From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
عن الدكتور كمال عبد الوهاب آس وأسى المريخ والكرة السودانية/د هشام مصطفى عوض الكريم
By
Apr 12, 2011, 17:57

عن الدكتور كمال عبد الوهاب آس وأسى المريخ والكرة السودانية

 

في النصف الثاني من عقد الستينات في القرن المنصرم مرت على المريخ أيام سوداء عقمت فيها أم النجمة فلم تنجب مهاجم واحد من طراز المهاجمين الذين هزموا الهلال وأمعنوا في هزيمته في النصف الأول من ذات العقد ثم أفل نجمهم, فتوالت علينا الهزائم من الهلال والموردة وغيرهم كان بعضها قبيحا جدا (5\2 أمام الهلال و5\2 من الموردة) ورغم تفوق خط وسط المريخ فقد كان دفاعه ضعيفا وكان يلعب بلا قلب هجوم (كان هداف المريخ أمام الهلال في تلك السنين جناحه جاد الله). ثم تبدل كل شيء عام 1969 عندما سجل المريخ مهاجم أبوعنجة الفذ كمال عبد الوهاب والذي كان وقتها في الثامنة عشرة من عمره ولكنه قدم إلى المريخ تسبقه شهرة مدوية فحينها كان قد تم اختياره في الفريق القومي رغم أنه كان يلعب في فريق بالدرجة الثالثة وذلك لمهارته الفذة وموهبته النادرة. وهكذا فكما سجل الهلال جكسا عام 1963 ليقلب كل موازين هلال مريخ أعاد تسجيل كمال عبد الوهاب الأمور إلى طبيعتها حيث النجمة هي الأعلى في السماء وعلى الأرض وبدأ عصر حصد فيه المريخ البطولات كما لم يفعل فريق سوداني قبل ولا بعد وتبقى سجلات تأريخ كرة القدم السودانية شاهدا على تفوق مريخ كمال عبد الوهاب وانجازاته المحلية التي لا مثيل لها محليا ولا عالميا.

وعند أول مباراة هلال مريخ شاهدته فيها ومن أول كرة استلمها كمال انطلق ناحية أمين زكي عملاق الهلال وقائده وصخرة دفاع الفريق القومي وما هي إلا تبديله باليمين ثم اليسار ثم اليمين إلا وكان العملاق صريعا على ظهره وقدماه مرفوعتين تجاه السماء والفتى الموهوب منطلق تجاه المرمى الهلالية وسط صيحات المريخاب وحسرة الهلالاب على بطلهم المجندل وإلى الآن لا ندري لما فعل كمال ما فعل بكابتن الهلال هل كان يريد الانتقام لماجد وسائر مهاجمي المريخ الذين وقف أماهم أمين زكي سدا منيعا لا يخترق؟ أم أنه كان يريد أن يبعث لمدافعي ذلك الزمان برسالة أن لكرة القدم السودانية سيد جديد؟ أم أنه كان يريد الشهرة؟ فقط وحده كمال كان يعرف سبب فعلته. وما حدث لأمين زكي حدث لغيره وغيره وغيره من مدافعي الهلال وسائر فرق الدوري السوداني الذين كان عليهم صناعة المستحيل وإيقاف كمال عبد الوهاب.كانت موهبة كمال عبد الوهاب في المراوغة فذة تنزوي حياء أمامها موهبة أشهر مراوغي عصره ممن سبقوه أمثال جكسا  وحسن عطية ومن تبعوه أمثال قلة وحمد وأما قراءته للملعب وتمريراته القاتلة فقد بقيت بلا مثيل في الكرة السودانية حتى عصرنا هذا وتواجد هذان الميزتان في لاعب واحد جعلتا من كمال لاعبا خطيرا كما لم يشاهد مدافعي زمانه من قبله وكما لم تعرف الكرة السودانية من بعده. فلم تمضي سنتان من تسجيله بالمريخ حتى احتل كمال مكان جكسا كمهاجم أساسي للفريق القومي وحتى بدأ المريخ بتسجيل تأريخ غير مسبوق في كرة القدم المحلية والعالمية فانتصر المريخ في 43 مباراة دورية في موسمين فاز خلالهم ببطولة الدوري دون هزيمة أو تعادل مرة وبتعادل وحيد في آخر مباراة في الدوري في مرة ثانية وحصد المريخ البطولات المحلية كما لم يفعل في تأريخه الطويل.

