From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
تعقيب على مقال :فوائد فكرية دينية في الثورات المعاصرة (الحلقة الثانية)/د. عارف عوض الركابي
By
Apr 4, 2011, 16:30

 

 

تعقيب على مقال :فوائد فكرية دينية في الثورات المعاصرة (الحلقة الثانية)

د. عارف عوض الركابي 

كانت الحلقة الماضية في التعقيب على مقال الأخ الأستاذ كمال أحمد يوسف الذي نشر بهذه الصحيفة في يوم الاثنين الماضي 16 ربيع الثاني 1432هـ الموافق 21 مارس 2011م  بعنوان : (فوائد فكرية دينية في الثورات المعاصرة) فكان التعقيب عليه فيما ذكره بشأن مسألة (الخروج على الحكام) وقد بينت في تلك الحلقة أن الحلقة الثانية ستكون في التعقيب على ما جاء في مقال الأخ كمال فيما ذكره بشأن مسألة (أهل الحل والعقد) وقد اطلعت يوم أمس الاثنين 23 ربيع الثاني الموافق 28 مارس 2011م على تعقيب من الأخ كمال على تعقيبي على مقاله في الحلقة الأولى ، فرأيت أن يكون تعقيبي على تعقيبه في النقاط التالية مع تأجيل مناقشة مسالة (أهل الحل والعقد) لوقت آخر إن شاء الله :

1/ أشكر الأخ الأستاذ كمال على رحابة صدره وترحيبه بالتعقيب ، وهو أمر غير مستغرب على الإخوة الأفاضل الزملاء الكتاب بهذه الصحيفة العزيزة على نفوسنا ، كما أنه يؤكد للجميع أن التعقيب والتعقيب عليه بين الجميع هنا هدفه المناقشة العلمية وتقديم الحجج والأدلة وليس بين الأشخاص إلا الاحترام والتقدير .

2/قال الأخ كمال في مقاله السابق (أما الحجة الداحضة الثانية عند بعض المجموعات التي ما زالت تتمسك بالقديم هي أنه لا يجوز الخروج على الحاكم بحجة أن ذلك يقود للفوضى وسفك الدماء مما يجعل عدم الخروج أخف ضرراً من الخروج مهما كان ظلم الحاكم وهذه أيضاً حجة لا تصمد أمام الأدلة العملية التي تبرهن على أن سفك الدماء والمظالم في ظل الأنظمة المستبدة أكبر منها في ظل الثورات ضد الحكام) وبعد تعقيبي عليه في هذه الجزئية في الحلقة الماضية ، جاء في تعقيبه بقوله التالي : ( فأقول إن ما أعنيه بالقديم هو فهم النصوص وليس النصوص في حد ذاتها فإن الأحاديث التي وردت في عدم جواز الخروج على الحاكم فإن صح ورودها فإن دلالتها تختلف وأفهام الناس لها تختلف فعدم جواز الخروج على الحاكم ليس على إطلاقه) .

وأقول : إن الأخ الكاتب لم يبين في مقاله الأول أن قصده بالقديم هو (فهم النصوص) بل أطلق العبارة دون قيد ، ومع أن هذا التوضيح منه أمر جيد إلا أن تساؤلاً مهماً يتبادرهنا وهو: يا ترى بفهم من تمسكت تلك المجموعات لهذه النصوص وقالوا باشتراط تلك الشروط في مسألة الخروج ؟! ولماذا هذا الفهم أصبح حجة داحضة حسب عبارة الأخ الكاتب؟! فهذا مما يجب توضيحه طالما أننا نناقش قضية محددة وليس النقاش في عمومات !!..

3/قول الأخ الكاتب : (فإن الأحاديث التي وردت في عدم جواز الخروج على الحاكم فإن صح ورودها فإن دلالتها تختلف وأفهام الناس لها تختلف).

أقول : لقد استغربت كثيراً من تساؤل الأخ كمال عن مدى صحة ورود الأحاديث في هذه القضية ، فطالما أن الأخ كمال ليس له معرفة بالأحاديث الواردة في هذه القضية فكيف يناقشها ويناقش ما دلت عليه عبر مقال؟! وكيف له أن يعتبر من يتمسك بـ (فهمها) صاحب حجة داحضة ، بل هو على خطأ كبير  في تقديره ؟!

