From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
الانتخابات الولائية التكميلية لولاية جنوب كردفان وحظوظ كل من الحركة الشعبية والؤتمر الوطنى فى الفوز./طالب تية،
By
Apr 5, 2011, 12:31

بسم الله وباسم الوطن

 

الانتخابات الولائية التكميلية لولاية جنوب كردفان وحظوظ  كل من الحركة الشعبية  والؤتمر الوطنى فى الفوز.

 

على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية القومية فى ابريل 2010م ستتحدد بشكل كبير حظوظ كل من الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى فى الانتخابات القادمة. فالانتخابات الولائية التكميلية التى بدات الحملة الانتخابية لها فى الرابع من ابريل الحالى انتخابات مصيرية بالنسبة لولاية جنوب كردفان / جبال النوبة وهى ستقرر مصير الولاية فى الخارطة السياسية فى السودان الشمالى وربما شتقود هذه الانتخابات الى تغييرات جزرية وجوهرية فى الوضع السياسى الراهن فى هذا الجزء المتبقى من السودان سلبا او ايجابا. لذا فقد اولى حزبى الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى اهتماما كبيرا بهذه الانتخابات.

سنقوم فى هذه العجالة بتحليل نتائج الانتخابات السابقة وعلى ضوئها سنقوم باسقاط نتائج التحليل على النتائج المتوقعة فى هذه الانتخابات التكميلية، وسننتهج الاسلوب الاحصائى البسيط على حسب البيانات المتوفرة من الانتخابات السابقة لتسهيل الفهم.

ولكن قبل ان نذهب بعيدا فى عملية التحليل، نريد ان ننوه للقارئ بان العملية الانتخابية هى عملية تمر بمراحل، تبدأ بالتعداد السكانى وتوزيع الدوائر حسب التعداد ومن ثم السجل الانتخابى ثم تقديم المرشحين والطعون ومن بعدها الحملة الانتخابية التى يجب ان تكون مدتها ثلاثون يوما حسب قانون الانتخابات ثم التصويت واخيرا العد والفرز واعلان النتيجة. فهذه المراحل الانتخابية هى مراحل مهمة يجب ان تقوم بها جهة محايدة لا تتبع لاى حزب سياسى ولكن الوضع فى السودان بكل اسف يختلف اذ ان هذا الشرط غير متوفر فى الدولة السودانية، اذ ان الحزب الحاكم – حزب المؤتمر الوطنى – هو الذى يقوم بالسيطرة الكاملة على مفاصل تنفيذ هذه المراحل.

وقد نجح فعلا المؤتمر الوطنى فى تزليل كل الصعاب لنفسه فى الانتخابات القومية فى ابريل 2010م، حيث قام بتزوير الانتخابات عن طريق التزوير اولا فى التعداد السكانى العنصر المهم فى تقسيم الدوائر وعلى ضوء ذلك قام  بتضخيم الارقام فى اماكن نفوزه وتقليل الارقام فى الاماكن التى تقع خارج نفوذه  ومن ثم قد سهل التزوير له فى بقية المراحل. فاى شخص او حزب يحترم نفسه لا يمكن ان يغامر فى الدخول فى الترشح لاى انتخابات لم يكن جزءا من المساهمة فى مراحلها المحتلفة.

