From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
سودانياتٌ قبلَ قرار ٍبقابل ِالأوْطاَن/محجوب التجاني
By
Mar 28, 2011, 22:56

 

سودانياتٌ قبلَ قرار ٍبقابل ِالأوْطاَن

"البركان يغلي... سوف يأتي ... بالأماني"

من أناشيد الموسيقار محمد الأمين

محجوب التجاني*

السبت 26 مارس 2011

نسبة ٌبهية ٌلشبابنا

عن دائرة التعداد بالولايات المتحدة بقدراتها العالية في الإحصاء وأبحاث الديمغرافيا، إسترعت الأنظار حقائق هامة عن حجم السكان في الوطن مقدرا بالتقريب 45 مليون إنسانا في يوليو 2011 علي أساس تعداد السودان والإحصاءات الحيوية والعينات المسحية في الماضي القريب، علاوة علي إسقاطات تنبؤ بالقابل.

تعداد السودان 1983 قدّر الزيادة السكانية بين تعدادي 1956 و1983 بمعدل 8و2 في المائة سنويا. وفي عام 1990، وضعت اللجنة القومية للسكان ومصلحة الإحصاء الزيادة السكانية بمعدل سنوي يبلغ 31 فردا لكل 1000 أو 1و3 في المائة بإحتساب نسبة 50 مولودا لكل 1000 من السكان و19 وفاة لكل 1000. وكلا المعدلين مرتفع، يستحضر مسؤليات تنموية وخدمية عالية، لا حسّ لها في ميزانية الدولة البوليسية الراهنة.

يري مصدر هذه الأرقام – هيلين شابين متز ورفاقها في مؤلفهم حالة السودان، واشنطن، مكتبة الكنغرس (1991) "المعلومات السكانية محدودة عن السودان. إتضح عام  1990 أن القطر يجتاز معدلا عاليا للمواليد مع نسبة وفيات منخفضة. وكانت نسبة وفيات المواليد عالية". توقع الباحثون نمو السودان السكاني السريع لفترة ما بنسبة كبيرة من الشباب تحت سن الخامس عشر.

ساهمت المجاعة في ازدياد الهجرة الداخلية حتي أن المعتمد السامي للاجئين بلغ أنه في أوائل التسعينيات نزح حوالي مليون و800 ألف إنسان في الأقاليم الشمالية، 750 ألفا في الخرطوم، 30 ألفا في كل من كردفان والأوسط، و30 ألفا في دارفور والشرق، و150 ألفا في الشمالية. أما الحرب الأهلية والمجاعة في الجنوب فاضُطرت للنزوح منه ثلاثة مليون ونصف إنسان. بإحتدام الحرب إلي إتفاق السلام عام 2005، تواصل فتك الإنقلابيين بشعبنا في دارفور والجنوب ولم ينقطع سيل النزوح بشكل رتيب للمدن وما حولها: عشرات الألوف ، إلي اليوم.

إكتنف تعداد السودان غموضٌ شديد في حجم اللاجئين وصعوبات في التقدير. أجريت ثلاث تعدادات منذ الإستقلال: الأول عام 1955-1956 لم يُحسّن إعداده. الثاني عام 1973 لم تقره السلطة فلم تعلن نتائجه بتاتا؛ والثالث عام 1983 كان أفضل حالا، مع إنطوائه علي معطيات لم يتم تحليلها.  تعليقنا أن معدلات الزيادة السكانية في السودان موضع شك مقيم بسبب الحروب وما نكبت به شعبنا من إهدار للأرواح ودمار وخسائر جسام. نذكر في رهبةَ من الحّق إشارة ملائكته لأشرار الخلق: "مَنْ يُفسِدُ فيها ويَسفِكُ الدِّمَآء" [البقرة:30].

خلاص شعبنا علي أبهي ما يكون عليه بنسبة شبابه الطاغية تحت سن الخامس عشر في عقد التسعينيات. هم اليوم صناديده الهابة في وجه الطاغوت الضارب في وطن الأجداد. سيذيقوا إنقلابيي 1989 وحزبهم مغبة الإستهتار بحياة أجيالهم إحدي وعشرين عاما متصلة. والقابل لهم بإذن الله.