ويؤكد الأخ كمال ما ذكره أعلاه في عبارته التالية : (والأحكام يا أخ عارف كل الأحكام الدينية في السياسة وغيرها لا تؤخذ من نص واحد أو نصين أو حتى ثلاثة ولكنها تقرر بعد استقراء مجموعة من النصوص من الكتاب والسنة ومعرفة دلالاتها اللغوية والمقارنة بينها ثم النظر للواقع الذي نريد أن نُسقط عليه الحكم ثم نقرر بعد ذلك صلاحية الحكم لهذه الواقعة أم لا، بهذه الطريقة كان الفقهاء يستخرجون الأحكام الفقهية وليس بأخذ النصوص بمعزل عن النصوص الأخرى "فإن كانت هنالك أحاديث وردت في عدم جواز الخروج على الحاكم " فإننا نتساءل أي حاكم تعنون).

أخي كمال : إذا لم تكن تعرف أن أحاديثاً وردت بتوجيهات نبوية كريمة قالها الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام في هذه القضية ، فكيف لك أن تعلم بمدلولها ومفهومها ؟! ثم كيف لك أن تخطئ من عمل بها ؟!

لقد ورد في هذه القضية قرابة ثلاثين حديثاً صحيحاً عن النبي عليه الصلاة والسلام ، منها ما اتفق عليه البخاري ومسلم ومنها ما انفرد به أحدهما ومنها ما رواه غيرهما من أهل السنن والمسانيد ، وعلى ضوء هذه الأحاديث النبوية كان موقف العلماء في هذه القضية ، والإجماع الذي انعقد بناء على فهمها وساق ذلك الإجماع جهابذة أفذاذ من العلماء على رأسهم ابن حجر والنووي .

ولابد من أن أضرب لك مثلاً لهذ الأحاديث : قال رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ « لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ » رواه مسلم.

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِى عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ » رواه مسلم.وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ قَالَ « إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ »رواه البخاري ومسلم.

لقد وردت أحاديث كثيرة جداً عن النبي عليه الصلاة والسلام تبين وتوضح الموقف الشرعي للمسلم والمسلمة في هذا الشأن ، ولقد توقعت بعد تعقيبي في الحلقة الماضية أن يرجع الأخ الكاتب إلى تلك الأحاديث وينظر في مدلولها ويقرأ كلام أهل العلم في شرحها ، ثم يُعمل فيها القواعد التي ذكرها من جمع كل ما في القضية من نصوص ثم لينظر فيها ، ثم يأتي لنا ـ إن وجد ــ نصوصاً أخرى متعارضة مع النصوص التي جاءت في قضية الخروج على الحكام وينظر في كلام العلماء في ذلك.

لكن الأخ الكاتب لم يفعل شيئاً من ذلك !! وإنما أتى إلينا بهذا التنظير الذي هو ليس في واقع قضيتنا التي نناقشها!!.إلا أنه لم يفت الأوان ، والأمر كما هو معلوم مناقشة علمية فإني أرجو من الأخ الكاتب أن يناقش هذه القضية بصورة واضحة ويبين لنا رأيه في ثبوت هذه الأحاديث ، ثم يبين رأيه في فهمها ومدى صلاحيتها لأن يحتج بها في واقعنا هذا ، ثم يأتينا بنصوص تعارضها إن كان ذلك موجوداً ، ثم يبين لماذا انتقد ولا يزال ينتقد من فهم منها عدم جواز الخروج إلا بشروط محددة.

ومما استغربت له أيضاً أن أحد الإخوة الكتاب علّق على هذه الأحاديث في مقال له بقوله (وتأويل بعض الأحاديث التي لها وضع خاص وتعبر عن ظرف تاريخي معين تأمر الناس بالصبر والسمع والطاعة وعدم المنازعة في الأمر).

