From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
سر الكبسولة المصرية التي رفضتها المعارضة ففشلت مظاهراتها../أحمد أبكر
By
Mar 30, 2011, 17:31

 

سر الكبسولة المصرية التي رفضتها المعارضة ففشلت مظاهراتها..

أحمد أبكر

[email protected]

سر الكبسولة وسر الرفض !!

 حكومة البشير سوف تسقط في شهر يوليو القادم .. هذا ما تؤكده كل المؤشرات. لكن ما هي تلك الكبسولة التي سوف تسقطها يومئذٍ ، وقد أستعصى اليوم على السقوط؟ وما السر وراء رفض المعارضة إستخدام تلك الكبسولة اليوم .. ثم تعود وتستخدمها بعد أربعة أشهر؟

ما هي تلك الكبسولة؟  ..هي  ليست البندقية .. لا تترك عقلك يذهب بعيداً. وكما قد يبدو للمتابعين أن المعارضة تلهث لهثاً وتسلك كل سبيل من أجل إسقاط النظام القائم في السودان. لكن هناك سبيل أمامها وهي لا ترغب فيه.

أراك تقول لي: المظاهرات وقد جربتها المعارضة.. البندقية وقد قلت لنا أنها ليست هي الوسيلة المقصودة .. يا حسب الله قد عذبتنا .. يا عوض الله قد حيرتنا !! قل لنا بربك ما هي؟

أقول لكم :

لو عرفتم لماذا فازت تونس بكأس الثورة ، نعم فازت تونس على مصر،  بينما نالت مصر كأس أفضل هدف في الدوري الثوري، لو عرفتم ذلك سوف تعرفون أن الكبسولة التي نعنيها هنا توجد في ثنايا الفريق المصري وليس نظيره التونسي الفائز بكأس البطولة.

الثورة التونسية كانت الأسبق في المبادرة .. وما تزال تتفوق على الثورة المصرية ، إلا في شئي واحد. وذلك الشيئ قد تم تسجيله كبراءة إختراع للمصريين .. وهي إضافة مصرية بحق وحقيقة.

الثورة التونسية ما تزال تتقدم في كم الأهداف المسجلة لكن الثورة المصرية سجلت التفنن في تسجيل ألأهداف التي لم تكن كافيةً لإحراز الكأس ، لأن المؤامرة على الثورة المصرية إستمرت.. ولأن دفاع النظام المصري السابق كان أكثر ولاءاً للكوتش حسني ، فاستمر في المنازلة حتى بعد سقط المدرب حسني مغشياً عليه.

 كلما سجل المصريون هدف التعادل ، سجل التونسيون هدف التقدم .. لحق المصريون بالتوانسة  وعادلوا النتيجة يوم أن طردوا رئيسهم حسني ، لكن التوانسة ردوا بهدف التقدم مرة أخرى .. إذ أجبر التونسيون رئيس الوزراء المحسوب على النظام البائد على الرحيل أيضاً، فتبعهم المصريون وفعلوا الشيئ نفسه وطردوا أحمد شفيق فكان التعادل للمرة الثانية. حلّ التونسيون جهاز أمن النظام السابق فعادل المصريون النتيجة بأن جمّدوا جهاز الأمن لديهم .. رد التونسيون بهدف التقدم للمرة الرابعة والذي لم يستطع المصريون معادلته حتى نهاية المباراة: فقد إستطاع التوانسة حل حزب الديكتاتور السابق .. هنا فشل المصريون .. وذهبت الكأس للتوانسة.

مباراة أكثر من رائعة. برشلونة و ريال مدريد (عديل كدة). شكراَ تونس .. وشكراً مصر.

لكن مصر ، ورغم خسارتها للكأس ، إلا أنها فازت بكأس الأبتكار .. كأس أجمل هدف ، الهدف الأول..

طريقة تسجيل ذلك الهدف أصبحت درساً يدرس في مدارس الثورات السلمية .. إستفادت منها وقلدتها حتى ثورتي ليبيا واليمن ..بل حتى سوريا .. الكل قلد المصريين في طريقة اللعب وتسجيل الأهداف بتلك الطريقة المبتكرة الناجحة..  ما عدا المعارضة السودانية !! ترى لماذا؟

المعارضة السودانية رفضت ذلك الإبتكار المصري الذي يجعلك تسجل الأهداف مهما كانت صلابة دفاعات النظام .. المعارضة السودانية رفضتها (لحاجة في نفس يعقوب) ..لكنها سوف تعود ، أي المعارضة،  للأخذ بتلك الطريقة في شهر يوليو القادم ولسوف تنجح في تسجيل الهدف ولسوف تطرد النظام.