ولم يكن غريم المريخ الأول ونده التاريخي الهلال ضعيفا في تلك الأيام فقد عاصر كمال عبد الوهاب أيام مجده (من سنة 1970 وحتى الرياضة الجماهيرية) في الهلال مهاجمين هم الأميز في تأريخه الطويل كجكسا والدحيش وعلي قاقارين وكسلا ومصطفى النقر والفاتح النقر وأبو العز وعوض الحاج وفتاح ومزمل والضو وشيخ إدريس وكتم وكان مدافعيه هم الأعظم في تأريخ الكرة السودانية كأمين زكي وخضر الكوري وفوزي المرضي وعوض كوكا والضب وعبدا لله موسى وشوقي وزروق كما حرس مرماه العملاقين زغبير والريح جادين وتميز خط وسطه بوجود لاعبين ممتازين كعروة والريشة وعثمان الجلال وعبده مصطفى وشواطين وقلة وسواهم, ولكن رغم هؤلاء جميعا كان المريخ هو الأقوى في تلك الآونة فكل هؤلاء ما كانوا ليستطيعون شيئا أمام المريخ ولتبيين رأيي أعرض على القراء ممن لم يحضروا تلك الحقبة أربعة مشاهد علها تصور للقارئ أحداث تلك الحقبة:

المشهد الأول: نجمة بلا فارس
في مباراة قمة في سبعينات القرن المنصرم كان الهلال وخاصة هجومه يذخر بنجوم يكفون لإلقاء الرعب في قلوب أعتا مدافعين تلك الحقبة وأما النجمة فقد كان لها فارسها الذي لا يبارى وبدأت المباراة بهجوم أحمر ضاغط والكرة لا تصل إلا مهاجمي الهلال إلا لماما وفجأة ومن خطأ لدفاع المريخ أحرز الهلال هدفا أظنه كان تعادليا فثار كمال عبد الوهاب وطفق يصرخ في زملائه مدافعي المريخ ثم غادر الميدان رغم توسل زملائه من اللاعبين وطاقم التدريب والإداريين المتواجدين في الميدان ليتم استبداله وكاد يقضى علينا نحن المشاهدين من عشاق النجمة جزعا ونجمتنا من دون حاميها وفارسها ولكني أظن أن أكثر الناس جزعا في ذلك اليوم كان عبد العزيز حارس المريخ العملاق فأمامه كان هجوم مكون من الدحيش وقاقارين وكسلا والنقر وخلفهم جكسا وأظنه أقوى خط هجوم لأي ناد سوداني في تأريخ كرة القدم السودانية وأما دفاع المريخ فحدث ولا حرج: كاوندا الثقيل الحركة والذي فشل تماما في إيقاف جناح الهلال الأيسر كسلا وصلاح عباس والذي أعتقد أن علاقته بكرة القدم يمكن اختصارها في كونه الشقيق الأصغر لنجم نجوم دفاع المريخ في الستينات العمدة عبد الله عباس وسليمان والذي كان أكفأ من في هذه المجموعة لسرعته وقوته ومقدرته في القفز عاليا وحسن تمركزه ولكنه كان يخلو تماما من المهارات الأساسية لكرة القدم وأما مهمة إيقاف نفاثة الهلال وجناحه الأيمن النقر فقد كانت من نصيب خورشيد مدافع المريخ الأيسر والذي اشتهر بلقب الأهلة له بخور النقر لفشله الزر يع في إيقاف الفاتح النقر. نظر عبد العزيز إلى هجوم الهلال الكاسح ودفاعه المهلهل وأحسب أنه كاد أن يقضي إشفاقا فمن أول كرة تطول على مهاجمي الهلال ألقى الحارس العملاق بنفسه أرضا وأبى القيام وحمل إلى خارج الملعب مصابا فازددنا وجلا على وجل وخوفا على خوف وخاصة وأن احتياطه كان حارسا جديدا غير مجرب في مباريات القمة اسمه الطيب سند. وفعلا انساب هجوم الهلال عبر دفاع المريخ كانسياب الماء في الغربال نحو الطيب وتوالت الهجمات وتتابعت القذائف وبرع الحارس الشاب أيما براعة في صدها ولكن تكاثرت عليه الصواريخ وولجت شباكه ثلاثة أهداف لتسقط النجمة صريعة بأربعة أهداف (مقابل هدفين) وخرجت الصحافة المريخية ثاني يوم وهي تضج بالهجوم على الحارس الشاب وتحمله مسؤولية الهزيمة وأما الفارس الذي توانى وغاب فلم يجرؤ أحد على الحديث عنه فكمال فوق كل نقد.


