From sudaneseonline.com

تقارير
ليمان في السودان .. مرحلة القضايا العالقة
By
Apr 4, 2011, 10:21

ليمان في السودان .. مرحلة القضايا العالقة

تقرير: التقي محمد عثمان

بمعدل مبعوث لكل سنتين توالى ظهور المبعوثين الامريكيين الى السودان منذ 1998م ليصل عددهم الى ستة بتعيين المبعوث برينستون ليمان، مما قد يعني ان الولايات المتحدة آلت على نفسها التعامل مع الخرطوم باهتمام ولكن ليس بطريقة سوية.

ويضع تعيين ليمان العلاقة بين واشنطن والخرطوم في موضع التساؤل القديم حول امكانية تقارب المواقف بين العاصمتين طالما انهما على طرفي نقيض، فبينما ترى واشنطن في الخرطوم دولة مارقة تستحق البقاء عاما اثر عام في لائحتها السوداء للدول الراعية للارهاب، ترى الخرطوم في واشنطن شيطانا اكبر يجب تعذيبه ثم قوة باطشة تجب مهادنتها والانحناء لها ثم اخيرا عدوا ما من صداقته بد.   

وقد اعتبر مراقبون استمرار النهج الامريكي في التعاطي مع الشأن السوداني عبر المبعوثين لا السفراء يقع ضمن استراتيجية يجري تنفيذها دون عجلة تستهدف في المحصلة اعادة الخرطوم الى بيت الطاعة خطوة خطوة بدلا من سياسة العصا الغليظة التي تم اتباعها مطلع التسعينيات، ويشير البعض في هذا الصدد الى ان الولايات المتحدة أعادت تقييم استراتيجيتها تجاه السودان حيث نصح خبراء أمريكيون من معهد الدراسات الاستراتيجية في أواخر عهد الرئيس كلنتون باتباع سياسة (التفاعل الايجابي) مع الحكومة السودانية.

اما عن الجانب السوداني فيقول مراقبون ان استمرار نهج الخرطوم في القبول بما تقترحه امريكا من شكل العلاقة المبتور يقع في دائرة المثلين (العين بصيرة واليد قصيرة) و(خادم الفكي مجبورة على الصلاة) بمعنى انه لا حيلة ولا قدرة للخرطوم على فعل شئ في مسار العلاقة ذات الاتجاه الواحد رغم ما يتبدى من شغف بامريكا تخفيه العيون وتفضحه اللفتات الاستخبارية، كما ان قبول الخرطوم للمبعوثين الامريكيين في السنوات الماضية كانت على امل تحقيق شئ من التطبيع مع الدولة الكبرى في زمن القطبية الواحدة، وفي هذا السياق يمكن قراءة بيان الخارجية الصادر ظهر امس، اذ لم يتعد البيان الترحيب بالمبعوث وتذكير امريكا على استحياء بأن أفضل السبل لمعالجة القضايا الثنائية يجب أن تكون عبر الوسائل الدبلوماسية المعهودة والتمثيل المقيم عبر السفارات.

ويقرأ محللون تعيين المبعوث ليمان باعتباره مقدمة لتدشين مرحلة جديدة في الاستراتيجية الامريكية التي نصح بها الخبراء الامريكان (التعاطي الايجابي) وعبر مراحل لتحقيق الهدف النهائي، فإن كان هاري جونسون فتح الباب امام امكانية التواصل بين البلدين عبر المبعوثين، وانجز جون دانفورث تعبيد الطريق نحو تحقيق السلام في السودان ومن ثم فصل الجنوب، وافترع اندرو ناتسيوس جهود انهاء النزاع في دارفور وتدويل المشكلة كمقدمة لاستلامها بالكامل، وابتدر ريتشارد وليامسون طرح المطالب التي تقدمت بها الخرطوم لرفع اسمها من قائمة الدول الراعية للارهاب واعفائها العقوبات الاقتصادية على صانع القرار الامريكي كجزرة لا تنال، واكمل سكوت غرايشن مرحلة الاستفتاء المفضي الى انفصال سهل وميسور، لنكون دخلنا الى مرحلة ليمان التي يطلق عليها المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة ايلاف الدكتور خالد التجاني النور مرحلة القضايا العالقة ويستدل النور من تعيين ليمان على أن الامريكان مازال لديهم دور في السودان، ويقول في حديثه لـ الصحافة أمس ان هذا التعيين يثبت ان الدور الامريكي لم ولن ينتهي بانتهاء الفترة الانتقالية مشيرا الى ان ما حدث يعني تغير في الاسلوب وليس في السياسة العامة لامريكا المحددة باستراتيجية، ويقول ان الامريكان درجوا على استخدام الرجل المحدد باسلوبه للمرحلة المحددة، ويضرب النور المثل بغرايشن الذي كان في مرحلة معينة مفيدا للسياسة الامريكية في السودان ولكن هذا لا يعني بالضرورة انه صالح لكل الاوقات، ويقول (من الواضح ان ليمان  يصلح لهذه المرحلة التي يمكن تسميتها بمرحلة القضايا العالقة)، والقضايا المعلقة مع الجنوب مازالت تحتاج الى معالجة وهذا يعني ترحيل القضايا العالقة الى ما بعد التاسع من يوليو وهذا يعني ان الدور الامريكي سيظل موجودا، مشيرا الى ان المبعوث الجديد سيبدأ رحلته مع القضايا العشر العالقة من العاصمة الاثيوبية حيث يجتمع الشريكان في اديس ابابا لمناقشته، ويشير التجاني الى ان الأمريكان حسب استراتيجية اوباما قالوا باعتماد احد الخيارين اما دولة موحدة او دولتين قابلتين للعيش ويقول ان (هذا كلام فضفاض)، و يتيح وضع السودان تحت اختبار في فترة مفتوحة وغير محددة.

