From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
أفياء وظلال وأرفة من ربوع ولاية القضارف الشــــواك وصدي الذكــريات بقلم: العُليش إبراهيم دُج
By
Mar 27, 2011, 10:14

                                        بقلم: العُليش إبراهيم دُج
E-mail:
[email protected]
أفياء وظلال وأرفة من ربوع  ولاية القضارف
الشــــواك وصدي الذكــريات 
 تتتت

توطئة-   كتب  الكاتبون عن المدن السودانيه القاصيه والبعيده ،  معرفين بجمالها وإنسانها الخلاق  المبدع  واليوم نحن نكتب برغم  أن الدمع  قد جففي اغوار  الأجفان ،   وصار  الناس          كأحطاب       محترقات ، هاهي مدن الولايات  البعيده تطأطيء  رؤسها ، تخفي  شوارد  أعينها  النجل،     وهي تلوذ بذكري زمن جميل مضي دون أن تلقي عليه الجوازم كما يقول  المتنبي...  سرقت   من     هذه المدن  نضارتها  ووهجها وبريقها، فأين  في عيونها ذياك البريق؟
أضحت بعض المدن  مجرد زكريات .. وأطلال وأشباح مدن تنام علي وسائد النسيان ويطفر دمعها السكوب كأنها تحاكي المطر بعد أن أنفض السامر وخفت الشعاع وضاع العطر والطيب وراء الظلام العتيد المخادع...! ,أكثر إلاماً أن مدننا وريفنا  يموت ويفني ويضمر ويشيخ،  هل رأي أحد كم ، وجوه المدن الزواهر كيف صارت وإلي إين تتجه؟؟  وكيف تذبل؟ من رأي إرتجافات الزهول في القضارف وإرتعاشات الافول في الشواك الذي انتمي إليها من ابصر منكم هذه الأزاهر يغادرها الندي، وتشحب  كا النار التي يحاصرها الرماد، ويحتويها التيه كنهر ضل طريقه في الرمال هناك حاله من الضجر المميت   تلف المدن في الولايات وحواضرالاقاليم ونجيمات الريف لقد هجرها اهلها وفقدت فلذات اكبادها والسبب هو المركزيه الممضه ،الفجه المتوحشه ، المسعوره مذ الاستقلال... وعن الشواك أحدثكم-هي تلك الساحرة التي إتخذت من بساط الأتبراوي  متكأ وأسندت رأسها علي روابيها  هناءً واطمئناناً؛ كلما سنحت الفرصة تطوف بذاكرتنا  فنكتب عنها بالإحساس الذي لازم وجداننا، والذي لم تلوثه ولله الحمد بهرجه المدنية، وتحجبه عن الذاكرة بنياتها السامقة  التي تلامس عنان السماء، كلما جادت القريحة  نستلهم  منها أريج ونفحات عبق  الماضي، و نذكرها لأنها تشكل منظومة كبيره محفورة في الذاكرة تراكمت علي مدار عقدين عشتهما فيها، تلك البلدة  الرؤوم  الوادعة، نكتب عنها بعد طول غياب، وبعد طول الغياب يضرم الحنين للملامح والمعالم والأطلال للناس للبيوت للطرقات ويشتعل الشجن لمراتع الصباء، كيف لا وقد جمعتنا في مرابيعها الرحبة ولنا في كل ناصية منها حكاية، وفي كل ركن قصيد، وفي كل منحي أقصوصة، وبين كل حارة ذكرى وأغنيات، هكذا نحن في كل مدينه أو صقع، نلتمس منها  ونسترجع الصورة القديمة  بتداعياتها التاريخية الثرة؛
"الشواك" رغم تركيبتها التي تتسم بقدر كبير من التباين، إلا أنها كانت ولا تزال تشكل نسيجاً متماسك يربط بعضه بتلابيب ورقاب بعض،  ليضم في طيا ته كل السحنات والمشارب، توافدت إليها وهفت الأفئدة من سحيق الأيام، كل جاء علي طريقته الخاصة وشاكلته، جاء إليها التعايشة والسلامات  بوهج وأشواق الثورة المهدية وصهيل خيول المهدية الرمادية المطهمة  فقد سمعت البلدة وقع حوافرها وهي تجوب الفلوات، وجاء الفولاني والهوسا من صَكْتوُا و ممالك مإلى وتَمّبكتوُا، يحملهم  الوجد الدافق وترنو عيونهم للبيت العتيق وآثروا البقاء،  وأصبحوا من أهم معالم المنطقة بأسرها، وجاء اللحويون أرباب الإبل زورافات ووحدان من "مرابيع ودالبيح" ووديان وبطاح النيل الأزرق سعياً وتتبعاً وراء مواطن الكلا في بطانة أب علي وحسان، وسكنوا حولها، وأحاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم، واتي النوبه (الكرنق) من سفوح وهضاب ووديان جبال النوبة ووهج  وكبرياء السلطان عجبنا. وعمرََّو الأرض، وجاءت قبائل الشمال بالتجارة والزراعة ... الرباطاب والجعليون والشايقية، وخالطوا هذه  المجموعات من أهل الشرق الهدندوه، الأشراف الآرتيقة، والباقدير وغيرهم وتمدد سحر المدينة ليضم الأحباش) الجبرتا) فصارت أمتدادات وأسعه لظلال التلاقي والتآلف والإخاء العميق، فهذا التزاوج التاريخي جعل لها إرث إمتزجت فيه القلوب والعقول والأرواح. الكل من هذه الأخلاط والسحنات  يعيش في رحابها ويأكل مما تجود به؛ ولعلّ تلك المساحة من الذاكرة مع إتساعها تبرز فيها  رموز وأشياء لا يمكن للمرء أن تخفى عليه، رموز تشمل  أشخاصاً وأبنيه وأحياء ومعالم وأزقه  وطرقاتها الممتدة التي تنبض بالحياة والناس، زمن زاهي وجميل قبل أن تثكمه العصبية والقبلية المقيتة برائحتها  النتنة الكريهة لتزحم به العرصات والأمكنة، ويسيل صديدها القميء ليغطي ذلك الوجه المشرق للبلدة بالبثور، والقشور، والدمامل. كانت المدينة آنئذً عامره بالحياة وجهها الربيعي المشرق،  الأسر العريقة والأسماء المعروفة،  وجوهها ورموزها التعليمية، والتجارية، والعمد والمشايخ والظرفاء، والمعتوهين، والدراويش  أصحاب الوجد الصادق للنهج الصوفي وهمهمات الذكر وترنيماتهم بمسجدها العتيق، وسوقها الكبير الذي يضج بالجلبه وأروقته، والمحال التجارية الصغيرة. سوق "الجلادين" بمشغولياته الجلدية الفاخرة التي صاغتها أنامل دافئة وكأنها ترافق موجات الأتبراوي وإباء ضفافه ، ومن أشهر رموزه أولاد العالم صديق ومدثر، وفضل المولي، والعم حسب النبي وإبنه فضل، وفي ركن قصي سوق "الحدادين" عندما تضيئه شمس النهار تلصف و تبرق معاولهم وسكاكينهم حادة الشفرة،  المتراصة علي الأرض. حقاً إنها شذرات تنبض بالسحر وعندما تتجول فيه يتبادر إلى ذهنك إن هؤلاء هم حقاً أحفاد من صهروا الحديد في مروي ونبته القديمة ؛ ومن أهم رموزه (العوضية) عباس دفع الله، وأخيه ود الخميج، سعيد برلمان (البر)، خلف الله وأولاده، عبد الرؤوف الفاضل، وبجوارهم الحرفي السمكري أبو الضيف المثقف الذي يتحدث في شتي ضروب المعرفة لاسيما القانون، وأيضاً من أهم المعالم وأشهرها "سوق النسوان"، وشجره الكسرة، الذي يضج ويمور بسلع لن تتواجد وتتوافر في أي مكان غيره منها علي سبيل المثال، الويكة المفرولة، الكعكول، الدخن المدروش، التابول، المرس، و الكول، الدوم، وأعواد المفاريك، ومنسوجات يدوية تعتبر في ذلك الوقت من أهم المقتنيات منها (النطع) والشملة، وحطب الكليت والشاف، ومن أهم الشخصيات النسائية البارزة فيه علي ما أذكر "أم النچاوا"، وبت أبو رأس، وحواء بت العبيد، وبت صباح الخير، بت نعيم، حواء الطريشه، وقنته وبت حجو. نساء رائدات بحق وحقيقة قمن بدورهن علي أكمل وجه، توصيلاً لرسالة وتربيةً لأجيال...
