From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
أن تسمع لحسن مكي خير من أن تقرأ له! (1من 2) /محمد وقيع الله
By
Apr 17, 2011, 11:07

أن تسمع لحسن مكي خير من أن تقرأ له!

(1من 2)

محمد وقيع الله

يكون البروفسور حسن مكي في أفضل أحواله عندما يحاور ويداور.

ذلك بشريطة أن يكون الطرف الآخر على خط الحوار مستمعا فطنا ذكيا مثل بعض محرري الصحف السودانية.

وبشريطة ألا يكون لجوجا سطحيا كأكثر محاوري التلفاز السوداني.

وأظنني قرأت كل كتب البروفسور مكي ودرست الكثير من بحوثه العلمية واطلعت على طوائف واسعة من المقالات الصحفية التي ظل يسطرها منذ أوائل سبعينيات القرن المنصرم عندما كان يصدر مجلة (الجامعة) وهو طالب فيها.

واستمعت إلى العلامة مكي في مجالس وأزمان مختلفة استماع التلميذ لشيخه من غير أن أدعي لنفسي ذكاء ومن دون أن أنفي عنها صفة السطحية أو النزعة  اللجاجية.

وقد خرجت من هذه التجربة المعرفية الطويلة بحضرته بحكم لا أدري إن كان يسوؤه أو يرضيه.

وهو أنه يجد نفسه في الكلام ويتضجر من الكتابة ويضج من أعبائها وأهوالها الثقال.

وأنه يستعين على كلامه بإزجاء روح الفكاهة وأحيانا ببث الضحك المجلجل في ثناياه بينما تخلو كتابته من أي مسحة للحبور أو اتجاه للمرح أو مداعبة القراء!

ولست أدري إن كان يشاركني في هذا الحكم (على) البروفسور بعض من قرائه وأحبابه وحوارييه وأنصاره أم يظنون بي الظنون فيحدثون الناس بأني أظلمه وأسلمه وأحسده على ما آتاه الله!

ولكن لا شيئ من هذا الظن (الآثم) بي يثنيني عن التشبث برأي وإقامة الأدلة والبراهين القوية عليه.

أما ضجر الكاتب من الكتابة والأعباء التي تتطلبها من حيث التركيز الذهني في غضون الوقت المتطاول مع القدرة على حشد المعلومات وتنسيقها فيكفي دليلا عليه أن (المذكور أعلاه) لم ينتج كتابا منذ وقت طويل.

وقد سألته حين التقيته قبل أعوام خمسة عن آخر كتاب ألفه فقال: كان ذلك منذ أعوام عشرة!

وعند الفحص تبين لي أن آخر كتاب أصدره الشيخ كان قبل أكثر من عشرة أعوام بكثير.

والعذر عند الشيخ أنا نفتقد أحيانا ونحن نشيخ القدرة على عدِّ الأعوام والسنين.

وإيرادنا للأعوام والسنين لم يأت من قبيل اللغو وإطالة عنان القول بلا معنى جديد.

وإنما لأن الفرق بينهما جوهري عتيد فلفظ السنين يطلق على أوقات الشدة والعناء بينما يطلق لفظ الأعوام على أوقات الراحة والهناء.

واختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي                     اُذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي!

كما قال شوقي رحمه الله.

وأما الأدلة على إحسان الشيخ لفن الحوار الصحفي فهي أكثر من أن تحصى.

وأبرز تلك الأدلة أن الميزات التحليلية لاسيما في سَبْر أغوار المناحي الاستراتيجية الدولية تبرز وتتجلى في هذه الحوارات ويتجلى فيها الشيخ تجلي الأقطاب الملهمين حتى يخرج العلم منه (دخاخين دخاين) كما ذكر ود ضيف الله عن علماء زمانه.

 وحينها يخرج سامعه بغنائم جُلَّى من العلم المتين.

