From sudaneseonline.com

اخر الاخبار
كلمة الإمام الصادق المهدي في احتفال أبا
By
Apr 1, 2011, 01:05

سلام عليكم ورحمة الله
يقام اليوم بالجزيرة أبا إحياء ذكرى لشهداء الجزيرة أبا وودنوباوي والكرمك بمناسبة مرور ثلاثة عقود على الأحداث
يشارك الحبيب الإمام الصادق المهدي بكلمة مرفقة
مع التقدير والاحترام


بسم الله الرحمن الرحيم

تكريم شهداء الجزيرة أبا وودنوباوي والكرمك

الجزيرة أبا- الجمعة 1 أبريل 2011م

كلمة الحبيب الإمام الصادق المهدي

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد-

أخواني وأخواتي، وأبنائي وبناتي، مع حفظ الألقاب لكم جميعا، السلام عليكم ورحمة الله.

منذ عام 1881م، ومرورا بكل منحنيات تاريخ السودان الحديث لا سيما التصدي للطغيان المايوي، صارت الجزيرة أبا مرقد الشهداء الذين رهنوا بدمائهم الزكية أحداث الوطن لمطالب الحق، وعلقوا في أعناقنا حراسة مشارع الحق حتى صار التخلي عنها خيانة لجهادهم، إنهم إذ اشتروا بموتهم الخلود في الآخرة خططوا بجهادهم سبل الرشاد في الدنيا.

إنني إذ أترحم على أرواحهم الطاهرة أشيد بمجهود اللجنة المنظمة التي والت إقامة هذه الذكرى وأشكر الذين ساهموا معهم ولبوا دعوتهم واحتشادهم تلبية خالصة للدين والوطن، لا مكرية ولا مأجورة:

نـــدوس فـــوق الجـــــروح ماشيــن

ونــموت زي الشجــر واقفـــــــــــين

ولي يوم الله في عزة وثبات شامخين

ما شان دنيا في شان الوطن والدين

إن مواقفنا الآتي بيانها وقفات في سبيل مشارع الحق التي ضحوا من أجلها.

كان مسقط رأس الإمام المهدي في الشمال، وتلقى علومه في الوسط، وأقام مركزه الديني في الجزيرة أبا. وبعد إعلان الدعوة هاجر إلى غرب السودان. ومنذ اللحظة الأولى تجاوب معه أهل السودان في الشمال والجنوب والشرق والغرب والوسط وهبوا يحاصرون حاميات الحكومة الدخيلة قبل أن تصل قوات الدعوة للخرطوم كما قال الشيخ العالم الحسين الزهراء واصفا هذا الإقبال الفريد: "وقد دعا إلى الله في حال لا يطمع غيره أن يطيعه فيها بنوه وأخوانه، فإذا الدهر بما فيه أنصاره وأعوانه".

ومنذ ذلك التاريخ صار النيل الأبيض قلب الدعوة النابض. وبعد هزيمة الدولة المهدية صارت الجزيرة أبا والنيل الأبيض مركز بعث الدعوة من جديد على يد الإمام عبد الرحمن مجدد المهدية وأبو استقلال السودان ورائد بناء المجتمع الحديث في السودان.

الدعوة المهدية هي نداء تجديد شباب الإسلام. والدعوة الرحمانية على يد الإمام عبد الرحمن هي نداء لتجديد شباب المهدية، ونحن اليوم بصدد دعوة تجديدية تدرج الدعوة المهدية في تيار البعث الإسلامي العريض بصورة تنطلق من الأصول باجتهاد جديد وتراعي ظروف الواقع الجديد: الواقع الوطني السوداني الذي يوجب الاعتراف بالتنوع الديني والثقافي، وبالتالي المساواة في المواطنة؛ والواقع العالمي الذي تحدده مفردات العولمة. وكلاهما أمران يوجبهما الفهم الصحيح لنصوص الوحي الإسلامي فالله تعالى يقول (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)[1]  كما يؤكد أن دعوة الإسلام أممية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ)[2].

