From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
دعوة إلى الارتقاء بخطابنا السياسي والإعلامي بقلم د.سليمان خاطر
By
Apr 16, 2011, 12:38

حواشٍ على متون الوطن

 

دعوة إلى الارتقاء بخطابنا السياسي والإعلامي

 

بقلم د.سليمان خاطر.

 

يمر السودان اليوم بمرحلة حرجة من تاريخه بعد انفصال جنوبه عن شماله، وبقاء مشكلاته الأخرى تراوح مكانها، وعلى رأسها الخلافات السرطانية بين مكوناته السياسية والاجتماعية،ومعضلة دارفور الشائكة مع أخواتها في كثير من أرجاء البلاد، فضلا عن مشكلات الحياة العامة الأخرى من وضع أمني مهزوز في معظم أنحائه وغلاء طاحن في أقل مقومات الحياة الكريمة من معيشة وصحة وتعليم، واقتصاد منهار في أسسه، مع قلة حيلتنا وهواننا على العالم حتى إن العدو الصهيوني يسرح في أرضنا باستخباراته وعلى سمائنا بطائراته ويمرح، دون نكير من أحد في العالمين، على جسد سيادتنا الوطنية المنهكة بفعل التدخلات الدولية المتزايدة في السنوات الأخيرة.

لا تتناطح عنزتان فضلا عن أن يختلف شخصان على أن هذا هو وضع السودان اليوم بشكل عام دون إفراط أو تفريط في التشخيص والوصف ودون الدخول في دقيق التفاصيل التي قد يكون أكثرها محل خلاف بين الموغلين في التشاؤم والمفرطين في التفاؤل،وكلا هذين إن زاد قتل !

ومع هذا كله يلحظ المتابع للمشهد السياسي والإعلامي السوداني بكل وسائله المرئية والمسموعة والمقروءة من صحف ومواقع في الشبكة العنكبية وإذاعات وفضائيات رسمية وشبه رسمية، نوعا من الأساليب الغريبة في التحاور والتدافع والأخذ والعطاء ومناقشة الخصم السياسي الشريك في الوطن والمصير. والعالم كله بعد الله  - عز وجل – شاهد على ما نقول ونفعل . فبدلا من استشعار الجميع – خاصة أهل السياسة والقرار والفكر والرأي والثقافة – للمسئولية الجسيمة الملقاة على العاتق والحمل الثقيل الذي قدر لنا تحمله والأمانة العظيمة تجاه الوطن والأهل والأجيال القادمة من أبنائنا وأحفادنا، مما يقتضي التفكير الهادئ الرزين والقول الجامع المتين وسعة الصدر في مجادلة المخالف في الرأي بالتي هي أحسن لا بالتي هي أخشن، بدلا من ذلك نشهد كل يوم وبكل أسف شتائم يندى لها جبين كل عاقل، وسبابا وتراميا بالتهم الجسام التي يسهل إطلاقها  ويصعب إثباتها، مما لم يسبق له مثيل في تاريخ الحياة السياسية والإعلامية السودانية مبلغ علمنا .

ربما كان الأمر يهون ويتحمل ويمكن التغاضي عنه إذا اقتصر على ما يفرغ في صحراء الشبكة العنكبية من نفايات مجهولة المصدر والنوع والجنس، يقذف بها هيان بن بيان أو فلان بن علان من مجاهيل السياسة والفكر المختفين وراء معرفات أجنبية أو أسماء مستعارة هربا من المسئولية،هذا يخف ضرره ؛ إذ ليس فيه إلا تشويه تلك المواقع التي ينشر فيها كثير من رصين الفكر وجميل القول من قادة الفكر والسياسة والثقافة والإعلام في البلد،وهم بحمد لله كثر،لكن أن يكون ذلك من أناس كبار معروفين بأسمائهم وأشخاصهم ومن على منابرهم الحزبية والصحفية وبالصوت والصورة أحيانا،فهذا أمر يستدعي الوقوف عنده طويلا؛ لتنقية فضائنا السياسي والإعلامي والثقافي من هراء الكلام وساقط القول وسوقي الكلمات والعبارات مما لا يليق بأمة متحضرة ولا ببلد عريق في الحضارة والتاريخ .