"سوق الخضار" إرتبط إرتباط وثيق في ذهني برموزه، وشخوصه الذين كانوا يأتون باكراً بعد الفجر لفتح محلاتهم (وتفريش الطرابيز) وطريقه عرضهم للخضر والفاكهة بصورة مميزة على شاكلة الأهرام وكانت تجلب الخضر من  المزارع والجروف المتراصة علي ضفتي النهر تأتي طازجة، نضره، لها رائحة فواحة، مخلوطة برائحة الطمي، التي لم تعبث به حينئذاك، محسنات اللون و الطعم، في زمن كان للطعام فيه لذة لا يجدها أحدنا الآن كما  كان لكل المتع نكهتها المميزة، قبل أن تجتاحنا ظاهره السعار الدنيوي الاستهلاكي، ومن أهم رموز سوق الخضار،  إبراهيم عبد المؤمن  وهو من أكابر الهوسا ورموزها، متعاله عبد المؤمن، محمد بيلو، النور بشير، عبد الحميد الفكهاني، حسن أبوكرنكي الفكهاني، صالح حجر، إبراهيم تكر، معاذ ازرق، أبو الروس ونفر كريم من أهالي أبو قرع، وأيضاً من أهم الأماكن العالقة في الذهن وأشهرها قهوة العم خليفة مالك التي تقع في صرة البلد متوسطه  لمجموعة من المقاهي والمطاعم التي كانت تكتظ بالرواد، مطعم الوادي الأخضر أبناء سعد داود، ومطعم( سيوم) الحبشي، وحلواني عبد الرحيم (ودا لمشمش) وقهوة حسين (حقوص) الجبرتي، لقد كانت قهوة عم خليفة أشبه بمنتدى يشعر فيه الجالس بجواذب عميقة تشده نحوها، كانت مشرعه الأبواب، وما أن تجد نفسك مستقر في وسطها حتى تصافح وجهك جدر مُزدانة (بجبان) القهوة و(براريد) الشاي (الطلس) المتراصة علي طول الجدار و(تنكه) كبيره من الصفيح مليئة بالماء وضعت علي نار حمئة،  ومقاعد وكنب لعلها من  (فلنكة) السكة الحديد وكان الدلال عبد الخالق عجبان وعلي بدوي،  يأتيا بها علي ظهور الجمال بعيداً عن عيون ناظر المحطة، ليتم منها تصنيع كنب ومقاعد المقاهي، وما أن يحل المساء وتصافح الوجوه نسائم الأتبراوي ذات الهواء الطلق المشبعة برائحة طمي (الحبشه) حتى ينصب الزوار إلى المقهى علي إختلاف طبقاتهم وتشعب همومهم الدنيوية، كبار موظفي الحكومة، معلمي المدارس،العمال الفراشون، الكل يخلعون ألقابهم ومكاناتهم الاجتماعية ليستقروا في هذا المقهى، وكان لهم ما يشتهون من ألذ واحلي المشروبات، ومن أشهرها (الكندا أم أصابع) وكنيت بهذا الاسم نسبه لخطوط طوليه علي كوب الزجاج الذي تقدم فيه ، وشرية الكركدي، واللبن المقنن، والشاي المنعنع والقهوة المفعمة برائحة "الجنزبيل"، ومن الأشياء اللافتة والمميزة في محيط القهوة الجرسون "جاد الله" بخفته اللطيفة وحركته الدؤوبة وخفة ظله، وما يميزه المريلة التي كان يرتديها ليضع عليها النقود؛ كنا نؤثر الجلوس فيها خلسة بعيداً عن عيون الأهل ونحن فتيه، للإستماع إلى طرائق الحياة، وتاريخ المنطقة الغائر والممعن في القدم، فكانت بالنسبة لنا نافذة أخرى للمعرفة، وفي إحدى الجلسات التي حظيت بحضورها أورد أحد كهول الأنصار قصه لعلها عن فتوحات الثورة المهدية في هذه الأنحاء ذكر في ثنايا سردها بطولات قل نظيرها، مازال محتواها باقياً وعالقاً في الذهن، وغيرها من القصص التي تحفل به إروقة وجنبات المقهى، ولون آخر  من الضروب هو: "عسوجٍ" من  الشعر  والشعراء الذين شنفوا آذاننا بشعر الدوبيت وأشعار الفروسية، يتسامرون فيها لساعة متأخرة من ليل أشبة  بزيول الطواوويس مزركشاً ملوناً ونحن في الأسحار تحت أضواء القمر الفضي الذي خرج من مكمنةوسبح في الفضاء ، تتردد ضحكات وصيحاتهم عبر المقهى ليردد صداها (ألواح الزنك) وأستار أليل الهادئة، فتتدفق الحياة عبر شرايين ملئت بأنقى أكسجين في الدنيا،  وكان من ابرز وجوه هذا السامر و ظرفاء المدينة ياسر الأمين (حليو) المشهور (بعمنا) الذي يعتبر هالة ضخمة من الدعابة والظرف و من أبرز سماته أنه حكاء بقدر لايُصدق و يجيد أكثر من لغة ولهجة وبطلاقة مُتناهية، وكان حين يستبد به الطرب ويقع في أحابيل إغوائياته وتتملكه النشوة، يردد بصوت جميل خافت لا يخلو من تطريب مقاطع من غناء إبراهيم عوض يا جمال دنيانا، يا جماله هي معشوقته التي يترنم بها، وأيضاً من ريحانه المجلس القاص الصادق (إنقلي) يحدثك في الأدب الإنجليزي عن  روايات (شكسبير) هملت، ومكبث، واحدب روتردام، و منهم ظرفاء آخرين عبد الرحيم جباره الذي كان طيباً من أطيابها و عبده فضل الله، من القلائل الذين ينثرون العطر ويشيعوا البهجة أينما حلوا (بور) واحموديه مجيدي، وغيرهم بمن تضج بهم جنبات وأركان المقهى، زمن رائع وبديع كانت البلدة فيه كعروس جميله يملأ قلبها البض الطيبة والمحنة، وتتلألأ في طرقاتها أنوار النيون المتراصة علي أعمده الكهرباء، التي دخلت