السجل الديمقراطي

كنا في حكومة الديمقراطية نرى أن اقتصاد السودان الموروث من الاحتلال الأجنبي قد أغفل التنمية الريفية داخليا، ومنذ عهد النظام المايوي اعتمد على المعونات الأجنبية كأساس للتنمية. كما أن النظام الدستوري أغفل التأصيل الإسلامي. لذلك كان من أهم موجهات النظام الديمقراطي السياسية:

·        الاهتمام بالتنمية الريفية، وكان من بين مشاريعها الاستعانة بالتكنلوجيا اليوغسلافية لكهربة النيل الأبيض من الرنك حتى القطينة. والاستعانة بالتكنلوجيا الإيطالية لجعل الجزيرة أبا أنموذجا لبستنة النيل الأبيض وتصنيع المنتجات الزراعية والحيوانية، والاستعانة بالخبرة الكندية لإقامة معهد فني لتدريب الكوادر وتأهيلهم لقيادة التنمية الريفية.

·        أما في العلاقة التنموية فقد حرصنا على نقلها من المعونات بالقطاعي إلى إبرام شراكة تنموية مع اليابان ووافقوا أن يرسلوا بعثة فنية للسودان في نهاية عام 1989م لعمل إحصاء كامل للموارد الطبيعية في كل أنحاء السودان، وذلك لوضع خطة تنموية شاملة لاستثمارها وتدريب الكوادر السودانية لإدارتها.

·        أما فيما يتعلق بالتأصيل الإسلامي فقد شرعنا في برنامج تأصيل إسلامي تحكمه ثلاثة شروط:

الأول: أن يكون قومي بمشاركة التيارات الإسلامية حتى لا يتخذ طابعا حزبيا.

الثاني: أن يجري التشاور مع غير المسلمين لكيلا تمس حقوقهم في الحرية الدينية وفي المواطنة.

والثالث: أن يكون إقراره بالوسائل الديمقراطية بلا إكراه.

كثيرون تساءلوا، ما دمنا كذلك، لماذا لم نلغ قوانين سبتمبر المعيبة؟ نحن في حزب الأمة عارضنا قوانين سبتمبر وسُجنا بسبب ذلك، وكان قرارنا إلغاؤها، ووضعنا ذلك في ميثاق انتفاضة أبريل الذي كانت صياغته بيدنا، ووضعنا إلغاءها في برنامج حزب الأمة الانتخابي، ولكن بعد الانتخابات نال حزب الأمة أكثرية ولم ينل أغلبية، وأبرم الحزب الاتحادي الديمقراطي والجبهة الإسلامية القومية –وكان عدد أصواتهم 64+50 أي 114 أكبر من أصواتنا في البرلمان- أبرما اتفاقا -نصه موجود- من بنوده عدم إلغاء قوانين سبتمبر. وفي مرحلة لاحقة قرر حزب الأمة الدخول في ائتلاف مع الحزب الاتحادي الديمقراطي، وكان من رأي حزب الأمة أن يتضمن البرنامج إلغاء قوانين سبتمبر، ولكن الحزب الاتحادي الديمقراطي رفض ذلك، وفي النهاية ونتيجة للحوار اتفق على حل وسط وهو تجميدها إلى حين الاتفاق على بديل لها، وقد كان.

سجل "الإنقاذ"

كل هذه السياسات الخيرة النيرة الملتزمة بمصلحة الإسلام والسودان وأهله ألغاها انقلاب "الإنقاذ" وسلك سلوكا مخالفا مما أوصل البلاد لما هي فيه الآن من ترنح على شفا الهاوية:

1.     اتفاقية نيفاشا نصت على جعل الوحدة جاذبة، لكنها جعلت الانفصال جاذبا، لأربعة أسباب هامة:

o             السبب الأول بروتوكول ميشاكوس قسم البلاد على أساس ديني بينما كان الصحيح هو الاتفاق على نص واحد هو: أن القواين المراد تطبيقها على كل المواطنين تؤسس على الإجماع، والقوانين التي تحتوي عنصرا دينيا تخصص للمسلمين. وهذا جائز شرعا لأن الإسلام يجيز التعددية الدينية والتشريعية، كما ورد في صحيفة المدينة حيث كان المسلمون واليهود كل يحكم بشريعته. قال تعالى (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ)[3]. وقال تعالى: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ) وجاء في تفسير الطبري لمعنى الآية: وآتـيناه الإنـجيـل فـيه هدى ونور، ومصدّقاً لـما بـين يديه من التوراة، وأمرنا أهله أن يحكموا بـما أنزل الله فـيه من حكم الله.

