From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
أوجز المقال في التعقيب على مقاليْ الأستاذ كمال (1/2)/د. عارف عوض الركابي
By
Apr 12, 2011, 08:06

 

نشر بصحيفة الانتباهة يوم الثلاثاء 8جمادى الأولى 1431هـ الموافق 12أبريل 2011م

 

 

أوجز المقال في التعقيب على مقاليْ الأستاذ كمال (1/2)

د. عارف عوض الركابي  

 

لم أنشر تعقيبي على مقال الأخ كمال أحمد الثالث الذي نشر يوم الاثنين الماضي الموافق 4أبريل 2011م  وذلك لأني قرأت في مقاله المذكور أنه سيكتب مقالاً رابعاً يختم به هذه الحلقات وموضوعه في "أهل الحل والعقد" فرأيت أن يكون تعقيبي بعد إكماله ما يريد طرحه في القضايا محل المناقشة بيننا عبر الصحيفة ، وقد قرأت يوم أمس الاثنين 11 أبريل المقال ، وتعقيبي لما طرحه الأخ كمال من موضوعات وإجابتي على  سؤالاته التي وجهها إلي سيكون في حلقتين هذه أولاهما أسوقها في النقاط التالية :

1/ قال الأخ كمال : (الأخ عارف في مقاله السابق قال إنني ليست لي معرفة بهذه الأحاديث التي تدعو لطاعة الحاكم وإن كان جائراً فأقول إنني على دراية بها قرأتها وسمعتها في كثير من الندوات مراراً وتكراراً ولكن إدراكي لمغازيها ودلالاتها حين مقارنتها بالأحاديث الأخرى وبآيات الشورى والحرية يختلف عن إدراكك لها فأنا أعلم ورودها ولكني لا أفهمها إلا في إطار الأصول الكلية للإسلام الذي تتناصر فيه النصوص ولا تتناسخ).

أقول تعقيباً على قول الأخ كمال هنا : لقد جاء في مقالك الأول قولك التالي :(أما الحجة الداحضة الثانية عند بعض المجموعات التي ما زالت تتمسك بالقديم هي أنه لا يجوز الخروج على الحاكم) فلم تذكر أن هناك أحاديث وردت في القضية وإنما أشرت للتمسك بالقديم !ثم في مقالك الثاني قلت متسائلاً عن ورود أحاديث في هذه القضية : (فإن الأحاديث التي وردت في عدم جواز الخروج على الحاكم فإن صح ورودها)  وقلت أيضاً في ذات المقال الثاني: (فإن كانت هنالك أحاديث وردت في عدم جواز الخروج على الحاكم  فإننا نتساءل أي حاكم تعنون) فإذا كانت هذه عباراتك أخي كمال في الحلقتين الأولى والثانية فلا يبقى مجال لتخطئة قولي بأنك لست على معرفة بهذه الأحاديث التي بلغت قرابة الثلاثين حديثاً ، وإن من فوائد هذه المناقشات هذا التوضيح الذي اتضح منك الآن .. حيث تبين لنا وللقراء الكرام أنك على دراية بأحاديث  وردت بهذا الشأن وإن كان مقالك الأول والثاني تضمنا غير ذلك.

2/ قال الكاتب وفقه الله : ( فإن أنت ذكرت هذه الأحاديث في الصبرعلى ظلم الحكام فإن القرآن الكريم قال »وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ« وقال »وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ« وقال صلى الله عليه وسلم »من رأى منكم منكراً فليغيره ....فلا أنا أنكر ورود الأحاديث ولا أنت تستطيع أن تنكر الدلالات الواضحة للآيات والأحاديث هذه، إذاً المشكلة هنا هي إشكالية منهج النظر والبحث فيما أوردته أنا وما أوردته أنت من نصوص حتى نوفق بين منهج الإسلام في عدم الدعوة للظلم ودعوته للعدل وبين مسألة عدم جواز الخروج على ..)

