From sudaneseonline.com
سدود اثيوبيا وملف نزاعات مياه النيل 2 - 3/د. سلمان محمد أحمد سلمان
By
Apr 4, 2011, 10:27
سدود اثيوبيا وملف نزاعات مياه النيل 2 - 3
د. سلمان محمد أحمد سلمان
1
ناقشنا فى المقال السابق الوضع المائى فى اثيوبيا وأوضحنا أنه رغم أن أثيوبيا تُعتبر من الدول الغنية مائياً إلاّ أن مواردها المائية تواجه مجموعةً من التحديات الصعبة أبرزها التغييرات المناخيّة والتباين الزمانى والمكانى للأمطار والتى تسببّت وتتسبّب فى الجفاف والفيضانات، والزيادة الكبيرة للسكان خلال الخمسين عاماً الماضية والتي أوصلت سكان اثيوبيا إلى 88 مليون هذا العام. ومن ضمن التحديات أيضاً أن الإثني عشر نهراً التي تبدأ فى أراضيها تعبر حدودها الى دولٍ أخرى وتصبح أنهاراً دولية تتشارك وتتنافس فى استعمالاتها هذه الدول.وأوضحنا أيضاً أنه يمكن تقسيم الإثنى عشر نهر الى اربعة منظومات نهرية هى (1) نهر أواش (2) منظومة أنهر وابى شبيلى وجوبا وغينالى (3) نهر أومو، و(4) منظومة النيل.
كما ذكرنا فى ذلك المقال فإنّ إنشغال اثيوبيا بحروبها الخارجية والداخلية وظروفها الإقتصادية السيئة وقلّة التمويل الخارجى بسبب هذه الظروف حدّت من آمالها فى تنمية طاقتها الكهربائية خلال القرن الماضى واكتفت اثيوبيا ببناء عددٍ قليل من السدود الصغيرة خلال ستينات وسبعينات القرن الماضى معظمها على نهر أواش. واشتملت تلك السدود على سد كوكا (أوما يَعرف بـ كوكادام) على نهر أواش لتوليد 40 ميقاواط، وعلى سدّى أواش الثانى وأواش الثالث (وكلُ منهما يُولّد 32 ميقاواط) ، وكذلك سد أبا صمويل لتوليد 20 ميقاواط من الكهرباء. ولكنّ هذه السدود سرعان ما غمرها الطمى وأثّر تدريجياً على أدائها وتوقّف سد أبا صمويل عن العمل كلياً بعد أن غمره الطمي وأوقف توربينات توليد الكهرباء فيه (وكان هذا السد قد بُنىَ عام 1932 وأُعيد تأهيله فى الستينات وتوقف العمل فيه عام 1970).
شرعت السلطات الإثيوبية في بناء سدٍ صغير على نهر فِينشا أحد روافد النيل الأزرق في سبعينات القرن الماضى وأُكملت المرحلة الأولى منه لتوليد 80 ميقاواط عام 1973، وفى بناء مشروعٍ آخر صغير على بحيرة تانا يُسمّى تِس أبّاى لتوليد 12 ميقاواط (كما سنناقش فيما بعد). بالإضافة إلى هذه المشاريع فقد قامت اثيوبيا ببناء مشروع "ميلكا واكانا" على نهر وابى شيبلى لتوليد 150 ميقاواط. هذا بالإضافة إلى مشاريع صغيرة أخرى مثل "سور" على نهر بارو (سوباط). غير أن الطاقة الكهربائية الكليّة لهذه المشاريع كلها لم تتعدى 400 ميقاواط، بينما لم تزد المساحة المروية من هذه المشاريع عن 70,000 هكتار.
