From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
انهيار مشروع الشرق الأوسط الجديد بقلم :عبد المعين الحاج جبر السيد
By
Mar 27, 2011, 16:13

انهيار مشروع الشرق الأوسط الجديد 

بقلم :عبد المعين الحاج جبر السيد

الفكرة الشيطانية لمخطط قيام مشروع الشرق الأوسط الجديد , معرضة اليوم قبل أي وقت مضي ,إلى انهيار كامل ومن الأساس والجذر , وهو أمر لم تكن الدول صاحبة (النظرية) , توقعه بأي حال من الأحوال , فاستمرأ امتطاء الركوب على ظهور الشعوب إلى ما لانهاية كأنها قطيع , ثبت فشلها , عملياً على يد الشباب الثوار,  المشرعون وخبراء مراكز الدراسات الإستراتيجية والسياسية ,أصيبوا بحالة من الذهول , إذ لم يكن من المعقول القبول والتسليم  باندثار نظرية دلقت عليها آلاف الأحبار , وسخرت لها مئات العقول المتخصصة في بنائها وتصميم هياكلها , لا أحد يعرف على وجه اليقين لماذا غفلت كل تلك العقول الخبيرة التي تستشرف المستقبل ,عن توقع اندلاع  ثورة الشباب (الناعمة /السلمية ) , التي بدأت في خلخلة هذا المشروع الجهنمي الذي خطط له بعناية وروية فائقتين , حتى بدت القضية كأنها مسلمة لا يمكن مناقشتها أو مقاربتها لشدة تماسك فكرتها , وكثرة الدول العربية التي انضوت تحت لوائها , فسارعت لمباركتها والاحتفاء بها سراً وجهراً . 

دول الاعتدال , وهو مسمى المشروع الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن , غشيت وجوها حالة من الانتشاء , وأصابتها غلاله من هالة الزهو , لشمولها ضمن كوكبة المرضي عنهم من الجناب العالي , أمريكا , كيف لا وهي من صنفت وحددت ملامح المولود الجديد , وهو الذي خرج مشوها ومشلولاً على أية حال ,وسنعرف ذلك لاحقاً , أما الدول العربية الباقية خارج دائرة الكرم الغربي في توزيع هذه الكعكة الدسمة , وهي قليلة العدد , فقد راحت تندب حظها العاثر , وتلطم خدودها , وتشق جيوبها ,حزناً وكمداً لما أصابها من غم وكدر , فلأنها وسمت بالدول الممانعة ,حيث لابواكي ولانائحة لها , ففريق في الجنة والنعيم (المقيم) , وفريق في الجحيم وأسفل سافلين , وكل حزب بما لديه فرحون !

  تسلل شباب التغيير على حين غرة , وبسرعة خاطفة , إلى المشهد السياسي , خلط أوراق المصنفين , وتفرقت صكوك الرضا أيدي سبأ , انقلبت الطاولة , وتبدلت موازين القوى, هز واسطة العقد الفريد , كاد أن ينفرط , لأول مرة تخسر الصفقة , وتنتكس التحالفات رأساً على عقب , هاهم زعماء وقادة الاعتدال يتساقطون واحداً تلو الآخر ,كما تتساقط الأوراق المتعفنة , فهذا رئيس هارب هائم على وجهه يضرب في الآفاق , يلتمس النجاة من حبل المشنقة , وثاني محاصر في محل إقامته , في سجن كبير , لاأحباب ولا أصحاب ولاهم يفرحون , وثالث قاتل سفاح , مطارد أميما , ينبح كالكلب المسعور العقور , ورابع يستجدي ويتوسل الشعب , وخامس تباغته الصدمة , وتفت عضده المفاجأة , بتنظيم مظاهرة لأول مرة في تاريخ بلاده , حالة من الهلع والرعب ,تسيطر على أرباب العروش المرشحة للسقوط في أية لحظة , طلب النجدة من أمريكا في تثبيت أركان السلطة , قبل حلول عدوى التغيير , وعلى قدر الثروة (النفط) , تكون الاستشارة والتنوير , لكن عندما يتسع الرتق , وتهب رياح الثورة في كل الفضاء والسوح , وتلوح قطف ثمار (الديمقراطية ) ,تشيح بوجهها مستديرةً باتجاه الشعب صانع التغيير والثورة , لكن بحذر شديد , كمن يمسك العصا من المنتصف , عين على الثوار , وعين على الحكام , موقف شديد الحرج والالتباس , التجربة التونسية كشفت زيف ديمقراطية فرنسا في مساندتها سراً وجهراً وصمتاً للرئيس زين العابدين بن علي , بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير, بشحن معدات شرطية لردع المتظاهرين , وموقف وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة ,ميشيل أليو ماري ,من سياسة ابن على في قمع المحتجين , كانت في غاية (البلطجة), وعلى كل ,فقد دفع هذا الموقف المخزي ,الوزيرة إلى الاستقالة , وذهبت غير مأسوف عليها , تلاحقها اللعنات والإهانات  , موقف أمريكا من ثورة 25ينايرفي مصر ,لم يقل كارثية عندما سكتت الدبلوماسية عن الكلام المباح طويلاً في ممالأة مكشوفة للنظام المباركي , لأن مصر هي قلعة مشروع الشرق الأوسط الجديد , وهي الرائدة والقائدة , وسقوط هذا الحصن الحصين يعني انهيار المشروع ونسفه من أساسه , والدفاع عن حياض المشروع  مسألة غير مطروحة للنقاش ,وحين نضجت الثورة ,وتنحى مبارك زارت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مصر لجس نبض الثوار , وحسناً فعل هؤلاء الشباب برفضهم لقاء كلينتون  عندما طلبت الاجتماع بهم , في محاولة لكسب ولاء هذا الجيل  الجديد لصالح أمريكا , رغم الاستعداد لتقديم أي مساعدات ودعم  لمصر(الثورة) , هذا الموقف المشرف هو من دق  آخر مسمار في نعش المشروع المتداعي أصلاً , أما دعم أمريكا لنظام العقيد الليبي معمر القذافي ضد ثوار شباب 17فبراير في ليبيا , على الأقل في بداية الثورة , أوضح من أن تخطئه العين , فقد تنصلت من مسؤوليتها التاريخية ,ورمت بالكرة في ملعب إيطاليا المستعمر السابق لليبيا , وقصة العلاقة الوطيدة والمتينة بين القذافي , ورئيس وزراء إيطاليا سلفيو برليسكوني فصولها معروفة ومشهورة , ولا تحتاج إلى بسط هنا , فرنسا حاولت تصحيح صورتها الشائه بتلافي الخطأ الذي ارتكبته بحق تونس ,وأعلنت وقوفها مع ثوار ليبيا , وهي أول دولة في العالم تعترف بالمجلس الوطني الانتقالي , ويبدو أن هناك تصفية  حسابات شخصية بين القذافي والرئيس الفرنسي ساركوزي , على خلفية إدعاء سيف الإسلام القذافي تمويل ليبيا  حملة ساركوزي للإنتخابات الرئاسية , وهذه حالة استثنائية , وبعد أن طفح الدم وفاضت الأرواح , وتفحمت الأجساد , تشجعت الدول الغربية وأنهت حالة التلكؤ والتردد والسبات , فرضت الحظر الجوي على ليبيا , واستصدرت قرار استخدام الضربات الجوية على كتائب القذافي , وهي كمن يقول (مكره أخاك لابطل ), وفي اليمن حدث الشيء نفسه من دعم ومساندة لنظام الرئيس علي عبد الله صالح , حارس البوابة الغربية ضد هجمات تنظيم القاعدة كما كان يفاخر بذلك صالح أمام الأمريكان , مكافأة هذه الخدمة هي غض الطرف عما يحدث من قتل المئات في ساحة التغيير باليمن , ولم يشأ الغرب أن يجري على لسان أحدهم كلمة أرحل ,ولم ينطق أي منهم ببنت شفة عما يجري من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان من قتل وترويع وهجمات (بلاطجة), لأن في الرحيل سقوط حارس البوابة الأمين/الصالح الذي يسهر على راحة المصالح الأمريكية .  

