From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
ثورة مصر .. ما أشبه الليلة بالبارحة/عوض دكاني-أبو ظبي
By
Apr 6, 2011, 10:01

 

ثورة مصر .. ما أشبه الليلة بالبارحة

 

عوض دكاني

أبو ظبي : 00971504453505

[email protected]

 

           إذا كانت خمسينيات وستينيات القرن الماضي تمثل للشعوب العربية و الأفريقية و الآسيوية مرحلة التحرر الوطني و الانعتاق من الاستعمار الأجنبي بعد نضال طويل وتضحيات جسام ، فإن العقد الثاني من الألفية الثالثة يعتبر عصر الثورة ضد الطغاة و الدكتاتوريات و الأنظمة الشمولية التي جثمت على صدر الشعوب العربية لعشرات السنين وأذاقتها سوء العذاب ، أنظمة استمرأت الخلود في نعيم السلطة وجاه السلطان ، وأسست للبقاء الأبدي على سدة الحكم نهجا يقوم على إرضاء الغرب وكسب ود أمريكا على حساب تطلعات شعوبها وقضاياها القومية و المصيرية ، حتى التي كانت تظهر عداءها للقوى الكبرى فإنها أبقت في الخفاء على شعرة معاوية ووضعت إمكاناتها  تحت تصرف تلك القوى وقدمت خدماتها مجانا كي تحظى بدعمها ومساندتها ، كما قننت الأنظمة المتهاوية على عروشها أساليب الفساد و الإفساد وأصلت للكذب و التضليل و التنكيل بشعوبها متوهمة أن الشعوب ستظل في سباتها و لن تصحو من غفوتها .

 

    إن ما يجري الآن على الساحة العربية يعتبر زلزالا مدويا بكل المقاييس، زلزال وإن بدأ بتونس إلا أن مركزه بلا شك هي مصر لذلك ستطال هزاته الارتدادية كل المنطقة بلا استثناء وإن كانت بدرجات متفاوتة، وكما ألهمت ثورة 23 يوليو 1952 الشعوب العربية للتحرك ونيل استقلالها في ذلك الوقت فإن ثورة 25 يناير هي قوة الدفع لشعوب المنطقة المتوثبة لتحطيم الأغلال وكسر حاجز الخوف و المتطلعة لغد أفضل مع مراعاة اختلاف أدوات التغيير في الحالتين ، وليس أدل على ذلك من الفرحة العارمة التي انتظمت الشعب العربي من المحيط إلى الخليج وخرجت الجماهير في مواكب هادرة منتشية بسقوط رأس النظام المصري ونجاح الثورة  وهو الشيء الذي لم يحدث في الحالة التونسية مما يؤكد أن مصر قلب الأمة العربية النابض ، فإذا تحركت كانت الهادية و المرشدة وإن استكانت تكسرت أنصال النضال ، وإذا تحررت تداعى لها سائر الجسد العربي وحطم القيود و الأغلال .

 

    ستبقى ثورة 25 يناير و الثورة التونسية وما يتبعهما من تحركات مماثلة في طور التكوين الآن  رمزا للثأر للكرامة  الإنسانية التي امتهنتها الأنظمة  و الحكومات الاستبدادية التي أمعنت في تحدي شعوبها وسبحت عكس التيار ، فالإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى على سائر المخلوقات واستخلفه في الأرض ، استغفلته تلك النظم وانحدرت به إلى قاع سحيق من الظلم و الاستغلال ، وجعلته مطية لتحقيق مآربها في الجلوس على سدة الحكم مدى الحياة ، و الشيء المؤكد أنها ليست ثورة للجياع و لا مستندة لأجندات خارجية كما تدعي الأنظمة التي لم تستوعب حتى الآن ما يجري على ساحاتها المحلية لأنها فوجئت بقوة الزلزال وعنفوان الشباب الذي ظنت أنها تمكنت منه وحيدته عن أجندته الوطنية ، تارة عن طريق الإغراء بالملذات و إلهائه بالغث مما يعرض في وسائل الإعلام العربية التي أمعنت في الاستخفاف بالعقول و الإسفاف في قول الزور ، وما يقام من ليالي للغناء و الموسيقى و الرقص في الهواء الطلق وعلى الهواء مباشرة ، وتارة أخرى بالضغط عليه ودفعه لخارج البلاد بحثا عن المستقبل الأفضل ، لكنها جميعها لم تفلح فالشباب الذي ظنوا فيه ظن السوء كان على قدر التحدي و المسؤولية ، وأثبت أنه مسطر التاريخ بسواعده الفتية .

 

         بالتأكيد أنما يجري الآن من تطورات دراماتيكية على الساحة السياسية العربية لم تكن وليدة اللحظة أو نتيجة لحرق شاب عربي لنفسه وسط ميدان عام أو تظلمات فردية هنا و هناك ، بل هي نتيجة لإحداثيات معينة وتراكمات كثيرة اختمرت داخل العقل الجمعي للشباب العربي ، وانتظرت زناد بو عزيزي الذي قدح النار ليس في جسمه فقط بل في الجسد العربي الذي اشتعل من أوله إلى أقصاه ، وجاءت الثورة مكتملة النمو  ، مشرقة الوجه  ، مفعمة بالأمل ، واعدة المستقبل .

