From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
لعبة "الكاريزمات"... والقفز بالزانات/ محمد عبد المجيد أمين ( عمر براق)
By
Apr 12, 2011, 08:04

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لعبة "الكاريزمات"... والقفز بالزانات

 

        "يا لك من دعي أخرق وأنت تلعب علينا دور " الكاريزما" الذي يهاب ، تصفع هذا وتركل ذاك وتتفوه بترهات معجونة بـ " موية " متثقفين في طياتها الجهل بعينه . يا سعادتك ، أو سيادتك ، يارفيق ، يا شيخنا... رويدك ...ترفق بنا ، ولا تطلق كلابك المسعورة علينا. لا تفرح كثيرا ولا تنفخ أوداجك ،عندما يصفق لك المغرر بهم ولا تقدح من عينك الشرر عندما يعارضك  الشعب بمسيرة سلمية فأنت في كل الأحوال حالة عارضة أتت بها الظروف الطارئة وما تلبث أن تنزو...إن عاجلا أم آجلا".

          من الذي سمح للأجنبي بأن يتدخل في شئوننا؟ . من الذي استنجد بهم وأتي بما يعرف باتفاقية السلام الشامل؟ من الذي جعل من أرضي موطنا ومتنزها للقبعات الزرق؟ . من الذي سمح بتقسيم سلطة وثروة بلد بأكمله بين عصابتين من اللصوص ، أحدهما سرق الحكم من قبل والآخر سرق حلم المهمشين  للتو؟.

في غفلة من شعب شديد " السودانية" لدرجة " العوارة"  وعدم المبالاة قفزت ثلة من " الكاريزمات " المزعومة فوق رؤوسنا  بالزانات من الغابات والأحراش ومن القرى والبوادي لتتبوأ دست الحكم وتنهل من ماعون الثروة بغير حسيب ولا رقيب . أتوا كي ينفذوا اتفاقية السلام الشامل التي وضح فيما بعد أنها  كانت نهب " شامل" ومصالح خاصة تقضي ، ليس إلا . وبفعل هذه الإتفاقية المدمرة  ظهرت تلك الوجوه  وجعلت من شخوصها " كاريزما" يشار لها بالبنان وما هي بذلك ، فقد تعلمنا ، قبل أن يأتي هؤلاء ، كيف نميز بين المعدن الأصلي وذلك " المضروب".

     تركوا الاتفاقية تسير علي هواها وساروا هم علي هواهم : زواج متعدد ، عقارات ومشاريع وعربات فارهة وحرس شخصي ...كلهم سواء ، من هنا وهناك " كاريزمات" مريضة ، أتوا قفزا ليستغلوا الشعب ، معنويا وماديا ، قتلا وسحلا وقهرا وسخرة واغتصابا بدعاوى باطلة ، هذا شريعة وهذا حكم ذاتي وهذا استقلال  ظهروا فجأة كأنهم رؤوس الشياطين ليقوضوا ما بناه السلف وليتهم بنوا ما يستحق. ماذا فعلتم في دنياكم يا أهل السودان حتى يولي عليكم هؤلاء؟. أي جرم ارتكبتموه في حق أنفسكم أو وطنكم أو أهلكم ؟. الإجابة العامة تأتي دائما واحدة: "ما عندي شغلة".

          لا بد أن يوثق أن هذا البلد قد أبتلي في عصرنا  الحالي بحدثين مهمين ، غيرا مساره من دولة فتية حديثة التكوين إلي دولة  منهكة ، قابلة للانشطار والتمزق . فأول الحدثين هو استيلاء زمرة من المدنيين والعسكريين علي السلطة من حكومة منتخبة ديموقراطيا بدعوى تطبيق شرع الله . حتي اللحظة!! لم يطبق شرع الله لأن الزمرة تريدها هكذا " معلقة" كجدار صد أمام  الاجتياح " العلماني " المزعوم ، بينما هم ، عاثوا في الأرض فسادا وأباحوا ما حرم الله  وحمل كل منهم صحيفة سوابق في الدنيا تخجل قوانين السودان أن تذكرها في  لائحة اتهام.

فقط.. اسأل نفسك يا أخي هل لمجرم أفاق دعي يستبيح أموال الناس ، التي هي في الأصل أموال الله ويبيح كل المحرمات من أجل مصالحه... هل يمكن أن يطبق شرع الله ؟ هل يمكن أن يكون جديرا بالحكم؟. إن كان كذلك ، فلابد للص أن يقطع يده ابتداء.. إن كان يعتبر حقا لشرع الله.

