From sudaneseonline.com

زفرات حرى بقلم : الطيب مصطفى
إلى أميرة الفاضل والفادني وغيرهما.. ارحموا هذه الفئة من الغارمين/الطيب مصطفى
By
Apr 10, 2011, 00:40

زفرات حرى

الطيب مصطفى

إلى أميرة الفاضل والفادني وغيرهما.. ارحموا هذه الفئة من الغارمين

 

انفطر قلبي أو كاد حين قرأتُ خبراً عن وفاة أحد سجناء الشيكات بعد أن أمضى بضع سنوات في سجنه محكومًا بمادة «يبقى إلى حين السداد» أو حتى السداد والتي تذكِّرني بآية «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» أي اعبد الله تعالى مادمتَ حياً فهؤلاء مطلوبٌ منهم أن يبقوا رهيني شيكاتهم حتى وفاتهم!!

ما يؤسَف له أن تلك الحادثة الأليمة ظلت تتكرر من حين لآخر وأن بعض حبيسي الشيكات يُصرف عليهم خلال سنوات حبسهم أكثر من قيمة مديونياتهم وقد اتصل بي أحدُهم من داخل سجنه يحكي عن 17 ألف جنيه ظل حبيساً بسببها نحو ثلاث سنوات!!

عند خروجي من صلاة الجمعة اعترضتني امرأة كبيرة في السن بعد أن عرفتني وكان بجانبها امرأة شابة ومعها أربعة أطفال قالت المرأة إنهم أحفادها من ابنها السجين في كوبر وكانت تلك المرأة الشابة هي أم الأطفال وبالطبع زوجة السجين وشعرتُ والله بالأسى والحزن وأنا أنظر إلى أولئك الأطفال الذين أُلقي كاسبُهم ووالدُهم في قعْر مُظلمة بلا ذنب جنوه وظلوا منذ ذلك اليوم عرضة لقهر الأيام وإذلال المجتمع.

لعلّ من رحمة الله تعالى أن جعل العقوبات وقتية حتى لا يتعدَّى أثرُها ويتجاوز إلى الآخرين الذين لا يقتصر العقاب الذي وقع عليهم بلا ذنب على مجرد مفارقة الأب الكاسب وإنما يشمل الأثر النفسي في المدرسة والمحيط الاجتماعي.

والله إني لأشعر أن سجناء الشيكات بل جميع السجناء المحبوسين في مقابل مبالغ صغيرة لا تتجاوز الخمسين ألف جنيه يستحقون أن يزاد بند مصرفهم من ديوان الزكاة وأن يخصَّص لهم مبلغ من الدعم الاجتماعي الذي ترصده شركات الاتصالات وغيرها من المؤسسات والشركات فبالله عليكم أليس الطفل المحبوس والده يتيمًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى طوال فترة الحبس؟!

كذلك على المنظمات الإنسانية أن تخصِّص مبالغ وبنود صرف من أجل إخلاء السجون من حبيسي المبالغ الصغيرة وأشعر بالحاجة إلى أن يقوم جهد إنساني أو نفير اجتماعي تتولاه بعض المنظمات من أجل إخلاء السجون من هذه الفئة من الناس الذين رماهم حظُّهم العاثر في أزمات مالية جرّاء قصور أو خطأ في التقدير يتأثر كثيراً بالتقلبات والظروف الاقتصادية غير المواتية.

أرجو كذلك أن تقوم الحكومة ممثلة في وزارة المالية الاتحادية برصد أولئك المدينين الذين أُدخلوا السجن بالرغم من أنهم دائنون للحكومة مثل فئة المقاولين الذين عجزت الدولة عن منحهم حقوقهم.

أرجو أخيراً من السيدة أميرة الفاضل التي رأينا جهدها الكبير ونشاطها الاجتماعي الجمّ ومن بروفيسور عبدالقادر الفادني الذي جفّف دموع كثيرٍ من الغارمين وأطفالهم وخفَّف على الكثير من المكروبين أن يقوما برصد سجناء الشيكات والغارمين بمبالغ صغيرة على مستوى السودان بدءاً من الخرطوم التي تكتظ سجونُها بهذه الفئة من الناس وأن يُصار إلى بذل جهد يخفِّف من وطأة هذه المشكلة التي تعاني منها فئة مقدَّرة في المجتمع.

إنه والله ليحزنني أن كثيراً من أعزة القوم الذين كانوا ملء السمع والبصر رمت بهم الأقدار في عمليات تجارية ألقت بهم في السجون كما أعلم عن شقيق أحد كبار رجال الأعمال من الذين قدموا وبذلوا طوال السنين الماضية ولا يملك الآن أن يُطلق سراح شقيقه الذي اتصل بي من داخل السجن قبل يومين.

