From sudaneseonline.com

حـــوار
حوار مع الفنان التشكيلي البارز حسان على أحمد
By
Apr 1, 2011, 12:18

حوار مع الفنان التشكيلي البارز حسان على أحمد

 

قليل الكلام ، هادئة تقاسيم وجهه ، باردة نظراته في أحيان كثيرة ، معلقة حول شيء بعيد ، وكأنه إستعاض بعالم لوحاته وإكتفى بالنظر إليها دون سواها . لوحاته مختلفة وأعماله لا تكاد تُشبه سواها . مسحورٌ هو بعالم التلوين والتجريب على الأسطح الملساء . إختار طوعا أن يهجر الوظيفة بتكلفها ، ليتفرغ لعالم الفن والإبداع بغير أسف أو ندم على كل ميزة في الوظيفة كان قد تخلى عنها . منطلقٌ بطبعه نحو فضاء الحرية الواسع ، متحفظٌ على كل حدود أو قيود قد تُكبل الفنان وتحد من خطوط إبداعه . جالسته في "قاليري" المشربية في القاهرة ، تكلمنا عن موضوعات متفرقة ، ولا أزال أشعر أن الفنان "الساحر بحق" حسان على أحمد لم يتكلم كفاية عن كل ما يدور في خلده ، فقنعت بالقليل على أمل حوارات اخرى قد تجمعني به .

 

عناوين الحوار:

 

* " المخفي " هي أول تجربة لعرض أكثر من عشرة لوحات بخاصية الإطارين .

 

* أية سُلطة بطبيعتها وطبيعة تكوينها ومصالحها ، تكون معوقة للعمل الإبداعي

 

* وكل مُبدع  يتماهى مع أغراض السلطة هو ساقطٌ من حسابات الإبداع

 

* كثير من الفنانيين يحرصون على البقاء في المنطقة الوسط ، أو المنطقة الرمادية

 

أعد الحوار : مؤيد شريف

 

× "المخفي" التسمية والدلالة ؟

 

جرت العادة أن لا أُسمي اللوحات بأسماء ، لكن قد أطلق إسم على مجموعة لوحات أو على معرض ككل أعطيه تسمية تُميزه عن باقي المعارض . في الفترة الأخيرة ، كنت مهموماً بالمخفي ، ليس المضمن في اللوحة فقط ، فاللوحة في الأصل تشتمل على عناصر الإخفاء والإظهار ، إلا أني عنيت هنا المخفى من عناصر السياسة والإقتصاد . فالنظر إلى الواقع الجارى في الوطن ، تقديري أن ما تطفو على السطح من أحداث ظاهرة ، ليست هي الحاكمة أو المُسيرة للأوضاع ، إنما "المخفى" هو المُسير الأساس . وأغلب الناس قد تفوت على فطنتهم "المخفيات" إلا أن القليل منهم يفكر بعمق ويلمس المخفى من الأشياء . في الأساس أنزعُ بطبعي تجاه التجريب ، وأحيانا تشتمل أعمالى على "الفيقر" وأحيانا أخرى يُسيطر اللون كعنصر أساس وأُحب أن تكون في اللوحة عناصر حسابية . ومن كل هذا الخليط جاءت التسمية .

 

* العمل على إطارين : داخلي وخارجي ، نزوعٌ للخروج عن المألوف؟

 

هي تجربة كنتُ قد إبتدرتها قبل عشر سنوات بقطعتيين . وأساساً لا أُفضل "بروزة" الأعمال أو الإطار للوحة ، خشية تحديد اللوحة وتضييق براحها . أحيانا اللوحة قد تخرج عن الإطار وتنطلق . الجمهور وبعض أصحاب المعارض يفضلون اللوحة في إطارها . ومن هنا جاءت التجربة لأن يكون الإطار جزءٌ من اللوحة ، لا يؤطرها بحدود بقدر ما يكون مكملا للوحة. والتجربة الماثلة أمامك " المخفي " هي أول تجربة لعرض أكثر من عشرة لوحات بخاصية الإطارين .

 

* موقف الفنان حسان من حركة التشكيل في السودان ؟

 

حقيقة لا أعرف عنها الكثير ، لست بمتابع جيد لها على أية حال . في العموم حركة التشكيل لدى الفنانيين السودانيين متميزة وقوية مقارنةً بالحركة التشكيلية في الوطن العربي وإفريقيا . وعند مقارنتنا بالحركة التشكيلية العالمية قد يتبدى الضُعف عندنا بشكل أوضح . وذلك يرجع لحرية الحركة المُتاحة للفنان العالمي والقدرة على الإحتكاك بالفن العالمي بشكل مباشر وليس من خلال الوسائط الإتصالية . وبرهاني على ذلك ، بزوغ نجم فنانيين سودانيين كحسن موسى ومحمد عمر خليل وغيرهم عندما توفرت لهم الأدوات التى قدمت ذكرها . فالإحتكاك الذى عاشوه ولد عندهم إبداع مُنطلق خرج عن إطار التجربة الوطنية لفضاءٍ أكثر إتساعا . ورغم ذلك هناك فنانيين في العالم العربي لديهم تجارب متميزة ومُلفتة .

 

* السُلطة في السودان : مُعوقة أم داعمة لحركة الفنون عموما والإبداع؟

 

أية سُلطة بطبيعتها وطبيعة تكوينها ومصالحها ، تكون معوقة للعمل الإبداعي ، وحتى السُلطة في البيت كالأب قد يكون معوقا للإبداع ، فالمُبدع يحتاج أن يكون حُرا مُنطلقا دون تحديد أو قيود . أما عن السُلطة السياسية الحالية في السودان فيمكن إعتبارها "مُفرملة" لكل حراكٍ فني أو في أي مجال آخر بخلاف الفن . هذه هي طبيعتها الراديكالية والناظرة بتشكك لكل عمل إبداعي .

