From sudaneseonline.com

زفرات حرى بقلم : الطيب مصطفى
دور المسجــــد/الطيب مصطفى
By
Apr 9, 2011, 11:12

زفرات حرى

الطيب مصطفى

دور المسجــــد

 

أخيرًا وبعد أكثر من عقدين من الزمان من عمر الإنقاذ ينعقد اليوم مؤتمر حول دور المسجد علماً بأن هذه السنين شهدت آلاف المؤتمرات حول كل شيء في الدنيا صغيرها وكبيرها وعظيمها وحقيرها وبقي المسجد لا بواكي له بالرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما دخل المدينة مهاجراً كان أول فعل يفعله هو أنه أقام مسجده وبالرغم من أن المسجد هو الذي يغير عالمنا العربي اليوم ويزيل الطواغيت ممن كانوا يشعلون الحرب على عشاقه وحمائمه.

صحيح أن هذه السنين شهدت انتشاراً هائلاً للمساجد على مستوى السودان وحظيت الخرطوم بنصيب الأسد الأمر الذي أعاد للمسجد دوره الاجتماعي كأهم رابط بين المجموعات التي تحيط بكل مسجد على حدة كما عمَّق من شعيرة الصلاة في حياة المسلمين وجعلها ركناً ركيناً يُعيَّر ويُعزل من لا يواظب عليها ويؤديها.

نأمل ونرجو أن يحظى هذا المؤتمر باهتمام الدولة ممثلة في الرئيس ووالي الخرطوم وولاة الولايات وأن توضع توصياته موضع التنفيذ ووالله إني لا أشك لحظة واحدة في أن الاهتمام بالمساجد وبعمارتها وبالأئمة سيعوض الله عنه ويفتح على البلاد بركات من السماء ويفجِّر الأرض خيرات وثروات وليتنا لو أيقنّا أن لهذا الكون مدبراً حكيماً وأن التمرد على سلطانه سبحانه يستمطر العقاب  والزلازل والعواصف وما زلزال اليابان التي رجعت مائة عام إلى الوراء عنا ببعيد!!

أحزن والله أن يكون أئمة المساجد وحَفَظَة القرآن الكريم في قاع المجتمع في دولة تتبنّى الشريعة منهجاً ونظامًا للحكم ولذلك لا بد من إيلاء هذا الأمر ما يستحقه من اهتمام وليت مؤسساتنا الدعوية وجامعاتنا تضع في قمة أولوياتها أن تعمل على أن يكون كل حافظ للقرآن عالماً وأعتقد أن الجهد المبذول في سبيل حفظ القرآن الكريم أكبر من ذلك الذي يُبذل لتحصيل العلم والمهارات الخطابية المطلوبة للعلماء الذين يحتاج إليهم المجتمع أكثر مما يحتاج إلى الحَفَظَة وفي رأيي أن عالماً غير حافظ للقرآن أكثر فائدة من الحافظ غير العالم.

ثمة أمرٌ مهم وهو دور المسجد في معالجة مشكلات كل مجتمع على حدة سواء كانت سياسية أو أخلاقية فعلى سبيل المثال فإنه ما من دواء ناجع لمعالجة مشكلة التمردات مثل المسجد وخطب الجمعة ففي دارفور مثلاً حيث قدَّم كثير من المسلمين القبيلة على الوطن بل على الدين فإن على المساجد أن تركز على فقه الولاء والبراء وعلى استبشاع قتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق واستدعاء الفقه الحاضّ على حفظ دماء المسلمين وهل من آية ينبغي أن يحفظها كل مواطن في دارفور أكثر تعبيراً من: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً»؟!.

لو كان هذا الفقه متجذِّرًا في مجتمع دارفور المسلم لما وجد العلماني عبد الواحد نور المرتمي في أحضان اليهود تأييداً ولقضت عليه تماماً زيارته لتل أبيب ولما انساق بعض المسلمين لخليل إبراهيم وهو يقودهم لاحتلال أمدرمان وقتل المسلمين بدم بارد!!

إن على مؤتمر المسجد أن يوصي بتعديل المناهج بما يعظِّم من دور الدين في توجيه السلوك السياسي والأخلاقي للأفراد.

