From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
القصة الاخري(أ)/عثمان أبو احمد
By
Mar 28, 2011, 17:18

بسم الله الرحمن الرحيم

القصة الاخري(أ)

ذلك الصباح لم تكن همسات أرواح النور كهيئة حالها الواجمة ! بل كانت تمور بحرارة حول ذلك الاحمق و الشائعات عن عصيانه وطرده من الإجتماع الذي سوف يُطْبِقُ الإطلاقُ علي عرشِ رئاسته !  كانت التجربة الاولي بائسة ! إنجرفت الإنبثاقاتُ العاصية وتمادت في لعبة الارادة حتي ماتت من بعد المسافة لتستطيع الشرب و الحياة - من ادراها  ان لها  وجود للاختيار اوسع من قدرتها علي العصيان المحض ! ساخرة وظانة بحسن صنعها ! جاهدة في تعرية البلاهة والموت في الاطاعة – ولم تدرك أرواح النور أن خُطوة للأمام قد تمتْ , وأنَّ العاصي القادم  حبكت يدُ الإطلاقِ أنْ يتحرر كشريرٍ محضْ و واعٍ  داخل الرسم المصمم لوجوده مع آخر ! اكثر دهاءاً وحكمةً ويتميز بالعقل ! ليشكلا ثنائياً متوازناً يصلح لتجليات الجمال لدهور ! حتي يمكن لحضرة الكبرياء ان تثبت لنفسها و للعالم جدارتها بالحب دون الحاجة ليدها الباطشة وقهرها العميق في املاء شروط رؤيتها .

لن أستطيع انا الغريب ! عن هذه الحضرة من عالم اخر مجرد ضيف ! ان انال شرف ان اكون في مركز الإنتباه  من حضرة الاطلاق!! و لو لبرهة قصيرة ! سيكون الشرف بلا نهاية , سيُحكي بذلك الي ابد الآبدين في احفادي بل لأجيال العوالم كلها , لحظة ان كان روح اللهب موضوعاً لحضرة الاطلاق دون سواه لبرهة ! يصيب جسدي مزيد من الاشتعال وتقشعر اطراف اللهب المتصاعد من روحي وتسخن اطرافها الي حدود الغياب عن الوعي ! ان تنصب علي روحي كل تلك الاثقال من الجمال للحظة واحدة !! مجرد لحظة واحدة تكفي ! لا ادر كيف سيكون المذاق ! و حتي لو كان الزوال بعدها فالأمر يستحق !

انتشرت – في الهمسات - شائعةُ السجود للكائن الجاثم في الغيب عن ذاته ومتواري داخل كومة من مجرد غبار ! تعمل فيها ايدي الملاحظة العينية لحضرة الكمال ! وتقشعر ابدان كل الوجودات لذلك الشرف الجديد ! وترمقها اعين الحضور بالغيرة و الحيرة عن كنه المطمطم ذاك ! وتزداد - مع اقتراب الاجتماع فحوي العبارة وعمق المعني وسبب الإغراب - بُعداً ! وتستحضر كل الوجودات نهاية ما يمكنها من الاستطاعة ازاء الواجد وتنحني في اغوار روحها غما وكمدا الا تكون الا غائبة عن ذاك الإسْرَارْ!  و زادت الشائعة ان سيكون منها مطرودا و مشؤوماً بسببه ! وبطلاً !!! يقال لكل الرواية ! و معًا , سيزدان خارج نطاق المحق , بجمال السعي التام بأرادة قائمة لغير القيوم !!!! وتكمن في هذه الارادة الموجودة - داخل عدم امكان وجودها - سر أسرار النجاح لظهور الحق بغير حجاب القهر! مَنْ ذلك الأحمق ؟! ذابت شموع وجدان الوجودات دموعاً خجلاً من خاطر تمني الشؤم لنفسها لتنال لحظة من ان تكون كما تشتهي دون خوف حتي ولو كان الثمن الغرق في بحر الشؤم نفسه !

