From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
.... وفي الصحافة استهبال!/هاشم كرار
By
Apr 2, 2011, 11:51

هاشم كرار

.... وفي الصحافة استهبال!

 

دون مناسبة ، أو ربما بمناسبة غامضة ، قفز إلي ذهني- فجأة- صديقي الصحفي أسامة سيد عبد العزيز.

     أسامة، صحفي شاطر، إنه يمتلك واحدة من أميز صفات الصحفي الشاطر : الاستهبال!

الليلة الماضية، تذكرت أسامة، بحب، واشتياق، وتذكرت-  تحديدا ذلك الصباح البدري،  من صباحات صحيفة ( الايام ) السودانية في العام 1984:

في ذلك الصباح البدري، كان قد سبقني إلي الصحيفة ، وتصادف أن صادف الاستاذ حسن ساتي ، رئيس التحرير، وهو يدخل بسيارته  مبنى (الأبام) في قلب الخرطوم.

       - أسا مة، كيفك !

      - تمام ياأستاذ!

      - شايفك جايي بدري !

       - والله يا أستاذ شغال في تحقيق ، وقرب يخلص !

و،،،طلع أستاذ حسن، إلي فوق ، حيث مكتبه.

دخلت المكتب- مكتب الاخبار- لأفاجأ  أنا بأسامة- الذي كان يدير في ذلك الوقت قسم المنوعات- في مثل ذلك الصباح البدري ، و،،كلمة مني ، وكلمة منه، ضحكة ، ضحكتان، و،،،فجأة ،خرج صوت الاستاذ حسن ساتي، من ال(إنتركوم) ليملأ المكتب كله خشخشة :

      - أسامة ،، أسامة !

       - نعم ، يااستاذ !

       - تعال ، تعال سريع!

لملم أسامة خطواته إلي فوق، حيث مكتب رئيس التحرير، وراحت أذني تتابع وقع تلك الخطوات، في الدرج الخشبي ،طرق ،، رق ، طرق.

كان قد سبق صوت الاستاذ حسن ساتي، وهو يخرج من ال( إنتركوم ) بوقت قليل ، ( وقوقة ) سيارات المرورالسريع، في شارع القصر، القريب من مكاتب (الأيام)

كنت وقتذاك، قرب نادي ناصر الثقافي، المطل على شارع القصر، في طريقي إلي (الأيام ) . إلتفت (لأشوف الزيطة والزمبريطة ) ،شفتها:

كانت سيارات المرور السريع ( توقوق ) وكانت سيارات الامن تركض وراءها، وتركض سيارات البروتوكول،ثم سيارات رئاسية سوداء، لمحت في واحدة منهن ، الرئيس حسني مبارك !

هو- الرئيس مبارك- دائما هكذا، في كل زياراته للخرطوم ،يجيئ فجأة ، ويروح فجأة، دون أي تسريبات مسبقة، وتلك كانت لاعتبارات أمنية !

ربطت- سريعا جدا-  في ذهني، بين مجيئ الرئيس مبارك- هكذا فجأة- وبين إستدعاء الاستاذ حسن ساتي، لأسامة،  عبر ال ( إنتركوم ) !

و،،، عاد أسامة ، من فوق،وفي ملامح وجهه، واحدة من ابتسامات ( استهبالاته ) التي ( مابتغباني )

- هاشم أستاذ حسن قال ليك تعال!

قال أسامة ماقال، وهو يتلذذ بواحدة من ابتساماته( المستهبلة)

في تلك اللحظة ، أدركت– تماما – بيني وبين نفسي ، أن اسامة أخبر رئيس التحرير بأنني وصلت.. في تلك اللحظة أدركت أنه- أسامة المستهبل- استهبل حسن ساتي ، و( كب ليهو واحدة من مكناتو ) أى كذباته، ليعفيه من تغطية زيارة الرئيس مبارك ، في القصر!

- أوكي! أوكي ياأسامة !

قلت لأسامة ذلك ، وأنا أنظر في عينيه ( المستهبلتين ) في تلك اللحظة ، وأقسم له- بيني وبين نفسي-( حتغطي الزيارة- زيارة مبارك- يعني  حتغطيها ياأسامة يابن سيد عبد العزيز)!

و،،، أنا أصعد الدرج الخشبي، إلي فوق، حيث مكتب رئيس التحرير، ( قطعت ) سريعا جدا ( زرارتين ) من قميصي، قبل أن يفاجئني الأستاذ حسن، وهو  نازل :

        - هاشم ، الرئيس مبارك وصل الخرطوم ، يللا ، سريع جدا إلي ،،،القصر!

        - ( أوكي ) ياأستاذ، لكن بس، زي ماإنت شايف، في زحمة المواصلات، إتقطعت زرارتين من قميصي!

رمق أستاذ حسن-  سريعا جدا- (صدري )، وهو يحث الخطي ، نازلا الدرج. رفع صوته :

        - أسامة ، أسامة!

    و ...خرج إليه أسامة : نعم ياأستاذ!

       - هاشم زرايرو مقطعة، يللا ، يللا إنت يا أسامة ، خلي مرتك تمشي الدكتور براها، دي جريدة ياأسامة،دي جريدة ياخي، دا شغل!

        التفت إليّ أسامة، وقد توارت من فمه ابتسامة الاستهبال، فيما أخذت تلك الابتسامة، مكانها اللائق، في فمي. قلت له بنظرة سريعة: ( تاني ألعب غيرها يا،، ياأسامة!)

       طأطأ أسامة عينيه ، لملم أوراقه وخرج إلي،،، القصر( حتي النصر )!          ،،

،،

تري أين أنت الآن، يا صديقي أسامة؟

تري، في أي ( حتة) في السودان الآن- بعد عودتك من أميركا- تمارس أنت فيها الآن ( استهبالك) الصحفي ،مع واحد من ضحاياك ، ضحاياك الذين لم أكن أنا واحدا منهم، تحديدا في عام (1984) !

صديقي أسامة:

الحديد، لا يفله- كما تعلم جيدا- إلا الحديد.

وقياسا علي ذلك، لا يفل الاستهبال، إلا الاستهبال: استهبال مساو له في القوة ، ومعاكس له في الاتجاه !

صديقي أسامة : استهبلني ، أستهبلك ، وما أجمل استهبالات الصحافة ، والصحفيين!

أسامة :

ياليتنا عدنا ، أو عادت ( الأيام )!



© Copyright by sudaneseonline.com