From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
سدود اثيوبيا وملف نزاعات مياه النيل 4 تعليقات بعض القراء والرد عليها /د. سلمان محمد أحمد سلمان
By
Apr 9, 2011, 11:59

سدود اثيوبيا وملف نزاعات مياه النيل 4

تعليقات بعض القراء والرد عليها

د. سلمان محمد أحمد سلمان

وصلتنى مجموعة من الرسائل الإلكترونية والمكالمات الهاتفية عن المقالات الثلاث التى نشرتُها عن سدود اثيوبيا وملف نزاعات مياه النيل. تضمّنت بعض هذه الرسائل والمكالمات نقداً أو تساؤلاتٍ عن بعض الحقائق والآراء التى تضمنتها المقالات .أودّ أن أتقدم بالشكر لكل من  كتب لى، سواءٌ كان شاكراً أو ناقداً. ولتعميم الفائدة ولفتح باب نقاشٍ هادئٍ وهادفٍ رأيت أن أقوم بتلخيص بعض أهم تلك النقاط التى وردت فى تلك الرسائل والرد عليها فى هذا المقال الرابع.

1

الرسالة الأولى وصلتنى من أحد الأخوة نيابةُ عن منظمة أسماها "منظمة حقوق الإنسان لبنى شنقول" تضمنت الرسالة نقداً ً لى لقولى فى المقال الأول أن سدّ الألفية العظيم سوف يتم بناؤه فى ولاية بنى شنقول الإثيوبية. كاتب الرسالة عاب عليّ عدم الدقة فى توضيح جغرافية وتاريخ السودان، مُدعياً أن منطقة بنى شنقول أراضى سودانية تحت الإحتلال الاثيوبى منذ أكثر من مائة عام، وأن السد سيُبنى فى حقيقة الأمر فى أراضى سودانية مُحتلّة. وطلب منّى كاتب الرسالة تصحيح هذا الخطأ.

رددتُ على تلك الرسالة موضّحاً لكاتبها أنه صحيحٌ أن منطقتى بنى شنقول وقامبيلا كانتا جزءً من السودان حتى عام 1896 عندما استولت عليهما اثيوبيا وضمتهما إليها. وقد تم رسم الحدود بين السودان واثيوبيا عند بداية الحكم الثنائى على تلك الصورة التى تُخْرِج هاتين المنطقتين من حدود السودان رغم وجود عددٍ من القبائل السودانية الشمالية داخل منطقة بنى شنقول، وعددٍ من القبائل السودانية الجنوبية فى منطقة قامبيلا. ولم تُثِر أىٌ من الحكومات الوطنية المختلفة منذ الإستقلال مسالة تبعيّة منطقة بنى شنقول أوقامبيلا إلى السودان، بل قبلت ذلك الوضع نتيجة إلإتفاق داخل منظمة الوحدة الأفريقية على عدم المساس بالحدود الموروثة من الإستعمار.

فى عام 1995 صدر الدستور الاثيوبى الأخير والذى قضى بتسمية الإقليم بنى شنقول والقُمز بدلاً من إسم الإقليم السادس الذى عُرِف به قبل ذلك، وعاصمته أصوصا. ويضم الإقليم الجزء الغربى لنهر أبّاى (النيل الأزرق) حيث سيُبْنى سد الألفية العظيم. أما قامبيلا فهو إقليمٌ منفصل عن بنى شنقول وعاصمته مدينة قامبيلا التى تقع على نهر بارو، أحد روافد نهر السوباط. وقد كانت هناك رحلاتٌ تجارية منتظمة على نهر بارو بين قامبيلا والناصر فى ولاية أعالى النيل بجنوب السودان بدأت خلال الحقبة الإستعمارية. وقد قامت الحكومات الوطنية المختلفة فى فتح قنصلية للسودان فى قامبيلا والتى ظلت تعمل حتى منتصف التسعينات. وفَتْحُ القنصلية هذا هو دليلٌ واضح على قبول الحكومات المختلفة فى السودان لتبعيّة المنطقة لاثيوبيا.

إننى أرجو من الأخ الذى كتب لى منتقداً وصفى للمنطقة بأنها اثيوبية أن يكتب هو وأعضاء منظمة حقوق الإنسان لبنى شنقول عن تاريخ وجغرافية المنطقة، وأن يُعلّقَ على المعلومات التى أوردتها أعلاه إن كان لايتفق معها .

2

الموضوع الثانى الذى أثارته بعض رسائل القراء هو كمية مياه النيل ومساهمة اثيوبيا والدول الإستوائية والسودان فى هذه الكمية. وقد عبّرت بعض الرسائل عن دهشتها أن الأرقام التى ذكرتها فى مقالاتى توضّح أن السودان ليس لديه أى مساهمة فى مياه النيل، وتتساءل هذه الرسائل عن أين تذهب كل مياه الأمطار التى تهطل فى السودان، خصوصا فى الجنوب. هذه اسئلةٌ مشروعة وتستحق إجابة مستفيضة.