o             السبب الثاني هو أن بروتوكول تقاسم الثروة خصص للجنوب 50% من بتروله مما جعل جنوبيين يقولون: الانفصال أفضل لأنه يمكننا من الاحتفاظ بعائد بترولنا كله! وكان الصحيح أن تخصص للجنوب نسبة مهما كانت عالية من ثروة البلاد القومية.

o             السبب الثالث هو أنه منذ إبرام اتفاقية السلام في عام 2005م تكون منبر باسم السلام العادل وأصدر صحيفة باسم الانتباهة. هؤلاء منذ البداية رفضوا اتفاقية السلام وشرعوا يكيلون الشتائم للحركة الشعبية خاصة وللجنوبيين بصورة منهجية مركزة، وبعبارات عنصرية طاردة، فغذوا المرارات الموروثة بين الشمال والجنوب بصورة متطرفة وجمعوا إلى صفهم كل أولئك الذين عرفوا بكراهية الجنوب وأهله. وكان واضحا لأهل الجنوب أن ما يقوله هؤلاء ليس معزولا بل يمثل تيارا في ضمير المؤتمر الوطني ويحظى بالدعم من جهات رسمية في الحكومة. من بين الذين ضموهم لصفهم السيد عبد الرحمن فرح الذي كان من أخطاء الديمقراطية ضمه للحكومة لأنه أظهر في كل مجالسه بغضه للجنوبيين ولا يذكرهم إلا بعبارة الدونية التي يستخدمها جهلاء الشماليين. وفي هذه الأيام مكنت له بعض أجهزة الإعلام أن يتحدث عن أشياء في العهد الديمقراطي هدفها أن يثبت للجنوبيين أن كل الشماليين يبغضونهم، وقال فيما قال إنهم في جهاز الأمن في العهد الديمقراطي كانوا يخططون لاغتيال د. جون قرنق بعلم رئيس الوزراء. إذا صح هذا فما الغرابة؟ فقد كان قرنق في ذلك الوقت معاديا للحكومة السودانية واستهدف أهدافا مدنية مثل إسقاط طائرة الخطوط الجوية السودانية فوق ملكال. فما الغرابة أن تقرر الحكومة بعد هذا كله اغتياله؟ ولكن الحقيقة أن هذه المعلومة كاذبة. وكان عبد الرحمن فرح يشكو لطوب الأرض أنه قد وضع خطة لاغتيال قرنق وبعض رفاقه، ولكن صادق رفض! وأنا أناشد كل من قال لهم هذا الكلام الآن أن يشهدوا علنا ما سمعوه منه. نعم أنا قلت في غرفة العمليات العسكرية أن قواتنا يجب ألا تقاتل بأسلوب دفاعي كما تفعل ولكن يجب أن تتخذ أسلوبا هجوميا بمهاجمة معسكرات الجيش الشعبي، وهذا حديث موثق. ولكنني كنت دائما ضد الاغتيالات الفردية وهذا أيضا موثق. ولكن لماذا يحرص جماعة السلام العادل وبعض عناصر في المؤتمر الوطني على نشر أكاذيب عبد الرحمن فرح الآن؟ السبب هو ضخ مزيد من أسباب الكراهية بين الشمال والجنوب. هؤلاء العنصريون يريدون أن يزيدوا من تسميم العلاقة بين الشماليين والجنوبيين دعما لخط الانتباهة العنصري.

هنالك وهمٌ أن رئيس الوزراء في النظام الديمقراطي يستطيع أن يفعل ما يشاء، هذا غير صحيح فعليه إقناع حزبه أولا بما يريد وإقناع حلفائه في الائتلاف، ولا يستطيع أن يقوم بعمل كبير دون مشاركتهم. وأنا كنت حريصا على ذلك، لذلك كانت كل قرارات الحزب بالمشاركة وأحرص أن تكون بالتراضي لا أغلبية الأصوات، وهذا كان نهجي في إدارة مجلس الوزراء كذلك.

هذه الحملات المريضة تصب في خانة التحضير لمواجهة حربية بين الشمال والجنوب. ولإبطال مشروعنا الوطني الذي ننادي به، وهو إبرام علاقة توأمة بين دولتي الشمال والجنوب. هذا الخط طبعا الذي ننادي به والآخر بعد أن انفصل الجنوب يلاحق الجنوب لتدميره.