فعلى سبيل المثال، قامت المفوضية العليا للانتخابات التابعة للمؤتمر الوطنى بتخصيص اربعة دوائر قومية واثنتى عشر دائرة جغرافية فى القطاع الشرقى وفى القطاع الغربى قامت بتخصيص اربعة دوائر قومية ايضا وثلاثة عشر دائرة جغرافية. اما القطاع الشمالى  فقد منح دائرة قومية واحدة وخمسة دوائر جغرافية. فى حين ان القطاع  الجنوبيى ذو الثقل السكانى منح دائرة قومية واحدة ودائرتين جغرافيتين فقط بعد ان تم تخفيض التعداد السكانى فى هذه المنطقة وتضخيمها فى كل من المنطقة الشرقية والمنطقة الغربية. والمنطقة الجنوبية هذه تعتبر مركز ثقل للحركة الشعبية.هذا التقسيم بناءا على التعداد السكانى المعيب، اعطى المؤتمر الوطنى فوزا كاسحا فى الانتخابات قبل ان تبدأ اجراءتها فعليا على ارض الواقع، وسوف نرى بعد قليل كيف كان ذلك. ولكن الحركة الشعبية استشعرت الموقف وخاصة فيما يتعلق بالانتخابات الولائية الجعرافية وانتخاب الوالى، لان ذلك يعنى الكثير خاصة فيما يتعلق بان تلك الانتخابات مربوطة بالمشورة الشعبية، لذا قاطعت الحركة الشعبية الانتخابات الولائية وخاضت الانتخابات القومية باعتبارها اخف ضررا من خوض الانتخابات الولائية بذلك الشكل والذى كانت ستكون قاصمة الظهر ان اتخذت الحركة قرارا بخوضها. وان كان هنالك شخص غير الحلو فى قيادة الحركة لما اتخذ ذلك القرار الشجاع، ولورط الحركة واهدر كل المكاسب التى تحصلت عليها المنطقة والتجارب علمتنا ذلك، ولكانت المشورة الشعبية فى مهب الريح الان. وتعتبر مقاطعة الحركة الشعبية للانتخابات الولائية، اولى مؤشرات النجاح فى الانتخابات التكميلية القادمة فى الولاية. فمقاطعت الحركة الشعبية للانتخابات الولائية واجبار المؤتمر الوطنى لاعادة التعداد السكانى اعطى الحركة الشعبية الفرصة فى المشاركة فى العمليات الانتخابية فى الولاية برمتها ابتداءا من المشاركة الفاعلة فى التعداد السكانى والذى كان ناجحا بكل المقاييس، اذ ان هذا التعداد قد وضع الامور فى نصابها واظهر العيوب الكبيرة فى التعداد السابق والذى اظهر تقسيما مخلا فى الدوائر القومية الولائية. فباسقاطنا للتعداد السكانى التكميلى على الدوائر الجغرافية، وجدنا ان الدوائر القومية للمنطقة الشرقية كان يجب ان تكون ثلاثة بدلا من اربعة، وايضا وجدنا انه كان يجب ان تكون للمنطقة الغربية ثلاثة دوائر قومية بدلا عن اربعة دوائر، ودائرة واحدة للمنطقة الشمالية وهو العدد الفعلى للمنطقة، اما المنطقة الجنوبية فوجدنا انه قد كان يحب ان تكون لها ثلاثة دوائر قومية  بدلا من دائرة واحدة. ونلاحظ السرقة الواضحة لدائرتين من المنطقة الجنوبية وتخزينها فى اماكن امنة فى كل من المنطقة الشرقية والمنطقة الغربية، يكون بذلك قد وضع المؤتمر الوطنى دائرتين مضمونتين فى جرابه قبل ان تبدأ الانتخابات.

اما فيما يتعلق بالدوائر الجغرافية، فحدث بلا حرج. فعند اسقاط التعداد الجديد البالغ 2508168 نسمة على الدوائر الجغرافية، كان نصيب القطاع الشرقى ثمانية دوائر فقط بدلا من اثنتى عشر دائرة  هى نصيب القطاع من التعداد المعيب، اى بزيادة اربع دوائر كاملة كانت ستذهب الى جراب المؤتمر الوطنى بدون وجه حق ان  قامت الانتخابات وقتها. وفى القطاع الغربى كانت الزيادة ستكون ثلاث دوائر ان قامت الانتخابات وقتها. اما المنطقة الشمالية فقد احتفظت بدوائرها ولكن اعطيت القوز دائرة اضافية على حساب الدلنج الغربية التى ادمجت فى المدينة. اما بالنسبة للمنطقة الجنوبية التى تمثل مرارة فى غصة الحلق، فقد تم سرقة سبعة دوائر كاملة منها من تسع دوائر هى نصيب هذه المنطقة من الدوائر على حسب التعداد التكميلى. لقد تم سحب اربعة دوائر منها لاماكن امنة فى القطاع الشرقى وثلاثة دوائر لمناطق امنة فى القطاع الغربى، وبذلك يكون المؤتمر الوطنى قد وضع فى جرابه سبع دوائر جغرافية قبل ان تبدأ الانتخابات. وعليه يكون موقف الحركة الشعبية فى الانسحاب من الانتخابات  الولائية – المجلس التشريعى و الوالى - ومقاطعتها موقفا سليما مائة فى المائة. ولكن فى تقديرنا ان خوض الانتخابات القومية قد اعطى المؤتمر الوطنى حقا لا يستحقه. فقد كان يجب على الحركة ان تقاطع كل الانتخابات لانها قد كانت انتخابات معيبة حسب ما اتضح لاحقا من خلال التعداد السكنى التكميلى وتقسيم الدوائر، ولكن عزاؤها ان تلك الانتخابات قد كانت تجربة حقيقية لها استفادت منها كثيرا. فزيادة سكان الولاية بعدد 1100000 نسمة عن التعداد السابق يكشف بجلاء حجم التزوير الذى حدث فى التعداد السكانى وبالتالى فى الانتخابات القومية السابقة وحجمه الذى كان سيتم اذا وافقت الحركة على خوض الانتخابات الولائية فى ذلك الوقت.

