From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
عصر ديمقراطيات العرب/د. صابر عابدين
By
Mar 27, 2011, 10:22

عصر ديمقراطيات العرب

د. صابر عابدين                                                               Email:[email protected]

 

       وشهدنا زمن الإنتفاضات والهزات الشعبية في منطقة الخليج العربي وشمال أفريقيا والشرق الأوسط , ومايسمي بالإقليم الجغرافي العربي يمور ويغلي كالمرجل , هبات وتغيرات لأنظمة الحكم العتيدة , بدأت من أقصي الغرب لتعصف بحكم زين العابدين بن علي وثم بعده مبارك, وهذا أن النظامان من أكبر حلفاء الغرب في المنطقة, وثم أنتشرت الثورات إلي الشرق , بعد أن توقفت في ليبيا وبالرغم من التدخل الكثيف العنيف لآلة العنف الغربية لدعم الثوار هناك , وثم البحرين واليمن وأخيراً درعا بسوريا , وهذه الثورات التي ومعظم وقودها الشباب , والذين يدعون إلي الديمقراطية وأنظمة تلتزم بحقوق الإنسان وهل الأمر كذلك ؟ يعني هل سوف يأتي علي هذه المنطقة  المنكوبة عهداً جديداً من النزوح الجماعي نحو الحياة المتمدنة وتأسيس الدولة المدنية ؟ وهل هي بداية لنهضة عربية شاملة ومحاولة للحاق بركب الحياة العصرية؟ بعد أن أقعدت بها إلي الأرض العشائرية , والطائفية والملك العضوض, وفك إسارالحياة التقليدية إلي عهود للحرية والتقدم والتطور , أم أن هذا التغير يأتي لفك مارد الإسلام السياسي المتماهي مع أنظمة الرأسمالية من قمقمه ,ليأخذ دورة جديدة تشهد فيها المنطقة مزيداً من العنف والعودة القهقري لعهود القرون الوسطي , وسيطرة المظاهر الدينية علي حساب الجوهر , وتحكم الشعارات بدلاً عن القيم والقانون , وبدلاً عن تطور قيم الدستور ليتلائم مع روح العصر والعلم , دستور لا يميز بين الناس علي أساس الدين أو العرق أو العنصر,أم لتدخل مرحلة جديدة من التمييز ومزيداً من التقدم للخلف ؟ وعندنا خير نموذج لنظام طالبان الذي أنتجه الغرب , فذهب إلي تدمير الحياة المدنية والموروث الشعبي .

      وحتي لا تتكرر التجارب الفاشلة فمثلاً في السودان كنا سباقين لقيام ثورتين غيرت تاريخ البلاد ولكننا في النهاية تحكم في السلطة الإسلام السياسي , وهل سوف يكون هذا هو مصير البلدان العربية الأخري وهل يمكن للغرب الرأسمالي (أمريكا وأوروبا ) أن يتماهي مع حركات الإسلام السياسي لتحقيق مصالح الدول الرأسمالية الليبرالية في وضع الأزمة الإقتصادية العالمية الطاحنة الراهنة والحاجة للموارد , ورغبة الإسلام السياسي للوصول للسلطة وعدم البرنامج المنهجي .

       واليوم يأتي التدخل الغربي واللحاق بركب موجة الثورة في ليبيا إعتقاداً بأن الأمور ستكون كما هي  في تونس ومصر وحتي تتذكر الشعوب جمائل الغرب عليها , وتسيطر عليه عقدة إيران والثورة الشعبية بقيادة الخميني عام1979 , ونجاح الثورة وتهاوي نظام الطاؤوس- شاه إيران-  بالرغم من تدخل الغرب وإسقاطه لحكومة مصدق-1953م- رمز الحكمة المدني والديمقراطي .

الثورة العربية وتقاطعاتها مع أوربا:-

                ولقد بدأت الثورات في أوروبا وفرنسا في القرن الثامن عشر ضد تسلط الكنيسة وهي المؤسسة الدينية الوحيدة التي كانت تسيطر وتعين الإقطاع علي التمادي في الفساد , وسرق ثروات الشعوب بأسم الدين , وتدجين الشعوب وتدني الوعي لديها , لذا قامت الثورة ضد التسلط الحاصل بأسم الدين ممثلاً في الكنيسة , وإستطاعت هذه الثورات في تحجيم دور الكنيسة , ومن ثم فنتيجة لثورات الشعوب وفئاتها المثقفة وكفاحها ظهرت شعارات وقيم جديدة , تفصل الدين عن الدولة وعلمنة الحياة العامة, وأن يكون للكنيسة ودور العبادة دور ولكن في إطارها وداخل أسوارها , وبشرط عدم تمددها ومن أراد الكنيسة فليذهب إليها برجليه , ولكن يرفض أن تأتي الكنيسة إلي حيث السلطة , وهذا هو ما تحتاج الدولة العربية والإسلامية , توظيف هذه الثورات لفصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية , وجعل الحكم المدني القائم علي مؤسسات الدولة والقانون هو السائد , وأن لم يتم فصل الدين عن السياسة , وفصل الدنيا عن الآخرة علي المستوي الفردي , لن تحل المشكلة السياسية ولنا في السودان تجربة جيدة في توصيات مؤتمر القضايا المصيرية – أسمرا في العام 1995 , وهي تجربة رائدة وقعت عليها أغلب الأحزاب ذات الثقل في البلاد.