نعم في الجنوب مشاكل داخلية كثيرة، ونزاعات قبلية، ولكن خط الفتنة الذي يقوده العنصريون الشماليون هو دعم حركات التمرد داخل الجنوب وهي إجراءات موثقة حملها ممثلو الجنوب للأمريكان، ولمجلس الأمن، ليطالبوا بحماية دولية لدولة الجنوب.

هؤلاء العنصريون الطائشون سوف يجرون البلاد لحرب شمالية جنوبية فيها ستجد دولة الجنوب دعما خارجيا كبيرا. إنهم يستهترون بالأمن القومي السوداني! ولن يهدأ لهم بال إلا عندما يقومون بتطهير عرقي للجنوبيين في الشمال، وتدمير حربي لدولة الجنوب. وهو اتجاه خاطئ سياسيا وأخلاقيا، وسوف يعود لبلادنا بالدمار.

2.     ومنذ انحياز الجنوب للانفصال ظلت منابر النظام الحاكم الرسمية تتحدث عن أنه بعد ذلك لا تعددية دينية ولا ثقافية في شمال السودان، وستطبق أجندة أحادية دينها الإسلام وقوميتها العروبة. هذا معناه يا كل من ليس مسلما ويا كل من ليس عربيا طالب بتقرير المصير واتجه نحو الانفصال أسوة بالجنوب. هنالك كثيرون في جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، وشرق السودان وغربه وشماله؛ لا تنطبق عليهم هذه الأحادية المزمعة. هذا معناه فتح جبهات الفتنة في كل أنحاء البلاد.

3.     وثالثة الأثافي في دارفور. نظام الإنقاذ هو الذي صنع أزمة دارفور الحالية، وهو يصر على حلها في إطار سياساته الفاشلة، مثل الاستراتيجية الجديدة، ومثل الاستفتاء حول مستقبل إدارة الإقليم. إنها إستراتيجية عقيمة ومرفوضة، واستفتاء لا قيمة له فلا معنى لأي استفتاء دون وجود اتفاق سياسي. الإستراتيجية الجديدة زادت من جبهة الرفض لها في دارفور. كذلك الرفض للاستفتاء المزمع. ومع تطورات الموقف فالمتوقع أن ينشأ ائتلاف عريض في دارفور شعاره: لا لأي حوار مع النظام بل لإسقاطه، وسوف يجدون دعما إقليميا ودوليا.

4.     توافر عائدات البترول مكن الحكومة السودانية من مضاعفة مصروفاتها لا سيما في المجالات الأمنية والإعلامية عشرة مرات في العشرة سنوات الماضية. وصاروا يعتمدون على عائد البترول في ميزان المدفوعات لدفع ثمن الواردات. وبعد انفصال الجنوب سوف يجبرون على مزيد من الضرائب لسداد عجز الميزانية وسوف يواصل الدولار ارتفاع قيمته لأن المستوردين سوف يجبرون على شراء الدولار من السوق الأسود. هذا كله معناه أن الضائقة الاقتصادية في البلاد سوف تزيد إلى أقصى الحدود.

5.     هنالك ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية لمسئولين سودانيين. هذه الملاحقة هدأت لكي يتم انفصال الجنوب دون عوائق. ولكن بعد ذلك سوف تزيد ملاحقة المحكمة الجنائية لمسئولين سودانيين إلى أقصى درجة، خاصة بعد أن صار للمحكمة تأييد أكبر بعد انضمام كثير من الدول لها مثل ماليزيا واحتمال انضمام مصر ودورها الجديد في أحداث ليبيا واحتمال انضمام دولة الجنوب الجديدة للمحكمة. ملاحقة المحكمة للمسئولين السودانيين سوف تحدث شللا كبيرا لحركة النظام الدولية.

6.     بالإضافة لهذه الجبهات الخمس، فإن رياح التحول الديمقراطي القادمة من المنطقة العربية بما فيها من التعلق بالديمقراطية وحماسة الشباب سوف تهب على السودان. قال بعض ممثلي المؤتمر الوطني إن ما يجري في المنطقة العربية لن يمسنا لأننا "حاجة ثانية"، كذبت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا! الحالة في السودان مشابهة للحالة التي أدت للثورات العربية بل تفوقها في أكثر من عشر بنود:

·        الفساد الذي لا يحتاج لدليل فقد وثق المراجع العام في تقاريره الاختلاسات، والمسئولون دخلوا الحكم وما عندهم غير مرتباتهم والآن عندهم وعند ذويهم الأبراج والشركات داخل السودان وخارجه، وصنف السودان ضمن الخمس دول الأكثر فسادا في العالم.

