From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
الإغتيالات في الجنوب.. سيناريوهات مفخخة بقلم : مقداد خالد
By
Apr 9, 2011, 11:45

الإغتيالات في الجنوب.. سيناريوهات مفخخة

بقلم : مقداد خالد

حتى ساعته، لا يعرف على وجه الدقة، الأسباب التي قادت ألفريد لادو قوري مستشار رئيس حكومة الجنوب للشؤون الدبلوماسية للوقوف أمام ميكرفونات الصحافيين بعاصمة الجنوب مدينة جوبا للحديث بلغة يقينية عن مخطط لاغتيال شخصيات جنوبية من الوزن الثقيل بالتزامن مع إعلان دولة (السودان الجنوبي) في التاسع من يوليو المقبل. قائمة الـ (خمس نجوم) المراد إغتيالهم من قبل جهة أمسك ألفريد عن تسميتها تضم د. رياك مشار  نائب رئيس حكومة الجنوب، والفريق أول فاولينو ماتيب نائب القائد العام للجيش الشعبي، بجانب الفريق إسماعيل كوني، وأوغستين جاد الله، والفريق ايزاك اوبوتو مأمور القادة بالجيش الشعبى.

ولعل حالة الضبابية الناجمة عن حديث لادو مصدرها الرئيس، البيان الذي أصدره مكتب د. رياك مشار بترويسة حكومة الجنوب، ويفيد بعدم امتلاكهم لما يؤيد أو ينفي ما جاء في المؤتمر. ذلك وإن بدا من لهجة البيان أنه إلى التصديق أقرب من حالة النكران باعتبار أن الحديث صادر عن رجل دولة ذي صفة دستورية -بحسب ما ورد بالنص- ما يمنح أحاديثه صبغة الصدقية المتكئة على تقارير أمنية.

قاسم مشترك

وبالعودة إلى الشخصيات الخمس، نجد القاسم المشترك الأكبر بينها، هو رتبهم العسكرية الرفيعة، ومكانتهم القبلية المرموقة.  فدكتور رياك مشار أحد أشهر رجالات قبيلة النوير الرابضة على بترول الجنوب بولاية الوحدة. والفريق فاولينو ماتيب المنتمي لذات القبيلة يمتلك قوات قادرة على قلب أية معادلة عسكرية، بينما ينتمي البقية لقبائل لا تملك صيتاً كالدينكا والنوير ولكن يصعب تجاوزها، فكوني هو قائد قبيلة المورلي، ومأمور هو أحد اعيان الزاندي وهي قبائل استوائية معروف عنها الشراسة.

وباتصال (الرأي العام) بالقيادي البارز في صفوف الحركة الشعبية د. لوكا بيونق، أكد الوزير عدم شيوع ثقافة الاغتيالات في السودان عامة وفي الجنوب على وجه الخصوص وقال إنهم وفي عز أزمنة الصراع لم يلجأوا لأسلحة الإغتيال والطرود المفخخة. وأضاف جازماً: (بكرة براك ح تشوف). وهو ذات الأمر الذي نحا إليه مكتب د. رياك مشار في بيانه بالإشارة إلى خلو التاريخ السوداني من التصفيات الجسدية كآلية لإدارة التباينات.

تاريخ مغاير

بيد أن أستنكار الرجلين، وقطعهما بمستقبل سلمي لدولة الجنوب، يقف في قبالة تاريخ ملىء بالاغتيالات في الأقليم الحاصل على استقلاله بناء على اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) . أغتيالات ربما تكون مبررة وقتها، خاصة وان القاعدة الشهيرة تقول بالسماح بكل شىء في لعبة الحب والحرب. وبتقليب دفة كتاب الاغتيالات نجد صفحة أولى لقائد الحركة التاريخي د. جون قرنق الذي يقال بوجود أياد خفية وراء سقوط طائرته في جبال الاماتونج. وأخرى لكاربينو كوانين مؤسس التمرد الذي تم أغتياله وتفرق دمه بين مختلف أطراف الجنوب. وقبلهما تشير بعض روايات التاريخ وسفر الأغتيال لقادة صف أول قضوا في صراعات الجنوب المستعرة إبان الثمانينيات ومطلع التسعينيات من أمثال صمويل قاي توت مؤسس حركة الانيانيا الثانية، ووليم نون احد ابرز مؤسسى الحركة الشعبية ورئيس اركان الجيش، وبنجامين بول أكوك المغتال بأثيوبيا. أما أخر زمرة المغتالين فكان جيمي ليمي ميلا وزير التعاونيات والتنمية.