البلدة في زمن باكر، السوق الكبير من الأماكن التي لها وقع خاص في نفسي  وصوره ظلت منطبعة ومجمده في ذهني مع مرور الحقب والسنوات، كان هنالك داخل أروقه السوق (دكان) عثمان بشير بألقه وترتيب أرففه المكتظة  بأشكال وأنواع البضائع وأفخر ما تم صنعه في مصانع (لانكشير) من أبهى وأنضر ثياب (التريفرا، والبوبلين، والتوب البنغالي، والتو باي تو)، و الروائح بت السودان، الفليردمور، و السيد علي، والسرتية موضوعه بعناية فائقة علي شكل مدرج داخل الرف، السجائر البينسون والروثمن، والحلويات بأشكالها دربس، ولكوم، وحلاوة سعد، وكان دائماً ما يكون مزار لطلاب الصف الرابع الابتدائي لحصة الجغرافيا ، وكان دائماً العم عثمان بعد الشرح المستفيض عن ماهية التجارة والتاجر الصدوق، يتكرم عليهم من فيوضا ته بأكياس الحلاوة لبان وحلاوة (كرميلة) وكنا دائماً وفي كثير من الأحيان برفقه أبنائه داخل المتجر أبنه الأكبر طارق المحامي الضليع المفوه، ورفيق دراستي قاسم، وكان العم عثمان يتجاذب معنا أطراف الحديث في سائر شؤون الحياة فكان رجل حليماً مع أبنائه ودوداً مع الآخرين فله التحايا أينما وُجِد وحيث سار. وكان  بجواره (دكان) شريف سيدنا الذي كان بمثابة محطة للأشراف الأرتيقة وملتقي جامع لهم وتسمع داخله عبارات الترحيب بينهم بلغة البجا الهدندوة (ناتكه خير، اكوبام دبا، ايتنينا) كلمات مفخمة ولغة ذات جرس عالي تنفذ بقوه إلى أعماق النفس وتعمل علي إذكاء روح السكينة لما لها من مخارج قويه للنطق، ولكم منيت النفس أن أغوص لسبر أغوارها وفك طلاسمها ولم أفلح في ذلك، وهم يعتدون بها وهي حقاً جديرة بالاعتداد، لأنها من أقدم  ا لهجات علي ظهر المعمورة حتى من  تلك التي كانت علي ارض بابل و آشور، وكثيراً ما كنت استرق السمع واقف مشدوهاً لها، وعلي مقربه من شريف سيدنا، يقع دكان بشير فرح الملك، وأخيه مصطفي فرح والد أخينا رفيق الدرب الأخضر ومراتع الصبا خالد مصطفي فرح، وهو  ومن رصيد الأخوة  الذي لا ينفد، لقد كان العم بشير فرح رحمه الله رجلاً ظريفاً مرحاً طيب المعشر، وكان مختصاً في تجارة الزعف، البلح، الحبال و الدوم ، وعلي مقربه منهم الكردي بنوادره وطُرَفِه، ومحمد عثمان والد أستاذ الأجيال الحَسِيّنْ عليه الرحمة،  والجناوي، وإسماعيل الملك عليه الرحمة،  الذي كان، يعمل في وقاية النباتات، وفرح الملك كان ناظر بمحطة سكة حديد (الشجراب) وكانوا جميعاً يجتمعون كل صباح في متجر عم بشير فرح، في توادُد ومحنة بوصفهم أبناء عمومة و من الشريك إحدى قرى الرباطاب، ومن الطرف التي رأيتها بأم عيني وظلت في خلدي راسخة أنه في كل عام كانت تأتي كميات من البلح الجاو من الشمالية، مرسله للعم الجناوي، مكتوب علي جولاتها بلون احمر قاني بمداد(التفته) أسم المرسل إليه، فكان العنوان مموسق ( الشواك الجناوي جاو) ولعلها أحدي نوادرهم و سخرياتهم التي يتصفون بها، ووجه آخر التاجر بشير( الفسيلي) عليه الرحمة أيضاً رباطابي من أنحاء أبوديس، واذكر من الطرف أنّ اللحويين كانوا ينادونه (أب اسمً فِسِل) بفطرتهم التي طابعها السجية المطلقة فيرد عليهم بإيماءة لاتخلو من ابتسامه،  وعلي مرمي حجر منهم يقع  دكان العم عبد المحمود محمد بدر(حفيد الصالح سلمان ود العوضية (سيد القبة) ومن أبرز سماته أنه يتصف بالصرامة في العمل، والطيبة والوُدّ الطاقي للآخرين في المعاملات الاجتماعية الأخرى،  ومن الأشياء اللافتة التي أتصف بها الصدق المحض أولاً- و له ثانياً- قناعه راسخة وقويه بعدم بهرجه وتزين الدكان، وجعله هكذا مبعثر لعله لايحب في تقديري كما كنت أظن أن يلفت إليه انتباه اللصوص، وذات مره دخلت عليه فوجدته يجلس في ركن قصي القرفصاء، ممسك بمسبحته، فقطعت عليه خلوته بعد أن ألقيت عليه التحية؛ فبادرني بأحسن منها. فقلت ممازح له ياعم عبد المحمود (ياخي ما كفاية برجله وخليك مع الأولاد سيبهم  يسايروا الموضة ويرتبوا الدكان ويعملوا بترينة زجاج للعطور) فضحك ضحكه حتى ارتجت منها أركان المتجر، وظل فاغر من هول المقترح حتى بانت نواجذه، وبعدها قال بنبره ولهجة أهل السافل "ياوليدي ود دج إنتا ماك عارف الخرقة  ولاده" ساعتها لم افهم كنه ومضمون المثل، إلا بعد الرجوع إلى الوالدة آسيا محمد الحسن شبيكة، التي تعد وتعتبر لها سفر ورصيد ضخم في مثل هذه المرويات والأنساب وتفسيرها ببديهة حاضرة، فكان التفسير أن العم عبد المحمود يقصد بالمثل أن البقرة التي تكون بوضع مزري ومتسخ داخل القطيع عكس رصيفاتها  الأخريات، فهي قطعاً أكثر