فبتحليل الانتخابات السابقة نجد ان جملة الناخبين المسجلين الذين كان يحق لهم التصويت 697864 ناخبا، تحصل المؤتمر الوطنى على 199262 صوتا من جملة الناخبين اى ما يعادل 27%  بينما تحصلت الحركة الشعبية على 91405 صوتا وهو ما يعادل 12% من جملة الاصوات. وقد تحصلت الاحزاب الاخرى والمستقلين على 99798 صوتا ويعادل ذلك 13% من جملة الاصوات، فى حين ان 357779 ناخبا لم يصوتوا وهو ما يعادل 48% من جملة الناخبين وهذا عدد كبير لا يستهان به. فقد كان انسحاب عرمان محبطا بالنسبة لهم بالاضافة الى عدم خبرة الحركة بالانتخابات كما وانها لم تستعن باهل الشأن والدراية فى تلك الانتخابات بالاضافة الى بعض المشاكل الخاصة بها والتى كان لها اثر مباشر فى تلك الانتخابات. لذا نجد ان معظم الذين لم يصوتوا من انصار الحركة الشعبية بافتراض ان كل منسوبى المؤتمر الوطنى قد صوتوا، بل هنالك من صوتوا تحت الترغيب او الترهيب او الغش، وهذا العدد يقدر ب (17% - 22%) من المصوتين لكبر التزوير مما يضع عضوية المؤتمر الوطنى فى الولاية بين (5% - 10%) لا غير. ويجب ان نلاحظ بان المؤتمر الوطنى قد كان فى الساحة وحده تدعمه اللجنة العليا للانتخابات بموظفيها وعمالها فى تلك الانتخابات بالاضافة الى الاعلام الضخم، ومع ذلك كانت نسبة الفوز على حسب تلك المعطيات نسبة ضعيفة جدا تؤكد ما ذهبنا اليه بان عضوية المؤتمر الوطنى فى الولاية فى حدود (5% - 10%). وقد لا تتوفر للمؤتمر الوطنى تلك الظروف والمعطيات مرة اخرى، خاصة فى الانتخابات التكميلية القادمة.

