From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
ملامح النظام العربي الجديد/عوض دكاني
By
Apr 16, 2011, 10:12

ملامح النظام العربي الجديد

 

عوض دكاني

 

[email protected]

 

      مياه كثيرة تجري تحت الجسر العربي في الوقت الراهن لتشكل ملامح النظام العربي الجديد الذي بدأ يتبلور من خلال الحراك الاجتماعي و السياسي المتصاعد في المنطقة ، و يذكرنا المشهد الحالي على الساحة العربية بالأحداث العالمية الكبرى التي غيرت وجه التاريخ وأحدثت تحولات نوعية وجذرية في حياة الشعوب ومسيرة الدول ونقلتها من خانة الآحاد إلى  العشرات بعد أن أكملت استحقاقات الحرية و الديمقراطية والتعايش السلمي و أنجزت مرحلة التكتلات الاقتصادية و السياسية و فرغت من برامج النمو و التطور و البناء الاجتماعي .

 

     ما يجري الآن على الساحة العربية يعتبر شيئا مختلفا عن الماضي ، وقريب جدا لتطلعات الجماهير الغفيرة التي بدأت مرحلة التحلل الأكبر من أنظمتها التي عفى عليها الزمن والتي أقعدتها عن اللحاق بركب الحضارة الإنسانية ردها من الزمن ، وسجنتها داخل أسوار قبضتها الحديدية و قوتها الزائفة و التي اتضح في النهاية أنها أوهن من خيط العنكبوت ، و الذي يلوح في الأفق العربي حاليا سيتمخض عنه الكثير من التحولات الكبرى وبالتأكيد لن يلد فأرا كالمرات السابقة لأن أصحاب الهمم العالية و القرارات الصعبة أخذوا زمام المبادرة وبدءوا التحرك نحو المجد ، وأقسم الشباب العربي أنه لن يتراجع قيد أنملة من أجل الوصول للهدف الأكبر و الغاية الأسمى .

 

      وبالضرورة أن تأثير المارد القادم لن يقتصر على المنطقة العربية فقط بل سيمتد إلى علاقاتها المستقبلية مع الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تستقوي بها بعض الحكومات العربية على شعوبها ، والغريب في الأمر أن الدول الغربية فهمت الدرس من أول حصة وغيرت بوصلتها 180 درجة لصالح المد العربي الجارف وتنصلت من أصدقائها من الحكام الذين لا زالوا يكابرون ويتطاولون على شعوبهم ويمتنون عليهم بأنهم كانوا خير قادة وبعثتهم العناية الإلهية لإصلاح حال هذه الأمة ، إلا أن الشعوب "الجاحدة" تنكرت لهم ، وذلك بدلا من أن تمتن عليهم الشعوب بأنها صبرت عليهم طيلة هذه العقود وهم بهذا الضعف و الخواء و العواء  .

 

      إن أهم ملمح في النظام العربي القادم هو تحقيق إرادة الجماهير وتلبية تطلعاتها ، و تجسيد شعار ( الشعب يريد ) وليس النظام على أرض الواقع فعلا لا قولا ، أي أن النظام في خدمة الشعب على غير ما كان في السابق حيث تسخر الشعوب طاقتها وجهدها ومالها وعرقها من أجل عيون النظام وبقائه في السلطة مدى الحياة ، ولو لا ألطاف الله ورحمته بالشعب العربي الذي ذاق مرارات السخرية و الإذلال وهدر الكرامة الإنسانية لاستمر هذا التسخير من أجل بقاء أبناء و أحفاد بعض الحكام العرب الذين يتناسلون في السلطة عبر مهزلة ما يسمى بمشروع التوريث الذي أجهضته أجندة الثورة العربية التي تتقدم كل يوم خطوة وتكتسب أرضية جديدة وتودع إلى غير رجعة أحد قادة الأمة "الملهمين" الأفذاذ الذين هبطوا من السماء لتعمير الأرض و بسطها عدلا ومساواة ، ولولاهم ما تفجرت الأنهار الصناعية ولا تدفقت آبار البترول وتحررت الشعوب من ثالوث الفقر و الجهل و المرض.