خذ مثلا لذلك هذا الحوار الأخير الذي أجراه معه ابننا المحرر المجيد النابه بـصحيفة (الرائد) الأستاذ رمضان محجوب وكرسه لتحليل قضايا ما بعد انفصال جنوب السودان.

وسأله فيه قائلا:" كيف تقرأ مستقبل العلاقة بين دولتي الشمال والجنوب؟"

فأجاب:" هناك تيار في القيادة الجنوبية تسيطر عليه الإيديولوجية وروح تصفية الحسابات، وهو التيار الذي يسترزق من أن الشمال العربي هو العدو، ويريد أنصار هذا التيار (تحرير الجنوب) للانقضاض على الشمال، لذا فإن بتطويق هؤلاء وكشفهم وتعريتهم ستظل الأمور مناسبة، وستعطي الثمار المطلوبة شمالا وجنوبا، وستزداد العروبة والإسلام بالجنوب.

وحتى الذين يكتمون إيمانهم نتيجة للخوف فسيتلاشى الحاجز النفسي لديهم، وسيقبلون على الشمال باعتباره الأنسب، ولاعتبار أن الأشياء الجنوبية ترحل وتسوق شمالا (النيل والنفط). والمواطنون لكي لا يتجهوا شمالا لابد أن ينسجموا مع إنسان الشمال، بمعرفة ثقافته ولغته وعاداته وموروثاته، فلا ملاذ للجنوبيين غير الشمال، فكل الدول التي تجاور الجنوب لن تحتمل وافدين جدد، فالكنغو تُعاني من اكتظاظ سكاني (70) مليون نسمة، وكذلك يوغندا وكينيا وأثيوبيا، فالفضاء المتاح للجنوب هو الشمال (أرضا وشعبا وتعايشا وتطلعا وانفتاحا).

فهذه الإجابة التحليلية التعليلية الحكيمة المحكمة هي عين الحكمة وقلب الصواب.

وقد قام الشيخ فيها على جانب التحليل السياسي العلمي الموضوعي الرصين.

 ولكن لم يدفع به ذلك إلى لزوم ما لا يلزم من اصطناع الحياد البارد حيال موضوع البحث أو التردد في تشخيص وتحديد أهم العوامل المؤثرة فيه.

وهذا دأب الشيخ في أكثر حواراته فإنا لا نراه فيها (يتظارف) و (يتثاقف) ويدعي الموضوعية المطلقة فينكر نظرية المؤامرة من أصولها كما يعمد إلى ذلك بعض (المتظارفين) و(المتثاقفين) الأدعياء! 

ومع إشارة الشيخ إلى عوامل التآمر التي عينها فإنه أشار وبشر أيضا بإمكان تغلب الدوافع الموضوعية عليها في نهاية المسعى التاريخي.

وربما أعانت البروفسور دراسته المجودة للتاريخ وفلسفته على تغليب هذا الاستنتاج غير المتسرع وغير المتشائم وغير المأسور بالتأثيرات الوقتية الساحقة الضغط كما يفعل داعية التشاؤم المطلق الدكتور الأفندي.

فصحيح أن التيار القوي المتنفذ الذي يمضي الأمور في جنوب السودان في الوقت الحالي يتمثل في من أشار إليهم الدكتور مكي من أصحاب الإيديولوجية الماركسية العرقية المستنصرين بالرأسمالية.

ولكن هذا التيار ستفتر فورته – بنظره – بعد حين.

وستتغلب الدوافع والعوامل الموضوعية في خاتمة المطاف.

وهي الدوافع والعوامل الاقتصادية والثقافية المحلية وعوامل السياسة الخاجية لدول الجوار.

وهذا بينٌ من تقرير واستنتاج البروفسور مكي المتفائل بازدياد أثر العروبة والإسلام في الجنوب السوداني في مقبل العصور.

(نواصل في هذا القول ما اتصل الأجل بعون الله)

 



© Copyright by sudaneseonline.com