From sudaneseonline.com

اخر الاخبار
زيارة خاصة جداً لأسرة اللواء المعتقل تلفون كوكو
By
Apr 11, 2011, 10:50

 

  

                    «الرأي العام» داخل بيت القائد المعتقل 

            اللواء تلفون كوكو.. زيارة خاصة جداً!!

 

 

إلتقاهم: فتح الرحمن شبارقة

ربما لم تستطع أنت وحدك الإضاءة، وربما لم نستطع نحن ذلك، ولكن لما إجتمعنا معاً أكملنا دائرة الضوء، وصرنا أكثر وهجاً من ذي قبل.. فها نحن معك عهداً بعد أن منحناك ضوءاً يكفي لصنع النهار..التوقيع: تجمع أبناء جبال النوبة بمحلية المناقل» فيما أذكر من تلك الشهادة التقديرية التي عُلقت بإحكام مع الكثيرات من شهادات التقدير والعرفان غيرها على جدران منزل اللواء تلفون كوكو المستأجر بالفتيحاب.فاللواء تلفون كوكو حسبما إتضح لي خلال

أسبوع كامل قضيته في جنوب كردفان ينقسم الناس هناك ازاءه بشكل كبير.. فهو عند البعض قائد مخالف لتعليمات عسكرية ومشروع متمرد ربما، وعند آخرين بطل دافع عن قضية النوبة ببندقيته، وبقلمه الذي هو أكثر مضاءً منها فيما يبدو.. ذلك الإنقسام تتضح بعض معالمه في شهادات التقدير التي لم يتسع لها جدران منزله، فوضعت في أماكن أخرى كيفما أتفق، وفي وضع تلفون نفسه بين جدران زنزانة بجوبا لا يعرف ضيقها إلا سلفا كير، والقليلون جداً من قيادات الحركة والجيش الشعبي.. إنقسام يتضح كذلك، في حجب البعض عنه لبصيص ضوء شمس وحرية لما يزيد عن السنة قضاها تلفون معتقلاً بجوبا، وفي إستعداد البعض لمنحه ضوءاً يكفي لصنع النهار.

 

يُشكل تلفون قاسماً مشتركاً بين أحاديث الناس بجبال النوبة وجنوب كردفان منذ دفعت مجموعة متحمسة باسمه مرشحاً لمنصب والي ولاية جنوب كردفان في الأسابيع الفائتة.

صحيح أن فوزه لا ينتظره حتى أكثر من رشحوه تفاؤلاً، لكن في ذلك الترشيح من رسائل التقدير للرجل الكثير، وفيها رسالة أخرى حرص وكيله عمر منصور أن يشير إليها وهي إن تلفون كوكو ليس فرداً وإنما قائد وراؤه مناصرون كثر ولا بد لرئاسة الحركة التي لا تحترم من يأتيها فرداً أن تعى ذلك.

حاولت الإتصال باللواء تلفون كوكو في داخل معتقله عبر هاتف إستطعت الحصول عليه من أحد أقاربه، وقد كان. حييته بإقتضاب ثم طلبت منه الحديث في موضوع ذي صلة بترشحه، فشكرني بالإقتضاب ذاته، ثم إعتذر بقوله: "أنا محظور محظور محظور".. رددها ثلاثاً.

لم أشأ الإسترسال في الحديث بالتيلفون مع تلفون، فربما كان هناك من يضعه نُصب عينيه، أو يتنصت على حديثه بعد أن يرفع "الكاب" قليلاً عن أذنيه الأمر الذي ربما عرّضه لشيء لا أريد أبداً أن أكون سبباً فيه.

 

 

وقتها، شعرت بأهمية الجانب الإنساني في قضية تلفون على السياسي، فتوجهت إلى منزله الذي بحثت عنه على نحو مضنٍ في جنوب كردفان لأفاجأ به آخيراً في الفتيحاب.

جيداً يبدو شكل المنزل من الخارج، ولا بأس به من الداخل، فهو ليس أقل من البيوت في مربع (20)، ولا أكثر.

شعرت بحركة مكنسة عجلى خلف الباب، باب بيت تلفون بعد أن نقرت عليه صبيحة الخميس الماضي عدة مرات.. ثم بعد نحو ثلاث دقائق فتحت لي مرضية ابنة تلفون الوسطى.

عُمر مرضية (13) عاماً، ولكنها مازالت تدرس في الصف الثالث بمرحلة الأساس، فهي كانت تدرس في الجنوب باللغة الإنجليزية وعندما جاءت مع أسرتها بعد الإتفاقية للخرطوم - الخرطوم التي تعاني مدارسها من جفوة مزمنة مع اللغة الإنجليزية-  أَُضطرت لأن تبدأ دراساتها من السنة الأولى، فدفعت - كوالدها - ثمناً في الحرب، وآخر في السلام.