 

    أيضا من الملامح المهمة التي تستقبلها الأمة العربية عبر نظامها الجديد تطور البناء السياسي للهياكل الحزبية الحديثة و القديمة ، وتعزيز قيم الديمقراطية و الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان ، وستختفي من قاموس السياسة العربية وإلى الأبد نسبة الـ 90 – 99 % في نتائج الانتخابات العربية التي في العادة تكون مزورة ومصروفا عليها بسخاء من أموال الشعب لكنها لا تعبر في الحقيقة عن رأيه وتوجهاته ، وستجري العملية الانتخابية في وضح النهار ولن تحاك في أضابير الحزب الحاكم الذي يتولى عملية إدارتها وفرزها و الفوز بنتائجها مسبقا ، و لم نر أو نسمع قط في بلداننا العربية التي ترزح تحت وطأة الأنظمة الديكتاتورية سقوط الحزب الحاكم أو مرشحه في انتخابات رئاسية أو برلمانية .

 

      في النظام الجديد سيستمد الحاكم شرعيته من الجماهير مباشرة و دون واسطة أو إملاءات داخلية و خارجية ، ( ولكم في رئيس الوزراء المصري المكلف عصام شرف عبرة يا أولي الألباب ) ، و سيبقى الشعب مصدر السلطات وواضع التشريعات وباني دولة المؤسسات ومراقب الهفوات     ومقوم الانحرافات ، ومفجر المفاجآت .

 

         وستحل الدولة المدنية التي افتقدناها طويلا بدلا عن الأنظمة البوليسية ، و تكون المنعة و الغلبة لمنظمات المجتمع المدني التي سيتعزز دورها في المرحلة القادمة وستقود عمليات التنوير و التوعية بحقوق المواطنة وواجباتها ، و استحقاقات العملية الديمقراطية وآلياتها ووسائلها حتى يعبر الشعب عن رأيه عبر صناديق الاقتراع دون خوف أو وجل ويختار من يعتقد أنه سيمثله بشرف وأمانة ، ويذهب للإدلاء بصوته طائعا مختارا وبحرية تامة بعد أن كان يساق في الماضي إلى مراكز الانتخابات زرافات ووحدانا ، تارة مكرها وأخرى موعودا بهبة أو عطية ، وستتولى المنظمات المدنية التي حوربت كثيرا من الأنظمة التي كانت تتهمها بالعمالة لجهات خارجية وتنفيذ أجندة أجنبية عملية ترسيخ مفاهيم الوطنية الحقة لدى مجتمعاتها والانتماء و الولاء للأرض و التراب وليس للأشخاص و الحكام والأنظمة إلى جانب كشف بؤر الفساد و محاربة المحسوبية ، وستعمل على تنمية الشعور و الإحساس بالقضايا الوطنية والقومية ، وتمرين الشعب العربي على الاستخدام الأفضل لسلاحه الجديد المتمثل في المظاهرات و الاعتصامات التي كانت محرمة عليه في السابق، وبصورة أوسع ستضطلع  منظمات المجتمع المدني بالمهام التي فشلت في أدائها الأحزاب العربية خلال العقود الماضية .

 

     وفي محور آخر سيطال التأثير المؤسسة العسكرية العربية التي ظلت لفترات طويلة أداة طيعة في يد النظام العربي يحركها متى شاء لقمع الشعوب و التنكيل بها ، وستعود الروح الوطنية و القومية للجيوش التي ظلت توجه أسلحتها لصدور شعوبها بدلا من حماية البلاد و الذود عن الحدود ، وستحمي الجيوش الثورات و الانتفاضات الشعبية بعد أن كانت تقمعها ، وستنحاز للجماهير في المنعطفات الخطرة و القضايا المصيرية ، وقد حدث هذا بالفعل عندما انضم عدد من أفراد القوات المسلحة في مصر وتونس و ليبيا إلى المحتجين ورفعوا شعارات الثورة ، وستفتح الكليات العسكرية أبوابها لأبناء الكادحين والعمال و الفلاحين و جميع قطاعات الشعب بعد أن كانت مقصورة على طبقات معينة وفي الغالب الأعم يتم الالتحاق بها وفقا لاعتبارات حزبية وطائفية وقبلية .