يعلم الله أني لا أدعو إلى الحوار الميت والطبطبة على الأكتاف والسكوت على الباطل الواضح وعن الفساد الفاضح؛ إذ لا بد من وضوح الأفكار وقوة المواقف وتصحيح الخطأ البين بالمعلومة الصحيحة والرد على المخطئ بالحجة القوية والمنطق السليم،ونحو ذلك مما يدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وهو فرض على كل مسلم حسب طاقته بيده أو بلسانه – والقلم أحد اللسانين – أو بقلبه، وذلك أضعف الإيمان، كما في الحديث. وقد أهلك الله أقواما من الأمم قبلنا بسبب قعودهم عن مقاومة الباطل وهم عليها قادرون، وسكوتهم عن الحق وهم به عالمون، والساكت عن الحق شيطان أخرس،كما لعن الله – واللعن هو الطرد من رحمة الله – الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون . وفي المقابل أنجى الله الذين ينهون عن السوء وأخذ الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون. والنصوص الشرعية وغيرها في هذا المعنى لا تحصى كثرة في الأمر بالجهاد القولي والفعلي ضد الفساد بكل ألوانه وأنواعه وأشكاله، ولا فساد أكبر من ظلم العباد وتخريب البلاد جهرا على رؤوس الأشهاد .

ذلك شيء والشتائم والسباب وتوزيع التهم الكبيرة جزافا شيء آخر؛ فليس كل مسئولي الحكومة وأنصارهم من أعضاء الحزب الحاكم مفسدين في الأرض بالجملة،ولا كل المعارضين وأنصارهم من أعضاء أحزابهم وغيرهم من كل ناصح أو منتقد لسياسات الحكومة وأعمالها ممن لا يتفق معها في كل شيء، مخربين يريدون إفساد البلاد ونسف استقراره والإخلال بأمنه، كما ليس كل منتم إلى حركات التمرد والجماعات المسلحة في دارفور وغيرها من العملاء والمأجورين الموالين لأعضاء الدين والوطن؛ فلنحسن الظن بعض الشيء ببعضنا؛ فنعبر عن آرائنا ومواقفنا وردودنا على المخالفين بالكلمة الطيبة ولو كانت قوية واضحة، والعبارة الجميلة ولو كانت حاسمة قاطعة، وليكن جدالنا بالحسنى في غير ضعف وباللين من غير عنف.

ولا بد لنا – إذا أردنا بناء هذا الوطن العزيز علينا جميعا، على أسس سليمة - أن ننظر إلى الأمور نظرة منصفة متزنة؛ لأن النظر إلى الجزء الفارغ من الإناء دون الجزء الآخر مضر بالتعايش السلمي بين مكونات الوطن؛ فلا بد من العدل والإنصاف في القول والفعل. فإذا لم نكن ممن إذا هم ذكروا الإساءة أكثروا الحسنات،فلا نكن ممن ينظر للآخر من خلال نظارة سوداء؛ فالله أقام السموات والأرض بالعدل .

وعين الرضا عن كل عيب كليلة * ولكن عين السخط تبدي المساويا

ومما يحسن ذكره في هذا المقام ما روي من أن أحد العلماء دخل على الخليفة العباسي هارون الرشيد – رحمه الله - لينصحه، ولكنه أغلظ له القول أكثر من المعقول، فما كان من الخليفة إلا أن قال له : مهلا على رسلك يا هذا ! إن الله قد بعث من هو أتقى منك إلى من هو أفجر مني فلم يوصه بالشدة والعنف ولكن باللين والرفق، أرسل موسى وهارون – عليهما الصلاة والسلام – إلى فرعون وأمرهما أن يقولا له قولا لينا ؛ لعله يتذكر أو يخشى، فبهت الرجل ! كما تقول الرواية.

ولندع للصلح موضعا ونحسن الظن بالآخر الوطني؛ لأن الله – جل جلاله – لم يحصر الحق كله في فرد بعينه أو جماعة أو حزب أو طائفة معينة، ولا الباطل كذلك،بل قسم ذلك كله على الناس جميعا بحكمته كما قسم بين خلقه جميعا الأرزاق والأخلاق والصفات وخصال الخير والشر بما اقتضت حكمته البالغة وأحاط علمه الشامل لكل شيء وقدرته الآتية من وراء كل أحد. فنصف رأيك عند أخيك، واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، ويدرك باللين ما لا يدرك بالعنف، والله يحب الرفق في الأمر كله ويكره الفاحش البذيء كما يحب التواضع والخلق الحسن، ويبغض المتكبر الجلف المتعالي على الناس، والكبر بطر الحق وغمط الناس، وصدق من قال :