المشهد الثاني: الفتى الموهوب والفيلسوف
قبل موسم عام 1975 قام الهلال بمجموعة من التسجيلات زادته منعة على منعة وقوة على قوة فقد سجل الهلال قبلها الريشة ثم قلة وعوض الحاج وأبو العز والذي حل مشكلة الجناح الأيسر للهلال بعد غياب كسلا وأما أبعد تسجيلاته أثرا فقد كانت تسجيل الفتى الموهوب مصطفى النقر هداف الهاشماب وقد كان الفتى يتميز بحس تهديفي عال ومهارات متفردة ومقدرة على المراوغة والتمركز ملحوظة و ضربات رأسية تضعه في مرتبة عمالقة ضربات الرأس كالدحيش وبرعي. ولم يكد الدوري يبدأ حتى انطلق الهلال كما لم ينطلق في موسم أخر وتوالت انتصاراته دون هزيمة أو تعادل أو حتى أن تلج مرمى حارسه وحارس الفريق القومي زغبير هدفا واحدا كيف ذاك وأمامه في قلب دفاعه اثنين من أميز المدافعين السودانيين, قلبا دفاع الفريق القومي فوزي وكوري وأمامهما أعظم لاعب ارتكاز مر على الهلال (الريشة) وجعل الهلالاب يتشدقون بأنهم سيفوزون ببطولة الدوري دون هزيمة أو تعادل أو حتى دون أي يلج شباكهم هدف واحد وحده عبد الجليل استطاع أن يحرز فيهم هدف واحد عند سقوط فريقه ود نوباوي بخمسة أهداف أمام الهلال. أما الفتى الموهوب فسرعان ما تأقلم على هجوم الهلال والأضواء وتوالت أهدافه في شباك الفرق ذات الدفاعات القوية واحدة تلو الأخرى وكانت أعظمها انتصارهم الضخم على الموردة 4\0 كأبشع هزيمة تعرض لها الفريق العملاق في فترة السبعينات وأظن أن الفتى الموهوب كان يقضي أجمل أيام عمره فتعلم من قاقارين أن يقفز عاليا ويضرب الهواء بقبضة يده عقب كل هدف وكنا نراه مبتسما في الميدان ضاحكا عقب كل مباراة ولسان حاله يقول ما أسهل الدوري ومبارياته وما أمتعها. أما المريخ فقد بدأ الدوري مترنحا وتوالت تعادلاته و انتصاراته بأهداف يتيمة بعد جهد جهيد وأحسب أن كل مراقبي العصر قد أيقنوا أن المريخ كان في طريقه نحو هزيمة تاريخية أمام نده. وأما عشاق النجمة ومحبيها فقد كانوا على ثقة تامة بأن الربيع الهلالي في طريقه للانقضاء والقطر الهلالي في طريقه للتوقف فقبل مباراة هلال مريخ بثلاثة أسابيع عاد كمال المتغيب إلى التمارين وكلنا كان يعلم أن لكل داء دواء ودواء الهلال اسمه كمال فكانت المباراة درسا لمن تطاول وتذكرة لمن نسي وعبرة لمن لا يعتبر وتوالت الأهداف في مرمى الهلال كمال يراوغ ويلعب التمريرة القاتلة وسانتو يهدف مرة واثنتان وأما الثالثة فهدف باك وارد من كرة على الطائر بقدم العملاق كمال. و أما فتانا الموهوب مصطفى فكان يعدو في كل ناحية يبحث عن الكرة والكرة لا تذهب إلا إلى سيدها كمال فكأنها ما خلقت إلا له ولم يخلق إلا لها وخلا الميدان من كل صوت غير مشجعي الأحمر يهتفون "كمال لعاب يا هلالاب" وما كاد الحكم يطلق صافرته آذنا بانتهاء المباراة حتى انهار فتانا على الأرض باكيا منتحبا من مرارة الهزيمة وزملاؤه حوله يؤاسونه.