 

          وما شاهدناه وشاهده العالم أجمع في ميدان التحرير وسط القاهرة وفي جميع المدن المصرية يؤكد مدى النظام و الالتزام الذي ساد الحشود المليونية التي خرجت للشوارع في تناغم قل نظيره في العصر الحديث ، إنها بلا شك مرحلة جديدة لا تشبه غيرها من الثورات التي أجهضت من قبل القوى الرجعية و الانتهازية ، فالشباب الذي أفشل جميع مخططات النظام الراحل في مصر لإجهاض الثورة في مهدها عبر تسخير ( البلطجية ، السجناء ، الجمال ، الحمير ، و البغال ) من خلال وقفته القوية وتضحياته  النادرة  لهو قادر على الحفاظ على مكتسبات الثورة و السير بها إلى أقصى مراميها ، وخير دليل على ذلك جمعة النصر التي أمها الملايين من شرفاء مصر في ميدان النصر ( التحرير ) و الوعد باستمرار التظاهر حتى استكمال حلقات الثورة.

 

    هناك الكثير من العبر و الدروس التي يمكن استخلاصها من الروح الثورية الملتهبة وسط الشباب العربي الآن والتي لا شك ستبقى لسنوات طويلة مادة خصبة لعلماء الاجتماع لتحليلها ودراستها و تضمينها للمناهج التعليمية و البحوث و الدراسات في المستقبل ، إلا أننا نستنبط الآتي في عجالة : أولا : إن الحكومات الدكتاتورية و الاستبدادية في الوطن العربي ليست بمنأى مما يجرى الآن في عدد من الدول ولا عاصم لها اليوم من تداعيات الثورة التي اجتاحت الساحة العربية ، وستنهار تلك الأنظمة واحدة تلو الأخرى مهما طال الزمن أو قصر و حسب ظروف كل ساحة على حدة.

 

ثانيا : سيكون تأثير الثورة أكبر على جميع الأحزاب السياسية في المنطقة خاصة المعارضة منها لأنها أكدت بما لا يدع مجالا للشك أنها المعوق الحقيقي لحركة الجماهير العربية نحو الانعتاق من الدكتاتوريات و الأنظمة الشمولية ، وقد راهنت الشعوب عليها كثيرا و كانت  تخذلها في كل الأحوال و الظروف  ، لذلك لن تقوى الأحزاب العربية بشكلها التقليدي الراهن على مواكبة مستجدات الثورة العربية وإن أرادت غير ذلك فعليها تطوير برامجها وتحديث أجندتها وهياكلها وتوسيع مواعينها وتقليص عددها خاصة في الدول ذات الـ 50 حزبا . 

 

ثالثا :  أفرزت الأحداث الجارية تكوينات سياسية واجتماعية جديدة ولدت من رحم الثورة و استطاعت أن تقود الشارع وتوجه دفة المظاهرات لتحقيق المزيد من المطالب ، وستتمكن هذه التنظيمات الجديدة من صياغة مشاريعها الوطنية و القومية في المستقبل ، وستتجاوز جميع الأحزاب القائمة و التي لم تستطع مواكبة تطلعاتها و التعبير عن آمالها فكانت حائط الصد الذي تكسرت عنده النصال ، وكادت أن تجهض الثورة في مصر عندما بدأت أحزاب التجمع و الوفد و الناصري في التفاوض مع نظام مبارك المتهالك ، إلا أن قوى الثورة الحديثة فوتت عليها الفرصة وفرضت أجندتها على النظام حتى رحل رأسه وتتبعه بقية الجسد المعلول .

 

رابعا : كشفت الثورة على الملأ زيف الإعلام العربي الرسمي و الخاص وعلى رأسه القنوات الفضائية التي سبحت في كوكب آخر نسجت مكنوناته من وحي خيالها ، ولم يكن له وجود على أرض الواقع ، ففي الوقت الذي كان الشعب العربي في تونس ومصر يقود ثورته نحو النصر كانت ( قناة الجزيرة ) الفضائية تقود ثورة من نوع آخر ضد الإعلام المتصدع الذي لا يعي بما يدور من حوله من فضاء مفتوح وتدفق معلومات وتعدد وسائط ، فقادت الجزيرة حملة لترسيخ معنى الإعلام الموضوعي و المسؤول و الملتزم و المتجرد بكفاءة ومهنية وشفافية عالية ، لذلك فإن وقع الثورة على الإعلام في المستقبل سيكون أكبر ، لأن الثورة التي اندلعت لصياغة أمة جديدة لن ترضى بغير إعلام يلبي طموحاتها ويعزز مكانتها بين الأمم .

 

خامسا : بعد اكتمال دورة الثورة على الساحة العربية وانجاز مهمة التحرر الوطني للشعوب من مخلفات الأنظمة العربية البالية و المتغطرسة ستفرغ الشعوب العربية لمهامها القومية وقضاياها المصيرية وفي مقدمتها فلسطين التي أبعدت من أجندة تلك الأنظمة وحيدت حتى صارت دمية في يد العدو و الصهيونية العالمية تحركها متى شاءت وكيفما أرادت وما الفيتو الأمريكي الأخير ببعيد .

 

سادسا : أكدت الثورة مجددا أن الأمة العربية أمة واحدة ومصيرها مشترك، وهي كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى ، كما أكدت على الدور الحيوي و المحوري لمصر في هذا الجسد الذي بدأ يتعافى وسيخرج ماردا للعالم في المستقبل القريب بإذن الله .

 

سابعا : استطاع الشباب العربي أن يسخر تكنولوجيا العصر لخدمة أهداف الثورة ويضيف بعدا جديدا لاستخدامات وسائل الاتصال العنكبوتية من خلال مواقع الانترنت المختلفة ، في الوقت الذي كان يتهم فيه الشباب بإساءة استخدام هذه الوسائل واستثمار الجانب السلبي منها            

 



© Copyright by sudaneseonline.com