وتعقيبي في هذه النقطة بأنه لا يوجد تعارض بين النصوص الواردة في الصبر على جور الحكام وعدم الخروج عليهم وبين العمل بقاعدة الشورى وتحريم الظلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك ، فإن من طبّق الشورى وأُمِر بها وأمَر بها عليه الصلاة والسلام هو من أمر بالصبر على جور الحكام وظلمهم واستئثارهم بالمال والسلطة .. وحتى لا ندخل في مناقشة فرعيات القضايا وفك التعارض الذي علق بذهنك أخي كمال في هذا الجانب ، فإنه لا بد من معرفة المقاصد الشرعية التي من أجلها جاءت أحاديث خير البرية وتوجيهاته المرعية في هذه القضية .. إنها حفظ الدماء واتقاء الشر الأعظم بتحمل أهون الشرين .. فالظلم محرم بين العباد وقد حرمه رب العزة جل جلاله على نفسه .. والعدل مأمور به .. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر هذه الشريعة بل هو من أسباب تفضيل هذه الأمة على غيرها (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) هذه وغيرها شعائر لهذا الدين لكن إن كان الخروج على الحاكم يترتب عليه شر أعظم وإراقة للدماء وفتن تدوم كان الصبر على جوره خير من الخروج خاصة مع وجود حكام باطشين وهذا هو ظاهر ومفهوم الأحاديث التي جاءت عن المصطفى عليه الصلاة والسلام.. والسلف رحمهم الله والعلماء المعاصرون لم يقل أحد منهم : إن ما يفعله هذا الحاكم الطاغية جائز .. أو أننا لا نخرج عليه تعاطفاً معه ..أو مداهنة له .. أو نحو ذلك .. وحاشا عالماً عرف الحق وسار عليه والتزمه أن يقر ظلماً أو فساداً من أي حاكم كائناً من كان ، لكنهم فهموا من تلك النصوص (الواضحة) (الصريحة) (الحاكمة) (الحاسمة) في هذه القضية فهموا منها وقبلوا توجيهات من لا ينطق عن الهوى وأدركوا مقاصدها الشرعية والتي منها: المحافظة على العُزَّل والأنفس البريئة والدماء المعصومة ، ولذلك كانوا يقولون : ستون سنة مع إمام ظلوم خير من فتنة تدوم .. وكانت عبارة الإمام أحمد رحمه الله عندما جاءوا يستأذنونه في الخروج : (الله الله في الدماء اصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر) وقد سمى الحاكم فاجراً لكنه أراد كف الفتنة عن الناس وعدم تعريضهم لبطش من بيده القوة والسلاح والجيش والعتاد .

هذا هو المقصد الشرعي من هذه النصوص التي وردت في هذه القضية ولم أعلم أن أحداً من العلماء قد أشكل عليه فهمها ، أو فهم منها أنها تتعارض مع ما ذكرتَه أخي من القضايا والنصوص ، وخلال مسيرتي في تدريس مبحث التعارض والترجيح في مباحث أصول الفقه لسنوات عديدة لطلاب البكالوريوس ثم طلاب الدراسات العليا في تخصص الفقه وأصول الفقه ومن خلال مطالعتي لما كتب في القديم والحديث في هذا الباب والنماذج التي أكثر من نقلها علماء أصول الفقه في أنواع التعارض في المتن أو السند أو الحكم أو غيرها لم أجد من ذكر أنه يوجد تعارض بين النصوص الواردة في الصبر على الحكام وعدم الخروج عليهم وبين العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو بينها وبين الشورى وغير ذلك.   