الآن أقول لكم:

 الكبسولة السحرية المصرية هي  في الإستفادة من تجمعات الجُمعات.

أيام الجمعة وصلواتها وما تتيحه من تجمعات ، في وقت واحد ، شريطة أن يصلي المتظاهرون أو يتواجدوا حول المساجد القريبة من مواقع التظاهر.. تلك أسلحة لم ينتبه أحد إليها إلا ثوار مصر.

الثورة المصرية هزمت ودوخت قوات أمن النظام المصري والشرطة المصرية الخادمة للدكتاتور عبر تطبيق نظرية الأمواج البشرية المنطلقة من المساجد وما حول المساجد أيام الجمعات .. نعم  أيام الجمعات..

تسألني:  إذن هي المظاهرات..  ولكن السر أو الكبسولة االسحرية  هي في طريقة تنفيذ التظاهر (تسجيل الأهداف) أليس كذلك؟

عليك نور .. هو ذاك.

كل المظاهرات في الأيام التي تسبق يوم جمعة هي لا تعدو أن تكون فقط مظاهرات تسخين الساحة  بإنتظار الجمعة  just to keep the arena hot for Friday

مظاهرات كسر العظم كانت كلها  في أيام الجمعات ..

في الجمعة الأولى تم كسر ساقي النظام ( ألأمن والشرطة) .. حيث تم تدويخهما بالأمواج البشرية  ، وبالتالي تحييدهما.

في الجمعة التالية تم كسر ظهر النظام ( المجتمع الدولي) حيث بدأ المجتمع الدولي يرفع حاجبيه إندهاشاً من هول كثافة الأمواج البشرية التي تدل على شعبيىة المعارضة فتغير موقفه من النظام. وبدا النظام عارياً.

وفي الجمعة الأخيرة تهشّم رأس النظام إذ فر الرئيس المخلوع بجلده

هل تذكرون جمعة الصمود ، ثم جمعة الزحف .. ثم جمعة النصر ... جمعة منع الإلتفاف على الثورة .. جمعة حماية الثورة من السرقة ..

هذا هو الإبتكار المصري وهذه هي الإضافة المصرية .. أغلب مسلمي سكان القاهرة صلّوا في مناطق وسط القاهرة والمناطق االقريبة من ميدان التحرير..وحتى الذين لا يقيمون الصلاة تواجدوا على مقربة من المساجد ولم يسبقوا إخوانهم إلى ميدان التحرير إلا بعد إنتهاء الصلوات .. وحتى المسيحيين الأقباط إنتظروا بجوار المساجد بإنتظار ساعة الزحف ..

وبعد صلاة الجمعة لم يعرف الأمن المصري والشرطة المصرية أي طريق يجب تقفله .. وأية مجموعة عليها أن تصدها وأية جماعة يجب تفريقها.. فأسقط في يدها.

والفكرة نفسها طبقها اليمنيون بحذافيرها خاصة الجمعة الأولى : جمعة كسر حاجز الخوف .. وحتى أهل طرابلس قد طبقوها في أول يوم.. ثم كانت سوريا.

أما في السودان:

فقد أبت المعارضة إلا أن تسهّل المهمة لقوات أمن النظام.. وإلا فقولوا لي لماذا تحدد المعارضة ميدان أجوجنزير( 500 متر مربع) كمكان وحيد للتظاهر؟

ولماذا يصر طلبة الجامعات على التظاهر في جامعاتهم ، أو الإنطلاق منها ..الأمر الذي يتيح لقوات أمن النظام الإحاطة بالجامعات قبل خروج طلابها.

تخيّلوا لو إتجه كل الذين يريدون التظاهر إلى أواسط المدن الثلاث ( الخرطوم ، أم درمان ، وبحري) في صبيحة جمعة من الجمعات (متفق عليها) بغرض الصلاة في المساجد القريبة من مراكز هذه المدن ، والذي لا يصلي يتواجد على مقربة من تلك المساجد .. في الخرطوم مثلاً يتجمع الناس في وحول المسجد الكبير ومسجد فاروق وأي مسجد في المقرن أو السجانة أو نمرة 2.. وفي أم درمان : هناك المسجد الكبير ومسجد الخليفة ومساجد حي البوستة والتجاني الماحي والملازمين والهاشماب وبانت .. والعرضة ..المهم ألا يبعد المسجد عن كيلومترين من مركز المدينة. من يريد التظاهر في يوم الجمعة يجب ألأ يصلي في مساجد الكدرو أو الحتانة أو الثورات أو أم بدة أو الكلاكلات أو الحاج يوسف .. لا .. بل فليصلي في المساجد االتي لا تبعد أكثر من كيلومترين من مركز المدينة.