لا أودُ الإعتراض لمجرد المخالفة المحضة ! ولكن الرغبة الجارفة في معرفة ما بعد ذلك والفضول  هو من سيقتل الادب ويمحق الخوف ! ربما لا أجرؤ علي تنفيذ رغبتي , وليكن موت الرغبة الاولي - التي أنبتتها اليد القاهرة - حكما عليها بفشل زرعتها التالية لفسيلة الوجود الخاص!!وليكن ما يكون ! ولتعود الي لحظة الابتداء وتراجع مقادير الحكمة والارادة والقدرة التي سكبتها في قبضة اللحظة المختارة لخروج البطل الي حيز يفعل فيه ما يشاء! في رفع الستار عن الحكاية لتنبلج كما كانت في العدم .

هل ثمن لذة أن تكون حاضرا علي هواك ! ألا بد من مصادمةٍ يائسة لتحيا كما تشتهي!!  و لا بد لأظهار ارادة التواجد كما تحب ! من انتزاع الكبرياء في حضرة متكبر!  يا لها من حماقة ؟ لكن معرفة ان فشل المشروع برمته يعتمد عليك في ألا تحاول ! وأَنَ تعطل انبثاق الوجود بجملته يعتمد علي خوفك من التحدي ,وان حضرة الكبرياء بذاتها تنتظر منك المخالفة حتي تتجاوز كونها لا يتم اختيارها كمحبوبة ومرغوبة وتستحق الاعجاب الا تحت ضغط كونها لا تقهر فحسب! والذي تم تجريبه مع الانوار العاكفة حولها  - في بلاهتها و موتها المتزايد منذ ظهورها بالخارج دون ارادة - لآماد سحيقة  ! ومجرد حدوث ارادة تشعر بأن لها الخيار هو بداية الطريق للتعرف علي الجمال خارج نطاق ظل الجبروت ! تم القضاء ان من الكرم والحكمة ان يتدفق هذا الجمال الي الخارج حتي تعم الدهشة الوجود ! ويتم تقديره واكتشاف عظمته التي كانت مدسوسة خلف ذلك الكبرياء ومحجبة بالقهر ومتوارية خلف صخرة العزة التي لا حدود لها! هذه الصخرة التي ورائها لا يبقي اثر للنزاع !

أعتصر القلق اخر قطرات الحضور امام النفس فأصابها الاعياء عن مقاومة الغياب في حضرة الكمال ! بحسب ما  هو ممكن لكل عالم ! و مع تساقط قطرات الزمن نحو الاجتماع شخصت الابصار نحو افق السرمد الأعلي علي العرش كما تجري طبيعة ان تكون هناك ! لتستطيع التوجة نحو جهة لتنال حظا في التملي فيمن لا تحوزه الجهة .

كومة الغبار المجموع بأيد القدرة أمطرت عليه حضرة الود نفحات من ندي أزهار النرجس !وقطرات من دموع معادن أنا كلها , وتفلت عليه بسمات الأُنس , وعجنته أصابع الابداع بخلائط من سرها الدفين ! واسدلت عليه عيون التفضيل رموش العشق فسترت عن العوالم كنه عظمته المولودة للتو ! و أمْلتْ عليه كل شئ كما هو في الظاهر  ! وانطلقت البهجة بأكتمال ايامه في رحم الغياب ! و حبكت ارادتها بأستحقاقه الخروج وجدارته لنيل السجود و تأكدت من انتقاش مفردات ارادته الخاصة عند اشعال نار ضلعه الايمن بشعوره بالتفرد في وحدته ! و تمنيه لمفارقة الوحدة وأشتهائِه لنصفِهِ ليكتمل جسده و يتعلم أن يُولد بروعة لم يذق مثلها من قبلُ موجود ! ليتمكن من رؤية ذاته كما هي علي الصورة المطلقة للأطلاق الممكن تَحَيُثُهُ .