 

* ظاهرة "فنان السُلطة" ، المُتماهي مع أغراضها والساعي لإرضاءها؟

 

أية سُلطة مرت على تاريخ السودان جندت لنفسها سدنة وحاشية . والمُبدع مهم جدا لأي سلطة لتلميعها وإعطاءها الشكل المقبول أمام الناس . وفي المُقابل ، تجزل لهم السلطة العطاء . لذلك كل جيوب الفنون والإبداع فيها تُبع للسلطة ، وهي ظاهرة تتصل بالبحث واللهث وراء المصالح المُتبادلة ، لا أكثر . وكل مُبدع  يتماهى مع أغراض السلطة هو ساقطٌ من حسابات الإبداع ، إذ ان التجرد شرطٌ لازم لكل عملية إبداعية .

 

* لِما ينتفي أثر الفنان السوداني على واقع وهموم المواطن السوداني؟

 

التشكيل كفن ، وبحكم طبيعته ، بعيد عن حركة الجماهير الواسعة ، بعكس ضروب أخرى من الفنون تتصل مباشرة بالجمهرة . خاصة وإذا جاء العمل التشكيلي تجريديا أو تجريبيا . لكن الفنان بلا موقف من قضايا مُحيطه لا يعد فنان . لا بد من (مع) أو (ضد)  . أما الرماديون فهؤلاء دائما مواقفهم غير واضحة ، وكثير من الفنانيين يحرصون على البقاء في المنطقة الوسط ، أو المنطقة الرمادية هذه (يمسكوا العصاية من النص) .

 

* ضعف التلقى والتفاعل من المُشاهد السوداني للفن التشكيلي ، إلى ماذا تعزيه ؟

 

هناك إشكال في التربية التعليمية من الأساس ، وحتى المدارس لا يوجد فيها إهتمام بالفنون . في وقت سابق كانت هناك حصص للأعمال تتضمن نشاطات تُنمي من القدرة على إستيعاب ومارسة العمل الإبداعي . وعندما تكون السُلطة إسلامية فهذه إشكالية إضافية ، وحتى اللحظة لايزالوا يتجادلون إن كان الفن حلالا أم حرام ؟! وهذه بيئة لا تُساعد على الإبداع . وهناك حادثة تكسير التماثيل في كلية الفنون بإعتبارها "أصنام" لا يجوز إبداعها ! كما وتم جمع وتخزين كافة القطع والأعمال الإبداعية النحتية الموجودة في المجلس القومي للآداب وتخزينها بعيدا عن أعين الناس! بتبرير ديني مُغرض ،  إن كانوا يفهوا الإسلام حقا ، وأشك في ذلك ، لِما أقدموا على تبرير تخريبهم بالإسلام .

 

* أيُطعم الناس فناً أم خُبزا ؟

 

خبزاً بكل تأكيد . وإنهيار الأوضاع الإقتصادية يعني بشكل مباشر إنحسار حركة الفنون . والمجتمعات الأوربية أو الغربية وصلت لمراحل متقدمة من الإزدهار الإقتصادي لذلك تقدمت في الفنون . أما بالنسبة للفنان ، فالفن أولا. ومثال ذلك "فانكوخ" ، كان يرسم لوحاته ولا يملك مالاً أو خبزا ليسُد به رمقه . وعرفنا من سيرته أن أخاه كان يمده بالمال القليل ليسد إحتياجاته القليلة والأساسية . ولم يبيع فانكوخ لوحة في حياته . والان هو معلم لهولندا بل وأوربا كلها . وإرتبطت هولندا بإسمه ، ووطنية الدولة أيضا ، وتقبع لوحاته في متحف أمستردام .

 

* نُضج الفنان ، يظهر في إطار اللوحة أم خارجها ؟

 

الفنان عبارة عن حركة حياتية كاملة . واللوحة نتاج لتجربة ممتدة في الحياة . وليست اللوحة علاقة للونٍ ومساحة وسطح فقط ، ما يخرج منها هو منتوج إبداعي فقط ، لكن هناك المخزون أساس كل فنان يكون عبارة عن تدريب بصري للفنان في الشارع وتجارب القراءات والسمع الموسيقي ومعايشة الموضوعات المجتمعية .. الخ ، وكل هذه الملامس تخرج في اللوحة بشكل مقصود أو مخفي .

 

* كيف ترى المستقبل ، للوطن وفنون الوطن ؟

 

أنا كنت أعتقد ، ولوقت قريب ، أن هناك أمل للسودان لكي ينهض ويتقدم ويخرج من كبوته الماثلة . وبالأخص قبل إنفصال الجنوب . أما الان ، أصدقك القول ، فأنا مُرتعب ، خائف . فمع السُلطة الحالية المسيطرة في السودان ، لا أُفق على الإطلاق . أما في حالة نجحنا في فرض التغيير ، فيمكن أن نصنع أملاً للغد . وأوضاع الفنون متصلة بأوضاع الوطن . إن هو إستقر إستقرت ، وإن هو نما نمت ، وإن هو خبا خبت . والإبداع السوداني لديه أفق واسع جدا بإعتباراننا خلطة شديدة التنوع من الافريقانية والعروبية . ولحظت الإندهاش للأجنبي أمام فنوننا أثناء مشاركتي والفنان راشد دياب في معرض بجوهانسبيرج ، فأعمالنا جميعا عندهم مختلفة عن بقية الأعمال ، وفيها روح مختلفة . والإرتكاز على التنوع هو الطريق الواصل بالفنون السودانية لتصنع لنفسها مكانة عالمية مميزة بين فنون العالم .

 

أجراس الحرية



© Copyright by sudaneseonline.com