           وخير مثال لنا حادثة المستشارية الأمنية , والتي من المنوط بها إجراء حوار لايجاد قواسم وتقاطعات مشتركة بين المستشارية والتي تمثل الحكومة , وبقية القوي السياسية المعارضة , للوصول لحلول لأزمة الحكم المستدامة في السودان , ولقد عبر الأمين العام للمستشارية وبطريقة ولغة تعكس رغبته وصدقه لإنجاح الحوار ومتطلبات المرحلة وهو عمل المستحيل بعينه لإنجاح الإجماع وهو إلغاء الشريعة , ولقد عبر الأستاذ حيدر المكاشفى في زاويته بشفافية الإسبوع الماضي بصحيفة الصحافة أن مقولة اللواء حسب الله عمر :- (إنه إذا تحقق الإجماع فيمكن إلغاء الشريعة وفي حين أنه متأكد من أنه لايمكن الإجماع اصلاً علي الغاء الشريعة ) , ولكن الهجمات الصاروخية العنيفة التي شنها منبر الحرب الظالم في سلسلة  مقالات وإتهامات ساقتها صحافة الغفلة ( الإنتباهة) ضد حسب الله وإتهمته في إسلامه وشككت في إيمانه , وفتحت المجال لتوترات وأكاذيب كتاب غير معروفين ليطعنوا في ذمة ومصداقية الرجل , ولقد أورد الكاتب الصحفي محمد عثمان إبراهيم في عموده خارج الدوام السوداني عدد الثلاثاء 22 مارس الجاري :-( حاول الصحافي مراسل صحيفة لوس أنجلز الأمريكية - وليست الناميبية - تحريض الرئيس علي اللواء مقحماً تصريحاً لا علاقة له بالموضوع في رسالته مصوراً القيادي الرفيع في مطبخ المؤتمر الوطني بأنه ضد الشريعة حمداً لله لم يكتب أن اللواء شيؤعي أو تابع للحركة الشعبية ) , ولا فرق طبعاً أن قالوا عن اللواء شيوعي أو حركة شعبية مادام قد وصفه بأنه خارج عن الدين , وتم عزله عن منصبه , ولا أدري لماذا لا تعفي المستشارية ذاتها لأنها غير جديرة بهذه المهمة  وليس اللواء حسب الله فقط , ولقد ذكر الصحفي الطاهر ساتي في زاويته- إليكم- بصحيفة السوداني عدد 22 مارس أن( للحكومة أجهزة ومؤسسات مناط بها إدارة الملفات السياسية وهناك الأمانة السياسية . ولذلك ليس من المنطق – ولا من المؤسسية – تعطيل كل المؤسسات والأجهزة وتجريدها من صلاحيتها وسلطاتها لصالح مستشارية أمنية ليست لقيادتها وكوادرها سابق خبرة في العمل السياسي ) .

