From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
الطيبان/ مصطفى والزين والكيل بمكيالين/محمد الأمين نافع
By
Apr 4, 2011, 10:10

الطيبان/ مصطفى والزين والكيل بمكيالين

محمد الأمين نافع

 

يبدو أن سياسة الكيل بمكيالين التي طالما اتهمنا بها الكبار والمكابرين والمرابين في عالم السياسة والاقتصاد لم تعد حكراً علي هؤلاء الكبار، بل أصابتنا نحن الصغار أيضاً عدوى هذه السياسة التي لا يحيق مكرها السيئ إلا بأهله، طال الزمان أم قصر، وفي سوداننا الحبيب يظل الساسة يصطرعون ويختلفون من الألف الي الياء، ثم تجتمع نقائضهم في محك أو زقاق سياسي ضيق أو في (حتة ضيقة) كما نقول نحن العامة، فيقولون أو يفعلون كل ما يناقض المعلوم والشائع بالضرورة من مواقفهم السياسية وغير السياسية. ومن نحن اليوم بصدد نقد ونقض مواقفهما ومفاهيمهما المتناقضة مع ما بات مشهوراً عنهما لدى الجميع، شخصيتان سياسيتان علي طرفي نقيض أو قطبان حزبيان بارزان يختلفان في كل شيء عدا في هذه الميكافيلية السياسية القصيرة الأنف والنظر. إنهما الزعيمان الطيبان/ الطيب مصطفى مؤسس ورئيس حزب منبر السلام العادل وصاحب صحيفة الانتباهة الما تغبانا، والطيب الزين، إن لم يكن طيباً وزيناً آخر، فهو الطيب الزين الذي يمثل الآن الساعد الأيمن للأستاذ/ علي محمود حسنين رئيس أحد الشقين الذين انشطرت اليهما الجبهة الوطنية العريضة المعارضة وهي لم تبلغ من العمر العام بعد، وهو، أي الطيب الزين، الي جانب منصبه الرسمي في الجبهة (الأمين العام)، رئيسها الفعلي من وراء الكواليس ومنظـِّـــرها السياسي الأول، وإذا كان الأستاذ/ شوقي بدري الملاكم السياسي والرياضي معاً، قد أنكر علي جناح حسنين في تبرير خلافه معهم عدم الجرأة والشجاعة والوضوح الكافي في الجهر بالإقرار بفصل الدين عن الدولة فإن الطيب الزين هو من أصدر أول بيان سياسي للجبهة موقـَّــع عليه باسمه بصفته الرسمية، دونه جرأة ماركس علي الدين المنسوبة اليه زوراً بأن الدين أفيون الشعوب.

أما فيما يتعلق بتناقضهما مع أطروحاتهما واتباعهما سياسة الكيل بمكيالين والنظر الي الأمور إما بعين الرضا أو عين السخط، وليس بالضرورة عين المنطق والموضوعية، فالأول ظل يدعو الي عدم التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لأية دولة من الدول أو شعب من الشعوب ومن البداهة أن يظل رافضاً كل تدخل دولي أو اقليمي في السودان، لكن بمجرد أن انتقل موضوع التدخلات السرية والمعلنة الي حيشان أخرى غير حوش السودان برهن من أول وهلة لاختبار ثباته علي مبدأ عدم التدخل علي عدم تحليه بأي نضجٍ سياسي، فنزل بقضه وقضيضه و( انتباهته ) في ميدان سباق التدخل الدولي والاقليمي في شؤون الشقيقة ليبيا، وبذلك شارك ويشارك من حيث يدري ولا يدري في إضفاء الشرعية علي تدخل القوى الاستكبارية في شؤون من شاءت وتجريم من شاءت وتبرئة من تشاء، وبالتالي الاعتراف بصحة قرار امريكا اعتبار المقاومة الوطنية في فلسطين، أفغانستان، باكستان والعراق قوى إرهابية يجب أن تحارب، أما القوى المعارضة للقذافي والبشير وأمثالهما ممن لا يحظون برضا القوى العظمى، فهي قوى تحرُّر ديمقراطي من أنظمة دكتاتورية وقمعية يجب أن تنال الدعم الحلال والحرام، وبالتالي يجب أن يستباح ضرب المدنيين بالطيران في سبيل من تعاديه هذه الشرعية الدولية المزعومة وتجريم ذلك الفعل وحظره البتة في حال استخدامه من قبل العدو المفترض لهذه الشرعية. إذاً بإيجاز هذا هو ما يرتكبه مصطفى في حق مبادئه وشعبه قبل الشعب الليبي أو أي شعب آخر، ومن يردد دائماً قوله تعالى: ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون )، يجب أن يعلم هو قبل الآخرين أين منقلبه وهل كان مصرعه في سبيل الله والحق أم في سبيل الباطل وإن لبس ثوب الحق؟؟!      

