From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
احداث ليبيا وسنن الله فى الكون/محمد سليمان عبد الله ــ واشنطن
By
Apr 8, 2011, 10:13

بسم الله الرحمن الرحيم

 

احداث ليبيا وسنن الله فى الكون

الاثنين :14 مارس 2011م

من السهل جداً أن نقرأ الاحداث فى المدى الزمنى القصير وفى الغالب ما تصدق القراءات باعتبار سطحية العوامل المتغيرة الماثلة وسهولة قراءة إتجاهات تفاعلها وتناسبها مع الكليات موضوع الدراسة ... ولكن مما لا شك فيه ان القراءات للاحداث المعاصرة تتزداد تعقيداً كلما إستطالت فترة التحليل ، تضاعف عدد العوامل المتغيرة وإتسعت الرقعة الجغرافية التى تمثل مسرح الاحداث .... وعندها نكون امام قراءات قد لا تتيسر لفرد بعينه مهما اوتى من المعرفة والحكمة ... وبهذا الفهم فان هذا المقال هو بمثابة دعوة لقراءة جماعية لاحداث ليبيا .... عواملها المستقلة هى جملة  متغيرات فى عالم فقد الثوابت فى مقابل جمود عن التغيير والتجديد فى الوسائل ، ميدانها الكرة الارضية التى شهدت عمارة لم تشهدها من قبل ، أما عواملها التابعة فهى مدى تحقيق هذا الحراك الدولى لرفاهية الانسان على سطح الكرة الارضية من عدمه .... ولا نتصور اننا سننجز فيه شى اكثر من طرح طرح رؤوس مواضيع للحوار .

أجدر بنا أن نقرأ احداث ليبيا انطلاقاً من طبيعة الثورة التى اندلعت فيها ، موقعها الجغرافى المتميز والمؤثر أمنياً واستراتيجياً إقليمياً ودولياً ، نعمة البترول والانتاج الضخم منه وأثره فى الاقتصاد الدولى ، هذا بالاضافة الى سلوكيات وتصرفات رئيسها القذافى غريب الاطوار والتفكير والعلاقات وكذلك الثروة الضخمة من المال وترسانة السلاح التى يمتلكها .

الوضع الاقليمى ببعديه العربى والافريقى له اثره وتاثره الخاص بما يجرى فى ليبيا ، فللرئيس القذافى علاقاته العميقة فى القارة الافريقية التى رمى فيها بثقلة وكان رائداً فى دعم فكرة قيام الاتحاد الافريقى الذى اصبح الابرز تاثيراً من بين الكيانات الاقليمية فى العالم ... وهنا لا نشير فقط الى الاداور الايجابية الى ليبيا القذافى وانما ايضاً نذكر بكافة الادوار السابة والتخريبية التى لعبها المذكور فى النزاعات التى حدثت ومازالت تجرى فى القارة الافريقية والتى تؤكد مقدرته على التخريب.. وما قام به فى جنوب السودان ودارفور ليس ببعيد .... كما نشير ايضاً الى صراعاته وخلافاته على المحيط العربى والدولى .

نحن كمسلمين لدينا إيمان راسخ بان الحكم لله يؤتيه من يشاء و ينزعه ممن يشاء.... إذن القذافى قد اوتى الحكم من الله ولفترة تربو على الاربعين عام ! والان الجميع ينتظر نزعه ... وهنا تبرز عدة تساؤلات غير روتينية  تبحث عن ايجابات ! ما هى الحكمة الالهية فى حكم القذافى الذى لا يجد اى نصير فى العالم والمؤكد انه لم يكن عبثاً ؟ وهل انتهت هذه الحكمة ؟ ما هو شكل وآثار الانتهاء المتصور لفترة حكم القذافى ؟ وماهى القراءات لما بعده ؟

المجتمع الدولى ممثلاً فى الامم المتحدة بقيادة اميركا واوربا واجه احداث ليبيا وهو مثقل بجملة من التحفظات والهموم .. فحربه على الارهاب لم تنتهى بعد ... تحديات السلام فى الشرق الاوسط ما زالت قائمة وتزداد تعقيداً يوماً بعد يوم .. تنامى الكراهية ،التى تستشعرها جميع الدول الغربية ، وسط الشعوب العربية والاسلامية للغرب اصبحت من التحفظات الراسخة والمحددات فى اى تعاملات غربية مستقلبية مع الدول العربية والاسلامية ...لم يفرغ الغرب بعد من إستيعاب تداعيات التغيير فى كل من تونس ومصر وما يجرى فى بقية الدول العربية واثر ذلك كمتغير مستقل على كافة هذه التحديات .. أحداث ليبيا بشدة وطئها وسرعة إيقاعها حازت الاولوية على ما سبقها من إهتمامات . هل أثر هذا التعقيد الماثل فى ردود الافعال المختلفة تجاه ما يجرى فى ليبيا ؟ وهل هنالك اى مخرج باقل خسارة من هذا المازق الدولى التى وضعت فيه الاحداث الليبية العالم ؟ فى شكل مؤشرات سنحاول الاجابة على هذه الاسئلة على مستوى الموقف الاممى ، الامريكى ، العربى والافريقى .