في ذات تلك السنة عاد إلى جامعة الخرطوم بعد أن نال درجة الدكتوراه في الفلسفة شاب نشيط اسمه كمال شداد وأنشأ الرجل منتدى بكلية الآداب اسماه بمنتدى الفلاسفة كان مفتوحا لكل طلاب الجامعة وسواهم من محبي النقاش والسفسطة, كان يناقش فيه العديد من قضايا الفلسفة والفن كما وتناهى إلى سمعي أن الرجل من عشاق الرياضة ولما سألت صديقي تحتمس والذي حضر بعض من جلسات المنتدى عن الرجل وتحليله الرياضي اختصر الأمور ببساطة لي في أربع كلمات "ده هلالابي مجنون ساكت". أما وبعد الهزيمة أعلاه فقد صممت أن أحضر المنتدى لعلي أخرج منه بفهم جديد لظاهرة العصر كمال عبد الوهاب وفعلا وبعد أن تحاشى فيلسوفنا كل الأسئلة عن هلال مريخ وبضغط وإلحاح شديدين من الحضور أطرق دكتورنا الفيلسوف حينا ثم قال "انتو عارفين كمال ده خطورته ما في مراوغته" ثم؟؟؟ ......أكمل فيلسوفنا: "كمال ده خطورته في باصاته" .......... وهكذا اكتشف دالتون الذرة..... واستنبط نابغتنا ما كان مخبئا على كل متابعي الرياضة في عصره

المشهد الثالث: أبطال أفريقيا
في عام 1975 وصل المريخ إلى ربع نهائي كأس أفريقيا وكان خصمه هو بطل أفريقيا المدافع عن لقبه فريق غزل المحلة المصري. لعب الفريقان مباراة الذهاب في مصر ليخسر المريخ 2\1 وعاد المريخ ليلعب مباراة الإياب في عرينه بأمدرمان يكفيه الانتصار بهدف دون مقابل للتأهل لنصف النهائي للبطولة وكنا كلنا ثقة بنصر مؤزر للمريخ فقد كانت هذه المرة الثانية على التوالي التي يواجه غزل المحلة فريقا أمدرمانيا وكلنا كان يذكر كيف انهار المحلة برباعية في العام قبلها أمام هجوم كان وسطه المهاجم شواطين وأجنحته قاسم والفاتح النقر وثلاثتهم أحرزوا أهدافا في المحلة وهؤلاء الثلاثة عندي خاليين تماما من القدرة على التهديف فكيف والمحلة تواجه هجوما يناصره بشارة من خط الوسط واجنحته الجيلي وحموري الصغير وقلباه كمال وسانتو, نعم كان الجميع موقنين بانتصار عظيم يزيل بعض الحنق الناجم عن إخفاقات الفرق السودانية أمام الفرق المصرية في تلك البطولة.
وأقبل يوم المباراة واحتشد عشرات الآلاف من مشجعي المريخ وأقبل زمن المواجهة ونحن في انتظار الفريقين بالاستاد وقبل المباراة بدقائق قليلة قدم إلينا الخال صلاح الدين البدوي متأخرا وأعتذر بأنه كان يقضي بعد شؤونه بالموردة ثم أخبرنا بأنه كان مارا بشارع منزل كمال عبد الوهاب وسمع نواحا وعويلا وكأن في تلك الناحية وفاة. وقال بصوت ينضح هلالية "أكان في بكا في شارعهم زولكم ما حيجي" وفعلا نزل الفريقان الملعب والنجمة ناقصة كمالها إذ لعب مكانه سانتو الخرطوم وانتهت المباراة 0\0 وأقصي المريخ من المنافسة.
إذا كنتم تريدون إجابة للسؤال "إذا كان المريخ وكمال كما ذكرت فلماذا لم يفز ببطولة أفريقيا " كانت الإجابة اسألوا كمال عبد الوهاب, ولم خسر الدوري مرة أو مرتين في تلك الآونة؟ فالإجابة اسألوا كمال عبد الوهاب ولم فاز عليه الهلال في مباريات كأسي الذهب أجبتكم ذات الإجابة.
فكم من مباراة خرج منها كمال ولم يكملها (كمال لم يكن يخرج ككل اللاعبين بأن يشير لمدربه طالبا التبديل بل كان فقط يخرج من المباراة ومن الاستاد كما يشاء) وكم من مباراة طرد منها وكم مباراة لم يحضرها وتغيب عنها وكم مباراة لعبها دون تمرين ودون اهتمام ودون تركيز.