 

    في فترة الخوار العربي استطاعت الحكومات تحييد المؤسسة العسكرية عن مهامها القومية واندثرت معاهدات الدفاع المشترك وغيبت قصدا وعمدا عن المهددات التي تحيط بالأمة العربية ، إلا أن المواقف الشجاعة و القرارات الصعبة التي اتخذتها القوات المسلحة في الدول التي انتفضت مؤخرا تشير بما لا يدع مجالا للشك أن كرامتها وعزتها ستعود إليها في ظل النظام العربي الجديد ، وما ينطبق على الجيوش العربية سيطال المؤسسات الشرطية و الأمنية التي برعت في أساليب تعذيب بني جلدتها ، وأنفقت أموالا طائلة للتلصص و التجسس على المناوئين و المعارضين في الداخل في الوقت الذي تصول وتجول فيه المخابرات الصهيونية و الأجنبية داخل حدودها القطرية وتخترق في وضح النهار أمنها الوطني و القومي .

 

       لا شك أن الشعب العربي يعيش هذه الأيام أزهى فتراته منتشيا بعبقرية الشباب العربي ونجاح ثورته في عدد من الساحات التي كانت غاية حلمها تغيير مادة واحدة في الدستور كما في الحالة المصرية، وتؤكد الفرحة العارمة التي انتظمت الشارع العربي نتيجة لسقوط أعتى الديكتاتوريات في المنطقة تطلع الشعوب العربية وشوقها للحرية والديمقراطية و الكرامة واستعدادها لدعم هذا التوجه و المضي قدما في هذا الطريق مهما كلفها من تضحيات .

 

     لقد أشرق صبح العرب بعد ظلام بهيم حالك أطبق على المنطقة حتى ظن البعض أن عتمة الليل ستطول ، وسرى الإحباط في الجسم العربي بصورة لم يعهدها من قبل ، لكنها ما أن عادت الروح للشباب العربي الذي كان يجهل إمكاناته في التغيير وقدرته الفائقة على صنع الأحداث بهذا الشكل ( الدراماتيكي ) حتى قال كلمته مدوية شقت عنان السموات و الأرض وستغير بلا شك وجه التاريخ ، وتضع الأمور في نصابها ، وتعيد للشعب العربي مكانته التي فقدها بين الأمم الأخرى ، ولن يرضى الشباب العربي الذي التف حول ثورته في تونس ومصر ويستعد حاليا لدك حصون أخرى بغير الندية مع شعوب العالم و التطلع لغد أفضل خاصة وأنه يمتلك أدوات التغيير و ناصية الثورة التكنولوجية و مقومات العصر .

 

  إن روح التعاون و التسامح و التجرد التي سادت بين شباب الثورة خلال انجاز عملية التغيير في دولهم لهي أصدق دليل على روح المسؤولية التي يتحلى بها هؤلاء الذين اعتقدت الأنظمة أنها غيبتهم عن وعي دورهم في الحياة الاجتماعية و السياسية ، وزرعت بذور الفتنة بين طوائفهم لإدامة الخلاف وتعميق الفجوة بينهم ، هذه الروح ستسود بلا شك بين قوى التغيير في الوطن العربي الكبير في مرحلة تنفيذ المهام القومية  بعد إنجاز الاستحقاقات القطرية التي هي وسيلة نحو الغاية الكبرى التي يعمل من أجلها الشباب الذين لن تقف طموحاتهم عند الإصلاحات الداخلية ، بل تتعداها لما هو أغلى وأسمى خاصة أنه عبر عنها من خلال شعارات ثورته وتمجيده للزعماء الذين انتصروا لكرامة الأمة ، وإلا فما الذي حمل المتظاهرين على رفع صور عبد الناصر خلال الاحتجاجات في ميادين النصر وساحات الحرية ؟  

 

      

  

 

           



© Copyright by sudaneseonline.com