عطاء في الإدرار بالحليب وانتق رحِماً  بالمولد، وبعد مرور الزمن  تأكد لي صدق حدس  عمنا عبد المحمود ونظرته الثاقبة، كيف لا والرجل قد عجمت عيدانه التجارب، علي قبره رياض الجنة وألف رحمة ونور، وكان بجواره دكان  عثمان حسين، والعم حسن باسنده صاحب اللوري الذي ذاع صيته في سبعينيات القرن الماضي، ويليهم  متجر أولاد الرواشده عبد الرحيم ود أبكر  الخلوق الطلق المحيا، الحلو المشعر،   والعم علي عثمان  (ور)، الرجل الذي كان يتهادي وينسرب وراء قطعان الأبقار في زمن باكر في حياته عابراً الفيافي والمروج الخضراء ، وآثر بعدها الاستقرار في الحواضر وأقام متجره وشق طريقه بعزيمة الرجل  المتجرد، فكان له ما أراد فصار من كبار تجار الفاتورة، ومنهم المرحوم علي حسين رحمه التقي الورع، الحاج هارون القوي الشكيمة، مصطفي عثمان، الهادي وعبد الوهاب حاج سعد، عبد اللطيف صديق، محمد احمد تكين،  حسن احمد إدريس، العطار بيلو (بنقنا) ، ود احمد, عبد رحمن مصطفي والعصامي محمد الأمين ود (المشمش) ووالده عليه الرحمة، صالح فائد الحبشي ومتجره ذو الواجهات الزجاجية الأنيقة الذي آب إلى دياره (الحمرة) بعد أن وضعت الحرب أوزارها، و المرحوم رحمة الله عبد الفراج، وعلي محمد بدر، وبشير محمد الأمين الذي كان يعتبر من أعمدة المدينة ورموزها الكبار ومن ابرز سماته أنه يتمتع بصلات وأواصر مع كبار رجال الحكومة ومنهم كبير ضباط المجلس البلدي( ريفي الشواك) وكل الذين تعاقبوا عليه من لدن أبن كسلا- الختمية علي الهداب علي الذي تتدرج في هذا السلك الإداري بجدارته وعزمه من باشكاتب إلى أن وصل كبير ضباط ووزيراً  بولاية الجزيرة وتقلد عده مناصب، فكانت له أيادي بيضاء وصلات حميمة  مع أهل البلدة، وأيضاً من أهل حضرته الدائمة  جعفر محمد علي وزير المالية السابق ولاية القضارف كان ضابط (بمجلس ريفي الشواك) محمد عثمان صالح كوداي، وكان من أبرز خلصائه وجلسائه حسن محمد عثمان مدير عام مشاريع إسكان اللاجئين، هذا الرجل الذي كان يتمتع بقدرات إدارية وتنفيذيه ضخمه في ذلك الوقت، قبل ان تتهاوي جدر الخدمة المدنية إلى هذا الدرك الأسفل من الانحطاط والترهل، وتتناثر أنقاضها، قدراته أذهل بها (الخواجات) ما وراء البحار في أروقة المؤتمرات التي كانت تعقد في (جنيف، واسلوا،  وهلسنكي) منافح فيها عن حقوق الضعفاء اللاجئين الذين أنهكتهم المجاعات وويلات الحروب اللعينة، فله منا آلاف التحايا والود ، بقدر ما قدم وأسدى من خدمات  تقف شاهدة علي ذالك، بجانب هؤلاء كان "بيت" شيخ بشير يعج بنفر وخلق كثير من الناس يريدون كتابه العرائض، الذي كان يصيغها بخط بديع و أسلوب رصين يُزهل القضاة ويمهرها بتوقيعه ويختمها بخاتمه، وكنت في كثير من الأحيان  اذهب إليه ليقرأ لي أشعاراً من عيون الشعر العربي وهو جالس علي سريره (والكدوس) معبأ بأفخر الأنواع ينفث منه وتندح خيوط الدخان المفعمة برائحة التبغ الفواحة، رحم الله بشير محمد الأمين لقد كان بيرق من البيارق وعلم من أعلام الإدارة الأهلية، وأيضاً في هذا السياق وجهاً آخر مشرق ورمز من رموز المنطقة بأسرها بدواً وحضر  وسر أسرار تجارها المرحوم عثمان حاج عمر الزاكي الذي قضي كل عمره  بأفضاله وجلائل أعماله  وسيرته العطرة، وتلك قصة أخرى تحتاج منا إلى سفر ضخم لتكون بين دفتيه، أسماء لمع بريقها في عالم التجارة والبلدة كانت تنبض بالحياة قبل أن يجتاحنا اقتصاد الجشع وقانون فقه البيوع الجديد المسمي "بالكِسَر" الذي انتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم، و فتك بما بقي من صلاح القلوب وأفضى بها إلى الهاوية، علي أيدي عصبة التجار الجدد مستجدي النعمة، الذين اغتنوا فجأة  وعلي حين غره، متلهفين للكسب بشتى الوسائل ومتلذذين بالنظر لما تكدس إليهم، ويا للعجب حين تري الغث من القيم يطرد السمين، وتضيع المعاني الحقّة التي بناها الآباء والأجداد وتنسال مثل السراب اللزج بعيداً عن متناول اليد وتتقزم وتضمر الأخلاق، وتذهب رائحة العطر القديم أدراج الرياح،  وفي دائرة الوسط من السوق الكبير التي كانت تشتمل علي سوق المحاصيل عندما تتجول لايستقر نظرك علي شيء! كل ما تراه أجمل من غيره و أبهي فالصمغ لا مثيل له إلا في هشاب كرد فان، وبمجرد النظر إليه يجعلك  تبتلع الريق مره وأخرى! السمسم أشكال وألوان (حريحر، أبو نعامة ، بابنجة) رائحة اللبن المحمص من المقاهي الصغيرة المتناثرة تعبق المكان، الباعة يتصايحون (علينا جاي علينا جاي) الفول السوداني الذرة بأشكالها