إستقبل العالم ، خاصة الناشطين ورواد الديمقراطات احداث ليبيا بفرحة عارمة ورشح القذافى بان يصبح الزعيم العربى رقم ثلاثة الذى سيغادر السلطة ، وتجاوباً مع هذا الانفعال الشعبى المشحون اعلامياً كانت مواقف الاطراف الدولية والاقليمية وغيرهما . الجامعة العربية فى اول اجتماع لها عقب احداث ليبيا جمدت عضوية ليبيا بالجامعة العربية ! ولم تعد لها اى صلة رسمية بالرئيس المحاصر ولا بالثوار الشى الذى افقدها فرصة كبيرة فى اصلاح ذات البين كقيمة إسلامية وإنسانية . الامم المتحدة ايضاً سارت على ذات المنوال حيث اتخذ مجلس الامن الدولى فى اول اجتماع له عقب الاحداث جملة من القرارات منها تكليف مدعى المحكمة الجنائية سى الذكر بالتحقيق فى احداث ليبيا وفرض عقوبات عليها ، وكان الاوفق للامم المتحدة ، كما قال القذافى نفسه ، ان ترسل اولاً بعثة تقصى حقائق أو أى فريق دبلوماسى للوقوف على الاحداث ميدانياً والترتيب لقرارات او تدخلات اكثر اثراً ، نتيجة هذا الاستعجال انقطعت ايضاً الصلة الرسمية بينها وما يجرى فى ليبيا .

الدول الغربية سارعت بتجميد اموال القذافى واسرته فى البنوك الغربية وقد تم الاعلان عن تجميد اموال طائلة ، وهى بعد تترددها فى التدخل العسكرى المباشر ـــ الضايق قرصة الدبيب يخاف من جر الحبل ــ عملت على خلق اتصالات بالثوار ، وإنتهى بها المطاف الى العمل على فرض حظر دولى للطيران الليبى ، وحتى هذا شرطته بموافقة الدول العربية التى سارعت من جانبها  للوفاء به مع تحفظ دول سيحفظ لها التاريخ ذلك ، الان اصبح الطريق سالك امام اصدار قرار دولى بحظر الطيران فى ليبيا وهذا خلاصة ما انتهى اليه التفكير الدولى ، ولعمرى هذه بداية الازمة الحقيقية التى ستشغل العالم ردحاً من الزمن ، وكان الاجدر بالدول الغربية بقيادة امريكا ان تعمل عبر اتصال مباشر مع القذافى نفسه لاقناعه بالإبتعاد عن الحكم بتوفير لجوء سياسى له .

موقف دول الجوار الليبى كان واضح السلبية ، لاسيما وان جميعها دول عربية ، فكأن قيم الجيرة وإصلاح ذات البين قد مسحت من الذاكرة الاسلامية والعربية ، وهنا تجب الاشارة الى التصريحات المسؤلة التى ادلى بها الرئيس عمر البشير اثناء زيارته لمصر ونرجو ان يوفق با يتبع ذلك خطوات عملية لن يعدم فيها اجر الاجتهاد .

قد يتبادر للذهن من الاطلاع العابر على هذا المقال انا نرمى الى المحافظة على حكم القذافى ، او القضاء على الثورة ... كلا فالثورة ماضية يحرسها شباب امن بالله وازاداد هدى والقذافى ماضى ايضاً باذن الله ! ولكن هل هذه الخطوات الاقليمية والدولية تساعد فى إخراجه باقل تكلفة ام العكس ؟