آرآءٌ متضاربة

حديثنا مثقلٌ بقرار مجلس الأمن الدولي الخاص بفرض منطقة حظر جوي وإتخاذ "كافة التدابير الضرورية" لمنع الهجوم علي المدنيين في ليبيا – عبارة مبهمة مطاطة في ساحة التنفيذ، مما جعل صانعها الغربي يتراجع بحذقه القانوني عن الإسراع بدفع الإجراء أقصاه، واستبعاد حرفية النص بإيجاد تفسير دقيق قبل إفشاء الحريق. لربما كان تطور الموقف مستدركا فيما لو تواصل التظاهر السلمي، ولم ينزلق بقضية الديمقراطية في الجماهيرية إلي الصراع المسلح وحرب المدن، فضرب ليبيا بقوي دولية تبزها حجما وقدرة، بناءا وتدميرا. مجمل الوضع، تقدمت السياسة الدولية حين تردد العسكر؛ وتراجعت متي تقدم.  

بدا القرار الدولي بكامل لياقته الغربية، ومساهمة الجامعة العربية المعنوية، ودعم مجلس التعاون الخليجي بالطائرات والإعلام "فوزا مضمونا" للمجلس الوطني الليبي المُعلّن بتأييد فرنسي سافر، فور تحول تظاهرات بنغازي السلمية للمطالبة بديمقراطية الحكم إلي إحتلال عسكري عنيف للمدينة ومدنا أخري، وإشعال لحربٍ أهليةٍ شاملةٍ مع قوات الحكومة ومناصريها، يموت فيها المدنيون بالمئات ربما مع كل طلعةٍ جوية، أو زحفٍ بري، أو اشتباك، أو يحيون خائفين من بطش الجيوش المتصارعة، وقذائف أطرافٍ ثلاثة.

بين أصحاب الجماهيرية، نشب خلاف بين ميدفيديف ورئيس وزرائه رجل روسيا القوي بوتين لتوصيفه تصدي التحالف الأمريكي-البريطاني-الفرنسي-الخليجي بموافقة الجامعة العربية لنظام الحكم القائم في الجماهيرية الليبية بالحملة الصليبية. "عارضنا ضرباتها العسكرية من البداية" أكد وزير دفاعه مغضبا من انسحاق دفاعات ليبيا روسية الصنع أمام صواريخ الفرنجة. من جهته، ناشد الأمين العام للمؤتمر الإسلامي بدوره الجميع "حماية المدنيين". وبين دول المسلمين، ترددت تركيا بين تأييد القرار الدولي وتنفيذه "كما وقع بالفعل". ورفض رئيس وزرائها أردوغان صراحة "التدخل الأجنبي في ليبيا".

أعادت مصادر تأييد القرار الدولي ومن تلقف تنفيذه حساباتها. تبرز بينها روسيا والصين التي هتفت غاضبة "القتال يهدد الإستقرار في المنطقة". قال عمرو موسي للأمين العام للأمم المتحدة "إن العرب مع القرار الدولي". ثم أطلق أمين عام الجامعة العربية صيحة ترفض "إيذاء المدنيين". ومع إرتفاع أسعار النفط عالميا، وظهور علامات التكافؤ والترجيح بين المقاتلين، وتأرجح ميزان القوي، تضاربت تصريحات الغرب بشأن الهجوم الجاري علي الجماهيرية.

مراجعات دستورية

تحت قبة الدستورية الديمقراطية، أبدي أعضاء في الكنغرس الأمريكي إستيآءهم من إصدار الرئيس أوباما تعليماته لضرب ليبيا بالسلاح، وفرض حظر جوي عليها تطبيقا لقرار مجلس الأمن الدولي. قالوا "إن قرار الرئيس لم يمر عبر الكنغرس. فهو غير دستوري. وغير قانوني". رد البيت الأبيض ومناصرو القرار مع حرص مستشار الأمن القومي علي تطييب خاطر المشرعين بإعلان رغبة أوباما في تنويرهم: "إن الرئيس يتمتع بسلطات القائد الأعلي للجيش الأمريكي، ومن حقه أن يصدر ما أصدره".