الدخن، الكل يأخذ  للتذوق دون أذن و بِلا حرج ، أيادي كثيرة تلقاك سائلة دونما أن يتأفف منها وينبذها أحد، ومن أشهرها الضرير( شرقي) الذي كان  يقف منتصباً أمام سارية العمود ولم  يحرك ساكناً لساعات طوال، وآخرين يستجدون المارة بأنشودة البرعي اليمني يارحلين إلى مني في غيابي، وبنفس صوت السماني أحمد عالم، أعطوهم أو منعوهم لا يعني لهم  شيئاً مجانين يتقافزون هنا وهنا ك بلا وجهة أو هدي، بجلابيبهم الداكنة التي شربت عرقهم حتى أسودت ولم يخلعوها لسنوات، وهم ثُلة  قادي قادي، ود البلد، عمر بخيت ست، محمد نور، هاشم مناسبات، "وادو" هدير "الطواحين" يزلزل الأرض تحت الأقدام، حتى طيور القماري و  الحمام تحدق من علي شرفات المسجد لحبات الذره والدخن المتناثرة ولسان حالها يلهج بالدعاء؛ أن تزيد وتتكاثر لتلتقطها في العصاري بعد انفضاض الباعة. ومجموعات أخرى تجمعت  تحت ظل أشجار النيم الباسقة الطلع يلعبون (الضالة) ليس لهم من الدنيا حرفه إلا امتصاص الظلال، ومظهر آخر لرهط لا يستهان به من العتالة وهم يتصايحون بصيحات متداخلة ومتناغمة في آن واحد وهم يحملون شاحنه وأهازيجهم تملأ المكان، يتقدمهم شيخ العتالة عمر إلياس (قراصة) وأخيه سليمان (وقربه) وعثمان بوري، وموسي سليمان، وزكريا (قدر) و ود مانوا، و عثمان (قمبور)، و ولي الله "لون" الذي بسم له الحظ ذات مرة، في ما بات يعرف آنذاك (بتوتو  كوره) علي أيام وعهد  الرئيس نميري، فذهب للخرطوم محمول علي  الأعناق في موكب مهيب، والعزاء الوحيد من هذا الحظ العاثر، انه كحل أعينه بالنظر للخرطوم ولم يظفر إلا  بمشاهده شوارع الإسفلت والنظر إلى دار الإذاعة، وعاد ولي الله (لون) أدراجه و ضاعت منه آماله العِراض بعد أن ثبت للجنة المنظمة أنه ليس الاسم المعني، وظلت الخرطوم خواطر تتردد في مخيلة "لون" بعد إن أخذ موقعه مرة أخرى في صفوف إخوته العتالة، رجال أفنوا حياتهم يحملون أثقال  والبسمة لاتفارق محياهم قانعين بما آتاهم الله وكثيراً ما كنا نجلس إليهم نستمع إلى أحاديثهم البسيطة التي كانت لا تعتريها الأكدار و منغصات حياة اليوم بتعقيداتها وإيقاعها السريع اللاهث ، تعلمنا منهم قدر لايستهان به من لغتهم (الهوسا) وأكلنا معهم (القدوقدو) (والوينا، والكرجيا، والجيفي) وعشنا معهم أيام  نهفو إليها كلما نادي صدي الذكري، ويا ليت أبناءهم يحزوا حزو أسلافهم ليستأثروا بالود العميق الذي يكنه الجميع لأباهم الذي تغلغل وسكن في أعماق الوجدان، رحم الله من  انتقل  منهم إلى الرفيق الأعلى وأسبغ علي من بقي وافر الصحة، و أيضاً من الشواهد في  تاريخ المنطقة الضارب في  القدم وأهم معالمها سوق (البهائم) كيف لا والمنطقة تعتبر موئل الرعي وخط رئيسي ومسار لنشوق الرعاة من مناطق صعيد القضارف إلى عمق البطانة،  وتعد الشواك من أكبر أسواق (البهائم ) علي  نطاق القطر بأسره لذلك تم فيها إقامة محجر بيطري  بمواصفات عالميه ومركز لأبحاث الإبل، ومن أعمده السوق ومشاهيره اللحويين أولاد الناظر ود الزين، والجباراب، وأهالى كتوته؛ والشلعتيب ود الهجايه، ومجموعات من الزبيدية الرشايدة، ومن الوجوه المعروفة داخل السوق بله حريقه، الرُضا بخيت عليه الرحمة، وأخيه حسبو ذو القامة المديدة، ومحمد سلطان باشكاتب المجلس ولفيف من(السبابة) وأيضاً من الأشياء ألافته اللواري القديمة المتداعية، القادمة من المقطع ود الزين ،  وتومات ود زائد، والصوفي ود البشير، والمحرقات، وكعبر ، وحلة البشرى، محمله بالبهائم و بخيراتهم الزراعية التي لم تصبها وقتها لوثه البنوك، والباعة والمتجولون،  والحركة التجارية الدائبة والتلاقي لكل الأعراق و المشارب  يأتون من قري وفرقان، كل يوم سبت وثلاثاء في الأسبوع يبتاعون ، وعلي ذكر اللواري التي كانت من ضمن رموز المدينة، أذكر أنها كانت مزينه بكتابات إلى الآن عالقة ومنطبعة في ذهني لعل من أبرزها ما يندرج  تحت طائلة التوسل والفزع بالأولياء الصالحين، علي شاكلة يالصادقاب جملة، ويا أبو هاشم، ويالبادراب، ومنها مالا يخلو من الشعر وبث للواعج الشجن، علي سبيل المثال لا الحصر منها، حلوة وبديعة؛ وسنيورة لوري ود حاج عمر وسائقه الشهير(جمبا)  والريلة وجنة العشاق، ومالكني ومحيرني، ولعل من  أشهرها عرفه لوري ود أبوحجل، وعرفه هذه ليست الموقف العظيم للحج الأكبر كما يظن البعض ويتبادر إلى الذهن لكنها احدي الموظفات من ذوات الجمال الآسر الأخاذ، ودخري الحوبة و(هَِع) هذه الكلمة تعني القوه الضاربة زين بها إحدى مؤخرة لواري اللحويين.