ولكن هذا الوضع بدأ فى التغيير مع بداية هذا القرن. فقد توقفت الحروب مع جيران اثيوبيا وانتهت الى حدٍّ كبير حروبها الداخلية، وشرعت اثيوبيا إثر هذا الإستقرار في مشاريع تنموية ضخمة، تساعدها فى ذلك علاقاتها الجديدة والجيّدة مع الدول الغربية وارتفاع أسعار البُّنْ الإثيوبى عالمياً والنمو المتزايد للإقتصاد الإثيوبى وكذلك الدراسات التى أشارت الى وجود كمياتٍ ضخمة من الغاز الطبيعى فى إقليم الأوغادن فى اثيوبيا، إضافةً إلى ظهور جمهورية الصين الشعبية كمستثمرٍ وممولٍ وبانٍ للسدود ومتلهفٍ للموارد الطبيعية خصوصاً فى أفريقيا. أكملت اثيوبيا خططاً مفصّلة لبناء اقتصادها شملت دراساتٍ تفصيلية للإستفادة القصوى من مواردها المائية. من ضمن هذه الدراسات تلك التى أصدرها البنك الدولى بالتعاون مع الحكومة الاثيوبية عام 2006 بعنوان "اثيوبيا: إدارة الموارد المائية من أجل الزيادة القصوى للنمو القابل للإستمرارية."
2
كان واضحاُ منذ البداية أن برنامج اثيوبيا التنموى الطموح، مثله مثل أى برنامجٍ تنموىٍ كبير، سوف يعتمد نجاحه على توليد أكبر قدرٍ من الطاقة الكهربائية المتاحة لاثيوبيا والتى تتجاوز 45,000 ميقاواط. وقد كانت كل الطاقة الكهربائية المُولّدة من السدود فى اثيوبيا فى بداية هذا القرن لا تتعدى 500 ميقاواط عندما كان سكان اثيوبيا حوالى 60 مليون نسمة.ويتركز جُلُّ الطاقة المتاحة لاثيوبيا فى منظومة أنهر النيل ونهر أومو بسبب الإنحدار الحاد فى مجرى أنهار هاتين المنظومتين. وقد ركّزت اثيوبيا فى البداية على نهر أومو لأنه كان واضحاُ لها أن المشاكل السياسية والقانونية، وبالتالى التمويلية، فى نهر أومو ستكون أقلّ من تلك التى ستواجهها فى منظومة النيل، إذ أنّ نهر أومو يجرى كلّه داخل الأراضى الاثيوبية رغم أنه يصبّ فى بحيرة تُرْكانا التى يقع معظمها فى كينيا.
مشاريع السدود على نهر أومو وروافده:
المشروع الأول:
بدأت اثيوبيا فى بناء أول سدٍ لها على نهر غيلغيل غيبي، أحد روافد نهر أومو،عام 1986. وسُمّى المشروع مشروع غيلغيل غيبي للطاقة الأول. توقف العمل بالمشروع عام 1990 خلال النزاعات الداخلية باثيوبيا وتواصل العمل بالمشروع عام 2000 واكتمل عام 2004. ويتكون المشروع من سدٍّ ارتفاعه 40 متراً، ويُولّد المشروع طاقة كهربائية محدودة لا تتجاوز ال 185 ميقاواط. ويتم إعادة المياه التى تُولّد الطاقة الى مجراها الطبيعى فى النهر دون تخزين لها.
المشروع الثانى:
بعد اكتمال مشروع غيلغيل غيبي للطاقة الأول بدأ العمل في المشروع الثاني. ويتكون هذا المشروع من نفقٍ مائى طوله حوالى 26 كيلومتر لتحويل مياه المشروع الأول الى نهر أومو وتوليد طاقة كهربائية من خلال هذا التحويل تبلغ ذروتها حوالى 420 ميقاواط. وقد اكتمل المشروع وبدأ فى توليد الطاقة الكهربائية فى نهاية عام 2009 ليرتفع انتاج اثيوبيا للطاقة الكهربائية فى عام 2010 إلى أكثر من 1,000 ميقاواط. وبلغت تكلفة المشروع حوالى مليار ونصف مليار دولار. وقد قامت شركة سالينى الإيطالية للمقاولات ببناء المشروعين، كما قامت الحكومة الإيطالية بتمويل جزءٍ من تكلفة المشروع الثانى.