ومن هاب الرجال تهيبوه * ومن حقر الرجال فلن يهابا

وليس من هدفي في هذا المقال الدعوة إلى التحجير على الفكر وكبت الرأي،فهذا واحب كل منا، فمن حق كل إنسان أن يفكر بالطريقة التي يراها مجدية ومناسبة ومفيدة للوطن،فالفكر والرأي والاعتقاد شيء والتعبير عنه شيء آخر،فلكل إنسان أن يطلق العنان لفكره وخياله وعقله في النظر إلى أحوال شعبه وأوضاع وطنه وواقع أمته ولكن عليه أن يفكر مليا في الطريقة التي يعبر بها عن نتائج تفكيره المنطقي السليم في نظره.

مثلا لكل معارض أن يعتقد أن هذه الحكومة قامت على انقلاب عسكري ضد حكم مدني ديمقراطي بحكومته المنتخبة من الشعب، وكل ما قام على باطل فهو باطل، وكل ما كان من النظام الحالي بعد ذلك لا يعدو أن يكون مجرد ألاعيب لذر الرماد على العيون، وليس لهذه الحكومة أي إنجاز،فهي نظام دكتاتوري غاشم كله شر في شر جر البلاد إلى كل مصيبة وكارثة وأذاق العباد والبلاد كل عذاب،فهو نظام فاسد يقوده لصوص مفسدون في الأرض وقتلة ومجرمون أثاروا الفتن وأشعلوا الحروب ومزقوا الوطن أشلاء، ويكادون يأتون على ما تبقى من أخضر الوطن ويابسه،والحل الوحيد لجميع مشكلات البلد هو إسقاط هذا النظام ؛ فلا مناص من محاربته بكل وسيلة؛ إذ لا يرجى منه خير أبدا، وإنما نتعامل معه بحكم الأمر الواقع والاضطرار، كما أن قادة المعارضة بكل أشكالها وأنواعها وأصنافها هم الأهل لحكم البلد؛ لما يتمتعون به من رشد وطهارة وحكمة ... إلى أقصى ما يقال ويردد في بعض المواقع الشبكية السودانية والتصريحات الصحفية .

وفي المقابل لكل مسئول في الحكومة أو مناصر لها أن يرى معارضة هذا النظام رجسا من عمل الشيطان، وأن المعارضة بكل قبائلها ما هي إلا مجموعة من العجائز أكل الدهر عليهم وشرب، ليس معهم أحد ولا لهم أي شعبية وسط المواطنين أو مجموعة من الكفرة والفسقة المعادين لشريعة الله المنزلة، فهم يسعون إلى بناء مجتمع فاجر داعر وإقامة دولة علمانية فاسقة فاجرة أو مجموعة من الصعاليك وقطاع الطرق حملوا السلاح سعيا إلى مصالحهم الخاصة، وهم جميعا عملاء لأعداء الوطن من دول الكفر والاستعمار والاستكبار العالمي، وكل ما يقولونه كذب وافتراء وباطل وهراء،وهذه الحكومة معصومة من الخطأ وقادتها بشر من الملائكة الكرام ورئيسها لا يقل عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في شيء؛ فهو محبوب من الجميع ومعه كل الشعب وكل المواطنين جاهزون للدفاع عنه وعن حكومته الرشيدة التي لا مثيل لها في العالم ولا سابق لها ولا لاحق في تاريخ السودان وماضيه وحاضره ومستقبله؛ إذ كل ما قامت به إنجازات باهرة كانت خيرا وبركة على البلد، ولم ترتكب خطأ قط؛ فتبا لمن يعارضها ! وزد على ذلك ما شئت واستطعت من قاموس السب والشتم والتهم والدعاوى والبلاوى التي تنشر أيضا وبكثرة في الإعلام السوداني.