فقد حاصرت الحركة الشعبية المؤتمر الوطنى فى الولاية حصارا رهيبا وحرمته من تلك الامتيازات التى كان يتمتع بها فى الانتخابات السابقة بدءا بالتعداد السكانى الذى اعاد الدوائر المسروقة مرورا بتقسيم الدوائر التى حاولت اللجنة العليا للانتخابات التابعة للمؤتمر الوطنى سرقة دائرة من هيبان وضمها للمنطقة الشمالية لكى تحفظ للمؤتمر الوطنى دائرتين فى محلية القوز التى لا تستحق غير دائرة واحدة فقط. وبالفعل قد احتفظت المفوضية بدائرتين للقوز حرمت بذلك محلية دلامى من حق مشروع لصالح محلية القوز لان حظوظ المؤتمر الوطنى ضعيفة فى دلامى. وبذلك تكون اللجنة العليا للانتخابات وبالتالى المفوضية القومية للانتخابات لم تلتزما بالقانون الذى يحكم تقسيم الدوائر حسب القاسم الانتخابى الولائى. وقد كان ذلك الاجراء سيحرم المؤتمر الوطنى من الحصول على اكثر من دائرتين فى القطاع الشمالى حيث كانت ستكون حظوظه فى دائرة واحدة فقط. لذا قد كان هنالك تزوير واضح فى تقسيم الدوائر لصالح المؤتمر الوطنى. لقد حاصرت الحركة الشعبية ايضا المؤتمر الوطنى فى السجل الانتخابى، فانتصرت عليه مرتين، المرة الاولى عندما حاول فتح السجل الانتخابى المعيب. فقد قضى المؤتمر الوطنى جل وقته فى تنقيح السجل الانتخابى القديم ووضعه فى قالب كان يضمن له اكثر من 75% من الدوائر الجغرافية بدون اى مجهود يزكر، وقد كاد المؤتمر الوطنى يحتفل بفوزه فى الانتخابات مبكرا قبل ان تبدأ اصلا وذلك على بيانات السجل الذى كان ينوى فتححه لتزويره، الا ان الحركة الشعبية قد صفعته صفعة مجلجلة لا نعتقد بان المؤتمر الوطنى سيفوق منها قريبا. فقد حرمت الحركة الشعبية المؤتمر الوطنى من فتح السجل الانتخابى القديم من جديد وطالبت بعمل سجل جديد بناءا على نتائج التعداد السكانى التكميلى وهذا ما لم يطن المؤتمر مستعدا له، فقد خرجت فى مظاهرات ومواكب جابت ارجاء مدن الولاية الكبرى واقامت ندوات فى تلك المدن وخاصة العاصمة كادقلى مما اجبر اللجنة العليا للانتخابات الولائية والمفوضية القومية للانتخابات بالموافقة مجبورة على عمل سجل انتخابى جديد، وهذا ما كان. واما المرة الثانية التى انتصرت فيها الحركة الشعبية على المؤتمر الوطنى، هو كشف التزوير الضخم فى السجل الانتخابى خاصة فى المجلد. وقد اوضح ذلك الكشف للمؤتمر الوطنى بوضوح بان الحركة الشعبية تقود العملية الانتخابية بفهم ووعى متقدم عليه كثيرا ولكن عيب الحركة الشعبية هى المثالية الشديدة فى ادارة الانتخابات وسوف تفقد الحركة الشعبية الانتخابات فى حالة واحدة فقط، وهى ادارتها لهذه الانتخابات بمثالية، بينما المؤتمر الوطنى يتبع السياسة الميكيافيللية فى ادارته للانتخابات، اى سياسة الغاية تبرر الوسيلة.