الحلقة الثانية:
 
الشواك الرموزالتعليمية والأحياء، والرياضة!! تحتفظ الذاكرة وتحتشد فيها أسماء لرجال خطوا سطور عطائهم وانجازاتهم بمداد الوطنية ألحقه والخالصة في تاريخ هذه البلدة فغدو لأجل ذلك أسماء  مبرقة في حياتنا نهفو أليها كلما نادي منادي الوفاء والعرفان، تجدهم منبسطين في كافه مساحات البذل والجهد بلا استثناء، تنظرهم في شتي المجالات في مجال التعليم، و الإعلام، وتلقاهم في المجال الرياضي وتأنس بهم في مضمار الفن وتلمس تواجدهم في المحيط الاجتماعي، ومعترك السياسة، ما من نافذة إلا ورأيت فيها أجنحتهم محلقة، وبصمتهم واضحة، لذلك ظل جهدهم الماثل للعيان أبياً علي النسيان عصياً للتجاهل والتغاضي، تداعت كل هذه المقدمة والأفكار في ذهني، وأنا أعيد شريط الذاكرة متأملاً سيرة وعطاء هؤلاء القامات السامقة، المشرئبة إلى مراقي  الثريا، منهم، الأستاذ بابكر عوض الكريم -  المربي والشاعر المُجَيِد، والخطيب المفوه، ومن القلائل الذين رأيتهم في حياتي يجيدون زهر الكلام  في زمن جف فيه نبع الخطابة، ومات وأزف فيه سحر البيان، وهو يعد من الخطباء الذين يهزون المنابر بأحاديثه الموحية في كل المحافل، حينما يتحدث ويفيض ويجزل في المعاني، يبعث المتعة في الحس والوجدان، و يدقدق فيها شعور طاغي يأخذ كل مأخذ إلى مسارب الروح، فيحيها من ثباتها العميق، وأيضاً أشعاره الجزلة في سهولتها وامتناعها، تشكل حالة  خاصة، لأتقل بأي حال من الأحوال من روعة أحاديثه، التي ما زالت حلاوة وطلاوة متعتها ترف في ذهني ووجداني، فسكنت فيه علي مر الأزمنة دون أن تبرح المخيلة. ومَنْ مِنـّا لا يذكر إسهاماته الضخمة والكبيرة لتلفزيون وإذاعة القضارف، التي لازال صداها يرن ويتردد في كل الأوساط وأرجاء وربوع الولاية، لما حملته من إسهامات واضحة لبرامج تناول فيها بالعمق والتحليل والدراسة، المستفيضة قضايا في غاية الأهمية  فكان لها حضور كبير ومميز وعالي المشاهدة، هذه البرامج فتحت الباب علي مصرعيه للتعرف علي ماهية التوثيق والتعريف بالأشياء المغمورة، التي كانت علي وشك الاندثار والاضمحلال فطالتها يد الأستاذ بابكر، الباحث و المنقب التواق للمعرفة، وقف فيها علي مواقع وبلدات محتشدة بالجمال والآثار داخل مغارات  وكهوف لعبّاد وصالحين (في بان وبلوس) و جميع أرجاء الولاية لم تكن تعرف لها قيمتها التاريخية والترأثية المميزة قبل مجهودات أستاذنا بابكر في هذا الصدد، وأصبحت الآن (مأرشفة) داخل مكتبة الإذاعة والتلفزيون، ولازال المجتمع يذكرها ويحتفي بها لأنها حقاً جديرة بالاحتفاء وأيضاً من الرموز والنجوم الزواهر والعلامات المضيئة في حقل التعليم في عموم  ومحيط  المنطقة بأسرها من  خلال دوره التربوي  وعطائه المتصل إضافة إلى أياديه  البيضاء التي قدمها لحقل العلم بدءا من ناظراً لمدرسة الشواك المتوسطة، و إبان إشرافه علي المرحلة التعليمية المتوسطة لمناطق شمال القضارف في تلك الحقبة من  مطلع ثمانينات القرن الماضي، أستاذ الأجيال والمعلم المقتدر- مكي حسن محمد علي، الذي كان شعلة متقدة  أضاءت الدهاليز المعتمة و وسماء البلدة الملبد وقتها بقيوم وتلا فيف سحائب الجهل، فعمل بجهد متصل علي أشاعه المعرفة مبدد لظلمات تعتبر في حينها سمة وطابع إنسان هذه الأرجاء، عامل بفكره الثاقب  وتجليات إدارته الفذة ، وقوه شخصيته الذي قل نظيرها، وجهده وعصارة تجاربه الثرة ، ومناقب أخرى كثيرة لا تحصى ولا تعد،  كان لها الدور الفاعل  في إذكاء روح العلم ، وتمخض عن ذلك الإسهام الفاعل أن تخرجت علي يديه أجيال وأجيال تعطي الآن عطاء من لا يعرف الضن في كل الساحات علي امتداد الوطن وخارجه، وأثبتت في ذلك قدرات لا يُستهان بها، كيف لا وقد مسها شواظ من لهب  ذلك الألق، و لأنهم حقاً جيل تتلمذ علي أساتذة أفذاذ لذلك ظلوا وغدوا ألماسا يلمع ويتلألأ تحت كل سماء أينما حلوا وارتحلوا، وبجانب هذا يعتبر الأستاذ مكي من أهم ركائز وأقطاب الاتحادي الديمقراطي ومن الوجوه السياسية المعروفة في هذا المعترك ومن أبرز سماته تمسكه بالمبادئ  التي إخططها ورسم  لها  المسيرة، وأيضاً أن ما يحمد له في هذا الصدد أنه لم ينحني البتة  للعاصفة وبريق السلطة طيلة الفترة الماضية من عمر هذه الحكومة الماثلة في الوقت الذي تململ وتزحزح فيه الكثيرون،و في أواخر سبعينيات القرن الماضي  نصبوه أهل البلدة ومنحوه أصواتهم وأصبح نائبهم في البرلمان في حقبة النميري، وكانت له إسهاماته الملموسة علي مستوي المنطقة. وأيضاً من الرعيل الأول من المعلمين الذي كان لهم الدور الفاعل والمستنير في إثراء الحراك التعليمي وبثه وإشاعته وإندياحه علي مستوي البلدة، وهم كُثر!! نذكر علي سبيل المثال لا الحصر، منهم الأستاذ  محمد الأمين شريف ناظر أول مدرسه أوليه  وتتلمذ علي يديه الكثيرين، ومن رالرعيل الأول للمعلمين الأستاذ/ البروفسر حسن أبو عائشة  محمد الحاج دفع الله وأخيه حسن الحاج، حسن سر الختم حمزه، مبارك علي طه الكوده من أبناء كسلا، حسين الهداب علي من