كما ذكرنا فى المقال السابق فإن مجمل مياه النيل مقاسةً عند أسوان كما تشير إتفاقية مياه النيل لعام 1959 هى 84 مليار متر مكعب توزيعها كالاتى:

النسبة

الإنسياب (مليار متر مكعب)

الرافد

59%

50

النيل الأزرق

14%

11.5

النيل الأبيض

14%

11.5

نهر السوباط

13%

100%

11

84

نهر عطبرة

مُجمل الأنهار

 

وتأتى مياه النيل الأزرق ونهر السوباط ونهر عطبرة كلها من اثيوبيا، وهى تساوى 72.5مليار متر مكعب (وليس 74 مليار متر مكعب كما ذكرنا فى مقالٍ سابق، فمعذرة لهذا الخطأ)، وتمثّل 86% من جملة مياه النيل. وتأتى البقية وهى 11.5 مليار متر مكعب من البحيرات الإستوائية وتساوى 14%. والسؤال الذى أثير أين تذهب مياه أمطار السودان؟

قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من توضيح أن النيل الأبيض عندما يعبر الحدود السودانية عند مدينة نمولى (ويُسمى عندها بحر الجبل) فإن كمية المياه التى يحملها هى حوالى 33 مليار متر مكعب. ينتشر النيل الأبيض فى مستنقعات السُد حيث يفقد نصف هذه الكمية من المياه، بالإضافة إلى كلِّ المياه الآتية من الأمطار فى تلك المنطقة. ورغم الإضافة المحدودة من بحر الغزال للنيل الأبيض فإن إجمالى المياه التى يحملها النيل الأبيض عند إلتقائه بنهر السوباط قرب ملكال تساوى حوالى 16 مليار متر مكعب. ويضيف نهر السوباط إليها حوالى 13 مليار متر مكعب لتساوى مجمل مياه النيل الأبيض والسوباط بعد لقائهما قرب ملكال حوالى 29 مليار متر مكعب. ولكن يضيع من هذه الكمية حوالى 6 مليار متر مكعب خلال الإنتقال بين ملكال وأسوان فى التبخر والتسرّب، خصوصاً فى خزان جبل أولياء حيث يأخذ التبخر حوالى مليارين ونصف مليار متر مكعب (ويُسمى فاقد الإنتقال) لتكون كل مياه النيل الأبيض (بما فى ذلك مياه نهر السوباط) مقاسةً عند أسوان 22 مليار متر مكعب فقط. إذن فإن مستنقعات جنوب السودان وفاقد الإنتقال والتبخر فى سدود السودان (سنار وجبل أولياء والروصيرص وخشم القربة ومروى) تُفْقِد النيل سنوياً قدراً كبيراً من مياه النيل الواردة من خارج السودان  بالإضافة إلى الأمطار فى السودان نفسه (تُقدّر هذه المياه بدون فاقد المستنقعات بحوالى 10 مليار متر مكعب). وهذا الوضع يُفسر أين تذهب مياه الأمطار فى السودان. ومما يجدر ذكره أن التبخر من بحيرة ناصر يصل سنوياً إلى حوالى 10 مليار متر مكعب أيضاً.

أمّا بالنسبة لمستنقعات جنوب السودان فإنها تنقسم إلى ثلاث مجموعات:

أولاً: مستنقعات السُد وهى تقع عبر نهرى بحر الجبل وبحر الزراف وتنتشر فى فترات الفيضانات الكبيرة إلى حوالى 40,000 كيلومتر مربع ممتدّةً من بور وحتى ملكال. وكان العمل قد بدأ فى قناة جونقلى عام 1978 (نتيجة الإستتباب النسبى للأمن فى جنوب السودان بعد التوقيع على إتفاقية أديس أبابا) إواكتمل حوالى 270 كيلومتر من إجمالى القناة البالغ طولها 360 كيلومتر، ولكنْ توقّف العمل نهائياً فى القناة فى فبرائرعام 1984 إثر هجوم الحركة الشعبية لتحرير السودان على موقع القناة. وقد كان من المتوقع أن تُضيف القناة حوالى 5 مليار متر مكعب من مياه مستنقعات السُد إلى النيل الأبيض. وهناك أيضا دراسة عن قناة جونقلى الثانية التى تقع إلى الغرب من قناة جونقلى الأولى عبر بحر الزراف والتى يُتوقع أن تُضيف حوالى 4 مليار متر مكعب إلى النيل الأبيض من مستنقعات السُد أيضاً، ولكنْ لم يبدأ العمل بهذه القناة إطلاقاً. الجدير بالذكر أن منطقة السد قد تمّ إعلانها فى نوفمبر عام 2006 أراضى رطبة ذات أهمية دولية تحت الإتفاقية الدولية للأراضى الرطبة ذات الأهمية الدولية (أو ما يُعرف بمعاهدة رامسار) بواسطة الإتحاد الدولى لحفظ الطبيعة. وهذا الوضع من شأنه أن يقوّى أيادى منظمات المجتمع المدنى المعنية بالحفاظ على البيئة والمعارِضة لقناة جونقلى والقنوات الأخرى التى أشرنا إليها.

