From sudaneseonline.com

زفرات حرى بقلم : الطيب مصطفى
المؤتمر الوطني بين النظرة الحزبية والنظر الإستراتيجي/الطيب مصطفى
By
Apr 2, 2011, 01:17

زفرات حرى

الطيب مصطفى

المؤتمر الوطني بين النظرة الحزبية والنظر الإستراتيجي

 

د. مندور المهدي كتلة النشاط التي تملأ ساحات العمل السياسي بدر منه تصرُّفٌ أثار ضجّة كبيرة وذلك حين تحدث عن «سحق المعارضة» ذلك الخبر الذي سارت به الركبان وهل أدلّ على ذلك من فضائية الجزيرة التي كثيراً ما تلعب دور «حمّالة الحطب» بالرغم من أنها هزّت بعض أركان طواغيت منطقتنا العربية؟!

صحيح أن المناسبة كانت تشجِّع على مثل هذا الكلام المحتشد بالتهديد والوعيد فقد كان مندور يتحدث أمام كتيبة دبّابين نحتاج إلى عشرات من أمثالها لمواجهة أخطار المرحلة المقبلة لكن بما أن هناك حواراً يجري مع الإمام الصادق المهدي والسيد محمد عثمان الميرغني فالأولى أن نأخذ حِذرنا ونزن كلماتنا بماء الذهب حتى لا يتطاير الرشاش الذي ينتظره بعض الموتورين ليصبُّوا عليه براميل من الزيت المغلي!!

أقول ذلك بالرغم من علمي أن الحديث لم يكن في الغالب موجَّهاً إلى الحزبين المذكورين وإنما إلى عرمان وبني علمان بمن فيهم فاروق أبو عيسى وحليفه في زمن العجائب «المزروع» كمال عمر كما أن التوضيح الذي تفضَّل به مندور نزع كثيراً من الألغام المزروعة في الساحة السياسية.

نصيحتي لمندور ولغيره من قيادات المؤتمر الوطني بمن فيهم د. نافع ألاّ  يتحدّثوا عن المعارضة باعتبارها كياناً واحداً وأن يفرِّقوا بين بني علمان بمن فيهم أبو عيسى وعرمان والشعبي وبين أحزاب القبلة التي يتحاورون معها وألا يعاملوا قوى الإجماع باعتبارها جسماً واحداً ذلك أن هؤلاء شركاء متشاكسون لا تجمع بينهم مرجعية فكرية واحدة ومن شأن أي تصريحات غير دبلوماسية أو قل غير سياسية أن تدفعهم نحو بعضهم البعض كما ينبغي أن يعاملوا مبارك الفاضل على أساس أنه خارج على مرجعية حزب الأمة وما انخرط في حزب الأمة القومي إلا لتحقيق أجندة الحركة المتحالف معها سياسياً وتجارياً بل وفكرياً.

أخي مندور لقد رأيت أسلوب القذافي في التعامل مع الآخَر ورأيت ما فعلته كلمة «زنقة زنقة» في الشارع العربي الذي تندّر بها ودخلت القاموس السياسي كتعبير عن الإقصاء في أبشع صُوَره ولتعلم أن هذه البلاد ليست ملكاً مسجلاً بشهادة بحث للمؤتمر الوطني فهلاّ ترفقتم بأهل القبلة وبذلتم لهم جزءاً يسيراً من التنازلات التي منحتموها لمن لا يستحقون!!

أتجاوز مندور لأقول ليت الإخوة في المؤتمر الوطني  اتّعظوا بتجارب غيرهم وفطنوا إلى أن مبارك وبن علي وعلي عبدالله صالح وغيرهم اكتسحوا انتخاباتهم الأخيرة بنسبة تجاوزت التسعين في المائة لكنها لم تسعفهم عندما ثارت الجماهير!! لماذا يا ترى؟!

أرجو أن يكون ذلك محل بحث واستقصاء لا يقوم به المسبِّحون على الدوام بحمد النظام الحاكم من القطيع والمنتفعين وإنما يقوم به أناسٌ متجرِّدون وحبَّذا لو كانوا من خارج صفّ المؤتمر الوطني ويقيني أن مما يخرج به أي منصف وناصح أمين أن تُفتح الأبواب للآخَر ليعبِّر عن رأيه ذلك أن الكبت يولِّد الانفجار وهذه حقيقة علمية معروفة لا تقبل الجدال ويشمل ذلك إتاحة الحرية للأحزاب، خاصة من أهل القبلة، لكي تنمو مع إعانتها على ذلك بدلاً من التضييق والتآمر عليها «وفركشتها» وتمزيقها ولو كان حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي في كامل عافيتهما لما نشأ ذلك الفراغ القاتل الذي ملأته الحركات المتمردة في دارفور وغيرها ولا أحتاج إلى بيان أن الطبيعة لا تقبل الفراغ فهلاّ وعينا الدرس قبل فوات الأوان!!

كم عدد الأحزاب المسجلة حتى اليوم؟! إنها تزيد على السبعين فهل يستطيع شخصٌ أن يعد منها عشرة؟! كم عدد الحركات الدارفورية المسلحة؟ إنها تبلغ أكثر من 30 وربما زادت واحدة أو اثنتين منذ الأمس من خلال جلسة خلف الكمبيوتر لا تستغرق نصف ساعة فكيف تُحل أزمة دارفور من خلال التفاوض؟! يوقِّع فصيل على اتفاقية محضورة بواسطة ما يسمَّى بالمجتمع الدولي ثم تنشق بعضُ قياداته وتعود إلى الميدان أو تنشئ حركة «كي بورد»!! أحزاب وحركات مسلحة لا حصر لها تُشرذِم الأمة وتهدِّد أمْنها القومي بينما في العالم المتحضِّر ينقسم الشعب على حزبين أو أحزاب قليلة تجمع الولاء الوطني بعيداً عن التشرذم الذي لا ينتج عنه غير الفشل وذهاب الريح!!

لقد ذهب شرٌّ وبيل بانفصال الجنوب واجتمعت أمة الشمال على الإسلام وانحسر التشاكُس والتنافُر وبتنا أقرب إلى أن ننشئ دولة متجانسة، فهل يعي المؤتمر الوطني الدرس ويُسهم  في حشد الأمة في ولاءات كبرى بدلاً من اللجوء إلى تلك النظرة الضيِّقة التي فرَّقت شمل الأمة وقدَّمت المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية الكبرى؟!



© Copyright by sudaneseonline.com