أبناء كسلا، بشير زين العابدين صالح من أبناء رفاعة،  رحمه محمد علي "انقلي" وأخيه حسن محمد علي، احمد عبد الوهاب، محمد مصطفي فرح، الضوء إدريس طه، الزاكي محمد عوض الكريم، ميرغني عوض، عثمان جيلاني، عبد الرحمن حسن، هؤلاء الكوكبة النيرة من المعلمين تخرج علي أيديهم مجموعه معتبرة من أبناء المنطقة وترقوا في مدارج العلم  ونالوا في ذلك أميز الشهادات التعليمية العليا من أعرق الجامعات ،. ومن النماذج الوضاءة من أبناء الشواك في صفوف القوات المسلحة عميد ركن محمد حسن احمد المشهور في صفوف وأوساط الجيش( بود الشواك) الذي سجل في صفحات البطولة السودانية ومآثرها أنبل  قيم الشجاعة و الجسارة والتضحية، في كل المعارك الضارية التي خاضها، سطرها له الأعداء قبل الأصدقاء في سجله الحافل بالإنتصارات، وأيضاً  منهم عميد ركن م/ مهندس فيصل سر الختم حمزة، و عميد ركن مهندس سيف الملوك بخيت العبيد كان لهم أيضاً عطاء وافر في الحياة الاجتماعية في محيط البلدة وكانوا جميعهم نبراساً ينير الطريق أمام أجيالنا للوقوف علي تضحياتهم في شتي الضروب، والوقف علي تجاربهم الثرة التي بناها الآباء ، ونبوغهم كُلٍ في مجاله، وأخذ الدروس والعبر منها لاستشراف غدٍِ جديد ومستقبل وأعد ومشرق للبلدة والمحافظة علي (العلائق) التي توطدت بيننا علي مر الأيام طابعها الود و(المحنة) وأيضاً  من أهم الأحياء في المدينة التي أصلاً هي محصورة غرباً بشارع الإسفلت الذي تم تشييده في مطلع ثمانينيات القرن الماضي بتعاقدات مع شركه (بارتز انسكي بوت اليوغسلافية) التي كانت تقيم معسكرها داخل البلدة ولنا معهم ذكريات، وشرقاً بروابي ونهر الأتبراوي، في بداية  شرفات المدينة عند المدخل الرئيسي تصافح وجهك المباني الحكومية المدارس ومحطة السكة حديد والمستشفي وسكن الموظفين، قد بنيت بتخطيط سلس وبديع جزء منها تم بناه في عهود الإنجليز بالحجر وما زال بعضها قائم حتى اليوم، بينما ترامت الأحياء الشعبية وجزء منها  بنيت بالقش وبعضها بالطين حول هذه الدوائر الحكومية فأعطت للبلدة سمة مميزة ومن هذة الأحياء حي بشير محمد الأمين  الذي تغير اسمه إلى الحي الغربي  ومن أهم  ما يتصف به داخل  محيطه الاجتماعي التكاتف والتعاضد والمؤازرة بين أهل الحي، تدخل البيوت بلا استئذان كل الأبواب مشرعه، البيوت كلها عبارة عن بيت واحد، القلوب عبارة عن قلب واحد، مفعم بالحب و الود فذلك والله شيءٌ لا أستطيع نسيانه، ومن أهم علامات الحي  الشيخ العابد الزاهد المخبت،  الذي أمضي عمره وجل حياته في( شان الله) العارف بالله احمد ود عبد الصادق (قدس الله سره) حفيد من تم علي أيديهم تأديب الفيلة الكاسرة، ولد الشيخ احمد بقرية السوكي الصادقاب  بقلب البطانة التي تعد وتعتبر  معقل للركابية أهل (البنية) واللوح والقلم، وانتقل في زمن باكر إلى الشواك وأقام بها، كان بيته مزار(للغاشي والماشي) لأهل المنطقة فعلي يديه يتم علاج المرضى بالقرآن الكريم وبالأحجبة و البخرات و القرض، فقد كان رجلاً صالحاً عابداً متبتل صائم للدهر شاكر لنعمه، اجتباه الله وعلمه وفتح عليه فتوح العارفين، وعند وفاته حزن عليه وبكي أهل المنطقة جميعاً كيف لا والرجل كان من أصحاب الكرامات ومن المباركين المستجابين الدعاء  وأقاموا له أهل البلدة عرفان له مقبرة (وبيان) وتولي أمر السجادة من بعده ابنه الشيخ شرف فكان خير خلف لخير سلف وصورة أخرى من وألده في التقوى والورع، وعلاج المرضي بآيات الله التامات، وً من الأحياء  الشهيرة حي إبراهيم عبد المؤمن وهو حي  جل سكانه من الأخوة الهوسا ومن أهم ما  اشتهر به خلوة (عجبوكه)  وشيخها فكي (عجبوكه) وأبناءه  وكانت تعتبر وقتها منارة إشعاع لتعلم القرآن ويؤمها طلبة لحفظ وتجويد المصحف الشريف، ومن أهم معالم الحي الأخرى مباني ومكاتب هيئة الري  التابعة لخزان خشم القربه بيوته ذات الطراز والطابع الواحد في طريقة البناء ومن أبرز شخصياته المهندس احمد إبراهيم، وعلي سيد احمد والد الكمويدي المشهور معتصم (ود البلد) واحمد رفاس  وكني بهذا الاسم نسبه لقيادته للرفاس الذي كان يجوب النهر لرصد حركه الفيضانات في موسم الدميره، ومن الأحياء الشهيرة حي البرقوبة وغالبية سكانه من قبائل الفولاني ومن أهم الأشياء اللافتة فيه تقع بالقرب منه المقبرة التي سميت نسبه للحي بمقابر "مرقوبه" التي حوت في باطنها رفات لأناس كان لهم وافر العطاء في مسيره البلدة فلهم الرحمة، وأيضاً تقع علي ضفة الأتبراوي وبالقرب من الحي محطة المياه الرئيسية التي تمد القضارف والبلدة بمياه الشرب. حي علي نوار نسبه لشيخه محمد علي نوار، وحي حريقه نسبه لإبراهيم حريقه ومن الأشياء المميزة داخل الحي ديوان (أبكريك) وحوش ود أبو حجل وود الحاف (ونجاضاته المعروفة ببلاد ود الحاف) وايضاً من الأحياء العريقة حي وحلة (سلك) ومن أهم رموزه الشيخ عبد الرحمن بركة المأذون صاحب (البنسيون اللكونده) المشهورة في قلب السوق وفيما أذكر إن عم عبد الرحمن بركة كان له مكتبة ضخمة تحوي وتضم