لن يتمكن الأمن من السيطرة على مظاهرات تنطلق من مساجد أواسط المدن وفي وقت واحد وبهذه الكثافة البشرية.

لكن يا ترى لماذا لم تأخذ قيادات محاولات الإنتفاضة التي جرت في الأيام الماضية بهذا الإبتكار المصري الناجح؟

الإجابة ،حسب ما أعتقد، لا تخرج عن ثلاثة  إحتمالات، لأن المعارضة نفسها على ثلاثة أقسام:

قسم متواطئ مع النظام بقيادة السيد الميرغني .. هذا واضح للعيان ولا يحتاج إلى أي دليل أو برهان.

قسم لا يعرف أحدٌ نواياه ، رماديةٌ مواقفه . يطلق ضجيجاً دونما طحين..في يوم هو صديق للنظام ويوم آخر من المعادين. السيد الصادق حفيد المهدي على رأس هذه الفئة ، ومعه أيضاً الحركة الشعبية في دولة شمال السودان.

وقسم آخر بقيادة المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي . تبدو على ملامح هذا القسم الجدية أكثر من غيرهما ، لكن ربما كانت (العين بصيرة واليد قصيرة) ..فلربما كان ضمور مساحة التأييد الشعبي لهذين الحزبين الصفويين الشائخين هو السبب في فشلهما في قيادة المظاهرات.

وإحتمال رابع : ربما كان هناك من متطرفي اليسار من يعتقد ، تطرفاً منهم ، أن الخروج في مظاهرات بعد صلوات الجمعات من شأنه أن يصبغ على الثورة صبغة التدين  ، فيقال عنها ثورة يمينية أو محافظة ولذلك أحجموا. إن صدق هذا الإحتمال الضعيف فتلك مصيبة أن نقع بين مطرقة متطرفي الإنقاذ الأباليس ، وسندان متطرفي اليسار المطاميس.  ما كان التطرف في شيئٍ إلا شانه وزاده شناة. سواء جاء التطرف من اليمين أو من اليسار.

وإحتمال أخير: ربما كان الجميع بإنتظار إنفصال الجنوب رسمياً في يوم 9 يوليو ، لتسقط ورقة التوت التي ظلت  تزين النظام أمام المجتمع الدولي . حيث يعتقد هذا المجتمع الدولي أن نظام البشير هو صمام الأمان لولادة دولة الجنوب.

ننتظر حلول شهر يوليو لنرى. وإن كان هذا الأخير هو السبب فلا أملك إلا أن أنشد مع الفنان الكبير محمد الأمين:

"ويا يوم بكرة ما تسرع تخفف لي نار وجدي".

بل سوف أنشد من عندي ، هذه المقاطع ، من ديواني: نبض الثلاثين ، ( أنا الآن فوق الأربعين  ، حتى لا يتهمني أحد بمحاولة التشبب) .. أقول:

أيّان كنتم يا رفاقي ويا صحبي

قهر اللئيم لا يكون  بالشجبِ

حتامَ نجفل والسمراء في القلبِ

تقول ذات النيل : الثورة يا حِبّي

لبيك أرض الندي، إن إستجب ربي

***    ***    ***    ***    ***

نعود نُطعَم من راحتيك يا وطني

ونسقي العدا من قصاصنا المغني

من خير أرضك ، من أثمارها نجني

قد جاء فجرك بين الطّلِّ والمزنِ

فلا تزرني بعد اليوم يا حزني

وأعود لأختتم مقالي وأقول: لا أجد مبرراً آخر يجعل المعارضة التي تصرح  صباح مساء بأنها تريد إسقاط النظام تحجم عن إستخدام تلك البراءة المصرية في تسجيل الأهداف في مرمى النظم العسكرية القابضة؟

وفقاً لهذه الكبسولة ، إذا لم يسقط نظام البشير في يوليو أو أغسطس القادمين ، فسوف لن يسقط بعد ذلك في أجلٍ قريب.. ويومها ، ويومها فقط ، كل من يريد أن يهادنه فله ذلك وليفعل. فهو أو هي في حلٍّ من أية ملامة. أما اليوم فكلّا وألف كلّا..

29/03/2011م

 



© Copyright by sudaneseonline.com