From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
مدى دستورية قانون الهيئة القضائية /د.أمل فايز الكردفاني
By
Apr 5, 2011, 12:34

مدى دستورية قانون الهيئة القضائية

 

د.أمل فايز الكردفاني

[email protected]

هاتف 0909010501

 

 

 

أولاً: القوانين والتعديلات التي يستند إليها نشوء وأعمال الهيئة القضائية :

 

صدر قانون السلطة القضائية لسنة 1406 ؛ وقد نص هذا القانون على الآتي :

" عملاً بأحكام دستور السودان الانتقالي لسنة 1985 أصدر المجلس العسكري الانتقالي بعد إجازة مجلس الوزراء القانون الآتي نصه " .

وعند انقلاب 1989 ، صدر أمر طوارئ لسنة 1989 بتفويض سلطات واختصاصات القضاء العالي الوارد في قانون السلطة القضائية لسنة 1406 لرئيس القضاء اعتباراً من 29 / 7/ 1989 ووقــَّـع عليه رئيس الجمهورية .

تم إصدار تعديل لبعض قواعد قانون 1406 عبر مرسوم مؤقت معنون بـ " قانون السلطة القضائية لسنة 1406 تعديل سنة 1994 ؛ وقد عدَّل هذا المرسوم المؤقت بعض المواد من أهمها المادة (4) والمادة (22) وغيرهما ، وقد وقع عليه رئيس الجمهورية عمر حسن أحمد البشير .

صدر تعديل آخر لبعض قواعد قانون 1406 ، وهو تعديل لسنة 1998 ؛ أجازه المجلس الوطني ووقع عليه رئيس الجمهورية ، وكان من أهم تعديلاته ، استبدال مسمى الهيئة القضائية بدلا عن السلطة القضائية .

ثم صدر تعديل آخر لبعض قواعد قانون 1406 وذلك في سنة 1995 .

استمرت التعديلات لبعض قواعد قانون السلطة القضائية لسنة 1406 ، وذلك بتعديل سنة 1999 .

توالت التعديلات لبعض قواعد هذا القانون وذلك بتعديل سنة 2002 ومن أهم القواعد المعدلة تلك المتعلقة بشروط تعيين القضاة .

النقطة الجوهرية ؛ هي أن كل هذه التعديلات لم تقم بإلغاء قانون السلطة القضائية ( فهي تعديلات وليست إلغاءات) وإنما قامت – هذه التعديلات- بتعديل بعض قواعد قانون 1406 ، بعض هذه التعديلات كان برلمانياً وبعضها لم يكن كذلك .

إذاً ؛ فالهيئة القضائية الحالية ، لازالت في الأصل تستند إلى قانون السلطة القضائية لسنة 1406 ، إذا فلنعد إلى هذا القانون ونعرف مصدر إنشائه .

 

ثانياً : مصدر قانون 1406 :

المجلس العسكري الانتقالي :

قانون السلطة القضائية لسنة 1406 لم يصدر من البرلمان ، بل صدر عن مجلس عسكري ، وليس عسكرياً فحسب ، بل هو مجلس عسكري انتقالي ، أي أنه ليس قانوناً بل مرسوم بقانون ، كذلك فإن المجلس العسكري الذي أصدره – بل ومجلس الوزراء (والذي ليس برلماناً) والذي أجازه – هذا المجلس العسكري قد انفض سامره ولم يعد له وجود لا دستوري ولا حتى واقعي .. أكان ذلك بانتهاء المجلس العسكري في 6 أبريل 1986 وبدء حكم ديمقراطي برئيس ورئيس مجلس وزراء حتى 30 يونيو 1989 أي أربع سنوات أم كان بانقلاب 1989 أو بصدور الدساتير التي تجعل من إصدار القوانين مرهوناً بصدورها من البرلمان ، وتقيد – تقييداً شديداً- إصدار قوانين عبر السلطة التنفيذية للدولة بناءً على تفويض تشريعي ويطلق عليه بعض الفقه السوداني تشريع تفويضي .

 الدستور الانتقالي لسنة 1985 :

 صدر قانون السلطة القضائية استناداً إلى صلاحية المجلس العسكري بناءً على الدستور الانتقالي ، وهو دستور 1985 ، وهذا الدستور قد انقضى وتكالبت عليه الدساتير انتهاءً بدستور 2005 الانتقالي . وبالتالي فإن قانون 1406 لا يستند لا إلى دستور دائم ولا إلى دستور نافذ في البلاد .

 إذاً فمرسوم السلطة القضائية لسنة 1406 غير دستوري لا من حيث أساسه الذي يستند إليه ولا من حيث مصدر إنشائه ما دام لم يجز من برلمان ولم يصدر عن برلمان .

