From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
موقف الدكتور / عبد الحي يوسف من سماحة الشيخ / ابن باز ـ رحمه الله ـ/كتبه الدكتور / المرتضى الزين أحمد
By
Apr 12, 2011, 07:56

بسم الله الرحمن الرحيم

موقف الدكتور / عبد الحي يوسف من سماحة الشيخ / ابن باز ـ رحمه الله ـ

 ولد سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية في نوفمبر سنة 1912م ، الموافق ذي الحجة سنة 1330 هـ ، وأصيب سماحته في عام 1927م الموافق عام 1346 هـ بمرض في عينيه ،  فضعف بصره بسبب ذلك ، ثم ذهب بصره بالكلية في عام 1931م الموافق عام 1350 هـ ، وفي يوم الخميس 13/5/1999م الموافق 27/محرم / 1420هـ توفي سماحة الشيخ / ابن باز ، عن عمر يناهز التسعين عاما ؛ بعد أن أثرى سماحته بمؤلفاته ، وبحوثه ، وفتاواه ، ومقالاته ، وردوده العلمية ، مكتبات العالم الإسلامي ، وهو بإجماع المحققين من كبار العلماء ، المعروفين بغزارة العلم ، و النزاهة ، والمثابرة ، والعفاف ، والزهد ، والصرامة في التقشف ، والبساطة في الحياة ، والتفرغ الكامل لخدمة الدعوة ، وقضايا الأمة الإسلامية .   

تحدث الدكتور / عبد الحي يوسف عبد الرحيم ـ الأستاذ المشارك بجامعة الخرطوم ، ونائب رئيس هيئة علماء السودان ، وعضو مجمع الفقه الإسلامي السوداني ـ عن استبداد الحكام ، وذكر الأسباب الحاملة لهم على الاستبداد ، وجعل منها : تدليس علماء السوء ، الذين زينوا لهؤلاء الطواغيت سوء عملهم ؛ واستخرجوا لهم الفتاوى الجاهزة ؛ التي تجعل الحرام حلالا ، والمنكر معروفا ، كما قال الدكتور / عبد الحي يوسف .

وقال ـ أيضا ـ : إنهم يعينون على الباطل ، ويروجون له ؛ ويصدون عن سبيل الله ، ويحرفون الكلم عن مواضعه ، ويزينون الشهوات ، ويبررون المنكرات ، ويقطعون الطريق التي تصل العباد بالله . أنظر رسالة ( الاستبداد السياسي في ضوء القرآن والسنة : الأسباب والعلاج ) للدكتور عبد الحي يوسف . ( ص 61 و62 )

ذكر الدكتور/ عبد الحي يوسف  بعض الفتاوى التي أصدرها أولئك ( المفتون ) ، وبين المنهج الذي سوف يتبعه في عرض تلك الفتاوى ، حيث قال : ( وها هنا أسوق طرفا من تلك الفتاوى ، التي صدرت هنا وهناك ، في بلاد المسلمين ، وكانت سببا في تردي كثير من خلق الله ، وضلالهم ، لكونها مصادمة لأصول الإسلام ، ومناقضة لقواعد الإيمان ، وذلك دون ذكر لزمان ، ولا مكان إصدارها ، ولا أسماء من أصدروها ؛ عملا بالهدي النبوي : ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ) . انتهى كلام الدكتور / عبد الحي يوسف في رسالته لنيل درجة الدكتوراه ، والتي عنوانها : ( الاستبداد السياسي في ضوء القرآن والسنة : الأسباب والعلاج ) ( ص 64 )

لا أدري كيف تجاز مثل هذه الأعمال العلمية التي تكتب بهذه المنهجية المحدثة في مناهج البحث العلمي ؛ التي يصرح فيها الباحث بعدم التوثيق لما يذكره من فتاوى !! ولا أدري كيف قبل فضيلة المشرف على هذه الرسالة ذلك ؟ وكيف قبلت لجنة المناقشة لهذه الرسالة تلك الفتاوى بدون توثيق لها ؟

إن توثيق مثل هذه الفتاوى مهم للغاية ، لما للتوثيق من أهمية في التثبت ، والتحقق من صحة ما نسبه الدكتور/ عبد الحي يوسف إلي أولئك المفتين ، وأنه كان أمينا في عرض فتاواهم ، وأنه لم يحرف أقوالهم ، ولم يضف إليها إضافات تخل بمضمونها .