المؤكد الان ان ليبيا اصبحت دولة فاشلة لا توجد بها اى سلطة مركزية ، فالثورة باتت حركة مسلحة تحاصر طرابلس ، القذافى بدأ يلتقط أنفاسه ويدافع عن ملكه بشراسة ودون اعتبار لاى شى ، وبعد القرارات الاممية التى صدرت ضده اصبح مصيره فى حالة القبض عليه مثل مصير صدام حسين او محاكمته بواسطة اوكامبو ، فلم يعد امامه غير مواصلة القتال ، وسيدخل مخبئه بعد بداية تنفيذ حظر الطيران ليكون المختفى الرابع او الخامس فى العالم ... التجارب تقول ان الصراع المسلح لن يحسم بين يوم وليلة ولن  يحل اى قضية وما يجرى فى الصومال شاهد على ذلك ، تصدير البترول الليبى سيتوقف عاجلاً او اجلاً ، قدر كبير من المجهود الدولى الانسانى سيتحول اى ليبيا خصماً على مواقع اخرى فى العالم ، الاثرياء العرب سيبدأون سحب اموالهم من البنوك الغربية خوفاً من المصادرة لذات المصير ، وبسسب ذلك ووقف انتاج البترول اللليبى وما يتبعهما من ارتفاع فى الاسعار ، فان العالم مقبل على ازمة اقتصادية اخرى وهو لم يتعافى بعد من الازمة السابقة .

أحداث ليبيا خطفت الاهتمام الدولى عما يجرى من حراك فى بقية العالم العربى ، واصبح انفعال العالم بهذا الاحداث ، التى هى حتى الان مجرد مظاهرات سلمية ، أقل بكثير مما كان عليه عقب احداث مصر وتونس وقبل احداث ليبيا ، وكنتيجة لذلك برز تشدد واضح من الانظمة التى تواجه بمثل هذه الاحداث واصبحت اكثر استعداداً ومقدرة على قمع هذه الثورات دون التخفيف من ذلك بتقديم اى تنازلات جوهرية لتهدئة الثوار ، مما يشير الى ان مرحلة التغيير السلمى داخل الوطن العربى قد تم تجاوزها تماماً والراجح الان هو قمع هذه الثورات وزيادة الاحتقان الداخلى بهذه الدول او تحولها الى ثورات مسلحة عاجلاً ام اجلاً .

بقاء القذافى فى السلطة يؤكد على فعالية السنة والناموس الإلهى فى دفع الناس بعضهم ببعض ، على المستوى القطرى ، الاقليمى والدولى ، فبوار بضاعة الامم المتحدة وعجزها المعرفى وضعف وسائلها فى التعامل مع الازمات والكوارث ، الضلال والحيرة الغربية ، الخوف والتوجس داخل الدول العربية ، سلبية الدول الاسلامية ، سطحية تحليل الاحداث وإنفعال القنوات الفضائية ... لم يكن لترى ويحس بها الجميع لولا المواجهة والتحدى التى ابداهما القذافى ... فيبدو ان الحكمة التى لم يمتلكها القذافى يوماً غير موجودة ايضاً لدى الاخرين .

هنالك عامل اخر يشبه فى اثره ظاهرة القذافى الا ان اثره فى ليبيا لم يكن بالوضوح الكافى ، وهو ما يعرف بمواقع التواصل الاجتماعى عبر الوسائط الالكترونية والتى ينشط عبرها اعداد هائلة من الناشطين فى مجال حقوق الانسان ، والغريب فى ظاهرة النشاطين رقم ضعفها وقلة ما تنطوى عليه من حق ومنطق الا انها ، ولحكمة يعلمها الله ، اصبحت الاكثر اثراً فى الترويج للتظاهر ضد الانظمة القائمة بينما يخطى الحكام فى توجيه ضغوطهم على الاحزاب السياسية التى تتشارك معها الارتماء فى احضان الاجنبى واعداء الامة أو فى الرغبة او الرهبة منها ، ولكنها عديمة الاثر فى احداث الثورات التى لا تنجو من سرقتها جزئياً او كلياً .. المؤكد انه رغم ضعفهم الا ان الله قد اذل بهم بعض الحكام على الاقل فى مصر وتونس حتى الان .

الذى نراه هو بروز ملامح تغيير كبيرة ليس مداها فقط نظام القذافى او بقية الانظمة العربية وانما ستطال المجتماعات الغربية نفسها والنظم فوق القطرية ، الاقليمية والدولية ، كما ستؤدى حتماً الى بروز قطب دولى جديد منافس للقطب الغربى الاوحد لتحقيق الثنائية المطلوبة... والسؤال هو هل سيكون تغيراً سلمياً أم عنيفاً ؟ هل اقطابه واضحة ام تحتاج الى اجلاء ؟ هل هو بداية العد التنازلى للحضارة الغربية ونظام الامم المتحدة الحالى، هل القوى الاسلامية هى البديل ؟ واين موقعنا الفردى والجماعى فى هذه الموجة من التغيير ؟ هل نستشعرها ؟ هل اعددنا له ؟ ما لم نقله اوضح مما قلناه ... وهذا بمقابة دعوة للحوار ؟     

                                               والله المستعان

محمد سليمان عبد الله ــ واشنطن

 



© Copyright by sudaneseonline.com