فالحركة الشعبية قد استفادت من اخطاء الانتخابات السابقة التى خاضتها على المستوى القومى، فتلك الانتخابات قد كانت تجربة مفيدة للحركة الشعبية. فقد حضرت الحركة الشعبية نفسها من خلال تلك الانتخابات جيدا. فهى قد بدأت الاستعداد لهذه الانتخابات مبكرا، ففى الواقع قد بدأت التحضير للانتخابات التكميلية بعد نتائج الانتخابات البرلمانية القومية مباشرة، حيث قيمت تلك الانتخابات تقييما علميا رصينا مما وفر لها كثيرا من الجهد والفرص بعد البرامج التدريبية المكثفة لعنصرها البشرى الذى تتفوق به على المؤتمر الوطنى فى هذه الولاية. فقد  دربت الالاف من كوادرها على العمليات الانتخابية بمراحلها المختلفة، كما دربتهم على كشف عمليات التذوير فى الانتخابات فى كل المراحل وقد استطاعت بذلك كشف عمليات التزوير الكبيرة التى تمت فى السجل الانتخابى ونفضها من السجل. وقد عملت الحركة على حماية نفسها فى الانتخابات القادمة من كل الاحتمالات سياسيا وعسكريا، وهى الان جاهزة تماما لخوض هذه الانتخابات التكميلية التى يحتاج فيها المؤتمر الوطنى الى معجزة حقيقية للفوز بها. فقد يسجل المؤتمر الوطنى نصرا هنا وهناك ولكن ذلك النصر لا يخرج من مناطق نفوذه التقليدية، ولكنه سيعجز تماما فى اقتحام معاقل الحركة الشعبية التى ستؤكد فوزها فى هذه الانتخابات. فالمؤتمر الوطنى فرصته ضعيفة جدا فى هذه الانتخابات ان لم تكن معدومة، حيث ان كادر المؤتمر الوطنى اقل تدريبا من كادر الحركة الشعبية كما انه اقل عددا. ولكن المؤتمر الوطنى يعتمد على المال لرشوة الناخبين وبيع الزمم. فان تتبعت الحركة الشعبية هذه الممارسات المخالفة لقانون الانتخابات بدقة يمكن ان يتم محاصرة ذلك فى نطاق ضيق يرهق المؤتمر الوطنى ماديا. فالمال فى انتخابات جنوب كردفان من خلال التجارب السابقة ليس عاملا حاسما فى التأثير على نتائج الانتخابات النهائية بشرط محاصرة المؤتمر الوطنى فى هذا الجانب وتضييق الخناق عليها بافهام الناخبين بان الاموال التى تقدم كرشاوى بالنسبة لهم ما هى الا اموالهم التى كان يجب ان توجه للتنمية وبدلا من ذلك وجهت لشراء الزمم لتكريس المزيد من الفقر والجهل والمرض فى اوساط مجتمعاتهم. لقد وقف المال عاجزا فى وجه ارادة الجماهير، خاصة فى الجزء الخاص بجبال النوبة فى حين انه يلعب بالرؤوس فى الجزء الغربى من الولاية وهى الحلقة الاضعف ان تحدثنا عن تأثير المال، لذا عجز انسان تلك المنطقة تماما من الخروج من وهدة التخلف المتأصلة فيه دون غيره فى الولاية. فالرفاق فى القطاع الغربى فى حاجة الى الوقوف جانبهم لنجدتهم من هذا الداء الذى ينخر فيهم الكسوس. فرهان المؤتمر الوطنى على المال وحده فى هذه الانتخابات يعتبر رهانا خاسرا لا محالة، فما ذلك الا هدرا للمال العام الذى كان يجب ان يوظف فى مشروعات التنمية الحقيقية لانسان المنطقة وخاصة تللك التى تتعلق بالتنمية البشرية من تعليم – بناء مدارس، اجلاس التلاميذ – وتوفير الدواء، فلا يعقل ان تكون مدرسة عريقة كمدرسة البندر الابتدائية بنين فى وسط المدينة غير مسورة ويجلس بعض تلاميذها على الارض ويتلفحون السماء ونتحدث عن التنمية فى ولاية جنوب كردفان. فهذه الاشياء الاساسية المتعلقة بحياة الانسان فى ولاية جنوب كردفان هو ما عجز المؤتمر الوطنى من القيام بها خلال العشرين عاما الماضية التى كان فيها على سدة الحكم فى الولاية لوحده. فالتنمية التى يقال بانها تنتظم الولاية الان، بالرغم من انها لا تلبى الطموحات، الا انه لولا وجود الحلو شخصيا رئيس الحركة الشعبية على سدة الحكم فى حكومة الشراكة التى اجبرت المركز على اختيار هرون ك ند للحلو، لما كانت هنالك تنمية اصلا. فهرون لوحده لا يمكن ان يحدث تنمية فى الولاية لانه مجرب من قبل فى الولاية واهل الولاية يعرفونه جيدا ولم نأثر على مؤسسات تنموية فى الوزارة التى كان يشغلها، فاما الحلو فهو الوافد الجديد التى اتت معه اشراقات التغيير فى الولاية. فسكان الولاية واعون جيدا بما يدور حولهم، كما انهم ينظرون للتنمية بمنظار مختلف عن التنمية التى تحدث فى الولاية والتى تعتبر دون طموحاتهم لانها لا تمس جوهر قضاياهم المتعلقة بالتنمية البشرية و تخفيف المعانة المعيشية.

من خلال هذا السرد يتضح لنا جليا بان المؤتمر الوطنى لا يحظى بشعبية فى هذه الولاية حسب الانتخابات القومية السابقة، ولكن المؤتمر الوطنى يعتمد فى استراتيجياته على شراء الزمم بالتركيز على الادارات الاهلية والاعيان والنخب المتعلمة. ولكن معظم هؤلاء ليست لهم شعبية وسط قواعدهم، اذ انهم يعيشون فى جزر معزولة. كما ان معظم منسوبى المؤتمر الوطنى من ابناء النوبة ليست لهم شعبية وسط اهلهم بالاضافة الى انهم لا يحظون بثقة المؤتمر الوطنى. كما يلعب المؤتمر الوطنى على عنصر الاثنية، ولكن هذا الكرت اصبح غير مؤثر فى الحركة الشعبية. فقد ابطلت مفعول ذلك باختيارها الموفق لمرشحيحها لمعظم الدوائر المضمونة والقوائم الحزبية والمرأة حيث قامت بتمثيل كل الاثنيات العرقية فى قوائم مرشحيحها مما احدث ارتياحا وسط منسوبيها. فاختيار المرشحين بالدقة التى قامت بها الحركة مفقود لدى المؤتمر الوطنى، وهذا قد يقلل من فرص فوز مرشحيحه فى دوائر كانت لديه فرص فوز فيها. كما وان المؤتمر الوطنى قد يلعب على عنصر الدين، ولكن هذا العنصر سلاح ذو حدين. فقد يجد المؤتمر الوطنى نفسه عاجزة تماما من اللعب بهذا العنصر، خاصة فى الجبال الجنوبية.