إقترب الوقت المضروب للشأن العظيم لإفتراره عن بسمة !و تبلورت في رؤوس العوالم خصوصية الحضرة من دون الحضرات  وعبقت رائحة الطين المتغير هواء الأوعية ! فتطاير الكُنْهُ شَعاعاً بين الأنوار و ألسنة اللهب والقُرْبْ ! و تراقصت صور للخيال علي حافة عجزه! - و عندما تكشفت أنفاس الروح العالية تَنْفُخُ - علي نيران بلا حرٍ و أنوارٍ بلا ضوءٍ كبتتها كثافة الغبار في سويداء لا قرارَ معلومٍ لها -في تلك الكتلة الغامضة علي ركن المكان في زاوية  لم يسبق أن وطئها عالَمْ- بكي بكل لسانٍ في يده  طرباً !, و تأكدت خصوصيةٌ لهذا الكائن قبل ظهوره!بكمالٍ كليٍ يأتيْ ! و عندما تدفقت الي مكان السمع منها أصواتُ السؤال وهو يُلْقَى علي من لم يأتوا بعد ! ممن  لا بعد له و لا قبل  ! ماتت فضولاً آمالُها وراء جهلها المطبق ! و أحياها الغرام ! فكدحت في هذا المقام ! غرامًا علي أعتاب الجمال !!

سطعت شمسُ الشموسِ بطرفٍ من خلفِ برقعها السميك فأظلمت عوالم الحضور الا عن جمالها!!و فارقت الأرواح جسد الوجود فرقا من جلالها!!وخشعت المدارك شرقا بكمالها!! , لكنها ضحكت و أسدلت علي الارواح الهائمة والقلوب الذائبة والبصائر الحاسرة سكينتها و أعادت اليها النظر لنفسها حتي تمكنها من الاشتراك في الحضرة بذواتها هي ! لا كما هي في الحقيقة !! - مجرد هباء تمسكه يد القدرة من التبدد - !! و قذفت عليها بقبضة من العزم و نفحتها بقطرة من المشيئة و سكبت عليها ماء الظهور و غرست في مكان الفؤاد منها ارادة و فتحت مغاليق الافصاح عن جُرْءَتِهَا لتبوح بما تراه !! و ألقت في خاطرها تناول جرعة من خمرٍ أمامها كسرت حاجز التأدب ! فوعت العوالمُ كلُها ذواتَها و رأت ما لم تر قبلها قط ! وجهاً لوجه بُرقعَ اَلْعِزْ ! و كادت أن تعصف بها الفرحة لولا أنْ أدركتْها يدُ الجودِ بالطمأنة و ربتت عليها عينُ الودِ و بدأت اليها بالكلام إستئناساً !!!

شهقت أعماقُ العوالمِ كلُها طربا و خرجت عن طورها!ومزقت ثيابها  و غرقت في لحظة في لجة الغياب لذةً !!! و تداركتها يد التفضل - من جديد و ربطت علي قلبها في اللحظة التالية فعادت الي الحضور في حال جديد لم تذقه قط !!!- و اسدلت استارَ التوددِ والجودِ فيما بينها وما بين القهر والجبروت ! فزادت جرعةُ الخمر فعلا في ادبها!! فصمدت امام السيل !!!

غنت عصافير الفيوض في آذانها و اكتحلت مآقيها بالمشاهدة العينية علي أقدارها!!و امتلأت قلوبها بأعاجيب الاسرار الماحقة و فاق سكر خمر القرب كل حد كان لاشتهاء او رغبة ! لكنني اعي ما انا به يا للهول !! لا الدموع ولا امكان الشعور و لا تعبير اللغات كلها يستطيع ملأ مكان حرف واحد من الوصف !!! ذاك هو ! وهذا انا ! وهم هؤلاء ! وما حولنا !!! ماذا يأتي بعدها ! ملأتني الاشواقُ في كل لحظةٍ لِلْ لَحظةِ التالية!! و غلبني الفضول فوقه لأنظر ناحية الكوم الغبار بعد مخالطته الماء والكلمات و النَفَسْ العُلْوِي !!! لأري أين هو من شأننا والبراقع !! ألجمني أستحالة العدم الغريب الي عينين ! ليستا كأمكنة الابصار عندنا ! و لسانا و شفتين !! و نظر ناحية العلو و ابتسم ! وبادله العرش الابتسام ! و في لحظة لم يبق إبصارٌ ولا بصرٌ ولا بصيرةٌ الا و ملأ عليها نفسها عجباً !!كيف يقوي القادم الجديد علي الوقوف دون ان يتداعي و لم يمض علي ميلاده سوي خاطرة!!