·        الاستبداد ودليله استئثار قيادة المؤتمر الوطني بالسلطة المطلقة في البلاد.

·        تزوير الانتخابات وتزييف الممارسة الديمقراطية.

·        الإعلام الكاذب.

·        الأمن المطلق على الرقاب.

·        الحزب الحاكم المتماهي مع الحكومة فقادته هم قادة الحكومة.

·        الاقتصاد المحتكر للمحاسيب.

·        العطالة المتفشية وحصر الاستخدام في المحاسيب.

·        التدمير المتعمد للقوى السياسية المعارضة.

·        التغول على المجتمع للهيمنة على كافة الأنشطة الثقافية، والفنية، والرياضية.

وأي تقييم موضوعي لسجل السودان في هذه الملفات سيدلل على سوء الأداء، مثلا قامت مجلة (شرق أفريقيا) في ديسمبر 2010م بدراسة لترتيب 52 من الزعماء الأفارقة استنادا  على خمس مؤشرات تحظى بالاحترام العالمي هي مؤشر مو إبراهيم للحكم الراشد، ومؤشر الديمقراطية، مؤشر حرية الإعلام، ومؤشر الفساد، ومؤشر التنمية البشرية، بالإضافة لمؤشر خاص بالمجلة وهو مؤشر مجموعة الإعلاميين بالبلد، ووضعت الدراسة الرئيس السوداني في الخانة قبل الأخيرة (رقم 51) وكل رؤساء الدول التي هبت فيها الثورات: مصر وتونس وليبيا في خانة أفضل منه.

السؤال: لماذا مع هذا التشابه في الظروف لم يحدث ما حدث في السودان؟

الشباب السوداني سبق الشباب العربي في التعبير عن رفضه للنظام بدليل الأعداد الكبيرة من الشباب التي غادرت البلاد واتجهت لإعادة التوطين في الخارج. كذلك ومنذ عشرة سنوات أقام شباب سوداني حركات مقاومة مسلحة واسعة الانتشار، وذلك لأن النظام أعلن أنه سوف يسحق من يعارضه، ولن يفاوض إلا مسلحين. لذلك قام شباب سوداني بحركات احتجاج خشنة لا تشبة الثورة الناعمة العربية، ولكن حتى هذه قادمة. لماذا نقول ذلك؟

قال بعض سدنة النظام إن التوجه الإسلامي يعصم النظام من الاحتجاج. التجربة السودانية الإسلامية صارت مضرب المثل للنهج الخاطئ فقد صار الدعاة في العالم الإسلامي يقولون: لا للانقلاب العسكري وسيلة للشريعة ويقولون: الحرية قبل الشريعة.

لقد اكتشف الثوار في العالم العربي سلاحاً جديداً لا سبيل لمقاومته هو:

·        الاعتصام المليوني والمواكب التي تمثل درعاً بشريا.

·        التعتيم هو أهم أسلحة الطغيان. لذلك صارت الفضائيات المستقلة أهم وسائل تجريده منه.

·        تطور القانون الدولي الإنساني لا سيما واجب الحماية  - أي حماية المدنيين من بطش السلطة- رقيب ورادع.

·        ونتيجة لاستبسال الشباب انكسر حاجز الخوف من الحكام. بل صار الحكام لأول مرة هم الذين يخافون من الشعوب.

والدليل في كثير من البلدان اتخاذ إجراءات تطييب الخاطر للشعوب. وفي السودان ولأول مرة شهدنا إجراءات في هذا الاتجاه: الإعلان عن تكوين مفوضية للفساد- الإعلان عن انتخابات مبكرة وعدم ترشح الرئيس فيها لولاية أخرى- إجراءات ولاية الخرطوم حول البطالة- تصفية عدد كبير من شركات القطاع الخصوصي.