وأما استدلال الدكتور/ عبد الحي يوسف بحديث ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ) على إخفائه أسماء أولئك المفتين ففيه نظر ، بل هو غلط ، لأن الأقوام المشار إليهم في قوله e ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ) لم يحللوا الحرام ، ولم يجعلوا المنكر معروفا ، فإن منهم من قال : إنه يصلي ولا ينام ، ومنهم من قال : إنه يصوم ولا يفطر ، ومنهم من قال : إنه لا يتزوج النساء ، فلما بلغ النبي e ذلك قال : ( ما بال أقوام قالوا كذا و كذا ؟ لكني أصلي و أنام ، و أصوم و أفطر ، و أتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) رواه بهذا اللفظ النسائي ، وابن ماجه ، والإمام أحمد في المسند ، وصححه الألباني في ( صحيح الجامع ) حديث رقم ( 10509 )

ولا أدري ما سبب حرص الدكتور / عبد الحي يوسف الشديد على إخفاء أسماء أولئك المفتين ؟ المعروفين عنده بالعديد من الصفات المهلكة ، بل المكفرة لمن اتصف بها ، فإن من صفاتهم كما ذكر الدكتور / عبد الحي يوسف : أنهم جعلوا الحرام حلالا ، والمنكر معروفا ، وأن فتاواهم جاءت مصادمة لأصول الإسلام ، ومناقضة لقواعد الإيمان ، وأنها كانت سببا في تردي كثير من خلق الله ، وضلالهم ، فهل يجد باحث مخلص لدينه ضيقا ، أو حرجا من التصريح بأسماء أولئك المفتين ؟ وأسماء مؤلفاتهم ؟ ليحذرها الناس .

  إن العلماء اتفقوا على وجوب بيان حال المبتدعة ، والتحذير منهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ  ، والمفتون الذين ذكرهم الدكتور / عبد الحي يوسف ، وذكر صفاتهم ، حالهم أخطر من حال أولئك المبتدعة ، فذكرهم بأسمائهم ، وبيان حالهم , والتحذير منهم ، ومن مؤلفاتهم ، من باب أولى ، صيانة للدين ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية  ـ رحمه الله ـ في المبتدعة : ( فان بيان حال المبتدعة ، وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين ، حتى قيل لأحمد بن حنبل : الرجل يصوم ، ويصلى ، ويعتكف ، أحب إليك ؛ أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال : إذا قام ، وصلى ، واعتكف ، فإنما هو لنفسه ، وإذا تكلم في أهل البدع ، فإنما هو للمسلمين هذا أفضل . أهـ )  انظر مجموع الفتاوى ( 28/231)

 ويقول سماحة الشيخ / ابن باز : ( أما علماء السوء من الجهمية والمعتزلة وأشباههم فهؤلاء يجب أن يمقتوا ، ويبغضوا في الله ، وأن يحذر الناس من شرهم وأعمالهم القبيحة ، وعقائدهم الباطلة ، نصحا لله ولعباده ، وعملا بواجب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والله الموفق.) (مجموع فتاوى و مقالات ابن باز) 7/208

ذكر الدكتور / عبد الحي يوسف فتاوى لأولئك المفتين ، وأورد من بينها فتوى متعلقة بالهدنة مع الأعداء ، ذكرها الدكتور / عبد الحي يوسف على النحو التالي : ( ما ردده كثيرون ، بجواز الصلح مع اليهود ؛ وإنهاء حالة العداء معهم ـ إن رأى ولي الأمر ذلك ـ ؛ استدلالا بقوله تعالى : (  وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) سورة الأنفال . وقد يكون المفتى نفسه ممن صرحوا في أمس الدابر بأن الصلح مع اليهود ، وإقرارهم على ما احتلوه من أرض كفر محض . ) أنظر رسالة ( الاستبداد السياسي في ضوء القرآن والسنة : الأسباب والعلاج )  ( ص 66 )