 ثالثاً : أثر عدم دستورية قانون 1406 على التعديلات الواردة على بعض قواعده :

       وفقاً لما أوردناه سابقاً ؛ فإن قانون 1406 لم يتم إلغاؤه وإنما ظل السند الأساسي لعمل الهيئة القضائية . وكل ما تلا ذلك ليس إلا مجرد تعديلات على بعض قواعده (هو نفسه) . أي أن التعديلات اللاحقة تعديلات على محل هو قانون 1406 ؛ فإذا انعدم هذا المحل ؛ فإن هذه التعديلات اللاحقة لا تظل معلقة في الهواء ، بل تنهار هي الأخرى وتأخذ حكم العدم .فإذا كان قانون 1406 غير دستوري وفي حكم العدم ؛ فإن كافة التعديلات الواردة على بعض قواعده تعد هي أيضاً في حكم العدم ، فإن كان ما يترتب على الباطل باطلاً ؛ فإن كل ما يترتب على منعدمٍ فهو منعدمٌ من باب أولى .

وقد انعدم قانون السلطة القضائية لسنة 1406 سواء بانفضاض المجلس العسكري الانتقالي الذي أصدره أو لعدم صدوره من برلمان أو لعدم اتفاقه والدستور القائم أو دستور 1998 .  وكان من المفترض ؛ منذ انفضاض المجلس العسكري أو منذ عام 1989 أن يتم إلغاء قانون السلطة القضائية الصادر من مجلس عسكري انتقالي  ( وليس تعديل بعض قواعده) ، ومن ثم إصدار قانون برلماني ينظم عمل الهيئة القضائية ويكون متفقاً والدستور أو على الأقل صادراً عن برلمان .

رابعاً : أثر عدم دستورية قانون 1406 على أعمال الهيئة القضائية :

تعتبر كافة أعمال الهيئة القضائية في حكم العدم سواء بانفضاض المجلس العسكري الانتقالي أو منذ انقلاب 1989 أو على أقل تقدير بصدور دستور 1998 أو دستور 2005 الانتقالي . وبالتالي يعد في حكم العدم ؛ كافة الأحكام الصادرة من القضاء في السودان وكافة القرارات الصادرة من الهيئة القضائية في تسيير عملها ؛ منذ 1989 وحتى اليوم ، فكل حكم صدر يعد مستنداً إلى العدم سواء بالجلد أو الإعدام أو السجن أو الغرامة أو التعويض المدني .. الخ كما تنعدم كافة أعمال الهيئة القضائية الأخرى وما يترتب عليها من آثار قانونية أو مادية .

 

خامساً: الحل :

هو المسارعة بإلغاء قانون السلطة القضائية لسنة 1406 وكافة التعديلات الواردة على قواعده ، وإصدار قانون (برلماني) جديد ولا يوجد حل خلاف هذا . أما ما سبق من أعمال الهيئة القضائية فيمكن للقانون الجديد أن ينص على اعتبار أن ما تم من أعمال وفقاً لقانون السلطة القضائية القديم صحيحاً – رغم  القاعدة التي تذهب إلى أن المعدوم كالباطل بطلاناً مطلقاً لا يصحح بالإجازة اللاحقة– وما ذلك إلا منعاً لانهيار العدالة وحفاظا على الحقوق المكتسبة (وإن كانت قد اكتسبت من عدم ) .

بعض الاعتراضات الجانبية :

الاعتراض الأول : بعد الانتفاضة آلت كل السلطات إلى المجلس العسكري ، وبالتالي أصبحت لديه سلطة التشريع .

الاعتراض الثاني : هل يؤدي حل أي هيئة تشريعية إلى إلغاء القوانين التي أصدرتها  .

الاعتراض الثالث : هناك قوانين قديمة بعضها أصدرها الحاكم العام إبان الاستعمار فهل تنتهي هذه القوانين . رغم أنها فاعلة .

الاعتراض الرابع : إن القوانين تنبع من الجهة المسيطرة والمهيمنة أيا كانت هذه الجهة دكتاتور أو قوى ديمقراطية فمتى دانت الدولة لهذه القوى فعليها أن تخضع لقوانينه وتكون سارية المفعول وصائبة في كل وقت .