و ترجمت مساري الوصل خواطر الخلق الي حضرة الجلال !! فبدأ بالكلام !!!      و فضحت العوالم نفسها بتهمة - ليست في مكانها - رمتها في وجه الخنوع ! و أحرقت لأول مرة غيابها الأبدي بالمعارضة !! و قلوبها - فيما بين ارتدادها للوراء خجلاً و شهوة الأمام طرباً - امسكتها يد الرحمة بالقبول ونظرت اليها عين الحكمة بالاغراء للمزيد , فلم تتراجع في عيانها عن نيتها في كره هذا الغريب!!  و مدت جدلها وجودا مُلِحْاً للبقاء !! و كأنما كافأتها حضرة الكمال ففتحت معها الحوار !! و تمادت كل العوالم في اللعبة الجديدة ! - أن تكون !!؟؟- تنوعت لذائذ اللهو و تقافزت خواطر السرور بلا حد من تلقاء كل الجهات !! و في أوج الإنتشاء بالأُنس عاجلتها أظافر العلو بسؤالٍ ! خَمَشَ وجه إندفاعها بعورة جهلها عن معرفة كل شئ كما هو في الظاهر ! ونزل عليها كلها حياء الفقر و ذلة الحاجة و ادراك الحدود  ! فتمتمت بأناشيد موتها الأبدي عن ما لم تتفضل حضرة الابتداء به عليها و علمت أن سكين الكبرياء قطعت حبل المودة! لكن وقع حضرة الكبرياء لم يُعْرِضْ بل واصلت بهجة الود في التواصل ! و صُعِقْتْ المشاهدُ برؤية الكوم يسعي علي قدمين من إرادة ومشيئة ! والطين يتقطر عرفاناً بعقل ! وله - لسان من وجود - ينطق مُخْبِرا عن كل المظاهر بِلُبِ باطنها !! و عين الجمال ترخي عليه أهداب الإعجاب و بسمة الحب تضفي علي مولده الغبطة و كأنه أول قادم من العدم في تاريخ الحضرات!!

و علي لذة الأنس زاد وجع الإهمال عن غور الصبر ! و تفاقم مرض الا تكون منظورا اليك إلي خيبة !! و تعالت في الخواطر ذكري مخيفة عن حمقٍ يصيب حاضرا !! و شؤمٍ يشتعلُ في عَالَمْ !! بسبب من هذا الجنين !!و مهما تواتر علي خواطر العوالم من طيوف الخيال !!! سقطت عليه مطرقةُ الأمرِ هائلةً و فاقت عند تيقنها - من حسن ادراكها لأمر السجود له – كل منطق تدركه في خيال !! ولم تسعِفَهَا فكرةٌ بمشيئة ! ولا كلمةٌ بعزيمة ! ولا سابقةٌ بفعل ! عن الترددِ في الوقوع ساجدة تحت قدميه !! و لم يُرَ علي مَد الإبصار في كافة العوالم والأُفق !! من لم يمتثل !! و بقيت جاثية تنتظر!! كل العوالم بلا إصطفاء!!سكنت تحت قهر الأمر بلا حراك !!!

سُمِعَ دويٌ لأحجبة الارتفاع و هي تُسْدَلْ !! و هبت رياحٌ باردة من قِبَلْ الفوق قتلت آخر رمقٍ للتواجد لايٍ كان!! و مات الأمل و طويت الصفحات لجملةِ لحنِ التواصلِ ! و انتزعت ايديٍ روحِ اللهب من بين الجموع من عمق سجوده و ألقت به في ظلمات جب العجز و أهالت عليه تراب النسيان و بصقت عليه !! و إنفتح بابٌ سيق إليه المولود الفصيح بعيدان الإعتذار و رفرفت علي كتفه بومة الضياع ! و كُتب علي جبينه , - بعد غياب شرط نجاحه-  كيف يوجد؟!!,و بردت بثلج الإحباط امكنة  النزول ,!! فشلت الحكاية.

                                                           أبوأحمد

                                                                2010يونيو15

 

 

 

 

 

 



© Copyright by sudaneseonline.com