     تاريخ دول (البتر ودولار), وخاصة القائمة على الأنظمة الملكية , في التحالفات مع القوى الغربية , معروفة ومبذولة للغاشي والماشي  , ولا تحتاج إلى كثير بحث وعناء واستقصاء , فهي تتسابق للظفر بالمرتبة العليا , والمزية الفضلى , على سلم الترتيب والأولوية في كسب الرضا الأمريكي , وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم , لذا فليس غريباً أن تتسنم هذه الدول صدر القائمة في موسوعة مشروع الشرق الأوسط الجديد , وبالتالي هي أكبر الخاسرين من تتابع سقوط الأنظمة الشمولية , مخافة أن تصاب هي بعدوى جرثومة  الثورات الحميدة , فتنتفض شعوبها على الملكيات غير الدستورية , وتهز عروشها , وفي أحسن الأحوال سحب كثير من الصلاحيات السياسية من يد الملكيات , وتجريدها من وضع اليد على الثروة النفطية والسلطة المطلقة , لذلك فهي اليوم تقف في حيرة من أمرها , مما صنعه شباب الثوار في المنطقة العربية , فموقفها منذ البداية كان داعماً ومسانداً لقادة العهد البائد , وظل هذا التعهد بالوفاء قائماً حتى بعد تنحيهم من كراسيهم وسقوطهم من عروشهم ,كثورة مضادة تعرقل مسار الديمقراطية الوليدة في العالم العربي , بكل ماأوتيت من قوة , وفي ظل هذا التداعي الجميل , لا أحد يتحدث  لاسراً ولا علانيةً عن مشروع الشرق الأوسط الجديد , فالدول المنضوية تحت هذا التجمع الهلامي , تتحسس موقع قدميها مخافة أن تنتقل إليها  شرارة الثورة  فتغوض أركانها , أو على الأقل تحد من صلاحياتها السياسية المطلقة , وهذا مايتوجب مقاومته بأي شكل من الأشكال , حتى لوأدي ذلك إلى حز الرقاب , وضرب الأعناق , لقد  سرقت ثورة الشباب السلمية الأضواء عن مشروع الشرق الأوسط الجديد , ويبدو أن أمريكا صاحبة المشروع , في حيص بيص , بعد أن أنفض السمار من حولها , وكل دولة مشغولة بنفسها في محاولة مستميتة لتحصين ذاتها من فيروس الثورة الذي أطاح بعروش أوغلت في مص دم الشعوب المقهورة, ونهب ثرواتها وانتهاك كرامتها  , واحتكار السلطة , مشروع الشرق الأوسط الجديد , في حالة موت سريري غير معلن , ولم يبق  سوى تكفينه وتشييعه  إلى مثواه الأخير .

  [email protected]       



© Copyright by sudaneseonline.com