا و مضمونا و علي علاته هكذا يبدو الأمر في كل منابر التفاوض في أبوجا أو الدوحة أو أروشا السرية أو المعلنة ، كما أن زمن الساعة الحكومية تجاه شعب دارفور تقول فاوضوا و أفعلوا ما تشاءون و نحن- أي هم - نفعل ما نشاء ، أو عليكم إتباع سياسية لله يا محسنين مع البيعة المطلقة للمؤتمر الوطني السوداني ، و لما لا أنتم وهم أيضا سودانيين !! مع الفارق طبعا كما و كيفا.
إن المقاربة بين الساعتين ، أي ساعة زمن الحكومة تجاه أزمة دارفور و ساعة زمن المقاومة السودانية الدارفورية تقول في الأولي أنها ثابتة و واضحة فيما الثانية غير ثابتة و غير واضحة و تحتاج إلي قراءة جديدة و أدوات جماعية اخري و منهج جديد و توافق جديد و فك جملة ألغاز من أهمها لغز "النحن" و ماذا نريد بعد ثمانية سنوات من الصراع ؟ زائدا لغز ما يعرف بالمجتمع المدني/ الأهلي الدارفوري و النشطاء و الفاعلين من ساسة و كتاب و عسكريين ... إلخ من النخبة من أبناء دارفور في السلطة لبناء شراكة في المقاومة وفق ثوابت دارفورية واضحة قصد قولبة الصراع و من ثم تدوير الأزمة و تصديرها للمتحكم بفهم أكثر شمولا و وضوحا، لاننا نعتقد أن عقدة المجتمع المدني و الأهلي فيها تحتاج لمراجعة و إلا فإن الحلقة المفقودة في الصراع تظل تائهة ، ضالة الطريق ، و الخوف أن تفتح معها ثقافة الطريق الثالث و التي هي سالكة لكثيرين كما راينا في سوابق عديدة لا فيها إستسلام ولا إنتصار ولاهو سلام بالطبع بل هو تسليم فردي و شخصي و مع ملحقاته كما تبين إنها أزمة الثورات.
نخلص إلي القول إن نتاج محصلة أزمة الصراع بإسم دارفور و الهامش السوداني ضد ثقافة التمركز السائدة في بنية الدولة السودانية هي ناجحة و رابحة فقط بحاجة ماسة إلي تجديد صناعة إداراتها ، و هو ما دفعني في حديث جانبي قبل أربعة شهور خلت في العاصمة الليبية طرابلس أن أقول للدكتور خليل إبرهيم رئيس حركة العدل و المساواة السودانية أن قضية دارفور و شرعيتها و مكوناتها الفاعلة إن تم اللعب بها في إحدي أكبر صالونات الميسر في بريطانيا ، و في تلك المنطقة الواقعة في تلة ريفية في إنجلترا لربحناها و بأضعاف ما يطمح إليه شعب دارفور ، فضحك و قال لي إنه" لا يجد أي مبرر لعدم إنتصار حقوق شعب دارفور فحسب بل الشعب السوداني كله" مضيفا إنه لا يجد مبررا واحدا يقنعه بإستمرارية النظام ومتي ما وجد فإنه سوف يترك السلاح"!! أكيد أن التوازن العسكري هو الوحيد الذي يضمن تسوية سياسيةعادلة ، حيث بدون توازن عسكري هو فرض سلام حكومي و بشروط حكومية لمن أراد ، وطبيعة هذا السلام ليس من مهامه حقوق الشعب ، فهو خارج القسمة السياسية بلاشك.

رئيس حركة التحرير و العدالة السودانية
نقلا عن القدس اللندنية



© Copyright by sudaneseonline.com