إذ جعل لهذه الأحاديث ظرفاً تأريخياً معيناً ! وبالتالي فهي حسب فهمه وما قال قد تجاوزته !! فيا ترى فهم من هذا من العلماء ؟! ومن قال به من أهل العلم ؟! إن هذه المنهجية لهي منهجية (خطيرة) في التعامل مع النصوص الشرعية وبناء الأحكام عليها ، وهو باب كبير وخطير للانفلات من التوجيهات الشرعية ، والإعراض عن السير على المنهج الذي ارتضاه الله تعالى لعباده ، والدين الذي شرعه لهم ، وهو منهج يناقض الاستسلام لله والانقياد له والطاعة لنبيه الكريم ، ولا يقوى ما يبرر به البعض من تبريرات (عقلية) دون استناد لأدلة شرعية ، أو بيان علمي صحيح من وجود نسخ للنص أو تخصيص أو تقييد له وما شابهه ، بل هو ردٌّ للنصوص الشرعية بجرأة واضحة.

4/قول الأخ الكاتب (هل نأخذ الأحكام من الأحاديث التي يمكن أن تكون لها دلالات ظرفية مختلفة أم آيات الشورى الواضحة ، فالدعوة لعدم الخروج على الحاكم حتى وإن كان ظالماً ما لم نر كفراً بواحاً ليست دعوة مطلقة)

أقول : كيف حكم الأخ الكاتب بأن هذه الأحاديث لها دلالات ظرفية مختلفة؟! ولا أجد في مبحث دلالات الألفاظ من مباحث علم أصول الفقه وخاصة مبحث العموم والخصوص ، ما يكون مسعفاً للأخ الكاتب في دعواه ، ثم من قال إن العمل بهذه النصوص مخالف لقاعدة الشورى ؟! فالشورى لها أهلها ولها مجالاتها وقد حظيت بأبحاث كثيرة ومفصلة وليس بهذا المقال المجال لتناول ذلك ، وليس هناك أي تعارض في العمل بهذه النصوص الشرعية وبين الشورى بمفهومها الذي ورد في الشريعة.

وأما النقطة الثانية مما ذكره الكاتب في هذه الفقرة فأقول : ومن قال لك أخي الكاتب إن الخروج على الحاكم ممنوع بإطلاق ؟! ألم أُورد في مقالي السابق الشروط التي اشترطها أهل العلم في ذلك بناء على التوجيهات النبوية ؟!وكان التفصيل الذي سقته في ذلك أتيت به للرد على ما جاء في مقالك الذي فهم منه أن من أنكرتَ عليها من تلك المجموعات يحرمون الخروج على الحاكم (بإطلاق).

5/قول الأخ الكاتب : (لو كان الفقهاء بالفعل قد أجمعوا على عدم جواز الخروج على الحاكم فبماذا نفسر دعوة القرضاوي للشعب المصري بالخروج قبل سقوط حسني مبارك ودعوته لمبارك للتنحي بل إن القرضاوي قد دعا إلى قتل القذافي وهذه فتوى موجودة في الإنترنت ويمكن الاطلاع عليها في أي وقت فهل فاتت عليه الأحاديث التي تدعو لعدم الخروج على الحاكم؟ أم أنه فهمها فهماً آخر مقروناً بظروفها؟ وإن كان هناك إجماع على عدم جواز الخروج على الحاكم فلماذا كتب الفقهاء والمفكرون الإسلاميون في تجديد الفكر السياسي الإسلامي ليتماشى مع العصر وآلياته في الحكم من انتخابات وفصل السلطات وتحديد مدة الحاكم وقيام البرلمانات، لماذا أتعبوا أنفسهم في مقاومة الأنظمة الحاكمة طالما أن عدم جواز الخروج على الحاكم أمر مجمع عليه؟.)

أقول مجيباً : وهل قول الدكتور القرضاوي أو غيره من الناس حجة يعمل بها مقابل حديث النبي عليه الصلاة والسلام وتوجيهاته وحكمه ؟! لقد أجمع الصحابة والتابعون والأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم في القديم والحديث أن كلاً يؤخذ من قوله ويرد إلا قول رسول الله عليه الصلاة والسلام الموحي إليه والمعصوم من ربه ، فأقوال الرجال تطلب لها الأدلة ليرى حقها من باطلها وليست هي (أدلة) تتبع ويسلم لها ، فكيف بنا في قضية ورد فيها ما يقارب من ثلاثين حديثاً نأخذ فيها بقول غيره عليه الصلاة والسلام؟!

