From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
نــُــقـــُـــدْ يعلــِّــم الغائب/محمد الأمين نافع
By
Mar 30, 2011, 10:59

نــُــقـــُـــدْ يعلــِّــم الغائب

محمد الأمين نافع

 

في كتابه ( بلاد تحط، بلاد تشيل ) وهو أحد كتب رحلاته العديدة، يقول الواد الشقي سابقاً والرافل اليوم، بإذن الله، في بحور السعادة والغفران بقدر ما سرَّ وأسعد الملايين، يقول الأستاذ/ محمود السعدني عن إحدى زياراته الي السودان وقد زاره وكتب عنه أكثر من مرة، أن لقاءاً ثلاثياً قد تم بالخرطوم بين زعماء الثورات الثلاث التاريخيين، بمصطلحات ذلك الزمان طبعاً، السودانية/ جعفر نميري والمصرية/ جمال عبد الناصر والليبية/ معمر القذافي، للأولين الرحمة وللأخير حسن الخاتمة، والثورتين السودانية والليبية إياهما في عنفوانهما الثوري، كلٍّ منهما علي طريقتها الثورية ومذهبها العقائدي، وضمن احتفاليات ذلك اللقاء قــُـــدِّم القذافي علي عبد الناصر في مخاطبة لقاء جماهيري حاشد تحفيزاً له علي ثوريته وتألــُّـــفاً لقلبه في الثبات علي الثورية، فلعلع القذافي بهتافات كان بينها الهجوم علي قبلة الثوار والثوريين حينها، موسكو الاتحاد السوفيتي، فضجت الجماهير محتجةً علي ذلك حيث كان ميدان اللقاء محتشداً وقتها بالشيوعيين ومن شايعهم، فلما اعتلى عبد الناصر المنصة كان قد تعلم من رأس القذافي الذي شيـَّــعه الشيوعيون بالسخرية والهتاف المعادي، لم يكن له بد من عزف ما طلبه جمهور المستمعين من سيمفونيات وترانيم، فأثنى علي الاتحاد السوفيتي بما هو أهله من العظمة والشأن في ذلك الوقت الغابر والزمان الغارب، فإذا بجنبات الاستاد أو قاعة اللقاء تضج بهتاف محدد هو ( علــِّـــم، علـــِّــــم يا معلـــِّـــم )، سيما وأن عبد الناصر كان في ذلك الوقت حلقة الوصل والقيمة العليا المشتركة بين المتناقضات العربية الثلاث، الشيوعية والقومية العربية والرجعية العربية، والتي كان ينظم بينها بخيط القضية الفلسطينية والتحرر من الاستعمار الغربي، تلك القضية التي ما تزال – جزاها الله عنا خيراً - تجمع في كل زيارة لوفد فلسطيني للسودان بين نقد والترابي والبشير وأبو عيسى وخالد مشعل في مائدة رمضانية واحدة، وتتنافس في التبرع للقضية بالمصاغ كلٌّ من فاطمة أحمد ابراهيم، سعاد ابراهيم أحمد، مريم الصادق ورجاء حسن خليفة ...الخ العقد النضيد.

ومن تلك المقدمة أو الفذلكة التاريخية والجدلية، كما يقول المتفذلكون والمتحذلقون، ندلف الي ما جرى في الأسبوع الثاني من هذا الشهر، مارس 2011م من تظاهرة كانت الأحزاب والأشخاص المعارضة لحكومة الإنقاذ ظهيرةً لبعضها البعض في الدعوة والتداعي اليها. ولكن الذي حدث هو أن الأستاذ/ محمد ابراهيم نقد، عميد السلك المعارض، قد حضر بحاشيته فيما تم الاتفاق عليه من الزمان والمكان أو الزمكان بلغة الشيوعيين، ولكنه لم يجد ممن يمثل زملاءه الآخرين في المعارضة سوى الأنصاري قلباً وقالباً، العم/ حامد إنترنت، كما قالت الأنباء، وحتى هذا بدلاً من أن يهتف بشعارات المعارضة المفترضة في مثل هذا المقام السامي من شاكلة (يسقط فلان أو يحيى فلان والحرية لعلان والقصاص من فلتكان) جاء مدججاً من رأسه الي قدميه بألبسة تشبه الإنقاذ أكثر من شبهها لمعارضيها ثم طفق يطلق صوته داوياً بهتاف ( الله أكبر ولله الحمد )، ذلك الهتاف الذي ما أيسر علي الحكومة أن تردده معه، بل وتعينه عليه بالماكرفون والماء المثلج السادة والملون. فما كان من عمنا نقـُـد الذي تفاعل مع الجو الروحي والرهبة الروحانية والصمت الرهبوتي والأجواء الجهادية التي عمت المكان بل والزمكان إلا أن يقول هو الآخر إليَّ بالدواة والقلم، وكأني به وقد انتشى روحياً يريد أن يكتب وصيته ليلحق بالركب الجهادي الذي تحتشد قوافله علي جنبات المكان بخيلها ورجلها، فلما لم يستطع الي الدواة والقلم المحليين والتقليديين سبيلاً ولم يكن يحمل معه قلم شيني أو علبة قرطاسية كاملة تحسباً لهذه المواقف الخذلانية التي لم تدر بخلده، استلَّ قلمه الإفرنجي الجاف المستورد من الصين، حيث ما تزال بقية من تابوت الشيوعية، تسكن وتتنفس تحت الماء المحيط بها من كل جانب، وكتب بالخط العريض المقولة "الشعبية" الشهيرة مخاطباً كل القوى"الوطنية" ( حضرنا ولم نجدكم يا جنود الفرزدق البواسل ويا بنادق البيادق الأشاوس).