المشهد الأخير: ترح الوداع
بعد الرياضة الجماهيرية عاد كمال إلى الميادين وقد زاد وزنه زيادة ملحوظة (والحق يقال فقد بدأت زيادة وزن كمال منذ عام 1972 واستمرت في متوالية مطردة حتى اعتزاله) وثقلت فدمه وقلت حركة وإن كان قد احتفظ بمهاراته الشاذة وحدة مزاجه. وفي دوري الدورة الواحدة (أول دوري بعد الجماهيرية) التقى المريخ والموردة, والموردة وقتها في عنفوانها أيام الصياد وشرحبيل وبريش ومنقستو وعوض دوكة والمريخ يذخر بمجموعة متفردة من النجوم الشباب الذين نجح في تسجيلهم قبل وبعد الجماهيرية يقودهم نجمه القديم كمال عبد الوهاب ولم تمضي دقائق من المباراة حتى نال كمال كرتا أصفر فغضب وانطلق خلف الحكم محاجا إياه وتدخل لاعبي المريخ الشباب بين كمال والحكم وهم يترجونه أن يتقبل الكرت الأصفر ويستمر في اللعب وإذا بهم في نفس الموقف الذي اعتاد عليه زملاء كمال القدامى قبل الجماهيرية وكمال لا يسمع لهم بل ويضرب أحدهم على وجهه بقبضة يديه وينطلق خلف الحكم لينال كرتا أحمر ويغادر الميدان. بعده تقدمت الموردة بهدف سريع قبل أن يحكم شباب المريخ سيطرتهم على المباراة رغم نقص عددهم ويقدمون عرضا ولا أروع وخاصة عبده الشيخ وأسامة الطيب والذي أضاع هدفا أكيدا من كرة خطفها من وسط دفاع الموردة لينفرد بحارسهم ويلعب الكرة إلى خارج الملعب. وتنتهي المباراة بفوز الموردة ويخرج مشجعي المريخ من الاستاد واجمين وقد خيم عليهم الصمت وكلنا حسرة نتسأل لماذا يا كمال؟ وماذا كان سيكون لو لم يكن لكمال حدة طبعه أو كان يحب كرة القدم وأعطاها من البذل بقدر ما منحته من موهبة؟.

وكانت تلك أخر مرة أشاهد فيها كمال بعدها نادى منادي البين ولما كنت مقترا فقد رمت بي النوى إلى أطراف الأرض دانيها وقاصيها فتركت السودان وتغربت ثلاثين عاما أو ينيف, وما زالت ذكرى تلك الأيام تورث النفس حسرة والقلب غصة, تهيج العواطف وتبعث شجا عشق النجمة الأزلي.

والآن وقد بلغت من العمر عتيا وقد قنعت من الغنيمة بالإياب, ما بقي لي سوى أن أحزم حقائبي وأهجر هذا المنفى الاختياري وأعود إلى أرض الوطن, ألقي رحلي بحوش الشيخ ود البدوي, أهجر هذه الحياة بآلامها وأمالها, أنام ملء أجفاني هانئا لا تهمني صغار وعظائم الأمور.... لا أعبأ الدنيا تدور بأهلها أو لا تدور. ثم في ظهر كل خميس أتلحف عمامتي واتكأ على عصاتي وأمشي في ذات الدرب الذي كنت أسلك أنا وأخوالي وأنا في ميعة الصبا واقطع الهاشماب سيرا إلى دار الرياضة أمدرمان لأشاهد مباريات السنتر ليق عل زماني يبسم لي فأرى نصر الدينا آنيا أو عز الدينا ٌ ثانيا أو كمالا تاليا أمتع بمشاهدتهم نفسي فيما بقي من عمري. فإذا غربت شمس يومي قفلت إلى الحوش وجلست في عتبة صوانه وجمعت أبنائي وأحفادي من شباب الحوش من حولي لأحدثهم عن زمن كانت فيه كرة القدم السودانية فنا وسحرا.... كان المريخ نجما وكان الهلال بدرا. أيام العمالقة جكسا وقاقارين والدحيش والطاهر حسيب وبشرى وهبة وشرف وجيمس وسواهم. أخبرهم بأنني كنت هناك أيام أسطورة الأجيال .... هازم الأبطال..... محطم الآمال, غلاب الرجال وقاهر الهلال, نعم قد كنت هناك أيام الدكتور كمال عبد الوهاب آس وأسى المريخ والكرة السودانية

د هشام مصطفى عوض الكريم
دالاس تكساس



© Copyright by sudaneseonline.com