الطيب الآخر، الطيب الزين، كما يناقض نظيره مصطفى في كل شيء ناقضه أيضاً في تناقضه مع نفسه وسياسة الكيل بمكيالين التي جمعت بينهما، ومن الطرائف والمفارقات أن موضوع تناقضهما وملتقى نقائضهما كان الموقف من ليبيا، فبينما وقف مصطفى في تناقض سافر مع مبادئه السياسية المعلنة من الناحية العملية علي الأقل مؤيداً للتدخل الدولي في ليبيا بالانحياز السافر الي طرف من أطراف الصراع الليبي، وقف نظيره الزين في تحدٍّ صارخ أيضاً لمبادئه المتمثلة في الارتهان الكامل لقوى التدخل الخارجي، وقف معارضاً الموقف الدولي الأخير من ليبيا، بينما خـُــلقت جبهته العريضة من طينة التدخل الخارجي وتمرغت في وحله، كما تباري طرفا الجبهة في إثبات الولاء لمبدأ التدخل الخارجي في شؤون السودان عبر التشبث بتفسير أول مبادئ الجبهة (إسقاط النظام بكل الوسائل) بإطلاق ودون تحديد، أنه يعني مباركة التدخل العسكري الدولي أو الاقليمي في شؤون السودان وغيره. 

بيد أن تناقض الزين مع نفسه كان مركباً ومضاعفاً حتى داخل موقفه من ليبيا، فقد دافع الزين عن ليبيا القذافي في مقاله (هبوا يا أبناء الامة العربية في وجه المؤامرة الاستعمارية ضد ليبيا) باستماتة، لكنه للأسف ناقض نفسه داخل ذات الموضوع فخذل وأضعف منطقه في الدفاع عن ليبيا ورفـْـضِ التدخل الخارجي في شؤونها بل واعتبار معارضتها عملاء للقوى الاستعمارية التي جاءت تنهب وتنقب عن ثروات ليبيا وليس لإنقاذ شعبها، فهو قد وقف معاداته للتدخل الخارجي علي الحالة الليبية حصرياً، بينما أجاز التدخل في ذات المقال، بل دعا ورغب فيه المجتمع الدولي ترغيب الولهان الملهوف، إذا كان مثلاً في السودان لنصرة دارفور، أو جنوب السودان قبل الانفصال وأثناء حربه مع الشمال، واليمن والبحرين وكل دول الخليج، وأية دولة أخرى ممكنة عدا ليبيا. أي أن التدخل في نظره حلال إلا في ليبيا، وهذا بالطبع نقضٌ صريح لموقف جبهته المعلن حول هذا الأمر والذي أشرنا اليه في السطور أعلاه، وبذلك، كما أسلفنا تفوَّق الزين علـَـي مصطفى بغرابة تناقضه مع نفسه، فبينما أحلَّ مصطفى التدخل في شؤونٍ غير شؤون بلاده وحرَّمه علي بلاده، وهذا أمر قد يكون فيه شيء من الموضوعية إذا جرِّد من الجوانب السياسية وعـُــومل علي أنه موقف تشفٍّ ذاتي ونفسي لا علاقة له بالواقع السياسي، نجد موقف الزين علي العكس من مصطفى يجيز التدخل علي بلاده ويحرِّمه علي آخرين أبرزهم ليبيا، لذلك وإن لم يرد اسمه في كشف الولاء والبراء الخاص بنظام القذافي الذي أورده الأستاذ/ مصطفى البطل في مقاله ( المرشد في موالاة الأنظمة ومناهضتها ) كعادته في نشر ما انطوى من مجد فضائح الوسط السياسي والثقافي، يثير موقفه هذا الظن والشكوك حول ذمته الليبية، إذ ربما يكون وفي غفلةٍ من رقابة البطل قد رضع يوماً من ثدي الولاء لليبيا القذافي وتكون أمه السودان قد نطحته وركلته الي ليبيا ذات سنة، ذات معارضة، ذات مرتزقة، كما يقول الأستاذ الكبير/ طلحة جبريل. أرجو أن أكون قد وفقت في إيضاح تناقض الرجلين ودعوتهما الي خـُــلـُـــقٍ ينهيان عنه الآخرين ويجيزانه لنفسيهما.  

 

 



© Copyright by sudaneseonline.com