وقبل أن أجيب على هذه الاعتراضات سأبدي تعليقاً عاماً على هذه الاعتراضات ؛ فمن أول وهلة تكشف هذه الاعتراضات عن تعارضها مع السمة الأساسية للقانون وهو النسق المنتظم حتى يستطيع القانون – هو نفسه- أن ينظم المجتمع فهذه هي غايته الأساسية ، فالاعتراضات تطلق العنان لعشوائية القانون وكأننا نتحدث عن بيئة بدائية ؛ فهل لفاقد الشيء أن يعطيه ؟

تتجاهل هذه الاعتراضات  التطورات في علم القانون ، منذ أرسطو وحتى اليوم حيث أصبح القانون هو عنوان الدولة الدستورية الحديثة التي تحترم حقوق الإنسان وتكفل بمؤسساتها المستقلة ضمانات ليس للمواطنين فقط بل لكافة الرعايا في الدولة .هذه التطورات هي التي تعكس حقيقة  ما إذا كان القانون نقياً وعادلاً أم مشوبا أو قابلاً لأن يشاب بالظلم .

كذلك فإن هذه الاعتراضات خلطت بين مصدر التشريع وبين القوى الخلاقة للتشريع  .

الرد على الاعتراض الأول :  أيلولة السلطات إلى الحاكم العسكري :

هنا يقع الاعتراض في خلط بين الأصل والاستثناء ؛ فعندما تستقل أي دولة يتشكل نظامها السلطوي ، وعندما استقل السودان أخذ السودان شكل الدولة التي تعتمد على نظام السلطات الثلاث المستقلة ، وهذا يعني أن السودان تحول إلى دولة حديثة بالمقومات الدستورية والقانونية التي تنقله من حالة البدائية والاستعمار إلى جانب الدول المدنية ، وأن هذه السلطات ( التنفيذية والتشريعية والقضائية ) مستقلة وتراقب بعضها البعض ، وعلى هذا النحو فإن الاستحواذ على كافة سلطات الدولة  وتركيزها في يد واحدة ليس سوى استثناء والاستثناء يقدر بقدره ، فيكون مؤثراً في حدود الظروف التي نشأت فيه ولذلك يقول الفقهاء عما يسمى بالتشريع الصادر عن السلطة الفعلية ؛ " السلطة الفعلية هي عادة حكومة ثورية مؤقتة والتشريعات الصادرة عن هذه الحكومة تظل نافذة ولها قوة القانون طالما أن هذه الحكومة تحافظ على مركزها . ولكن إذا  سقطت هذه الحكومة فإن مصير التشريعات التي أصدرتها يتوقف على النظام الذي سيحل محلها . فإذا سقطت الحكومة الفعلية المؤقتة وعاد النظام الذي كان قائماًَ من قبل ، اعتبرت تشريعات الحكومة الفعلية كأن لم تكن . ما لم يصدر تشريع جديد بتصحيح بعض تشريعات الحكومة الفعلية ، كما حدث في فرنسا بالنسبة لتصحيح بعض التشريعات التي صدرت عن حكومة فيشي إبان الاحتلال الألماني لفرنسا .

 ( د.سمير تناغو – النظرية العامة للقانون – 1999- ص 322 ،323 ) .

 والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو أنه إذا كان المجلس العسكري يملك كافة السلطات فما هو المعيار الذي سيميز بين كافة أعمال هذا المجلس قبل أو بعد انقضائه ، فكيف نستطيع التمييز بين ما إذا كان عملاً ما  ، قراراً إدارياً أم قانوناً أو حتى حكم قضائي ؟ سوف لن نجد معياراً سوى الاستعانة بالعنوان الذي تفرده السلطة العسكرية على ما يصدر منها ، فإن عنوَن هذا المجلس تصرفه بأنه قرار كان قراراً ، وإن عنونه بأنه قانون كان قانوناً ، وإن عنونه بأنه حكم كان كذلك ، ونحن مضطرون إلى الأخذ بهذا التكييف دون معايير فنية واضحة ، وهذا ما يدخل نظام الدولة كله في حالة توهان تام . مما لا يتناسب مع كون السودان دولة قانونية ذات مؤسسية وكان هذا هو الخيار عندما قرر الشعب الاستقلال .

كذلك فإن عدم الإقرار بالآثار المؤقتة لأعمال المجلس العسكري يؤدي إلى نتائج خطيرة ؛ فالضمانات التي توفرها المؤسسات المستقلة عن السلطة التنفيذية سيتم إعدامها ؛ فالقانون الذي يجب أن يتسم بالعدالة ويقوم الشعب بالرقابة على مدى عدالته عبر ممثليه في البرلمان ؛ قد لا يكون عادلاً البتة ، كما أنه قد لا يكون متسماً بالانضباط الفني حيث أنه لم يصدر تحت رقابة واضحة . كذلك فإن عدالة المحاكمة ومظاهر هذه العدالة كحق المتهم في الدفاع عن نفسه ، وحقه في توكيل محامي وسرعة البت في الخصومة .. الخ ، ستكون هذه الضمانات منعدمة ، إذاً فإن أي مجلس عسكري يأتي لظروف طارئة مثل الانقلابات أو الانتفاضة الشعبية  أو الثورات .. الخ ، يجب أن تعامل أعماله كحالة مؤقتة ، والقول بغير ذلك يؤدي إلى الفوضى المستقبلية بأثر رجعي .