ما أود قوله في (الحتة دي) بالذات، هو أننا قد تعلمنا من هذا المشهد السياسي بنـُــقـــُـــده وحامده وبحضوره وغيابه بعض دقائق الحقائق، أكتفي منها أنا بثلاث وأترك الباقي لنظرياتكم الثورية ونياتكم البريئة إن شاء الله:-

 أ- بلادة الحكومة التي ما تزال تعتمد الحل الأمني المكثف القوة لأبسط المشاكل مع أنها رأت وترى بأم عينها المصير الذي انتهت اليه تلك الحلول، لذلك كان عليها أن تتعلم من نقـُــد ومن تصرفه الحضاري وتعينه بعدم الاعتراض وتوفير ما طلب من زادٍ زهيد، (مجرد قطعة من الفحم، بعد أن تحصـَّـل هو بعرقه وجهده الذاتي علي قطعة الكرتون) ما دام قد جاء مسالماً وانصرف حامداً شاكراً غير مناوئ ولا مشاكس ولا منتظر لوصول المزيد من كتائب دعم التظاهرة، بل كان عليها أن تمنحه جائزة إحياء سنة الوفاء بالوعد والالتزام بالمواعيد، هذه السنة التي اندثرت عند المسلمين وسائر العالم الثالث وحضرت وشادت المجد تلو المجد لدى الغربيين والعالم المتقدم، بدلاً من أن تكافئه بالاعتقال علي هذا التصرف العاقل. 

ب- خواء المعارضة مادياً وفكرياً وبشرياً، فهي مجموعة هياكل إدارية وجيش عطالة مقنعة من المتفرغين والساسة المحترفين، أي الذين تمثل السياسة مصدر عيشهم، وكل اعتمادها هو علي الدعم والتأييد المادي والمعنوي الخارجي الي جانب الشباب المراهق المساير لموضة التظاهر دون أن يكلف نفسه السؤال من أين وكيف ولماذا بدأت تلك التظاهرات التي كان في شغلٍ عنها بمتابعة المسلسلات الرومانسية وأفلام العنف وغرف المغازلة الالكترونية، وأغلبه يتولى الدعوة للتظاهر من الخارج ويمارسه هناك.

ج- الحقيقة الثالثة تتعلق بالحكومة والمعارضة معاً، فهما تعيشان علي نقاط ضعف بعضهما البعض أكثر من العيش علي نقاط قوتهما الذاتية، فما يضير الحكومة لو سارت علي نهجها الحضاري الذي تعاملت به مع أول تظاهرة في مسلسل التظاهرات الموضة والتي كان قوامها أبناء وأقارب إحدى الشخصيات الأكثر شهرةً بالمغامرة والمقامرة السياسية، وما كان يضير المعارضة إذا كانت واثقة من نفسها أن تعمم إخطارها بالإذن بالتظاهر الي كلٍّ من الحكومة ومنسق حقوق الانسان المحلي بالإيميل فقط بدلاً من القفز علي هذه الخطوة القانونية التي تدخرها للاستعانة بها في تبرير خذلانها من السادة المدعوين الي مائدة نظاهرها غير الدسمة جماهيرياً ومن ثم تعلق ما جنته يداها من الخذلان والخسران المبين علي شماعة المنع أو الاعتراض الحكومي.                   

 

 



© Copyright by sudaneseonline.com