بالنسبة للحركة الشعبية، و بعد ان تغلبت على عنصر الانتماء القبلى والجهوى فى اختيار ممثليها، عليها ان توفر فقط 1% من المبالغ التى سيوفرها المؤتمر الوطنى لهذه الانتخابات والتى فى تقديرنا تبلغ ميئات المليارات. وهذه الامول قد كانت كفيلة باحدث تنمية حقيقية فى الولاية ان اراد المؤتمر الوطنى ذلك والتى كانت ستعفيه ربما من كثير من الممارسات الفاسدة التى يعتمد عليها هذا الحزب الفاسد فى الانتخابات، والتى عنده الغاية تبرر الوسيلة كما زكرنا من قبل. كما وان سكان الولاية ينظرون الى هذه الاموال بانها اموالهم تستخد لافسادهم بدلا من ان توجه لتنميتهم، وهذا فى حد ذاته استخفاف بانسان هذه الولاية وعدم احترامه كأنسان له كينونته. وكما زكرنا من قبل، فان ضخ الامول الموجهة للتنمية لشراء الزمم فى العمليات الانتخابية فى جنوب كردفان دائما ما تاتى بنتائج عكسية. فأنسان ولاية جنوب كردفان يعى سياسيا ما يدور حوله. فقد غير حكومات وفرض حكومات، كما وان للمؤتمر الوطنى تجارب مريرة مع انسان هذه الولاية، وخاصة فى مدينة كادقلى، حيث عجز بالفوز بمقعد فيها عندما كان لوحده فى الحكم، فكيف يفوز ومعه شريك شرس تتمركز عضويته داخل هذه المدينة بكثافة، وهى التى اتت بمكى على بلايل مرتين على حساب مرشح المؤتمر الوطنى فى انتخابات كان المؤتمر الوطنى يشرف عليها لوحده. كما وان انتخابات النقابات فى الولاية، قد كانت هى الاخرى مؤشرا خطيرا للانتخابات التكميلية القادمة ولما يمكن ان يحدث فيها، فلاول مرة ومنذ اكثر من عشرين عاما تدخل النقابات عناصر لا تنتمى للمؤتمر الوطنى، حيث كان لوحده يسيطر على العمل النقابى فى الولاية تماما.

كل هذه مؤشرات تضعف كثيرا من حظوظ وفرص المؤتمر الوطنى فى الفوز فى الانتخابات التكميلية القادمة. فالمؤتمر الوطنى قد كان يعتمد على تلك الفرص باعتبارها قد كانت حصرية بالنسبة له، ولكن بمشاركة الحركة له فى تلك الفرص، افقدته السيطرة الكاملة على ادوات مهمة كانت تساعده فى السيطرة الكاملة على العملية الانتخابية فى الولاية، لذا شلت الحركة قدرتة وجعلته يلجأ الى الاسلوب الصريح فى استخدم الاموال لافساد المرشحين والناخبين، خاصة فى القطاع الغربى من الولاية الذى يعتبر من اضعف حلقات الولاية كما زكرنا فى مواجهة الصمود امام الاغرات المادية التى اقعدته عن تحقيق اهدافه  وجعلته عرضة للاضطرابات الامنية وعدم الاستقرار. فما لم يتحرر انسان ذلك القطاع من هذا المرض العضال سيظل الى امد طويل يرزح تحت نير هذا الضغط والبلبلة وعدم الاستقرار الذى لا يقوده الى تنمية حقيقيه وسط مجتمعه وتحويله من مجتمع يتسول فى حقه الى مجتمع مالك الى ذلك الحق. فالحركة بهذا قد نجحت فى جعل المؤتمر الوطنى يلجأ الى انتهاج اسلوب الفساد فى العملية الانتخابية ككرت اول واخير لانها لا تملك حجج مقنعة تقدمه لانسان هذه الولاية للوقوف بجانبه. ولاول مرة نسمع بان المؤتمر الوطنى يشتكى عندما اشتكى الحركة الشعبية معترضا على وضع رمز الحركة الشعبية على راس رمزه فى قوائم الترشيح. فقد سبقت الحركة المؤتمر الوطنى الى مكاتب اللجنة العليا للانتخابات واحتلتها قبل ان يقوم خفيرها من النوم وعندما حضر رئيس اللجنة العليا وموظفيه وعامليه ونائب رئيس المؤتمر الوطنى فى الولاية  الى مكاتب اللجنة العليا وجدوا ممثل الحركة الشعبية ورفاقه يحتلون المقاعد الامامية فى الصفوف، فما كان من رئيس اللجنة العليا الا وان يبدأ باجراءات الحركة الشعبية قبل المؤتمر الوطنى، وبذلك احدثت الحركة الشعبية نصرا معنويا كبيرا على المؤتمر الوطنى بوضع رمزها على رأس القائمة، وكلنا يعلم مدى تأثير ذلك على الناخبين عند الادلاء باصواتهم.