هذا ملمح عمن أزهقت أرواحهم، أما الناجون من محاولات اغتيال فيأتي على رأسهم د. لام أكول رئيس الحركة الشعبية التغيير الديمقراطي الذي تعرض لمحاولتي أغتيال أحداها في قلب الخرطوم. وهناك أنجلينا تينج زوجة د. رياك مشار، كما وأن سامسونج كواجي وقبيل وفاته بأشهر تعرض لمحاولة اغتيال بأطلاق نار كثيف على موكبه.

أهداف

وبالعودة للرسائل التي ربما أراد لادو أرسالها بمؤتمره الصحفي أتصلت (الرأي العام) باستاذ العلوم السياسية د. محمد أحمد بابو نواي. نواي رجح سيناريو الاستباق بغاية قطع الطريق أمام أية جهة تحدثها نفسها باللجوء لظاهرة الاغتيال لزعزعة أمن الجنوب كالسيناريو رقم واحد.  وفيما أستبعد أن تلجأ الحركة ودول الجوار بما فيها الشمال لإسلوب الاغتيالات مخافة أستثارة قبائل الجنوب، وخشية تمدد الفوضى والحرب وذلك على التوالي أشار د. نواي لأحتمالية ولوغ جهات أجنبية في الأمر لتحجيم الشمال والجنوب من البروز كقوى أقليمية مؤثرة فضلاً عن العمل الجاد  لأحتواء الدولة  الوليدة.

أيادٍ خارجية

وعن الأهداف المرجوة من تفجير قنبلة خبر الاغتيالات، نجدها بحسب خبراء متراوحة بين تحجيم أولئك القادة والحد من حراكهم عن طريق تخويفهم، أو على العكس بارسال رسالة لحكومة الجنوب بضرورة استيعاب الجميع لضمان ولائهم. بينما يشدد د. لوكا بيونق بوجود أصابع خفية لجهات لم يسمها وتقف وراء الكواليس لزعزعة أمن واستقرار الدولة الوليدة. وقال: البعض يعمل على نشر الشائعات وبثها في الدفق الأعلامي الحالي لإحداث البلبلة والفتنة بين الناس وتساءل مستعجباً: لماذا يغتال د. رياك؟ وواصل: مشار رجل محبوب من قبل القادة والجماهير، وصدره ومكتبه يتسعان للجميع.

غير أن د. ابنيقو أكوك أستاذ العلوم السياسية وبعد الأشارة لوجود تضارب أداري داخل أروقة حكومة الجنوب، جراء أنتحال المستشار  الدبلوماسي لصفة مستشار الأمن بكشفه لمعلومة الاغتيال على الملأ، أقر باحتمالية ولوغ بعض الجهات في سيناريو اغتيالات لأسباب متراوحة بين الأجندات الشخصية والتصفيات الرامية للعصف بدولة (السودان الجنوبي) وأكد وجود مجموعات مسلحة أمتهنت الحرب طوال العقود الماضية وتعمل على الحفاظ على بقائها باستمرار تلك الأجواء الزنخة برائحة البارود عبر شتى الوسائل بما فيها الاغتيال الذي سيشكل -ان تم- حجر عثرة كبير في طريق قاطرة السلام. وطالب ابنيقو باجراء تحقيق عاجل في المعلومات التي أوردها لادو باعتبارها مصدر قلق لشخصيات مهمة في الجنوب تستشعر الخطر من كل الجهات.

مستقبل مفتوح

على كلٍ، فإن سجالات حكومة الجنوب وقادة الاقليم (خاصة د. رياك وفاولينو) أمر معتاد للغاية، يبرز فجأة وسرعان ما يختفي أيضاً بتطمينات متبادلة، ولكن الجديد هو دخول لغة متشددة تذهب حد الاغتيالات. وبالتالي فإن ردات الفعل يصعب استنتاجها، فما يكتب بالدم لا يمحى في الورق.

 



© Copyright by sudaneseonline.com