      ولإدارة حوار حول قضايا الحكم والدولة لابد من فتح النوافذ مشرعة , وفي جو صحي وإبعاد سيق الإرهاب الفكري المسلط بأسم الشريعة والدين , وإذا كانت هناك جدية يجب الأجابة علي الأسئلة الحيري ماهي وسيلة الشريعة علي مستوي الحكم ؟ وكيفية إختيار الحاكم وفق الشريعة الإسلامية فيما يعرف بالدولة الوطنية ؟ الأمر الذي إذا صلح أي الأختيار صلح أمر البلاد , وأن فسد هذا الإختيار فسد أمر البلاد , وبالتالي أين توجد المرجعية والنموذج الذي تقتدي به ؟ هل هو في المملكة العربية السعودية ؟ أم في جمهورية إيران الإسلامية ؟ أم في نظام الملالي السابق طالبان أفغانستان ؟ أم نظام الخلافة الإسلامية في الأستانة ؟ , نظام الخلافة الإسلامية في الأستانة التي ثارعليها الإمام محمد أحمد المهدي في السودان ضد ظلمها وفسادها وأسقط حكمها ليقوم ببناء دولة علي نمط الشريعة الإسلامية وفق فهم ثورته وبيئته المحلية , وكما ثارت الشعوب في الشام ضد المحسوبية والعسف من قبل نظام الحكم في الأستانة وسياسة التتريك ,والتمكين للأتراك لهم علي حساب الشعوب المضطهدة والمقهورة , وبالتالي لاتوجد مرجعية عصرية يقتدي بها ,وكما هو معلوم أن نظام الحكم الإسلامي العادل بحق وحقيقة قد حكم حوالي الثلاثين عاماً , وهي فترة حكم النبي (ص) والخلفاء الراشدين من بعده وبعدها تحول لملك عضوض , يتوارثونه خلف عن سلف وكابر عن كابر , بدءاً من بني أمية , مروراً ببني العباس وثم البيوتات والعشائر والقوميات التي تناوبت علي الحكم لمصالحها , وصولاً للمماليك ثم الأتراك.

       ومن ذات المنطلق فأن للشريعة إختلافات في الفهم والرؤي , وماذا نعني بتطبيق الشريعة ؟ وبأي مفهوم ؟ وهل الشريعة عبارة عن حدود فقط ؟ ومن الذي قام بإلغائها حتي يتم إرجاعها ؟ بل أننا نجد أن مفكراً إسلامياً ضليعاً هو الراحل محمد أبو القاسم حاج حمد , قد أفتي في موضوع العقوبات الحدية أو مايعرف بالحدود وقال أن الإسلام ليس به حدود وإنما الحدود هي شريعة موسي وحتي أن حكمة نكالاً أصلاً كلمة يهودية ولا توجد في العربية .

هل تتماهي مصلحة الغرب مع الإسلاميين ؟ :-  

       ومع بداية الأزمة في تونس ومصر تعاملت أمريكا وأوربا بحذر شديد مع هذه الثورات , وفي حين أن لهم علاقات وطيدة مع الأنظمة التي قامت ضدها الثورات , وبعد تنفيذ هذه الضربات من حلف الناتو ضد ليبيا , إنتقدت المظاهرات التي قامت أخيراً في تونس الموقف الفرنسي وإتهمته بأنه قال -لإبن علي بأنه يمكنه إرسال له قوات جندرمة لقمع المظاهرات والثوار-  وفي ذات الوقت فإننا نحس بأن للغرب مكيالين تجاه الأزمة وهذه الثورات , ففي حين الصمت في مصر, والدعم للأنظمة في البحرين واليمن وبالرغم من إستخدام هذه الأنظمة للعنف  ضد المدنيين وتدخل قوات سعودية في البحرين , طالب  الغرب هذه الدول بإجراء إصلاحات سياسية فقط , ولكنهم تورطوا وبعنف قياسي في ليبيا , ولم يضع أحداً في الحسبان بأن الأمريكان وبريطانيا وفرنسا يمكن أن يتدخلوا وبهذه الضراوة في ليبيا , وهم مازالوا متورطين في العراق , وقبله أفغانستان , ومازال أسامة بن لادن حراً طليقاً يسرح ويمرح بين جبال ومرتفعات بلوشستان , والجماعات الإسلامية التابعة لها تشكل الصومال حمماً والقراصنة يسيطرون علي غرب المحيط الهندي وزعيمة العالم ساكنة , وفجأة يتخذ مجلس الأمن قراره وبدعم من مجلس جامعة الدول العربية ( بفرض منطقة حظر جوي للطيران في سماء ليبيا ) والهدف هو حماية المدنيين وليس التدخل بأي حال في القتال الدائر بين العقبد القزافي والثوار وهذا ماطلبته جامعة الدول العربية , ولكن ماحدث في أول يوم كأنما هي الحرب العالمية , من هول الضربات , وتم ضرب مواقع بليبيا بحوالي مائة وعشرون صارخ توماهوك وفي اليوم الثاني توجيه  ضربة بحوالي أربعون صاروخاً , وكما تم إستهداف مقر إقامة الزعيم الليبي نفسه , مازال الضرب متواصلاً , مما حدا بروسيا والصين بإدانة هذه الضربات وبل أن بوتين –الرئيس الروسي- وصفها بالحرب الصليبية , وكما أدانها عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول وقال بأنه ضد ضرب المدنيين في ليبيا  , ويقصد طائرات وصواريخ حلف الناتو , مما جعل أوباما يقول بأنهم لايستهدفون العقيد القذافي شخصياً , وبالرغم من كل هذا فما زال يستهدف المدنيين وصامداً بباب العزيزية وهذا يعني أن ضربات حلف الناتو لا معني لها , بل وبالعكس ضرباتها هي كانت أكثر أذي وإيلاماً للمدنيين , بل ولقد إمتعض الأمين العام للجامعة العربية من الضربات ووصفها بأنها خارج الإتفاق .

