From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
عندما تصبح المرأة سكيناً ... بقلم/ بدور عبدالمنعم عبداللطيف
By
Apr 12, 2011, 17:58

عندما تصبح  المرأة سكيناً ...

بقلم/ بدور عبدالمنعم عبداللطيف

[email protected]

 

في خبر أوردته صحيفة "دايلي هيرالد" جاء فيه أن القاضي حكم على أمريكي من ولاية "إيلينوي" بالسجن عاماً بعد اعترافه بـ"ضرب" قطة ضرباً مبرحاً وذكرت الصحيفة أن "جاك هندرسون" اتهم بالأساس بتعذيب حيوان اليف واعترف بجريمته مما أدى لتخفيف العقوبة إلى التعامل بقسوة مع "حيوان"، وحكم القاضي "جو فيليبس" في ولاية "إيلينوي" على "هندرسون" بالسجن لمدة عام ووضعه في فترة اختبار لمدة 30 شهراً، كما حُكم عليه أيضاً بالخضوع لعلاج نفسي.

وأمر القاضي كذلك بإكمال 200 ساعة من الخدمات العامة والبقاء على مسافة 15 متراً من أي حيوان خلال فترة الاختبار.

وكانت الشرطة قد اعتقلت "هندرسون" بعد أن اشتكت فتاة بأنه "ضرب قطتها".

ما أن أكملت قراءة الخبر حتى قفز إلى ذاكرتي ذلك المشهد الذي تبارت جميع القنوات الفضائية العالمية في بثه مراراً وتكراراً . ذلك المشهد الذي قام فيه "جلادون" بتنفيذ العقوبة الشرعية على فتاة سودانية اتهمت بارتكاب جريمة الزنا. لقد رأينا كيف أن أولئك الجلادين ،قد "تفوقوا على أنفسهم" في أداء مهمتهم لدرجة أن "المركيز دي ساد" نفسه لو كان حياً لتقوقع على نفسه خجلاً من تواضع قدراته. وبما أنني كنت قد كتبت عن ذلك الحدث في مقال سابق فقد وجدت أن لا بد من استرجاع بعض مما ورد فيه حيث أنني كنت قد سطرته في لحظة انفعال وتفاعل مع الضحية فجاء أقرب إلى المشهد الذي عرضته كاميرات الفيديو...

(( في ذلك النهار القائظ كان هناك جمهور من "الرجال" يعبرون الشارع الإسفلتي ويهرولون في عجلة نحو الساحة التي تقع أمام أحد أقسام الشرطة .. هرول هؤلاء القوم حتى لايفوتهم مشهد كان قد بدأ لتوه.

كانت الضحية المنفذ عليها العقوبة "الشرعية" لا تكاد تستقر على حال .. تزحف من مكان إلى مكان .. والسياط تنهال عليها من كل جانب .. سياط " الجلادين" تنزل على رأسها.. وجهها ..صدرها .. ظهرها .. ساقيها .. وآدميتها .. الضحية تعوي كعواء جرو تكالبت عليه الضباع.))

في ذلك المشهد رأينا "الشريعة الإسلامية" تذبح على قارعة الطريق وفي وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من علماء الدين الأفاضل الذين ارتضوا لأنفسهم الصمت اقتداءً بالقول المأثور (( ........)).

 

المشهد الثاني دارت أحداثه في ليبيا. في اليوم السادس والعشرين من مارس 2011. كانت هناك فتاة تركض نحو فندق [ريكسوس] بالعاصمة الليبية وقد تجمع رعب الدنيا كله .. وقهر الدنيا كله في عينيها الدامعتين.

اقتحمت "إيمان العبيدي" الفندق المكتظ بالصحفيين "الأجانب" تحمل معها جسداً قد أدمته الجراح والكدمات .. تلقفتها أذرع هؤلاء القوم "غير المسلمين" يحمونها من بني جلدتها "المسلمين".

وكانت "إيمان" قد شاركت في "مظاهرة سلمية" بمدينة الزاوية .. وفي طريق عودتها اعتقلت عند نقطة تفتيش في "طرابلس".

وهناك اغتصبت إيمان ..وهناك هلل الشيطان ... وهناك ذبحت القيم الدينية.

وتكتمل بشاعة فصول تلك المسرحية بقيام رجال الأمن "المسلمين" بنزع الضحية نزعاً واقتلاعها اقتلاعاً من بين أذرع حماتها من الصحفيين "غير المسلمين" ليقذفوا بها في السيارة المنطلقة فيما عيون العالم تتابعها عبر شاشات التلفزيون.

وما ان انطلقت السيارة بالضحية وتنفس الجلادون الصعداء .. حتى خرجت الألسن من معاقلها وتوالت التصريحات .. المرأة مختلة عقلياً .. المرأة تعاني من اضطرابات نفسية .. المرأة كانت في حالة سكر بيّن .. إلخ.

ولما كان من غير المعقول الضحك  على "كل" العقول كان لابد من إيجاد مخرج معقول .. هذه المرأة تواجه تهمة القذف لذكرها علناً أسماء الأشخاص الذين "تزعم" أنهم قد اعتدوا عليها [وما أشبه الليلة بالبارحة !!].