في حناياها أمهات الكتب في الفقه والسيرة ، والتفاسير، وتعد رصيد لا يُستهان به وإضافة حقيقية للبلد إذا تم استخدامها بطريقة مُثلى ومن الأحياء أيضاً  حي طه بشارة، والحي الشمالي، وراء هذه البيوت المحترمة وبالقرب من سوق البهائم تقع مجموعة من الأكواخ المتراصة في هامش المدينة مثل مريض منبوذ أعياه داءه العضال فاعتزله الناس وفي هذه المخابي التي تعرف (بالأنادي) أو(الجو) حيث يدخل الناس إليها عاقلين ويخرجون منها سكارى يترنحون وكان معظم مرتادي هذه الحانات من (الطوابه)، و(الفحامة) وغرباء لا ندري من أي صقع أتوا، ولهم فيها صويحبات وعلي ذكر الصويحبات تقفز إلى ذاكرتي  "هكول" البدينة المزججة الحواجب، "وفاطنة قني"، وحواية، والتاية التي قضت بطعنة نجلاء، كن يتسكعن بغنج متكلف ينقصه الحياء غير آبهات ولسان حالهن يقول من لم يكن منكم بخطيئة فليرمها بحجر، و داخل الأسواق كانت هنالك عيون تتلصص، ووراء هذا الإبتذال والسفور، أهل البلد كانوا ينظرون إليهن  كرزيئات دهر أو نثار حياه عصفت به رياح المجون في حواليك  تلك السنوات، الرياضة بحكم دورها ورسالتها الكبري وبما إن تاريخ المنطقة زاخر بالعطاء وأن الدور الرياضي لا ينفصل عن هذا المنحي و بوصفها مركز إشعاع ضوءه يدخله الناس بمختلف ألأجناس والأعراق ونظراً لتكوينات المنطقة القبلية فقد  أسهمت الرياضة في إذابة هذه الأشياء، وكانت البدايات في سبعينيات القرن الماضي في ما بات يعرف آن ذلك بفريق (اتكه) وضم الفريق مجموعه من أبناء المنطقة تحت إمرة الكابتن محمود (أبجلوا)  والماهر الحازق إبراهيم سعد " باجيني"، وفي مطلع الثمانينات بدأ إنشاء  بعض الفرق التي تتباري مع بعضها البعض حيث تم إنشاء فريق الأهلي، الزهرة، الهلال، الأراك، النصر، الشباب، الاتفاق وتطور الأمر بإنشاء اتحاد عام ونظام دقيق لتسجيل وبدأ التقيد بشعارات الأزياء وكافه متطلبات الكرة العصرية، وتكونت وأنشئت  أندية منفصلة حاوية لنشاط وحراك ثقافي واجتماعي، وفريق قومي بالمنطقة، يلتحف فيه اللاعبون برداء الانتماء وثوب الغيرة يدافعون فيه باستماتة عن  شرف المنطقة وشعارها وكثيراً ما كانوا يلحقون الهزائم بفرق مصنفة في الدرجة الأولى، من بورسودان، وكسلا، والقضارف ومن ألمع نجوم الكرة التي أنجبتهم المنطقة والتحقوا بفرق كبري المدافع الجسور أسامه بخيت، بشري عبد الجليل، حسان ، هاشم محمد الأمين، ونجوم لمعت في الساحة لفترة طويلة من الجيل الأول لاعب الوسط ذو القدرات والمهارة العالية عادل بله حريقه، بدر الدين خيري  وأسطورة  وألق الملاعب عبد الناصر دج الذي كان يري فيه أهل بورسودان الذي درس فيها مراحِله الثانوية الوريث الأول لكابتن الطاهر حسيب (أحرف) ما أنجبت ملاعب السودان، والمرحوم طلال محمد الحاج، ودفع الله عمر الحاج المشهور (بالدفنس) ، وللخريف في بلدي له طابع ووقع خاص وشكل متميز كيف لا وكل شي حولك مغطي بخضره سرمدية أقل ما توصف أنها ساحرة، تضفي علي النفس فرحة وبهجة وسروراً. (قطعان من البهائم) تمر من حولك سعيدة بما حباها الله من خضرة وماء وظل ظليل وأنعم عليها بكل هذا الآمان فعاشت مع الناس في إلفة ووئام، ومن الأشياء المحببة واللافتة؛ فتيات من الفولاني (الأُمبررو) يضعن القرع علي رؤوسهن ويمشين بغنج طبيعي غير متكلف وسط كل هذا الخضار، وتنظر علي مد البصر فتتابع من علي الأفق  تحركات العرب اللحويين الرحل بجمالهم الصهباء وحريمهم وبيوتهم وهوادجهم وكلامهم المنمق  الجميل الممتلئ بالحنية، فالجميع يتخاطب بالرحمة والأدب والعفة والطهر فيدخلون البهجة إلى قلبك دونما استئذان، ومن حولك الأحياء قد ملئت عافيه وجمالاً ومن فوقك السحب الداكنة المخلوطة بألوان قوس قزح تخاطبك بالصورة العجيبة، فترقص علي إثرها الرياحين و أشجار الطلح وتتفتح لها زهور(البرم) فينهمر الماء ويسيل مدراراً عبر الأودية فتسمع له صليل الحلي في أيدي الغواني، فتدفق الحياة ويدب الأمل في النفوس، بعد أن يتنسموا أهلي رائحة الدعاش يهموا إلي (إلى جباريكهم) إن التفاصيل التي سردتها تعود بي إلى صفاء البلدة الحبيبة إلى نفسي علي مر الزمان تثير فينا الشجون العطرة عن تلك الأيام فهي حتماً لن تنسي  من الذاكرة مهما عبثت بها السنين، ستظل منحوتة في العقول وحبها وحب أهلها ما برح  يراوح مكانه، الشواك هي حقاً الإحساس والرغبة والاشتهاء والمتعة الجمالية، أنها الموطن الإسطوري الذي طالما تغنينا به، سحر وخيال في حدائقها الخضراء علي شواطئ الأتبراوي، في بيوتها المتلاصقة في حواريها وأزقتها وشوارعها صاحبة الأريج ، في أسواقها العامرة، وفي ترابها المعطر بعبق رائحة انتماء أهلها وروعتهم،  وجمالهم وبساطة حياتهم الذي ألهمني معني التسامح، لله درهم من قوم لهم صدي في نفسي لا ينمحي فهم من أضفي علي حياتي بريقا لا يخبوا  علمني حب الآخرين وتعلمت منه كيف أحافظ علي ذلك الود إلى جانبهم،  ما دام فينا عين تطرف وقلباً ينبض.
 كتب- العليش ابراهيم دج 
 



© Copyright by sudaneseonline.com