          أما الحدث الثاني الذي قصم حقا ظهر البعير فهو توقيع وتنفيذ إتفاقية السلام الشامل 2005إذ  لابد أن أذكر أن هذه الاتفاقية ، بكل بنودها ، جاءت وبالا  حقيقيا علي السودان . ليس لأن بها جملة من " الخوازيق" اتكأ عليها الشريك الأول ظنا منه أنه ممسك بكل خيوط اللعبة ( ولم يكن كذلك بالطبع) وليس لأن المغزى الحقيقي منها تحقيق السلام الشامل بقدر ما كان تحقيق الانفصال " العرقي" و " الجغرافي" الكامل بين الشمال والجنوب وفق رؤية إستراتيجية طويلة المدى( ستة أعوام) إنبنت علي قراءة سيكولوجية دقيقة لسلوك الطرف الأول وحبه الجم لتضخيم الذات العرقية وانجذابه للمال والسلطة ونبذه لمسألة التعايش مع باقي الأعراق والأديان ولم يكد يدخل العام السادس إلا واكتشف أن نظرية "  نيوتن " لم تكن لتطبق علي الوحدة الجاذبة وأنه أريد أصلا أن تكون الأقطاب متنافرة  لتحقيق هدف الإنفصال.

جذع " كاريزمات" الحركة الشعبية قطاع الشمال لما رأوا أنهم أيضا قد غرر بهم ، وأن " إثنيتهم" لا تسمح لهم بأن ينضووا تحت مظلة الدولة الوليدة . إذن ليس هناك من مثل ومبادئ وحقوق المهمشين والسودان الجديد وهذه الشعارات التي أصبحت مصدر رزق لبعضهم . إنه مخطط اكبر من مستوي التفكير السوداني ضمن في الاتفاقية  بعقول " ماكرة" لتحقق أهداف محددة.

 وهكذا... تحقق المراد من مغزى الاتفاقية ، وهي التوقيع سلفا علي وثيقة إستقلال الجنوب ، عبر كمية من " الفخاخ" نصبت للشريك الأول بعناية لدرجة أنه لم يستطع الفكاك من أي منها ،لا علي مستوي الحنكة السياسية  التي يفتقدها ولا علي مستوي التطبيق المسئول باعتبار أنها في النهاية "وثيقة" دولية ينبغي الإيفاء بها مهما كانت النتائج وكانت النتيجة... كما نري الآن.

ولتحقيق الهدف الرئيس لهذه الاتفاقية ، روعي " تحييد " الشعب تماما وإبعاده عنها واستخدامه فقط  كـ " مطية" لبلوغ الأهداف والمرامي وبذلك  رهنت الاتفاقية مصير دولة ذات سيادة  وثروة بلد بأكمله بيد طرفين فقط ، ولم تستخدم الشعب إلا في  شكل " أدوات " لتحقيق مراحل  إجرائية احتاجت إليه فيه إلي  شعب " ينتخب " في الشمال والجنوب معا وشعب " يستفتي " في الجنوب فقط وشعبي النيل الأزرق وجنوب كردفان  " يشاوران" في سؤال " بليد" وهو فيما إذا كانت الاتفاقية قد حققت طموحاتهما أم لا؟ وتركت أمر المشورة الشعبية بيد المفوضية كي تتفاوض مع المركز نيابة عن الشعب!!. أي تغفيل هذا .. ولماذا إذن رأي الشعب طالما أن المفوضية نفسها مسيسة؟. أما شعب منطقة " أبيي" فقد تركت مشكلتها بيد التحكيم الدولي ويمكن أن " تولد" في أي لحظة ، إتفاقية أخري جديدة.

حددت الاتفاقية مقدما – حسب السيناريو المبطن بين السطور- أن المؤتمر الوطني سيفوز  حتما في الشمال وأن الحركة الشعبية ستفوز حتما في الجنوب لأنهما الطرفان الوحيدان الموقعان عن السودان في الاتفاقية وأنهما سيقتسمان السلطة والثروة  معا ( لاحظ غياب الشعب ) وفق نسب محددة – حسب الأغلبية السكانية- ولمدة ست سنوات وأن لديهما مشاكل " عالقة" لابد من حلها في خلال تلك الفترة بالتفاهمات السياسية لأن أصل الاتفاقية إنما وضع لإنهاء الحرب وبسط السلام  وفصل الجنوب وليس غير ذلك.