آنفا، أجري رؤساء أمريكا عمليات عسكرية دون تصديق مسبق من الكنغرس، بما في ذلك هاري ترومان في كوريا، وجورج بوش في العراق، وبيل كلنتن في صربيا. أشار إيفان بيريز (Wall Street Journal: March 22) إلي رسالة أوباما للكنغرس التي قال فيها: "إن الولايات المتحدة شرعت في عمليات لإعانة جهد دولي صدق عليه مجلس الأمن الدولي لمنع كارثة إنسانية، ومقابلة التهديد الموجه بأزمة ليبيا للسلم والأمن الدولي". إلا أن قرار أوباما أثار مشرعي أمريكا لإسراعه بالأمر قبل أن يحصل علي تصديقهم الرسمي عليه. لماذا؟

2007 أيام حملته في الإنتخابات الرئاسية، رفض أوباما بحكم الدستورأخذ الرئاسة الأمريكية قرارا منفردا بشن هجوم عسكري في موقفٍ لا يتضمن منع تهديد حقيقي أو ماحق بالأمة. وفي 2011، تركزت إنتقادات في خروج قرار أوباما الرئاسي علي الحالات المرخصة، وهي قيام خطر ماحق يتهدد مصالح أمريكا بشكل مباشر. "لا تأخذن الأمم المتحدة للكنغرس قرارا"، قال لو فيشر، باحث سابق في الشؤون الحربية: "يستحيل علي الكنغرس أن يأخذ سلطاته الحربية ويمنحها للأمم المتحدة. خلاف حالات الدفاع - ولا توجد أعمال دفاعية في الموقف الراهن - علي الكنغرس أن يتولي الأمر". وتعليقنا: الإنتخابات علي الأبواب. فترتيب الدار أولي.

لا نعلم بعدُ مَنْ ندعَم

عضو مجلس الشيوخ هوارد ماكيون، رئيس لجنة الخدمات العسكرية، طالب أوباما بإعلان مدي إستخدامه القوة العسكرية ومدتها. وبيّن ريشارد لوقار أكبر سناتور جمهوري في لجنة العلاقات الخارجية للإدارة "ضرورة إستشارة الكنغرس إن كنا ذاهبين لحربٍ مع ليبيا. إننا لم نعلن الحرب في هذا الوقت. نحن جزءٌ من تحالف... لكن يجب أن يكون لنا إعلان حرب من الكنغرس. وفي الحقيقة، لم نكتشف بعد مَنْ في ليبيا نحاول دعمه. واضح إنهم الناس الذين يعارضون القذافي – لكن مَنْ؟"

السناتور الجمهوري مارك كيرك رأي أن بلاده "دخلت في حربٍ تتبادل فيها إطلاق النار مع القائد الليبي معمر القذافي يجب أن تهدف لإسقاط نظامه، والإتيان بحكومة جديدة. فإذا أنهي الصراع سريعا بالعسكرية الدولية، فإن ذلك يعزز أسواق النفط، ويعين علي تخفيض سعر الجازولين في الولايات المتحدة وغيرها. إنه قرار بإعلان الحرب علي ليبيا. يمكن أن يصدر الرئيس أمرا للجيش. ولكن للكنغرس الحق في إجازة القرار".

 

أما رئيس الكنغرس السناتور الجمهوري جون بوهنر مع رفقائه من كبار الجمهوريين (CBS:March 21) فقد حّذر في بيان الرئيس أوباما بضرورة التشاور بشكل أكبر مما أبداه قبل أن يُصّعد العمل العسكري في ليبيا: "علي الولايات المتحدة إلتزام أخلاقي نحو أولئك الساعين للتحرر من القمع والحكم الذاتي لشعوبهم. الرئيس هو القائد الأعلي للجيش. ولكن الإدارة مسؤولة لتُعّرف للشعب الأمريكي والكنغرس وقواتنا ماهية المهمة في ليبيا، وأن توضح دور أمريكا في إنجازها، وتبين في صفاء كيفية الإنجاز. وقبل القيام بأي إجراءات أخري، علي الإدارة أن تُحّسن أداءها الإتصالي مع الشعب الأمريكي والكنغرس فيما يتعلق بمهمتنا في ليبيا وكيف تنجزها."