ثانيا: مستنقعات بحر الغزال والتى تغذّيها مجموعة كبيرة من الأنهار التى تبدأ فى جنوب السودان وتلتقى ببحر الغزال مثل نهر لول ونهر الجور و بحر العرب وروافده و بحيرة نو. ونسبةً لكِبر حجم مياه المستنقعات هذه فإن الدراسات تُشير إلى إمكانية إضافة أكثر من 7 مليار متر مكعب من مستنقعات بحر الغزال إلى النيل الأبيض عبر حفر قناة بحر الغزال.

ثالثاً: مستنقعات السوباط/مشار والتى تقع كلها عبر نهر السوباط داخل السودان، وهناك أيضا دراسة عن إمكانية حفر قناة يمكن أن تُضيف حوالى 4 مليار متر مكعب من المياه إلى النيل الأبيض. ويُشار إلى هذه المستنقعات بإسم مشار أو السوباط أوالأثنين معاً.

إذن فإن إجمالى المياه التى يمكن إستخلاصها من مستنقعات جنوب السودان وإضافتها إلى النيل الأبيض يمكن أن تصل إلى حوالى 20 مليار متر مكعب (9 من جونقلى الأولى والثانية، 7 من بحر الغزال و4 من السوباط/مشار). وهذه الكمية من المياه تساوى تقريباً كل مياه النيل الأبيض بما فى ذلك نهر السوباط، وتساوى أيضاَ ربع وارد مياه نهر النيل الكُليِّة والبالغة 84 مليار متر مكعب مُقاسةً عند أسوان.

3

هذا يقودنى إلى السؤال الأخير الذى أثاره بعض القراء وهو: هل السودان دولة منبع أم دولة مصب؟

 السودان ليس دولة منبع لأن كل المياه التى تعبر حدوده إلى مصر تأتى من خارج الحدود – 86% منها من إثيوبيا و14% من البحيرات إلإستوائية، كما أن مياه الأمطار التى تهطل فى حوض النيل فى السودان تضيع فى مستنقعات جنوب السودان أو من التبخر فى سدود السودان أوخلال رحلة الإنتقال من الحدود مع اثيوبيا ويوغندا إلى أسوان كما ذكرنا فى الجزء السابق من هذا المقال.

كما أن السودان ليس دولة مصب لأن دولة المصب هى الدولة التى يُنْهِى فيها النهر رحلته بأن يصب في البحر أوالمحيط. يمكن بالطبع وصف السودان بأنه دولة عبور بحكم أنه يقع بين دول المنبع (دول البحيرات الإستوائية واثيوبيا) ودولة المصب (مصر). أو يمكن إستعمال إصطلاح دول أعالى المجرى وهى دول البحيرات الإستوائية واثيوبيا، ودول أسفل المجرى وهى السودان ومصر. إذن فالسودان دولة عبور وأحد دولتى أسفل المجرى.

غير أنه كما حاولتْ المقالات الثلاث السابقة التركيز عليه، فإن إدارة وحماية الأحواض المشتركة تتم بالتعاون بين دول الحوض جميعها، وليس بالتكتلات بينها. وإن ترجمة التعاون بين دول الحوض جميعها الى واقعٍ عملى يتم من خلال إنشاء آلياتٍ ومؤسساتٍ مشتركة تشمل كل دول الحوض ويُعْهد إليها بمسئولياتٍ أساسية فى إدارة وحماية الحوض، ومن خلال المشاريع المشتركة بين دول الحوض ومن خلال التبادل المنتظِم للمعلومات والبيانات، كل هذا من شأنه أن يُلغى كلَّ أنواع التصنيفات لدول الحوض بين دول منبع ودول عبور ودول مصب، أو دول أعالى وأسفل المجرى، ويُلغى بدوره التكتلات التى تنتج عن هذه التصنيفات. فالتعاون بحسن نية هو الركيزة الأساسية التى تستند عليها إدارة وحماية والإنتفاع من الأحواض المائية المشتركة.

مرةً أخرى الشكر للقراء الذين كتبوا أو إتصلوا وأثاروا النقاط الهامة التى شملها هذا المقال.

[email protected]

 



© Copyright by sudaneseonline.com