تحدثت السيدة عائشة والدة الضحية "العبيدي"  في محطة "سكاي نيوز" البريطانية وذكرت أنها قد تلقت اتصالاً من مجمع القذافي وطلبوا منها إقناع ابنتها "بتغيير إفادتها" بخصوص تعرضها للاغتصاب من قبل 15 من رجال الكتائب الأمنية للقذافي وأنهم سيفرجون عنها على الفور .. وقالت أنهم أبلغوها بأن بإمكانها أن تأخذ "ما تطلبه" هي وأبناؤها [ وما أشبه الليلة بالبارحة !!].

وقالت والدة "إيمان" أمام كاميرا "الجزيرة" أنها مرفوعة الرأس بما فعلته "إيمان" لأن إرادتها لم تنكسر أمام عناصر الأمن.

من جهته نفى والد "إيمان" ما بثته إذاعة "طرابلس" من أن ابنته متخلفة عقلياً مؤكداً أن ابنته في كامل قواها العقلية ولا تعاني من أي تخلف أو مرض نفسي .. وأظهر الوالد أمام كاميرا "الجزيرة" صورة ابنته أثناء حفل تخرجها من شعبة الحقوق مضيفاً أن "إيمان" تعمل محامية وتتابع دراسات عليا في القانون !!!

المشهد الثالث الذي دارت أحداثه في مملكة المغرب جسدته رواية "السجينة" الشهيرة التي ترجمت إلى عدة لغات بالإضافة إلى العديد من اللقاءات التلفزيونية التي أجريت مع كاتبتها وأسرتها. هذه الرواية "الحقيقية" التي خرجت من رحم القبح، وتربت في أحضان السادية تكشف إلى أي مدى يمكن لحاكم يدعي الإسلام أن يصبح رهيناً لحقد لا تخمد جذوته مع الأيام فيذبح أناساً أبرياء كل يوم قرباناً لانتقام مريض.

كاتبة الرواية هي "مليكة أوفقير" المولودة في عام 1953 والإبنة الكبرى للجنرال "أوفقير" الذي شغل منصب وزير الدفاع ووزير الداخلية في عهدي الملك محمد الخامس وابنه الملك "الحسن الثاني"

عندما بلغت كاتبة الرواية "مليكة أوفقير" سن الخامسة اختارها الملك "محمد الخامس" لتعيش مع طفلته "أمينة" – المقاربة لها في العمر-  في قصر الرباط الملكي الذي كانت "مليكة" تعامل فيه كأخت للأميرة "أمينة" وليس كوصيفة، حيث أن "مليكة" تنتمي لطبقة رفيعة بحكم مركز والدها الجنرال "أوفقير".تربت "مليكة" في كنف الملك "محمد الخامس" وكانت تنعم بعطفه وأبوته مثلها مثل ابنته "أمينة" . بعد وفاة الملك محمد الخامس في عام 1961 تولى رعايتها ابنه الملك الحسن الثاني مع أخته الأميرة "أمينة".

عندما بلغت "مليكة" الخامسة عشرة فضلت العودة للعيش مع أسرتها. على أن ذلك لم ينسها حياتها السابقة، ولم ينسها والدها بالتبني الملك محمد الخامس الذي كانت تحمل له وداً وحباً كبيرين لا يقلان عن حبها لوالدها الحقيقي.

في 16 أغسطس من عام 1972 قام الجنرال أوفقير بمحاولة اغتيال الملك الحسن الثاني في حركة انقلابية لم يكتب لها النجاح .. أعدم "أوفقير" في الحال بخمس رصاصات اخترقن جسده.

ومنذ تلك اللحظة بدأت فصول أبشع جريمة انتقام في التاريخ المعاصر يمكن أن يرتكبها حاكم مسلم في حق أم وأطفالها الستة [أكبرهم مليكة في الثامنة عشرة من العمر وأصغرهم الطفل عبداللطيف الذي لم يكمل عامه الثالث] كل جريرتهم أن رب الأسرة قام بمحاولة انقلابية فاشلة نال على إثرها جزاءه.

أمضت الأم وأطفالها الستة عشرين عاماً في معسكرات الاحتجاز والسجون والأقبية إلى أن استطاعوا الفرار بما هو أشبه بالمعجزة عن طريق نفق ظلوا يحفرونه بطريقة بدائية وبصبر دؤوب تحت جنح الليل بعد نوم الحراس.  ومن هناك تخبطت بهم الدروب من الدار البيضاء إلى الرباط فطنجة ثم -بمساعدة البعض - إلى "باريس" التي وجدوا فيها الأمان والاستقرار.

وهنا أنقل جزءاً يسيراُ مما جاء على لسان هذه الأم ليقيني أن صاحبة التجربة هي الأقدر على تصوير معاناتها ..

" عشنا طيلة تلك السنوات في السجون .. دفنا أحياء .. تمنينا الموت .. حاولت الانتحار مراراً ... سلبت منا حياتنا .. إنسلخت إنسانيتنا .. بتـنا أشباحاً تتحرك فلا نشعر بوقت ولا زمان .. لا ليل ولا نهار .. عانينا من الصمت والظلام . تخيل أن تأكل بيضة استحال لون قشرها إلى الأخضر . فكيف بلبّها . أن تتلوى من الجوع وترتجف من البرد والخوف ..أن تعيش في ظلمة بين الفئران والحشرات والعقارب .. أن تنهشك الأمراض والأسقام .. أن تكون معك طفلة مصابة بالصرع فلا تجد لها الدواء .. أن يخرج طفلك إلى الدنيا شاباً مذعوراً يخاف من أعين الهرة والسيارات والبشر  و ..."

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

 

 

 

 



© Copyright by sudaneseonline.com