ثم ماذا بعد هذا ؟ هل هذا المنطق يجمع شملنا أو يفرقنا أشتاتا ؟ وهل يداوي جراح الوطن الثخينة أو يعمقها أكثر؟ وهل يؤدي إلى حلول ناجعة لمشاكل الوطن المتكاثرة أو يزيدها ضغثا على إبَّالة ؟ وما الفائدة من هذا النوع من التفكير الذي ربما إذا ظل مستورا في نفوس أصحابه ما ضر بشيء يذكر، ولكن المشكلة كل المشكلة والمصيبة كل المصيبة والكارثة كل الكارثة في التعبير عنه جهارا نهارا وعلى الملأ  وتكراره والإصرار عليه في وسائل الإعلام التي يطلع عليها أهل السودان وغيرهم من كل من يراقب وضعنا ويحكم علينا بأفعالنا وأقوالنا . والله من وراء الجميع شهيد.

يا أهلنا، يا قومنا، يا قادتنا في السياسة والإعلام والثقافة والفكر والرأي، اتقوا الله فينا وفي بلادنا وأجيالنا الحالية والقادمة وتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا؛ فالعنف القولي شر كله يدعو إلى الشر ويقود إليه، ولا فائدة لأحد فيه؛ إذ لا يستفيد منه أحد مع ضرره البالغ علينا جميعا وعلى وطننا وخلقنا وديننا،وقد يولد عنفا فعليا إذا استمر وشاع وانتشر حتى صار طبعا غالبا وأدبا عاما ينتجه ضيق الأفق ويغذيه الفعل ورد الفعل، وكأني بالشاعر الأمير القائد الأموي الأديب/ نصر بن سيار الكناني – يرحمه الله في الخالدين - يطل على مشهد بلادنا اليوم من وراء الأفق وخلف الحجب ويخاطبنا بقوله المأثور :

أرى خلـل الرمـاد ومـيـض نــار* ويوشـك أن يكـون لـهـا ضــرام

فــإن الـنـار بالعـوديـن تُـذكــى * وإن الــحــرب أولــهـــا  كـــــلام

فـإن لــم يُطفـهـا عـقـلاء قــوم * يـكـون وقـودَهـا جـثـث  وهــام

فقلت من التعجب ليت شعـري * أأيـــقـــاظ أمـــيـــة أم  نـــيـــام

فـــإن كـانــوا لحيـنـهـم  نــيــاما * فقـل قومـوا فقـد حـان القيـام

المطلوب عفة اللسان والقول الجميل والعبارة الراقية واللغة التحاورية المتحضرة،ولا يمنع شيء من ذلك نصاعة البيان ووضوح الحجة وقوة الدليل، فبدلا من القول لمحاورك : أنت كاذب أو كذاب أو أفاك مفترٍ، يمكن القول: ما تقوله مخالف للواقع أو غير صحيح أو غير دقيق أو لا صلة له بالحقيقة. ومخالفة الواقع هو الكذب بعينه ولكنك تعبر عنه بطريقة يفهمها السامع  ويقبلها المحاور؛ إذ لا يخفى ما في الوصف بالكذب من بشاعة لفظية ومعنوية، كما يمكن القول : عند أحد من الناس أو جهة ما تصرفات مالية مخالفة للقانون أو أخطاء مالية أو إدارية لا بد من تصحيحها أو نحو ذلك، بدلا من القول بأنه مفسد أو أنها فاسدة فاجرة كافرة ! أو نحو ذلك من العنف الكلامي الذي لا تدعو إليه حاجة ولا يفيد العباد ولا البلاد،وما أحسن قول الشاعر في هذا  الشأن :

في زخرف القول ترويج لباطـله * والحـقُّ قد يـعتـريه بعـض تعبيرِ
تقول: هذا مُـجاجُ النحـلِ تمـدحُـهُ * وإن تعِبْ قلـت: ذا قَيء الزنابيرِ
مدحاً وذمًا وما جاوزت وصفهما * سحر البيان يُري الظلماء كالنورِ

قد ساءني – كما ساء كل محب للسودان – ما صار إليه حال ساحتنا الإعلامية والسياسية من تبادل للتهم الكبيرة بلا دليل وتراشق بأسلحة محرمة شرعا وعرفا وخلقا من الكلام الفاحش والقول البذيء من بعض كبار قادتنا السياسيين والإعلاميين الذين هم محل احترامنا وإن اختلف الرأي أحيانا،ولعلي أكتفي للدلالة على ذلك بمثالين حدثا بآخرة من أناس لم أتوقع منهم ذلك يوما لما عرفوا به من متين الفكر وجميل القول ورزين التعبير طيلة مدة عملهم العام .