فاذا كانت هذه هي نظرة واشنطن، فكيف تنظر الخرطوم وما هي خياراتها؟ كما يقول محللون، فانها تملك ان ترفض الاسلوب الامريكي، وفي هذا الاتجاه يقول أمين بناني رئيس حزب العدالة القومي ان فرص الحكومة لإيجاد حلول مع الغرب استنفذت لحد بعيد، لانها هادنت الغرب طويلاً، وقدمت تنازلات كبيرة لم تجن منها كثيراً، لأن أطماع الغرب لا حدود لها ورغبة الغرب في الهيمنة تجاوزت قدرة النظام، ويقول بناني في حوار صحفي معه اجري في وقت سابق ان الحل الوحيد للحكومة أن تقوي استراتيجيات المقاومة من خلال التحالفات مع القوى المضادة للغرب أو التي يمكن أن تنافس الغرب في السودان، مشيرا الى ان فائدة هذه التحالفات تتمثل في ان الغرب اذا حسب أن النظام لديه حلفاء أقوياء ويمكن أن يصمد لفترة طويلة امام التحديات عندئذ يمكن للغرب أن يتفاهم مع السودان على كل الملفات مشددا على ان السودان في هذه المرحلة لا سبيل له إلا المواجهة مع الغرب وعلى رأسه امريكا بالطبع.

و يحدد لنا الدكتور خالد التجاني زاوية نظر الخرطوم ويقول انها تسدد بصرها نحو التطبيع مشيرا الى ان التطبيع مازال امامه وقت وطريق طويل لكي يكتمل ويقول ان الامريكان لديهم خارطة تمر بمراحل، ولن يتم بناء عليها التطبيع الا بعد حل ازمة دارفور والقضايا العالقة مع الجنوب وعليه سيظل التطبيع معلقا حتى تطمئن امريكا انه ليس هناك ما يعوق ويعرقل قيام دولة الجنوب واستمرارها، ويستدرك النور استدراكا مهما ويقول ان دارفور ليست اولوية في السياسة الامريكية كما يبدو ولكنها تستخدمها كورقة ضغط على الحكومة في الخرطوم لضمان عدم وضع أية عراقيل امام دولة الجنوب الوليدة، ليعود ويتحدث عن خطل تركيز الخرطوم على التطبيع مع واشنطن ويقول ان الحزب الذي يقود الحكومة المؤتمر الوطني مهموم بالتطبيع ويدفع اثمانه وزيادة لكن القضية الحقيقية انه يحتاج الى اعادة ترتيب الاوضاع السياسية في السودان والسير في اتجاه ديمقراطية وتعددية حقيقية لخلق قاعدة شعبية راضية عن النظام السياسي، مشددا على ان تحديات الحكومة الحقيقية داخلية وليست خارجية.

ومن الواضح فان الخرطوم ما تزال تراهن على انجاز التطبيع كحل يحمل لها فرصا واسعة للتعاطي مع كثير من مشاكلها والى ذلك يذهب بيان الخارجية امس حين يتحدث عن تطلع الحكومة أن يستصحب السفير ليمان إضافة لما يتمتع به من خبرة دبلوماسية ومزايا مهنية رفيعة، الإرث الإيجابي الذي تركه المبعوث السابق الجنرال قريشن خاصة فيما يتصل باحترام تعهدات الولايات المتحدة السابقة في رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كمقدمة ضرورية لتطبيع العلاقات، والتزام الحيادية بين طرفي السلام، وتعزيز الثقة والبناء علي التفاهمات المشتركة بين البلدين، وعدم العودة للملفات السابقة.

وعلى كل، وكما يرصد الراصدون، فقد كثُرت تواريخ المبعوثين الامريكيين، فإثر كل مبعوث يمضي يفد الينا مبعوث جديد، وما يدري احد أي مبعوث سيجعل الخرطوم ترى الحق كما تراه امريكا حقا فتتبعه فترضى امريكا وتفتح لها ابوابها فتغترف من القروض الدولية والمعونات الاقتصادية وتذهب عنها وصمة الارهاب ودعمه ويأتيها سفير يمارس رياضة الجري على شاطئ النيل، والأهم من ذلك ان يستريح الناس في هجعتهم وتستبدل الحكومة كوابيسهم باحلام رائقة لا تطن فيها اسماء هاري جونستون وجون دانفورث واندرو ناتسيوس وريتشارد وليامسون وسكوت غرايشن ودين سميث.

 

 



© Copyright by sudaneseonline.com