إن خطبة الجمعة ينبغي أن تحظى باهتمام خاص ويمكن الاستعانة بالخطبة النموذجية كوسيلة لتوحيد الخطاب للمسلمين في كل مجتمع على حدة فخطبة دارفور لمحاربة  التمرد تختلف عن خطبة الجمعة في الخرطوم التي تشهد انفلاتاً أخلاقياً وانتشاراً للمخدرات، وكذلك فإن الشريعة وترسيخها كقناعة في نفوس المسلمين والحرب على العلمانية ينبغي أن تكون من المجالات التي تعالجها الخطب النموذجية التي جُرِّبت في السابق بنجاح تام.

«المؤتمر الوطني بين النظرة الحزبية والنظر الإستراتيجي» (تعقيب)

 

الأخ العزيز المهندس/ الطيب مصطفى 

السلام عليكم ورحمة الله 

أرجو أن تسمح لي بالإطلالة عبر نافذتك «زفرات حرّى» تعقيباً وإضافةً لمقالك بتاريخ 2/4/2011م بعنوان «المؤتمر الوطني بين النظرة الحزبية والنظر الإستراتيجي» 

وبدءاً أقول إن ما ذهبتَ إليه أنت في مقالك ظل ومنذ أمدٍ ليس بالقليل يضطرم بداخلي كلَّما نظرت إلى البلد وحاله والتحديات التي تتربص به والتعاطي السياسي لتلك التحديات سواء كان ذلك من قِبل الحكومة أو المعارضة. فالكل وللأسف الشديد يفتقر إلى الرؤية الإستراتيجية في تعامله مع الشأن الوطني الأمر الذي حبس الوطن دائماً في خانة المهددات ـ التي لا تريد أن تؤول إلى الصفر - وما يعقب ذلك من حالة الوجل والتربص التي أضحت متلازمة جينية يحملها الجميع بلا استثناء!!

الإنقاذ مثلاً كانت تفتقر للرؤية الإستراتيجية عندما كانت تدير ملف السلام بكل ذلك التهافت الذي عايشناه بينما كان الشعب السوداني يدفع بأعزّ أبنائه وأكرمهم ثمناً لاستحقاقات عمليات صيف العبور على النحو الذي جرت عليه الأمور.. فذلك التهافت رسَّخ في نفس الطرف الآخر قناعةً ـ للأسف الشديد تحققت له بأكثر مما كان ينشده  وهي أن الإنقاذ مستعدة لأن تدفع أي ثمن لقاء السلام المنشود!! فبينما مضت الإنقاذ تدفع بسخاء بغية سلامٍ لم يتحقق في تقديري حتى الآن ظلت الحركة ترفع من سقف مطالبها على الدوام حتى أضحت تلك المطالب سراباً كلّما حاولت الإنقاذ إدراكه ابتعد عنها وتركها تلهث من شدة العنت!! 

فالإنقاذ لو بذلت حينها «مُداً» من جهدها في الحوار مع قوى المعارضة الشمالية بدلاً من «الأكيال» التي اختصت بها الحركة الشعبية لقطعت على الأخيرة الطريق في الاستقواء بالمعارضة ولانتزعتهم انتزاعاً من بين أحضانها، وفوق ذلك لتبلورت الصورة الكاملة حينها لكيفية حكم سودان ما بعد الانفصال ولدفعت الحركة دفعاً نحو طاولة السلام الحقيقي الذي يحقق للشمال حقوقه قبل الجنوب!!

والإنقاذ ــ وهي تسعى لفض قيود العزلة التي كبلتنا بها أمريكا في صراعها مع الإنقاذ ــ ذات التوجُّه الإسلامي  افتقرت أيضاً للرؤية الإستراتيجية وهي تستجلب لاعباً جديداً في المنطقة اسمه «الصين» بينما كانت هناك «فرنسا شيراك» حضوراً يمكن أن تقوم بهذا الدور في استثمارات النفط بالبلاد فضلاً عن شراكة اقتصادية أكثر إثماراً!! ولو فعلت ذلك لربما خفضت أمريكا من غلوائها بشأن السودان تجنباً لفرنسا الموجودة أصلاً في المنطقة ولما وصلت مشكلة دارفور إلى ما وصلت إليه الآن!!