أوردت ول إستريت جيرنال نقد السناتور الديمقراطي جيم ويب "لم نناقش الأمر. أعلم أن هناك تبريرٌ ما بسبب إصابات المدنيين؛ وليس هذا ما يفترض أن يعمل به نظامنا". لم ُيفلح  تبرير أوباما فيما يبدو لإقناع قطاع مؤثر من صناع القرار. وفي خلال أيام علي انطلاق أزيز الضربات الموجعة لمنشآت ليبيا العسكرية - التي لم تمنع قيادة الدولة السياسية والعسكرية من تصعيد جهدها لإستعادة السيطرة علي مرافئ الساحل ومحاصرة التمرد - أحالت الولايات المتحدة لقيادة الناتو ملف الحظر الجوي، المهمة الرئيسة بقرار مجلس الأمن الدولي "لحماية المدنيين". إلا أن الناتو، وفيه تركيا المسلمة، لا يزال في حيرةٍ ما إن كان عليه أيضا أن يتولي باقي المهمة الضمنية "إسقاط النظام الحاكم بالتدمير الحربي".

هذه مهمة لا تريد أمريكا أن تضطلع بها طوعا، وفي قمة أمنها القومي إنهاء حربين في بلدين مسلمين، أفغانستان والعراق. علي المستوي العسكري السياسي، أكد وزير الدفاع غيتس "إن القرار لا يقصد إزالة حكم القذافي" وحّذر من "تقسيم ليبيا". لكن قادة الميدان منهم مَنْ رأي "الإزالة واردة". الخميس 24 مارس، أعلن أندرز ُفق راسموسن، أمين عام الناتو، أن التحالف الدولي "سيدعم الحظر الجوي ". ووافقت تركيا، المسلم الوحيد في مجلس الناتو، علي العمل مع بقية الأعضاء لحماية المدنيين في ليبيا من قوات الحكومة.

في مقابلة مع CNN تبرم السفير نيكلاس بيرن سفير أمريكا السابق لدي الناتو والجنرال المتقاعد مارك كيميت من قرار الناتو بتولي الحظر الجوي وتعطيل قراره حول "أخذ باقي المهمة". لاحظ كيميت وجود "قيادتين في مهمتين مختلفتين لتحقيق عمل محدود غير متعلق بالسياسة الكلية لإزاحة القذافي من السلطة. يضيف هذا مزيدا من الربكة للقوات الجوية، والجمهور العريض".

فعلياً، تقصف قوات التحالف الدولي من الجو قوات الدولة الليبية وتدمر ما أوتيت من بأس ٍدفاعاتها. لم يبق إلا إنزال قواتها البرية، لتبلغ تظاهرات بنغازي السلمية في أقل من شهرين أقصي درجات الحرب الشاملة بكل عنفوانها بين دولة ليبيا والمتمردين عليها حربيا بعون أنصارهم الدوليين. نسأل يا صاحبي: ما ظن قادة العالم قرارهم في مبدأ الأمر فاعلا بليبيا، شعبها وحكومتها، ثائرين مسلحين كانوا أم مدنيين سلميين؟!

دولية ساركوزي خليفة المختار

الظلُ أعوج: المتمردون الليبيون المسلحون ومجلسهم الوطني الإنتقالي "تطالبهم" الدول المؤيدة لهم علنا بتشكيل حكومة "طوارئ" لإدارة شؤون الحكم. بين الدول المهاجمة، إنبري الفرنجة في فرنسا برئيسها ووزير دفاعها وسفرائها لحرب الحكومة الليبية عيانا بيانا، والقتال عسكريا ودبلوماسيا بإسم القرار الدولي لصالح "الثوار". ولو ُقدر لهؤلاء أن يفعلوا ما يُؤمرون، فلن تكون لهم بين "ثورات العالم الثالث" شرعية. إستبدلوا وطنية المختار بدولية ساركوزي.  