إذن كل الدلائل تدل على أن الرحلة التونسية أو المصرية تنتظر الحكام في السودان كما في غيره من البلدان. يقول لنا بعض الناس: أنتم تعلمون كل هذه الحقائق فلماذا تحاورون المؤتمر الوطني؟

تتبارى أقلام وألسنة الأمية السياسية ومنهم مراهقون سياسيون ومنهم مخرفون سياسيون في كيل الاتهامات لنا بأننا إنما نوفر طوق نجاة للمؤتمر الوطني أو أننا إنما نسعى للمشاركة في السلطة، وغيرها من التهم. أقول:

أولا: نحن من حملنا العبء الأكبر في معارضة هذا النظام كنظام استبدادي وكذلك كشفنا دعواه الإسلامية. ولم نتردد في كشف أخطائه في اتفاقية السلام في الوقت الذي فيه انضم الآخرون لموكب الإشادة المطلقة بها.

ثانيا: كافة القوى السياسية السودانية اشتركت مع نظام الإنقاذ بعضها في المستوى التنفيذي، وبعضها في التشريعي، وبعضها في الولائي، وبعضها بعد مشاركته طردهم من أجهزته.

ثالثا: نعم نحن أكثر من حاوروه ولكننا لم نفرط يوماً في مشارع الحق.

رابعا: فيما يتعلق بالحوار الجاري الآن، الحقيقة هي أننا:

·   بعد انتخابات أبريل 2010م اتفقنا على ما سميناه الحوكمة البديلة ثم طورناها في شكل الأجندة الوطنية وهي اجتهادات سياسية درستها وأقرتها أجهزة حزب الأمة.

وعلى أساسها بدأنا حوار مع:

·        الحركة الشعبية للاتفاق على معاهدة التوأمة بين الشمال والجنوب.

·   ممثلي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق من منسوبي الحركة الشعبية للاتفاق على مقتضيات السودان العريض بعد انفصال الجنوب.

·        حركات دارفور للاتفاق على إعلان مبادئ لحل الأزمة.

·        حلفائنا في المعارضة للاتفاق على ما يكفل الحريات الأساسية وما يحقق الإصلاحات الاقتصادية.

·        المؤتمر الوطني للاتفاق على الأجندة الوطنية.

وهو حوار يرجى أن ينتهي في ظرف اسبوع من يومنا هذا.

7.     ماذا لو نجح الحوار واتفق على الأجندة الوطنية؟ سوف يحدث الآتي:

·   كتابة دستور جديد يكفل حق المساواة في المواطنة ويكفل حقوق الإنسان واللامركزية الفدرالية ضمن (6) ولايات للشمال مع تمثيلها في رئاسة الدولة وكفالة الحرية الدينية للكافة مع التوفيق بين المواطنة والتشريع الإسلامي لتعمم القوانين المجمع عليها وتخصص القوانين ذات الطابع الديني.

·        توقف التوجهات العدائية نحو الجنوب، وإبرام معاهدة توأمة بين الدولتين.

·        تحل أزمة دارفور بما يستجيب لتطلعات أهل دارفور المشروعة المتضمنة في النقاط العشر الواردة في الأجندة الوطنية.

·        تكفل الحريات العامة وتكون مفوضية مستقلة للمراقبة.

·        يطبق برنامج اقتصادي إصلاحي.

·        يتم تحقيق العدالة عن طريق محكمة هجين وضمن حزمة إصلاحية يقبلها مجلس الأمن.

·   تتكون حكومة قومية جامعة موزونة التكوين وليس لأي حزب فيها هيمنة على مؤسسات الدولة الرسمية. وهي انتقالية إلى حين إجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة تأتي بقيادة جديدة ومجلس جديد يجيز الدستور الدائم للبلاد.

أي أن النتيجة سوف تكون تغيير النظام بالوسائل الناعمة وتجنيب البلاد مخاطر المواجهات.

ماذا لو فشل الحوار؟

سوف نعلن ذلك  عبر أجهزة حزب الأمة للرأي العام السوداني مما سوف يفتح مجال التغيير بوسائل أخرى. ولكننا سنكون قد أرضينا ربنا، وضميرنا، وشعبنا أننا بذلنا كل جهد ممكن للطريق المأمون ولكن الحكمة الأبدية: المضطر يركب الصعب، قال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)[4].



[1]  سورة الروم الآية 22

[2]  سورة سبأ الآية 28

[3]  سورة المائدة الآية 43

[4] سورة البقرة الآية 272.



© Copyright by sudaneseonline.com