وفوق هذا وذاك أخي الكريم افتقرت الإنقاذ للرؤية الثاقبة القائمة على الاستقراء الصحيح للواقع والمعطيات وهي تتخذ من عبثية «الوحدة الجاذبة» إستراتيجيةً سخّرت لها جل موارد البلد ومقدراته، فانطبق عليها القول «لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع»!! و لو تبنّت الإنقاذ «الانفصال» كخيار متساوي الحظوظ مع «الوحدة» ـ على الأقل ـ لكانت أبيي مسيرية الهوى والحدود بيننا وبين الجنوب كما سُور الصين العظيم لا لبس فيه ولكانت «النيل الأزرق» و«جنوب كردفان» أصولاً سودانية شمالية «أصيلة» ضمن منظومة أصول شمال السودان التي لا تقبل القسمة على اثنين!! ولسعت إلى استكشاف نفط الشمال وتجهيزه قبل انسحاب نفط الجنوب من محفظة موارد الدولة كما هي مرشحة الآن!! ولكانت أموال الوحدة الجاذبة أولى بها أهلنا في النيل الأزرق وجنوب كردفان مشاريع تجلب لهم ولنا الخير فتهدأ نفوسُهم وتتبدَّد هواجسُهم ومن ثم قطع الطريق على كل متربصٍ بالسودان وأهله يريد الآن أن يدلف عبر هاتين البوابتين!! 

هذا في تقديري بعضٌ من الرؤية اللا إستراتيجية التي لازمت الإنقاذ خلال إدارتها لتلك القضايا المصيرية.. وإذا هُيِّئت لي أخي الكريم ـ إطلالةًً أخرى فسأذهب فيها إلى تبيان «الغَبَشَة» الملازمة لأعين أحزابنا الوطنية جراء تصلُّب قرنيتها وتبعثُر شبكيتها فأصابها التيه والتوهان من شدة العمى فما عادت تُدرك ما لها وما عليها وما عادت تميِّز بين الالتزام الوطني وقضاياه وبين مصالحها هي وتطلعاتها في الحكم، بالرغم من وضاعة تلك المصالح!! 

أخي الكريم، إن الإنقاذ الآن ومن واقع ما تهيأ لها من خبرات تراكمت عبر السنين في إدارة شأن السودان، ومن واقع التزامها الوطني والتاريخي ولتأسيس دولة شمال السودان على محجة بيضاء عليها أن تسبق الجميع بالهروب إلى الأمام، عليها أن تقدِّم مسودة دستور دائم لشمال السودان تقوم بتسليم أحزاب المعارضة الشمالية وقوى المجتمع المدني وأهل الاختصاص نسخةً منه ليقوم كل حزب بدراسته دراسة علمية وعقلانية مستوفية بعيداً عن الكيد السياسي ومنهجية الإقصاء والاستضعاف ومن ثم تحدِّد كل جهة معنية بالأمر نقاط التوافق ونقاط الاختلاف ورؤيتها هي حول نقاط الخلاف تلك.. بعدها يمكن للإنقاذ أن تدير حواراً هادئاً مع كافة القوى السياسية وقوى المجتمع المدني لتقليص نقاط الاختلاف إلى حدودها الدنيا والتأمين على نقاط الاتفاق والتلاقي.. ومتى ما تهيأ لها ذلك يمكنها أن تدعو إلى مؤتمر دستوري لحسم نقاط الاختلاف ومن ثم بلورة دستور إجماع وطني يتم طرحه للاستفتاء العام.

لا بد من العمل الدؤوب لنتجنب إضاعة المزيد من الوقت لا سيما ونحن نعيش اليوم في عالمٍ أحواله مفتوحةٌ على كل الاحتمالات ووحده رب العزة يدرك مآلاتها!!

والله من وراء القصد،،

أخوكم/

محمد ساتي عبد الرحيم



© Copyright by sudaneseonline.com