هذه حكومة تمثل الجهة المطالبة أساسا. لم يحدث مثل هذا التدويل المندفع من قبل في السياسة المعاصرة لفرض وضع بهذه المهانة الشاملة علي عضو في الأمم المتحدة يتمتع بالشرعية الدولية الكاملة، ويخاطبه مجلس الأمن الدولي وقوي التحالف نفسها إلي اللحظة كمسؤول رسمي عن دولة ليبيا. يبيت لزاما علي حكومة الجماهيرية أن تسّوي مع شعبها قابل الوطن كما يريد له الشعب ويشتهي "بالحٍكمَةِ والمَوعِظةِ الحَسّنة". كذا علي دول الخليج المشاركة أن تشرح لتاريخ المنطقة لما استبد بها الشوق لمسح الجماهيرية عن الساحة، ولم يعربد الحب بها لترأب صدعها وتلحم جرحها كما ينص ميثاق "إخائها العربي".

إستراتيجيوا العرب في الغرب

علي متمردي ليبيا أن يشرحوا لشعبهم خبايا اندفاعهم مع الفرنجة واعترافهم السريع بهم. صعد بهم نجم الفرنجة ساركوزي زعيم الحرب كما أسماه البريطان، وأسقطوا نجم جدهم المختار رحمه الله. سمعنا مع مشاهدي فضائيات متحدثين منهم وعربا آخرين في بلاد الغرب يساندون قرارات الغرب في الشرق، وأهمها حاليا ضرب الجماهيرية "بكل الوسائل".

فزع الجميع لسماع أحدهم - مدير مركز للدراسات الإستراتيجية - يقول مؤيدا في بي. بي. سي "إن القرار الدولي من شأنه أن يضرب المدنيين إذا اختاروا البقاء مع قوات الحكومة دروعا بشرية". تسآءل جمعنا مستنكرا: وهل يملك مدني الخيار؟! ماذا عن بروتوكولات جنيف المُحّرمة علي العالم ضرب المدنيين، المُلزمة كل جهة مسلحة بحمايتهم وصون أرواحهم وممتلكاتهم من العنف والدمار من أي جهةٍ جآء؟

أفئن أقدمت حكومة علي خرق البروتوكولات، أتقدم قوات الأمم المتحدة أيضا علي نفس الخروق؟! لما لا يكف الهجوم الدولي عن هذه الحرب الخروب بأعتي معدات القتال وأشجها للأرض والسكان، ليفسح المجال للسلام والتفاوض والإتفاق بين أبناء وطن موحد بطول الحياة وعرض الممات. أين قدرات الدبلوماسية والسياسة الدولية؟ مجمل الوضع، تتقدم السياسة الدولية حين يتردد العسكر، وتتراجع إن تقدم.

لا أتفق قطعا مع ما ُنشر علي لسان "المعارضة السودانية" والمقصود بها في محتوي الخبر حزب المؤتمر الشعبي المعارض (سودانيزأونلاين: 21 مارس) من دعوةٍ لمجلس الأمن لإتّباع سياسة مماثلة في دارفور لما أحدثه قراره في ليبيا. أذكر لقاءا مطولا مع بن هول في            القناة الأمريكية  Channel 5في 22 فبرايرعام 2005 سُئلتُ فيه عن حل الأزمة بالتدخل العسكري الخارجي في دارفور. عارضت: يريد السودانيون حلا للأزمة السياسية بحل ديمقراطي سياسي شامل، ولا يريدون عسكرا خارجيا يحتل وطنهم. فليقدم العالم عونه بكُنه العمل. لا بغيره.

ماذا يجني الأفارقة

رأينا في أكثر من موقع فضائي عشرات الصور والقصص، بلا مرجعية أو هوية، تحدث أخبارها عن "أفارقة مرتزقة من المغرب والنيجر وتشاد ومالي والسودان". لا تقدم أنبآءهم بأسمائهم، ولا تظهر ملامحهم. نكرة تصورهم إلا من تعريفهم بالأفرقة والإرتزاق. يا لهذا القبح ويا لهمجية الإعلام!