الاعتراض الثاني : هل يؤدي حل أي هيئة تشريعية إلى إلغاء القوانين التي أصدرتها ؟

يبدو واضحاً أن الإجابة على الاعتراض الأول قد أخفت في طياتها الإجابة على الاعتراض الثاني ؛ فلا شك أن أي قانون تصدره الهيئة التشريعية ( البرلمان) يتحقق فيه الحد الأدنى من الضمانات الكافية لاستمرار هذا التشريع ، ولذلك فليس من الطبيعي أن يتم إلغاء تشريع صادر عن البرلمان ، لكن من الطبيعي جداً – بل ومن الواجب – أن يتم إلغاء التشريع الذي يصدر عن جهة قد رُكِّزت في يدها جميع السلطات أو على الأقل إعادة فحص القوانين التي أصدرتها عبر البرلمان وتصحيح مصدرها الدستوري تحقيقا للضمانات الكافية للشعب .

الاعتراض الثالث : هناك قوانين قديمة أصدرها الحاكم العسكري إبان الاحتلال ، ومع ذلك فإن هذه القوانين فاعلة ولا زالت فاعلة .

هذا الاعتراض يجعل من التعايش مع الخطأ صواباً ؛ لقد ذكرت أن السودان بمجرد تحوله إلى دولة قانونية ذات مؤسسات مستقلة (أو هكذا أحسب) كان عليه إعادة فحص القوانين الصادرة في ظل الاحتلال وإعادة تهيئتها بما يواكب دستورية الدولة ، فنحن لا نصب اهتمامنا بمضمون التشريع وإنما بشكل التشريع الذي يجب أن يتفق ودستورية الدولة .

بل أن الاعتراض باستقرار العمل على قانون غير صادر من سلطة برلمانية لكونه (فعالاً أو مشتغلاً) – هذا الاعتراض- يصادر على نفسه لأنه يرتفع بالتشريع المنعدم إلى مستوى العرف لمنحه مقبولية الحركة ؛ وعليه فإن على المعترض أن يعترف بأنه يتحدث عن شيء أشبه بالعرف ولكن ليس تشريعاً برلمانياً ، والفارق كبير . بل وأنه وإن كان عرفاً فهو مستند إلى إرادة الاحتلال وليس إرادة الشعب . إضافة إلى أن العرف نفسه يحتاج إلى سلطة البرلمان ليحصل على إلزاميته مثل التشريع . فمصادر القانون لا تنهض من فراغ حتى بالنسبة للعرف وقواعد العدالة والإنصاف إنما يجب أن يقرها قانون أساسي أو تشريعي لتعتبر مصدراً من مصادر التشريع.

الاعتراض الرابع : أن بعض الفلسفات تأخذ بفكرة انبثاق القانون عن جهة مسيطرة ومهيمنة قد تكون دكتاتورية أو ديمقراطية أو روحية .. الخ .

  والحقيقة أن هذا الاعتراض مبني على خطأ أوَّلي في فهم منطلق هذه النظريات ، وهو الخلط بين القوى الخلاقة للقانون "دكتاتوريات ، ديمقراطيات ، .." وبين مصدر القانون وهو السلطة التشريعية ( البرلمان) ؛ فسواء كانت القوة المنتصرة في صراع السيطرة على القانون هي دكتاتورية أم ديمقراطية أو قوى روحية ، فإن هذا أمر مختلف عن مصدر القانون ؛ ففي نطاق القوى الخلاقة للقانون نستطيع ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لأي نظرية ؛ خلافاً لما لو انصب النقاش عن مصدر التشريع نفسه ، وإلا فإن القول بالاعتراض الرابع سيؤدي إلى نتائج تشوِّه القانون نفسه ؛ فبذات المنطق الذي اتبعه الاعتراض ؛ يتساوى الأمر الصادر من عضو عصابة بتسليم مبلغ من المال مع الأمر الصادر من موظف الضرائب بدفع نفس المبلغ من المال .أخيراً أوجه شكري للأستاذ المحامي الضليع عادل عبد الغني للملاحظات القيمة التي أبداها فأثرت الموضوع . والله من وراء القصد .



© Copyright by sudaneseonline.com