3/ قال الكاتب: (فهذا الحديث لا يفهم منه الصبر على ظلم الحاكم إلى أجل غير مسمى ولكن رد على سؤال حول استخدام القوة بالسيف لمنابذة الحكام في ظرف معين ومن أناس ربما كانوا حديثي عهد بالإسلام ولا يريد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرخص لهم في سفك الدماء بصورة عشوائية لأنه لو قال لهم نعم نابذوهم بسيوفكم لأصبح حجة لكل فرد أن يحمل السلاح بالطريقة التي تروق له وليس هذا مراد الإسلام)

أقول : كنت أتمنى من الأخ كمال أحمد أن يسمي لنا العلماء الذين شرحوا هذا الحديث بمثل شرحه الذي ذكره وجاءنا به..وأن يناقش الأحاديث الأخرى الواردة في هذه القضية على ضوء أقوال أهل العلم ، وإن منهجية تخصيص النصوص الشرعية بوقت معين وزمان محدد أو ظروف معينة كما يقال وبدون بينة ولا برهان هو منهج غاية في الخطورة وبه ترد السنن والشرائع ويحصل الانفلات عن الشريعة التي يجب الاستسلام لأحكامها والانقياد لتوجيهاتها .. لقد قال عليه الصلاة والسلام : (.خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ « لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ » رواه مسلم. فهنا عموم واضح لا ريب فيه في هذا الحديث وتوجيه بعدم المنازعة بالسيف ، فأين الدليل الشرعي لهذا التخصيص أخي الكاتب ؟! والقاعدة المتفق عليها بين العلماء : "أن العام يبقى على عمومه ما لم يرد دليل على تخصيصه" ..ومن أنواع الاستصحاب : استصحاب العموم ما لم يرد دليل التخصيص .. فأنت مطالب أخي كمال وفقك الله بدليل التخصيص  ..

4/ قال الأخ كمال : (فالخروج على الحاكم ليست حالة مطلقة يعني ليست من حق أي شخص في كل زمان ومكان أن يقتل ما يشاء من وزراء الحكم ومعاونيه أو أن يشنّ حرباً على الدولة ويقطع الطريق ويتمرد لأتفه الأسباب فالحديث فيه دعوة لأفضلية التعامل السلمي مع الحكام بدلاً من العنف فهو يعالج هذه القضية ولكنه ليس دعوة مطلقة للصبر على الظلم اللهم إلا إذا كان الإسلام يدعو للاستبداد، فأمر الخروج على الحاكم ليس مطلقاً كما أن الصبر على ظلمه ليس مطلقاً)

وأقول تعقيباً على هذه الجزئية :أولاً : لم أقل فيما سبق إن الخروج على الحاكم لا يجوز بإطلاق ، وإنما بينت أن العلماء اشترطوا خمسة شروط لجواز الخروج وقد دلت عليها الأحاديث الواردة في هذا الشأن ومن هذه الشروط : أن لا تكون مفسدة الخروج أعظم من مفسدة بقائه.

ثانياً :يقول الأخ كمال إن الخروج ليس بإطلاق  .. ويشير أو (يوصي) إلى التعامل السلمي مع الحاكم عند الخروج عليه !! وهذا مما يوضح الاضطراب والتناقض الذي وقع ويقع فيه دعاة الخروج على الحكام في هذه الأيام .. فما هو الضابط ؟! وما هي الطريقة ؟! وما حدود الظلم الذي يصبر عليه ؟! والذي لا يصبر عليه ؟! وطالما حق التظاهر أصبح حقاً لسائر الجماهير كما تقولون وللمطالبة بالحقوق !! فما هو الحد الأدنى لهذه الحقوق ؟! ولماذا يمنع من يفتي بهذا التظاهر في بلاد ويجيزه في بلاد أخرى؟! لماذا جاز في ميدان (التحرير) بالقاهرة أو ساحة (التغيير) بصنعاء ولم يجز في ميدان (أبي جنزير) بالخرطوم؟! ولماذا أجازه البعض في مصراتة وغيرها بل أمر به وحثَّ عليه ولم يجزه هذا البعض نفسه في دوار اللؤلؤة ؟! ما هو الضابط ؟! وما الحدود ؟! ومن الذي يحق له الإفتاء في ذلك؟! سؤالات حيّرت العلماء قبل العامة !!وهي دعوة خطيرة للتمرد وانتشار واستمرار الفوضى في البلاد وبين العباد.