المشروع الثالث:
لم يُثِر أىٌ من المشروعين احتجاجاتٍ أونقداً على نطاقٍ واسع لأن تأثيراتهما البيئية والإجتماعية كانت محدودة. غير أن هذا الوضع تغير إثر الإعلان عن مشروع غيلغيل غيبي للطاقة الثالث وبدء العمل فيه فى عام 2006. فهذا مشروعٌ ضخم يتم بناؤه حالياً على نهر أومو نفسه بتكلفةٍ تتجاوز مليارين من الدولارات. ويتكون المشروع من سدٍّ ارتفاعه 243 متراً ويُتوقع أن تحجز بحيرة السد حوالى 12 مليار متر مكعب من المياه حول جزءٍ كبير من أراضى قبيلة التُركانا، ويُتوقع أن يولِّد المشروع عند إكتماله حوالى 1,870 ميقاواط ليزيد الطاقة الكهربائية فى اثيوبيا إلى أكثر من 250 بالمائة. وتقوم شركة سالينى الإيطالية للمقاولات مع عدّة شركاتٍ صينية ببناء السدّ الذى تُموّل الجزء الأكبر منه جمهوريةالصين الشعبية. وقد قامت وتتواصل الإحتجاجات محلياً وعالمياً ضد المشروع بحجة أن المشروع سيُغْرِق أراضى واسعة ويضطر أكثر من50,000 من قبائل التُركانا (والتى تعتبر من الشعوب الأصليّة) للرحيل من المنطقة، إضافةً الى تأثيراته السلبيّة على البيئة فى المنطقة، وأيضاً على بحيرة تُركانا بسبب الهبوط الكبير المتوقع في البحيرة نتيجةً لحجز كميات كبيرة من ماء نهر أومو وراء السدّ. وقد أدت هذه الإتهامات الى إحجام بعض المانحين من المشاركة في تمويل المشروع. رغم التأثيرات المتوقعة على بحيرة تُركانا لم تحتج كينيا على المشروع بل باركته لأن ثلث الكهرباء التى يُتوقع أن يُولّدها المشروع سوف يتم تصديرها وبيعها لكينيا التى تعانى نقصاً حاداً فى الكهرباء. وقد كان من المُخطط له اكتمال المرحلة الأولى للمشروع وبدء توليد الكهرباء فى نهاية عام 2011 واكتمال المشروع كليةً فى نهاية عام 2012، غير أن المشروع تعرّض لمشاكل فنيّة كبيرة وتقول المؤسسة الاثيوبية للطاقة الكهربائية أن مشاكل المشروع الفنية حُلّت وأن العمل في المشروع سيكتمل فى يوليو 2013.
هذا وقد بدأت اثيوبيا قبل فترةٍ فى إجراء الدراسات حول مشروع غيلغيل غيبي للطاقة الرابع لتوليد طاقة كهربائية قدرها 1,500 ميقاواط، والمشروع الخامس بطاقة قدرها 600 ميقاواط، وكلاهما على نهر أومو. وهذا بالطبع برنامجٌ طموح ولكنّ برنامج اثيوبيا لتوليد الطاقة الكهربائية من منظومة النيل، كما سنناقش أدناه، ليس أقل حجماً أو طموحاً من مشاريع نهر أومو.
3
مشاريع السدود على منظومة النيل:
كما ذكرنا فى الحلقة الماضية فإن منظومة النيل في اثيوبيا تشمل نهر عطبرة والذى يُعرف في اثيوبيا بنهر تَكَزّى، والنيل الأزرق الذى يُسمّى داخل اثيوبيا بنهر أبّاي، بالإضافة إلى نهري أوكوبو وبارو واللذين يكونان بعد لقائهما في جنوب السودان نهر السوباط. ونناقش بإختصار السدود التى بنتها اثيوبيا فى منظومة النيل.