المثال الأول ما جرى بين الأخوين الكريمين الصحفيين الكبيرين علما وتجربة وخلقا الدكتور/ زهير السراج والأستاذ/ ضياء الدين بلال، من صراع أفيال على الملأ كاد يضيع فيه كثير من راسخ القيم وطيب الخصال. إن مبدأ الخلاف أمر لا مفر منه في الحياة الدنيا،ولو شاء ربك لجعلهم أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ولذلك خلقهم ... والجدال بالحسنى في أي شأن أمر محمود مطلوب مقبول؛ لإحقاق الحق وإبطال الباطل من كل طرف حسب رأيه. أما أن يصل الأمر إلى ما وصل إليه من اتهام بالكذب ونحوه من سيء الخلق فهذا ما لا يرضاه أحد له صلة بالسودان وأهله فضلا عن قادة إعلامنا وكتابنا الكبار الذين هم قدوة الأجيال الحالية والقادمة في الإعلام ؛ فاتقوا الله أيها الكتاب يا أولي الألباب في جيل الشباب وعامة الناس .

المثال الآخر ما جاء في حوار جريدة ( السوداني) مع العميد/ عبد الرحمن فرح من قدامى رجال الجيش السوداني وكبار رجال حزب الأمة السابقين، وما ثار حوله من غبار كثيف كاد يغطي مساحة واسعة من تاريخنا الحديث بوابل من الشك والريبة والاتهامات المتبادلة بمقالات وبيانات وأخرى مضادة من أطراف متعددة،ملئت تهما كبيرة تحاول نسف كثير من الحقائق المستقرة في نفوس الأجيال بلا دليل ولا حجة :

وكـل يــدعـي وصـلا بلـيلـى * وليلى لا تـقر لـهم بـذاكا

إذا اشتبكت دموع في خدود * تبين من بكى ممن تباكى

لا يستغرب أن يكون في كل جماعة أو حزب أو وسيلة إعلامية بعض سفهاء الأحلام كبراء الأسنان ممن عرفوا بسوء القول وبذيء الكلام والتطرف في المواقف السياسية والتشدد في الرأي والفحش في التصريحات يأتون بالكلمة شوهاء وبالعبارة عوراء وبالحديث أرعن خاليا من كل حكمة .

يهون أمر هؤلاء ويمكن تحملهم إذا علمنا أنهم قلة قليلة يعدون على أصابع اليد الواحدة في البلد كله،ومع ذلك نظل ندعوهم إلى كلمة سواء ونروضهم بالقول والفعل حتى يدخلوا في جملة الحلماء بعد أن يخرجوا من نادي السفهاء إلى زمرة الحكماء.

وحتى إذا كتب الله ببالغ حكمته أن تبقى هذه القلة على حالها فالخطب في ذلك يسير؛إذا يمكن عدهم في الأمراض المزمنة التي يمكن التعايش معها طول العمر،وطالما أنها لا تقتلنا فهي تقوينا،ولا يخلو مجتمع كبير – بله دولة كبيرة مترامية الأطراف شاسعة الأرجاء متنوعة المكونات – من أمثال هؤلاء،قلل الله عديدهم وكفى العباد والبلاد شرورهم وهداهم .

أما أن تتحول هذه القلة إلى ظاهرة عامة تشوه ساحتنا الإعلامية والسياسية فلا وألف لا،ولا بد أن يتحرك الجميع للقضاء على هذا الظاهرة الغريبة على أخلاق أهل السودان؛ ليبقى الملعب السياسي والإعلامي السوداني نظيفا مهيئا لقبول الرأي والآخر في سبيل سعي الجميع إلى بناء المجتمع المعافى والحكم الراشد المبني على الشورى والحرية المسئولة والديمقراطية المنضبطة واحترام الإنسان وحقوقه الأساسية التي أقرتها جميع الأديان والأعراف والحضارات والأمم والشعوب. والله المستعان .

وبناء على ذلك أحببت أن أستهل مقالاتي الأسبوعية بجريدة( الخرطوم ) الغراء بهذه الكلمة الداعية إلى الارتقاء بخطابنا السياسي والإعلامي وحتى الرياضي،في سبيل سعينا الجاد المستمر إلى الارتقاء بشأننا الوطني كله. لعلها تجد آذانا صاغية من الجميع . والله الموفق.

 



© Copyright by sudaneseonline.com