 

ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

أم دوم بين الذكريات الأليمة ومشكلة التجار الشماليين

٭ خلال مناسبة زواج كريمة الأخ حيدر الصديق النعمة بأم دوم ظهيرة الجمعة الماضية شكا لي بعض التجار الشماليين الذين أفنوا زهرة أعمارهم في جنوب السودان من جور جنرالات الحركة والجيش الشعبي الذين نهبوا منازل وممتلكات أولئك التجار «بقلع اليد» واستقروا فيها بل واستأجروها لآخرين وظلوا يتكسبون من ريعها!!

أم دوم كما يعلم أهل الشمال جميعاً من أكثر المناطق المنكوبة جرّاء مشكلة الجنوب ليس في تمرد 1955 الذي أحال أم دوم إلى بيت عزاء كبير وإنما كذلك تضرر من بقي من أبنائها في الجنوب بعد تلك الأحداث المروِّعة مرة أخرى في أحداث الإثنين الأسود التي اجتاحت السودان جنوبه وخرطومه عقب توقيع نيفاشا وفي أعقاب مصرع قرنق عام 2005م، ولعل نكبة آل الفزاري الذين قُتل منهم العشرات في أحداث توريت ستظل إحدى الذكريات الأليمة التي تحكي عن ذلك الزواج غير الشرعي بين الشمال والجنوب الذي كان مأزونه «الكافر» هو المستعمِر الإنجليزي الأثيم.

لقد كتبنا مراراً وبُحّ صوتُ الأخ صديق كوراك وهو يصرخ ويكورك ويقرع أبواب المسؤولين ويطرق أجهزة الإعلام مذكِّراً بفئة من أبناء الشمال ظنوا أن الجنوب جزء من وطنهم يحقُّ لهم أن يُقيموا فيه ويعملوا ويتاجروا وما دروا أن الجنوب لا يضمرُ لهم غير الشرّ وهل من شرٍّ أكبر من نكبة أم دوم التي لم يرحم المتمردون نساءها وأطفالها بل والأجنة في بطون أمهاتهم؟!

نحمد الله كثيراً أن مسار التاريخ قد تغيَّر وأن خطأه الأكبر قد صُحِّح ولم يتبقَّ وقتٌ طويل من إعلان دولة الجنوب المستقلة فهلاّ وضعت الحكومة مشكلة حقوق التجار الشماليين في جنوب السودان ضمن القضايا العالقة التي ينبغي أن تُناقش وتُحسم قبل أن ينفضّ السامر ويُعلَن رسمياً عن الطلاق البائن بينونة كبرى بين الشمال والجنوب!!

 

بين العسكرية والرومانسية؟!

قال الفريق محيي الدين أحمد عبدالله رئيس أركان القوات الجوية حسب صحيفة القوات المسلحة: «على الرغم من أن معظم الجنوبيين اختاروا الانفصال إلا أننا سنظل إخوة تربطنا معكم ذكريات الماضي وأماني الحاضر التي تتمثل في عودة الجنوب إلى الدولة الأم فالاتفاقية التي فصلت الجنوب عن الشمال وجعلت منه دولة لن تستطيع الفصل مابين الشعبين فالعلاقات مابين الشعبين علاقات أخوة إلى الأبد»!!

كلمات شاعرية ورومانسية تحتشد بالعاطفة التي ما كانت طوال عقود من الزمان إلا وبالاً على العلاقة المأزومة بين الشمال والجنوب.

يقول الفريق حديثه هذا الذي يعلم تماماً أنه مجرد «شعر» يتبعه الغاوون ولا يعبِّر عن واقع حقيقي في وقت يتهم فيه باقان أموم وحكومة الجنوب القوات المسلحة السودانية والشمال بأنه يسعى لإسقاط حكومة الحركة الشعبية وبأن القوات المسلحة تدعم التمردات التي تجتاح الجنوب هذه الأيام لدرجة أن باقان أموم لم يكتفِ «بالنِّقَّة» داخل السودان كما ظل يفعل منذ أن وطئت قدماه هذه الأرض في أعقاب نيفاشا وإنما حمل اتهاماته لمجلس الأمن وعمل على إقناع ما يسمَّى بالمجتمع الدولي وأمريكا بإنزال أشدّ العقاب بالشمال الذي ظل مُتَّهَمًا على الدوام ولم تنشأ بينه وبين الجنوب في يوم من الأيام علاقة أخوة وإنما كانت العلاقة متوترة وملأى ومُترعة بالدماء والدموع.

يقول محيي الدين كلامه هذا الشاعري بالرغم من أنه يعلم ان الحكومة السودانية ظلت تشكو من دعم الحركة وحكومة الجنوب لمتمردي دارفور حتى يُلحقوا الأذى بالشمال ولا يزال الكيدُ والتربُّص تنوء عن حمله الجبال الراسيات مما ستكشف عنه الأيام ومما أعلم عنه الكثير!!

ليت محيي الدين هذا وغيره من القيادات العسكرية حصروا حديثهم في مجال اختصاصهم بعيداً عن السياسة التي لها رجالُها ومؤسساتُها!!



© Copyright by sudaneseonline.com