أولاً: مشروع تِسْ أبّاى الأول:
بدأت اثيوبيا فى إستغلال طاقتها الكهربائية في منظومة النيل في ستينيات القرن الماضى. ومن أوائل المشاريع التى بُنيت على النيل الأزرق عند مخرجه من بحيرة تانا هومشروع تِسْ أبّاى عام 1964 لتوليد 12 ميقاواط من الطاقة الكهربائية، وتتولّد الطاقة الكهربائية من اندفاع المياه عبر الشلالات عند مخرج النيل من بحيرة تانا.
ثانياً: سدّ فينشا:
قامت اثيوبيا ببناء أول سدٍّ لها على على منظومة النيل على نهر فينشا، أحد روافد نهر أبّاى (النيل الأزرق)، وهو سدٌّ صغير لا يتجاوزارتفاعه العشرين متراً لتوليد الطاقة الكهربائية. بدأ بناء المشروع عام 1968 واكتمل عام 1973 بتكلفةٍ قدرها 34 مليون دولار. كانت الطاقة التى يولّدها السد حوالى 84 ميقاواط، إرتفعت بعد تأهيل المشروع عام 1999 الى 100 ميقاواط. كذلك ساعد التاهيل على رىّ حوالى 8,000 هكتار.
ثالثاً: : مشروع تِسْ أبّاى الثانى:
هذا المشروع هوامتداد لمشروع تِس أباى الأول ويقع على نهر أبّاى (النيل الأزرق)على بعد 32 كيلومتر من مخرج النهر من بحيرة تانا. وقد بدأ العمل فيه عام 2001 واكتمل عام 2005 ويُولّد 75 ميقاواط من الكهرباء.
رابعاً: سدّ تكزّى:
يقع هذا السد على نهر تَكّزى (نهر عطبرة). وقد بدأ التخطيط لبناء هذا السد فى عام 2002 عند اكتمال دراسة الجدوى ذلك العام. وهذا أول سدٍ كبير تقوم الحكومة الاثيوبية ببنائه على منظومة النيل، إذ يبلغ إرتفاعه حوالى 188 متر وتحجز البحيرة التى يخلقها السد حوالى اربعة مليار متر مكعب من مياه النهر. وقد قامت الحكومة الصينية بتمويل الجزء الأكبر من تكلفة المشروع البالغة حوالى 360 مليون دولار، وقامت إحدى الشركات الصينية بالبناء واكتمل العمل بالمشروع عام 2010 ويُولّد المشروع حوالى 300 ميقاواط من الطاقة الكهربائية.
خامساً: سدّ تانا بيليس:
يقوم هذا المشروع بتحويل مياه من بحيرة تانا لنهر بيليس (أحد روافد النيل الأزرق) وبناء محطة لتوليد الطاقة عند مكان التقاء نقطة التحويل بالنهر. بدأ العمل بالمشروع فى عام 2004 واكتمل فى عام 2010. وقد قامت شركة سالينى الإيطالية للمقاولات ببناء المشروع بتكلفةٍ قدرها 125 مليون دولار. ويقوم المشروع بتوليد حوالى 460 ميقاواط من الطاقة الكهربائية.
هذه هى السدود والمشاريع التى إكتمل بناؤها حتى الآن وبدأت فى توليد الطاقة الكهربائية وزادت إنتاج اثيوبيا إلى أكثر من 2,000 ميقاواط فى فترةٍ وجيزة. هذا غير المشاريع التى اكتملت دراستها وبدأ تنفيذها ولكنّ بناءها لم يكتمل بعد. وسوف نناقش فى المقال القادم والأخير سدّ الألفية العظيم وكذلك السدود الأخرى على منظومة النيل التى تحت الدراسة، وما تنوى أن تفعله اثيوبيا بالطاقة الضخمة التى سيتم توليدها إذا نجحت فى تنفيذهذه السدود، والتداعيات المحتملة لهذه السدود.
Salmanmasalman@gmail.com
© Copyright by sudaneseonline.com