عند مدخل الصالة المقابل للباب الرئيسي إستقبلتنا زوجته زينب التوم بترحاب وكاسات عصير ما أن جلسنا حتى قدمتها لنا.

أحسن القائد تلفون الإختيار فيما يبدو، فزينب حسبما علمت من مقربين منها امرأة تتمتع بفائض صبر وقوة كان ضرورياً توافرها في من يختارها تلفون زوجة له حتى تقوم بدور الأم والأب إذا لزم الأمر، كما هو عليه الحال لزينب. فهي تقوم بهذين الدورين بجلدٍ كبير. فقد وجدتها تبذل فوق طاقتها لتربية أبناء تلفون الصغار تفرق عليهم حنانها بالتساوي رغم أنهم ليسوا كلهم أبناءها، فهناك أبناء من امرأة أخرى لا أدرى أين هي بالتحديد الآن، أدري فقط، أن أبناءها لن يشعروا بنقص ما مع أمهم زينب، فجميع من بالبيت ينادونها بـ "ماما"، فيما تقوم هي بما تقتضيه هذه الكلمة من واجبات تماماً.

إستأذنتها إبتداءً في أن نصوّر بعض الصور المعلقة على الجدران، صور يعود بعضها لأيام الدراسة التي تخرج فيها تلفون من كلية الزراعة، مروراً بصور له وهو برتب مختلفة في الجيش الشعبي، وأخرى إلتقطت له في الأراضي المقدسة وصورة لم تكن له هو، بل كانت للأب فيليب عباس غبوش كُتب أعلاها "ما تنسوا الوصية.

شدت زينب "الملاءة"، وأزاحت حبوب الملاريا - التي تشكو منها - بعيداً قبل أن نجلس مع صبري ومرضية وحواء ومريومة ويحيى أبناء تلفون الصغار. وقبل أن نجلس كنت قد مررت بمحاذاة صورة للواء تلفون كوكو مع صديقه في زمان مضى سلفا كير ميارديت. في الصورة ظهر سلفا وهو يمد إحدى رجليه طويلاً، قبل أن يمد يده كذلك فيما بعد لتضع صديقه السابق رهن الإعتقال منذ عام أو يزيد تقريباً دون أن يعرف ما هو السبب على وجه الدقة.

 

 

(ماهو سبب إعتقال زوجك؟ بأية طريقة تتواصلون معه؟ كيف تعيشون ومن أين تتصرفون؟ من يتصل بكم من قادة الحركة؟ ومن يدفع ثمن إيجار هذا المنزل المستأجر بأكثر من (700) جنيه في الشهر حسبما علمت؟ ما هي علاقتكم الآن بالحركة الشعبية؟ كيف تنظرون إلى ترشيح تلفون لمنصب الوالي بجنوب كردفان وهو رهن المعتقل؟).

كل هذه الأسئلة، وغيرها طرحتها على زينب فأجابت عليها دونما تلجلج، وسأنشر فيما يلي إفادتها دونما حذف وبقليل من التدخل في الصياغة.. هيا إذن.. إقرأوا لتسمعوا زينب:

(بعد كتاباته في جريدة رأي الشعب عن الأوضاع في جبال النوبة، وأوضاع أبنائها المهمشين في الحركة الشعبية، إتصل به سلفا كير وطلب منه الحضور إلى جوبا لمعالجة القضية، كان سلفا كير مستعجلاً جداً في وصول تلفون، وقد كان الإتصال يتم عبر موبايلي حيث كان مدير مكتب سلفا كير في جوبا يتصل بي في اليوم الواحد ثلاث مرات.

سافر تلفون إلى جوبا في يوم 1/4/2009 ومنذ ذلك التاريخ لم نره ثانية، اصطحب تلفون معه وفداً مكوناً من ثلاثة أشخاص منهم المحامي محمد حسن، ود. صديق تاور إلا أنهم عادوا مرة أخرى إلى الخرطوم بعد أن أمضوا فترة طويلة دون أن يلتقوا بسلفا كير، فقد كان على تلفون أن ينتظر أكثر من ثلاثة أشهر حتى يلتقي بسلفا.

بعد اللقاء تم تعيين تلفون مبعوثاً خاصاً لجبال النوبة وأخبرني بأن سلفا كير أعطاه أمر تحرك وسيارات وميزانية لإنجاح مهمته الجديدة، لكنه لم يأت.. كان كلما يحدد موعداً للمجييء لا يأتي فأصبحت الأمور متأزمة بعد أن طالت الفترة. هو كان يتعذر بإجتماعات، لكن ما عرفته أنه لم يكن يريدنا أن نقلق عليه فقد وضعوه تحت الإقامة الجبرية وأنا تأكدت من هذا الأمر بعد أن تم إعتقاله بصورة رسمية.