فالنجاحات والانتصارات التى احدثتها الحركة الشعبية على المؤتمر الوطنى زاد من فرص فوزها فى الانتخابات القادمة، كما جعل المؤتمر الوطنى ينغمس عميقا فى وحل الرشاوى وافساد الزمم ككرت اخير لا بديل له. فالحركة بسجلها الانتخابى الموازى، والذى يضم اكثر من 70% من الناخبين المسجلين فى السجل يعطيها فرصا اوسع للفوز ان هى فقط حافظت على هذه النسبة، وهى بمقدورها فعل ذلك. فبالاضافة الى كادرها المتوفر بغزارة والمدرب تدريبا عاليا فى العمليات الانتخابية بمراحلها المختلفة مقارنة بكادر المؤتمر الوطنى، عليها توفير  الميزانية التى تمكنها تسيير العملية الانتخابية والوصول الى مناصريها فى اماكنهم  وهذا سيمكنها من الفوز بسهولة على المؤتمر الوطنى بارهاقه ماديا. فمنسوب الحركة الشعبية يتمتع بأرادة لا تتوفر لدى منسوب المؤتمر الوطنى. فمنسوب الحركة يدعم حزبه بماله ووقته وهو غالبا ما يعمل متطوعا لحزبه فى حين ان منسوب المؤتمر الوطنى يدفع له الحزب ويؤدى عمله مقابل مبالغ مادية، وهذا فرق شاسع بين الاثنين، ففى حين يرى منسوب المؤتمر الوطنى ان المال هو الذى يحقق النجاح يرى منسوب الحركة ان قوة الارادة هى التى تقود للنجاح، ودليلنا على ذلك ان المؤتمر الوطنى قد فقد معظم الذين صوتوا له فى الانتخابات السابقة بعدم الذهاب الى مراكز التسجل لتسجيل اسمائهم بحجة ان لهم استحقاقات لم تدفع منذ الانتخابات السابقة، اذ انهم قد وعدوا بمكافات ان فاز الرئيس ومرشح الدائرة الا انها لم تدفع لهم فقبعوا فى منازلهم بل حرضوا غيرهم من عدم الذهاب الى مراكز التسجيل، وقد اثر هذا كثيرا فى السجل الانتخابى العام والسجل الموازى للمؤتمر الوطنى اذ قل عدد المرشحين عن العدد السابق باكثر من 40%، فى حين ان منسوبى الحركة قد اتجهوا الى مراكز التسجيل بغزارة بالرغم مما لهم من بعض المرارات.

لذا فنحن نجد انفسنا امام مدرستين مختلفتين فى الفكر والمنهج والاسلوب، وعلى القارى بعد ذلك ان يقيس فرص ونجاحات كل من الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى حسب المعطيات حتى لا تكون هنالك مفاجات، ولا اعتقد بانه ستكون هنالك مفاجات اصلا.

مع تحياتى،

طالب تية،

نائب وكيل سابق فى وزارة المالية والتخطيط الاقتصادى.

5 ابريل 2011م



© Copyright by sudaneseonline.com