 سارت هذه المواقع سير الفضائيات بغير هدي. لا تلوي علي شئ. يطنب التاريخ في تكذيبهم. فالصحاري لأهلها منذ أيام خلقها. الأمازقة، الطوارق، الهوارة وسائر البربر، والفولاني والزغاوة والقرعان، وبني عدنان وقحطان – أصول عشرات الأعراق والأفخاذ والعشائر من الأحمر إلي الأطلنطي – يجوبون المنطقة لكلأهم ومرعاهم. يتبادلون كافة شؤون الحياة تعاملا وتواصلا مع شمال دارفور وجنوب ليبيا وشمال مالي وجنوب النيجر وشمال نيجريا وجنوب المغرب. فما تفعل سياسات الكيد بحقائق البيد؟

إكتوي السودانيون بالحروب والصراع المسلح أكثر من شعوب القارة منفردة. عاني شعبنا ويلات الحروب الطويلة لحقب متوالية. ذكر طيب الذكر الفريق أول فتحي أحمد علي القائد العام للقوات المسلحة السودانية في إحدي تصريحاته الرسمية قبيل وفاته أن "ضحايا الحرب الأهلية 4 مليون ونصف مواطن". وقدرت مصادر محلية وعالمية مقتل السودانيين في دارفور بأكثر من مليون إنسان بالحرب وويلاتها. في التسعينيات الباكرة، قال تقرير صندوق إنقاذ الأطفال أن المجاعة في دارفور ستؤدي إلي وفيات عشرات الآلاف من الأطفال. وفي العقد التالي إلي اليوم تواصلت وفيات هؤلاء الأبرياء بمعدلاتٍ لا يوجد سببٌ لإفتراض نقصها والحرب ماضية، والحراب سنان.

هؤلاء جميعا وألوفٌ غيرهم في مناطق القطر المختلفة شهداء وطننا: فما يريد الليبيون بالحرب الأهلية التي لن تقيم ثورة ولن تزيل دولة، إنما تدمر مدنا، تؤسس ضغائنا، وتبني إحّنا؟ كم من الأبرياء قتلوا في حرب ليبيا الأهلية؟ كم لفتهم رمال الصحاري ولا أثر لهم؟ كم أهدر الليبيون في قوات الحكومة ومليشيا المتمردين أرواحهم؟ وكم في الإنتظار بتوالي القتال، والحظر الجوي، والقصف البحري والجوي؟ "وإذا المؤُودَة سُئلتْ. بأي َذنْبٍ قُتلتْ".

لم نحلل في هذا اللقاء الأسبوعي ديمغرافية ليبيا. ولم نعلق بعد علي اليمن. وأبو يمن الذي هَبّ بالتظاهر السلمي بقواه الذاتية لفرض الديمقراطية في بلاده أهلٌ للحب والمساندة التامة. وهو صاحب الكنتين آخي شعبنا في كل قرية ومدينة منذ القدم. سنعود لهم. للجميع حق  التأسي علي أوضاع الأفارقة أهل ليبيا بالأصل والهجرة معا. وإفريقيا الأم أصل البشر، يوحي لنا الدين، ويرشدنا السوسيلوج والأنثروب والتاريخ والجغرافيا.

نري في طول منطقتنا وعرضها معارضة طاغوت الإنقلابيين الإسلاميين في بلادنا قوية، راسخة، متطورة، عاقلة، ومبدعة. تأتمر بشعبنا في الداخل. لا يحركها خارج. لا تخضع لحكم طائش. ولا تخدم سياسات حزبٍ مارق. مرحي! مرحي أهل السودان. يقول علم السكان إنكم شباب. يعلم العالم أن ثورتكم علي الإستبداد سابحة في الزمان، سائحة إلي أن تحط الرحال: كاسحة، عاتية، متفردة.

وغداٍ يومٌ جديد...

_________________

*الأيام، الأسبوعي: مارس 2011

 



© Copyright by sudaneseonline.com