عرفت بإعتقاله من حراسه، وبعد ثلاثة أسابيع أعطوه موبايل، سألته عن التهمة التي أعتقلوه بها؟ فقال لي: اتهموني بأن عندي أسلحة ودبابات وأريد أن أقوم بإنقلاب ضد الحركة فأرسلوا قوة كبيرة إلى ياي التي يعمل فيها ففتشوا ولم يعثروا على شيء واتضح أنها كانت تهمة باطلة..  تخيل إنقلاب في الحركة وليس حتى في جبال النوبة!!.

أنا بفتكر إن الحركة تورطت في هذه التهمة وأصبحت تبحث عن مخارجة، فقد قال لي تلفون إنهم حولوه إلى مكتب عسكري لغيابه عن العمل في الجيش الشعبي.. طبعاً تلفون رفض هذا الحديث الذي حاولت الحركة أن تجد به مبرراً لإعتقاله.. لكن أنا أتوقع أن تكون كتاباته عن تهميش الحركة لأبناء النوبة وعدم وفائها لهم هي السبب في إعتقال تلفون فقد كان له رأيه الخاص المنتصر لأبناء النوبة منذ أيام الحرب، وبالتالي فإن قضيته لا تخصه وحده وإنما تخص جميع

 

أبناء جبال النوبة وجنوب كردفان وعليهم أن يتكاتفوا لإطلاق سراحه، وحتى الجهد المبذول لترشيحه أنا أرى أن يوجه لإطلاق سراحه فلا يعنينا كثيراً أن يكون تلفون والياً.. نريد فقط أن يكون حراً خارج المعتقل فأبناؤه ووالدته المتقدمة في السن لم يعودوا قادرين على ان يحتملوا إعتقاله أكثر من ذلك.

عبد العزيز الحلو ضد تلفون وأنا أتهمه بأنه وشى به عند سلفا بكلام غير صحيح، لأن تلفون يتمتع بشعبية كبيرة وإذا مشى ولاية جنوب كردفان عبد العزيز ما حيكون عندو مكان.

أسرتنا الصغيرة لا علاقة لها بالسياسة، وما رأيناه من الحركة على أيام الحرب وحتى إعتقال تلفون لا يجعل لي سبباً لكي نكون جزءاً منها، ولا أريد لأولادي أن يسلكوا درب السياسة أو درب العسكرية، فقد تعبنا وعانينا كثيراً من العسكرية وسأمنع ابني صبري الذي يحلم أن يكون ضابطاً، سأمنعه من الالتحاق بالكلية الحربية.

الحمد لله مستورين فتلفون لديه أصحاب وأخوان رجال ملتزمون بدفع إيجار هذا البيت وما مقصرين معنا أبداً. لكن طوال فترة إعتقال تلفون لم يزرنا أحد من الحركة الشعبية إلا اللواء دانيال كودي الذي كان صامتاً، بينما مدير مكتبه هو الذي يتكلم، لم يجئنا أحد منهم ليعرف كيف يعيش ويأكل ويشرب أبناء تلفون.

كنا نتواصل مع تلفون عبر الموبايل، وكان يوصينا بالصبر ويطمئننا دائماً بأنه سيخرج من المعتقل مرفوع الرأس إلا أنهم أغلقوا موبايله في الأيام الفائتة فهم لا يريدونه أن يتكلم مع مرشحيه وأصبح هناك من يسمع كل كلمة يقولها حتى أننا كنا نتواصل بالرسائل قبل أن تقطع الرسائل نفسها بعد إغلاق الموبايل.

رسالتنا إلى سلفا كير الذي يعرف كل شيء عن  وضع تلفون: أنت أب وتدرك مدى تأثير غياب والد عن أولاده كل هذه المدة خاصة إذا كان أبناؤه يعرفون أن هذا الغياب إجبارياً، نرجوك اطلق سراح أبينا، فقد طال الإعتقال).

مهما يكن من أمر، فقد قررت أن أكتفي بما سمعت من حديث زينب نصف المريضة وقتها عندما بدا لي واضحاً أنها مرهقة، رغم أن حديثها، أو بالأحرى مأساتها كقضية إعتقال زوجها، لم تنته بعد. ولا يعرف أحد على وجه التحديد متى؟ وكيف؟ ستكون نهاية قصة اعتقال تلفون؟!.

ومهما يكن كذلك، فإن حبس تلفون كل تلك الفترة دون أن يُخلى سبيله، أو  يُقدم لمحاكمة عادلة، يضرب بقوة في عمق مصداقية الحركة التي «تأمر» الناس بالحرية وتنسى نفسها فيما يبدو، كما يُفقد صوتها التناغم. إلى جانب أن وضعها لتلفون في معتقل جيد الإغلاق، يغلق أوضاع الحركة في جبال النوبة على إناء يغلى، وقد تندلق محتوياته الحارقة قريباً في وجه من يظنون أنهم أحكموا إغلاقه.



© Copyright by sudaneseonline.com