5/قال الأخ الكاتب : (ولكن لا يمكن أن نصبر على حكم أسرة واحدة عشرات السنين تكتنز المليارات والملايين من الشعب لا يجدون ما يسد رمقهم ويقتلون الآلاف بلا ذنب ويسجنون الآلاف سنين عددا في سجون أرضية لا يعلم بها أحد هل يدعو الإسلام إلى الصبر على هؤلاء).

أقول : القاعدة الشرعية تنص على أن "الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً" .. فالشريعة راعت بهذه التوجيهات مقاصد شرعية محددة وواضحة أرادت بها حفظ الدماء والأنفس والأموال والأعراض وحفظ الأمن الذي بوجوده تؤدى الحقوق وبعدمه تنقطع السبل ، فإن وُجِدَت العلة وُجِدَ الحكم سواء كان الحاكم أسرة أو قبيلة أو حزب أو طائفة أو غير ذلك. والإسلام يدعو للصبر عليهم إن كانت الشروط لم تتوفر ؛ لأن من المتوقع أن يكون الفساد والضرر أضعاف ما كانوا عليه قبل خروجهم ، وقد ذكرت لك سابقاً مقتل أكثر من (25) ألف شخص في مجزرة حماة بسوريا في فبراير 1982م بسبب الخروج ، والتأريخ سجّل نماذج كثيرة لذلك !!!

6/ قال الأخ الكاتب : (ثم إنها تفتح باباً يخلق إشكالاً لعامة المسلمين فالذي يخرج على الحاكم الظالم هو آثم حسب رأي الأخ عارف ولكنه إذا نجح في الاستيلاء على السلطة ودانت له الأمور وخرج عليه الناس يصبحون هم آثمين مع أنهم خرجوا على آثم فمن الآثم إذًا إذا كانت المسألة ليس لها ضابط فالشخص يكون آثماً حينما يخرج وإذا استولى على السلطة لا يكون آثماً وإنما الآثمون الذين يخرجون عليه!! بالله عليكم هل يمكن أن تكون هذه الفوضى مراد الدين الإسلامي).

أقول : القول بمبايعة من تغلب واستتبت له الأمور من الحكام ليس هو قولي أنا أو رأيي!! وأعوذ بالله أن أتجاسر للتنظير في قضايا الشريعة برأيي أو بفهمي .. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح صحيح البخاري : (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه ، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء ) أ.هـ. وقال الإمام الشافعي فيما رواه عنه البيهقي في مناقبه : (كل من غلب على الخلافة بالسيف حتى يسمى خليفة ، ويجمع الناس عليه، فهو خليفة)انتهى.

فالنصوص الشرعية منعت الخروج على الحاكم إلا بتحقق شروط درءاً للفتنة ، وهذه الفتنة قد تكون متحققة فيما إذا انقلب حاكم على الحاكم الموجود و(استتبت) لهذا الحاكم المتغلب الأمور وملك زمامها فحينئذ يكون الخروج على هذا المنقلب والمتغلب يحصل معها الفتن وإسالة الدماء فأجمع أهل العلم على ذلك كما ساقه ابن حجر بل هو فتوى ابن عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ولا يعني هذا الإقرار للفعل ، وإنما حرصاً على مقاصد الشرع بالمحافظة على الأنفس وليس ذلك تأييداً لهذه الطرق ولا مجاملة للحاكم الجديد ولكنها توجيهات شريعة رب العالمين التي شرعها من هو أعلم بما يصلح لعباده مما فيه ضررهم ، وبذلك سار العلماء الربانيون الذين فهموها الفهم الصحيح وجمعوا بين النصوص بعضها مع بعض مهتدين بمقاصد الشريعة التي هي قمة الإعجاز في الأحكام (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً )

وأواصل في الحلقة القادمة إن شاء الله مع ما تبقي من نقاط وسؤالات ..وما طرحه الكاتب بشأن مسألة أهل الحل والعقد.



© Copyright by sudaneseonline.com