 يستنتج من ذلك أن السودان كان قد " إنقسم " بالفعل لحظة توقيع الاتفاقية وأن الفترة الزمنية التي وضعت لم تكن إلا بغرض " اختبار" سلوك الطرفين : هل هما باقيان علي بعضهما  " إنجذابا" في إطار دولة واحدة موحدة ، أم أن الشمال...شمال والجنوب..جنوب؟!.

لم يكن انفصال الجنوب هو نهاية المطاف ، فقد تركت الاتفاقية مصير الشريكان بيد شعبيهما أو لنقل قواهما السياسية  " الكاريزمية". فبمجرد انتهاء أجل الاتفاقية لن يكون ممكنا لحزب المؤتمر الوطني  مثلا أن يستأثر بالسلطة أو بالثروة ويفعل بهما ما يشاء  لأن معظم الثروة ستؤول إلي مالكيها الحقيقيين ، ليس الشعب السوداني بالطبع وإنما شعب الجنوب . ولن تكون الحركة الشعبية هي الوصي الوحيد علي دولة الجنوب الوليدة ، فهناك أحزاب جنوبية أخري أكثر صرامة ووعيا وانضباطا من أحزاب الشمال ولن تترك الأمر بيد حزب واحد إلا عبر الطرق والوسائل الديموقراطية ولفترة محددة.

وبعد ، لقد أوشك موعد الاتفاقية علي الانتهاء وقد أنجز شريكي الحكم استحقاقها ، طوعا أو كرها ولم يعد ممكنا الاستمرار في هذه اللعبة " السمجة" تحت أي مسمي آخر إلا بإعادة " شك" الورق من جديد . فحسب نتيجة الانتخابات السابقة سيبقي الرئيس رئيسا لما بعد أجل الاتفاقية وبالطبع ، سيبقي معه حزبه ولكن!! وبالنظر إلي كل هذه الإخفاقات التي أتت بها الاتفاقية وانتهاء أجلها ومعها الدستور الانتقالي ، أليس من  الأجدى التوقف وتقييم المرحلة السابقة  والتفكير ، مليا ومليا . ذلك أن الأمر يستدعي إثارة العديد من الأسئلة منها :

ماذا جلبت لنا اتفاقية السلام الشامل؟ .

من المستفيد ومن الذي استفاد؟.

لمن هذا السودان ؟ أهو ملك خالص للعرب وحدهم .أو لقبائل بعينها  

وبأي صفة؟.

ما هي حدود الحزب الحاكم وهل يخول لأي حكومة تأتي إلي الحكم أن  

تتصرف في ممتلكات الدولة كيفما تشاء؟.

ما فائدة الدستور ، مؤقتا كان أم دائما ، إن  كان الحكام لا يعملون به؟.

لماذا الحصانة وما فائدتها غير حماية " المحصن" من سلطة القانون؟.

ما هو مصير الأجيال القادمة ، هل سنورثهم " ركاما" أو نورثهم

دولة  وعلم وحضارة؟.

نحن في كبوة بلا شك ، والحكومة الحالية تعرف ذلك تماما وأنها المسئول الأول والأخير عنها وإليها توجه كل أصابع الاتهام في الإخفاق في إدارة الدولة. فماذا هي فاعلة ؟ هي لا تعترف بتلك الكبوة لأن ذلك معناه الفشل الصريح ، ولذلك تصور لنا الأمور وكأنها ستعيد بناء جنات " عدن" وسط هذا الخراب.

في هذه المرحلة ، بل وفي أي مراحل أخري لاحقة ، لن يحتاج الأمر إلي شخصيات " كارزمية" بل إلي أشخاص عاديين يتحملون عبء المسئولية بكل مهنية واقتدار، دافعهم الحرص علي الأمانة وقيادة الدولة نحو بر الأمان والاستقرار. لا يقولن أحد أنه ليس هناك بديل ، فهناك البديل حاضر ، رجال ونساء من بني جلدتنا ، يعيشون في الداخل وأكثرهم في الخارج ولأنهم ليسوا من نوعية " الكاريزمات" فان الناس لا يرون إلا الذي أمامهم ولسان حالهم يقول  وقد تضعضعت نفوسهم وأصابهم اليأس" ما عندي شغلة ". أفق يا هذا... فالشغل ... كل الشغل هو عندك وسنسأل كلنا عما كنا نفعل.

 

 

الدمازين في :2011/04/12

 

 محمد عبد المجيد أمين ( عمر براق)

                                                          [email protected]  

 

 

 

 



© Copyright by sudaneseonline.com