هذه الفتوى التي أشار إليها الدكتور / عبد الحي يوسف ، وأخفى اسم مفتيها أصلها  فتوى لسماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ ، تصرف فيها الدكتور / عبد الحي يوسف ـ عفى الله عنا وعنه ـ تصرفات لا تليق بباحث مثله ، وأحدث فيها بعض التحريفات ، وأضاف إليها كلاما من عنده ، فغير بتصرفاته تلك مضمون الفتوى .

كانت فتوى سماحة الشيخ  جوابا عن سؤال قدم لسماحته من بعض الفلسطينيين ، كما صرح بذلك سماحة الشيخ / ابن باز نفسه لمجلة المجتمع الكويتية العدد 1133 بتاريخ 9/8/1415هـ.، ولم تكن الفتوى جوابا عن سؤال قدم لسماحته من ملك من الملوك ، أو أمير من الأمراء ، أو رئيس من الرؤساء ، وقد تم نشر السؤال والجواب عنه في "جريدة المسلمون" العدد (516) بتاريخ 21/7/1415هـ الموافق 23/12/ 1994م .

كان السؤال الذي وجه لسماحة الشيخ / ابن باز على النحو التالي : ( سماحة الوالد : المنطقة تعيش اليوم مرحلة السلام واتفاقياته ، الأمر الذي آذى كثيرا من المسلمين ، مما حدا ببعضهم معارضته ، والسعي لمواجهة الحكومات التي تدعمه ، عن طريق الاغتيالات ، أو ضرب الأهداف المدنية للأعداء ، ومنطقهم يقوم على الآتي :

أ- أن الإسلام يرفض مبدأ المهادنة .

ب- أن الإسلام يدعو لمواجهة الأعداء بغض النظر عن حال الأمة والمسلمين ، من ضعف ، أو قوة . نرجو بيان الحق ؟  وكيف نتعامل مع هذا الواقع بما يكفل سلامة الدين وأهله؟

أجاب سماحته ـ رحمه الله ـ عن هذا السؤال بالجواب التالي : ( تجوز الهدنة مع الأعداء مطلقة ، ومؤقتة ، إذا رأى ولي الأمر المصلحة في ذلك ؛ لقول الله سبحانه ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ولأن النبي e فعلهما جميعا ، كما صالح أهل مكة على ترك الحرب عشر سنين ، يأمن فيها الناس ، ويكف بعضهم عن بعض ، وصالح كثيرا من قبائل العرب صلحا مطلقا ، فلما فتح الله عليه مكة نبذ إليهم عهودهم ، وأجل من لا عهد له أربعة أشهر ، كما في قول الله سبحانه : ( بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) الآية . وبعث صلى e  المنادين بذلك عام تسع من الهجرة ، بعد الفتح ، مع الصديق لما حج ـ رضي الله عنه ـ ، ولأن الحاجة والمصلحة الإسلامية قد تدعو إلى الهدنة المطلقة ثم قطعها عند زوال الحاجة ، كما فعل ذلك النبي e ، وقد بسط العلامة ابن القيم - رحمه الله - القول في ذلك في كتابه ( أحكام أهل الذمة ) ، واختار ذلك شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية ، وجماعة من أهل العلم . والله ولي التوفيق . )

هذه الفتوى نشرها سماحة الشيخ ابن باز في كتاب خاص سماه : ( حكم الصلح مع اليهود في ضوء الشريعة الإسلامية ) وقد نشرته رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء ، بالمملكة العربية السعودية عام1417–1996م

وهي منشورة ـ أيضا ـ في الموقع الرسمي لسماحة الشيخ ابن باز  www.binbaz.org.sa  ، ومنشورة في كتاب (مجموع فتاوى و مقالات ابن باز ) 8/196