وإن كان للقرضاوي أو غيره فهم فهِمه فالعبرة بما دلت عليه النصوص الصريحة ، والعبرة بفهم الأئمة السابقين والذين نقل إجماعهم على الفهم بأنه لا يجوز الخروج إلا إذا توفرت تلك الشروط وكانت المفسدة ليست أعظم من مفسدة بقائه.وإذا أردنا أن نورد النماذج والأمثلة لفتاوى وآراء الدكتور القرضاوي التي خالف فيها العلماء المتقدمين والمتأخرين فسوف يكون ذلك مكلفاً في الجهد ، ومهلكاً للوقت !!

وأما ما ذكرته من اتجاهات أهل (الفكر السياسي) وتماشيهم مع العصر واجتهاداتهم في ذلك وما خرجوا به بشأن الانتخابات وفترات الحكم وغير ذلك ، أقول : إن تصرفات الناس وأفهامهم للدين والشريعة لن تكون حكماً على الشرع ، خاصة فيما ورد بشأنه نص خاص بحكمه ، فيجب الاستسلام والانقياد لحكم الله ورسوله فيه.

وقد نعيش واقعاً فيه ما يخالف التوجيهات الشرعية وحكم الإسلام وقد يفرض علينا ذلك ، فهذا شيء ، إلا أن هذا الواقع لا يسوغ لنا أن نأتي ونبين أن هذا هو حكم الإسلام أو أن الإسلام يقره ونرد بسبب البحث عن مشروعيته الأحاديث الواردة الصحيحة.. فهذا شيء وذاك شيء آخر بل هو أمر خطير يدخل في منازعة الله في حقه العظيم (التشريع) قال تعالى : (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) وقال تعالى : (ألا له الخلق والأمر).

6/استغرابي من نشر مقال الأخ كمال في هذه الصحيفة وربطه بتبني هذه الصحيفة ونصرتها للدعوة والتذكير بأمر الشريعة الإسلامية وتطبيقها بالبلاد ، لم يكن هذا الاستغراب بسبب تأييده لهذه الأحداث القائمة في بعض البلاد ، وإنما كان بسبب كلامه عن (التمسك بالقديم) الذي استنكره على من يقول بعدم الخروج على الحاكم إلا بتوفر شروط ، وقد وضحت ذلك بأن العمل بهذه الأحاديث هو من العمل بالشريعة ، وإلا فكيف يفرق الأخ الكاتب بين أمر النبي في عبادة الله وحده أو أمره في شان الصلاة أو تحذيره من الخيانة أو الربا أو النميمة وغيرها وبين تحذيره من الخروج على الحكام وشق العصا وإسالة الدماء وما يتبع ذلك ؟! كيف يفرق بينها وهي كلها من الشريعة  الواجب العمل بها والاحتكام إليها؟!

7/ تساءلت في تعقيبي السابق عن الاختلاف في الموقف الحالي لكثيرين !! حيث جوزوا الخروج هناك ومنعوه هنا !! وطالبوا به في تلك البقعة وعدوه منكراً عظيماً هناك !! فما هو الضابط لهذه الازدواجية في المواقف التي استغرب لها كثير من العوام فضلاً عن العلماء وأهل العلم ؟!!ولم يحظ هذا التساؤل بإجابة تريح البال !!!

8/ بقية النقاط التي ذكرها الأخ الكاتب مترتبة على إجابته للتساؤلات السابقة حيث إنه بناها على موقفه من النصوص الشرعية الواردة في القضية وفهمه لها ، فلم أجد ما يدعو لتناولها واحدة واحدة حالياً خاصة وأن مساحة المقال محصورة ، كما أن مسالة اهل الحل والعقد بحاجة إلى تعليق في مقام أوسع فأؤجل ذلك إلى حلقة قادمة والله الموفق .



© Copyright by sudaneseonline.com