       ونحن نسأل والحيرة تجتاحنا لماذا هذا الهجوم الجنوني ونحاول أن نجد سسب أو تبرير , وقبل أيام هدد القذافي بأنه سوف يطرد الشركات الغربية العاملة في مجال النفط ليستبدلها باخري روسية وصينية وهندية , وفعلاً إستقبل بعض الوفود من الدول الثلاثة المزكورة , للعمل في مجال إستخراج النفط وترحيله , وبعد يومين جاء قرار مجلس الجامعة ,وبعد وثلاثة أيام صدر قرار مجلس الأمن بفرض حظر علي الطيران , ومن ثم   لتطيرهيلاري كلينتون ألي فرنسا والفرحة لاتسعها ووجهها مشرق بالإبتسامات لتلتقي ساركوزي المتحمس بالقبلات والأحضان , وكان قد طالبه العقيد بإسترداد مبالغ كان قد دفعها له في أيام الإنتخابات وترشيحه للرئاسة الفرنسية , وهذا مما أغضب ساركوزي وجعله  يتبني الضربات الموجعة لإضعاف القذافي , وهنا يبرز سؤال هل من مصلحة الغرب أن تعم الفوضى وتقسم ليبيا ومصير صومال جديد ؟ أم أن ديكتاتورية القذافي أفضل مما يسمي بديمقراطية الإسلام السياسي ؟؟ وهل يؤمن أصلاً الأخوان المسلمين والجماعات الإسلامية بديمقراطية ويستمنسترالتي تتبناها أمريكا والدول الغربية ؟ أم أن هناك تماهياً بين مصالح الدول الرأسمالية ولتوظيف الموارد هذه الدول ومع حركات الإسلام السياسي ووصولة للسلطة مادام لايطبق الشعارات التي ينادي بها  ويحشد بها الجماهير, وإنما يلتزم بقوانين ومؤسسات الدولة الوطنية وليس بالضرورة تطبيق ديمقراطية بالمعني الحرفي لها .    

 ديمقراطية تعددية أم تقرير مصير وتفكيك العالم العربي :-

                وهذه إحدي السيناريوهات التي يمكن أن تحدث في إستمرار هذه الثورات , فلقد ظلت تحكم المنطقة عشائر وأنظمة رجعية وعسكرية ديكتاتورية والأن في مصر إستلم العسكر السلطة من عسكري سابق ويمكن أن يحدث في اليمن ذات السيناريو , ومع صعود حركة الإسلام السياسي وكذلك في تونس مما يعني تراجع الحكم الديمقراطي وإحترام حقوق الإنسان وحقوق المجموعات الأصيلة الأنتماء القومية الثقافية , مما يعني مطالبتها بحق تقرير المصير , والحقوق المتاحة الآن وقف منظمات القوانين الدولية , كالأمم المتحدة , وخير نموذج لنا هو مثال جنوب السودان وقيام دولة جديدة وتقسيم السودان مما سوف يؤثر علي دول حوض النيل وخاصة السودان الشمالي ومصر من حصتها من مياه النيل , وخاصة مع بداية بناء سد علي النيل الأزرق بأثيوبيا , إذن الخارطة الجيوبلوتيكية بالمنطقة سوف تتغير وسقوط الأنظمة هو أدناه وأقل حدث , ولكن المشكلة أن تظهر دول أخري ومجموعات تطالب بحق تقرير المصير أو الإنفصال , فهناك النوبيين في جنوب مصر , والأمازيغ في المغرب والجزائر وجنوب ليبيا يتململون , وكما أن هناك الشيعة في البحرين وسيطروا علي الحكم في العراق , وهناك الأكراد في العراق وتركيا وإيران , يطالبون بقيام دولتهم المستقلة ,والآن مظاهرات وحرب علي الطائفية في لبنان وتبني للحقوق المدنية والمواطنة , واليمن قد تشهد إنقساماًوتصير اليمن الشمالي والجنوبي , ولن تسلم سلطنة عمان حيث توجد مجموعات قومية غير العرب وغير السنة , وكما هو الحال في السعودية , وخاصة  أن الوسائل للحكم الذاتي وتقرير المصير والإنفصال صار متاحاً بقوانين الدولة الوطنية ومنظمات الأمم المتحدة .  



© Copyright by sudaneseonline.com