 وأما تصرفات الدكتور / عبد الحي يوسف ـ عفى الله عنا وعنه ـ في هذه الفتوى فكانت على النحو التالي :

(1)  أولا : حذف الدكتور / عبد الحي يوسف كلمة ( المصلحة ) من كلام سماحة الشيخ / ابن باز ، حيث قال سماحة الشيخ ـ يرحمه الله ـ : ( تجوز الهدنة مع الأعداء مطلقة  ؛ ومؤقتة إذا رأى ولي الأمر المصلحة في ذلك . أهـ ) ، وما أفتى به سماحته من جواز الهدنة مع الأعداء ، مسألة مجمع عليها بين الفقهاء ، إن كان فيها مصلحة شرعية ، وإلا لم تجز ، لقوله تعالى : { فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ } . أنظر ( الموسوعة الفقهية الكويتية ) 26/214

(2)  ثانيا : زاد الدكتور / عبد الحي يوسف في فتوى سماحة الشيخ / ابن باز ، جملة خطيرة للغاية ،إذ أضاف إليها ما نصه  : ( وإنهاء حالة العداء معهم ) ، وهي جملة لم ترد في هذه الفتوى ، ولم أرها في غيرها من فتاوى سماحة الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ المتعلقة بالقضية الفلسطينية ؛ بعد مراجعتي لفتاواه في هذا الباب . فإن كان الدكتور / عبد الحي يوسف قد اطلع عليها في فتوى من فتاوى سماحة الشيخ / ابن باز فلينشرها بنصها على الصحف ، وعلى شبكة الانترنت ، ونحوهما .

فإن قال الدكتور / عبد الحي يوسف إنه لا يريد بفتواه الموجودة في رسالته ( الاستبداد السياسي ) فتوى سماحة الشيخ ابن باز، وإنما يريد فتوى مفتي آخر ؛ أفتى بجواز الهدنة مع الأعداء إذا رأى ولي الأمر المصلحة في ذلك استدلالا بقوله تعالى : (  وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) سورة الأنفال ، فليذكر اسم هذا المفتى ، ولينشر فتواه بنصها على الصحف ، وعلى شبكة الانترنت ، ونحوهما .

إلي جانب ذلك فقد أوهم الدكتور / عبد الحي يوسف في تناوله لفتوى الصلح مع اليهود ما يفيد أن لسماحة الشيخ / ابن باز فتوى قديمة ، صرح فيها سماحته بأن الصلح مع اليهود ، وإقرارهم على ما احتلوه من أرض كفر محض . فإن كان الدكتور / عبد الحي يوسف قد اطلع على هذه الفتوى من فتاوى سماحة الشيخ / ابن باز فلينشرها بنصها على الصحف ، وعلى شبكة الانترنيت ، ونحوهما .

وبناء على ما تقدم ؛ فإن موقف الدكتور / عبد الحي يوسف من سماحة الشيخ / ابن باز ـ رحمه الله ـ صار واضحا ، ويكفي في وضوحه أنه قدم سماحة الشيخ / ابن باز نموذجا لعلماء السوء ، الذين يعينون على الباطل ، ويروجون له ، ويحرفون الكلم عن مواضعه ، ويقطعون الطريق التي تصل العباد بالله ـ سبحانك هذا بهتان عظيم ـ .

فنرجو من الدكتور / عبد الحي يوسف أن يتقي الله سبحانه وتعالى ، وأن يتوب إليه مما كتب في حق سماحة الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ ، فإن الرجوع إلى الحق شرف لصاحبه ، وواجب عليه ، وخير له من التمادي في الخطأ .

والله أسأل أن يوفقنا ، وإياه ، وجميع المسلمين للفقه في الدين ، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، وأن يصلح قلوبنا ، وأعمالنا ، إنه جواد كريم .  

 

كتبه الدكتور / المرتضى الزين أحمد 

جامعة إفريقيا العالمية ـ [email protected]

الأربعاء 23/2/2011م الموافق 19/ ربيع أول /1432 هـ



© Copyright by sudaneseonline.com