From sudaneseonline.com

تقارير
هيبة المواطن وهيبة الدولة .. علاقة عكسية ..!
By
Mar 27, 2011, 10:13

 

هيبة المواطن وهيبة الدولة .. علاقة عكسية ..!

تقرير: التقي محمد عثمان

يقال ان رفرفة الفراشة لأجنحتها ببلد ربما تؤثر في الطقس ببلد آخر وفقا لنظرية «أثر جناح الفراشة» التي مفادها أن رفّة جناح فراشة في مكان ما من العالم قد تتسبب في حدوث إعصار في مكان بعيد عنه، وعلى هذه النظرية استند كثير من المحللين في انتقال الثورات الشعبية بين دول الاقليم الذي يقع ضمنه السودان، مشيرين إلى أن مليارات من الفراشات ترفرف بأجنحتها في المنطقة مما يجعل هذا العامل حاسما، الا ان عوامل أخرى قد تقود الى مساواة بين الشعوب في انجاز ثوراتها لتكمل اجراءات عضويتها في نادٍ جديد يستبدل ذلك الذي ادخلت فيه الجيوش النظامية شعوبها عقب فترة التحرر الوطني اواسط القرن الماضي.

وفي سبيل تعداد العوامل المؤهلة لشعب ما لانجاز ثورته نطرح السؤال: متى يصبح الشعب قادرا على الثورة، ليجيبنا الباحث عبد الله بكو بتحديد عنصرين تكتمل بهما القدرة لانجاز أي ثورة، الأول، عندما يستطيع الشعب المعني تجاوز كل العقبات التي تشكل التمييز بينه وبين الآخرين، أما العنصر الثاني فهو توفر الطاقة المتمثلة في الصمود امام كل آليات القمع المنتظرة، ويضرب بكو في حديثه لـ الصحافة أمس المثل بالثورة في اليمن حيث ارتفع الناس هناك فوق القبلية والطائفية والقوا سلاحهم الذي كانوا يتمنطقون به، ويقول انها نموذج حقيقي للثورات العربية وتحقق مقولة ان الثورة شكل من اشكال الترفع والتنزه حيث الفرد ينظر لنفسه كوحدة من الكل دون ان ينصاع للنعرات الطائفية والقبلية، ويستبعد بكو ما قال به الامام الصادق المهدي في وقت مضى من ان الثورة في السودان لن تكون شبيهة بالثورتين التونسية والمصرية وانما ستكون شبيهة بالحالة الصومالية، ويقول ان الذين يخافون من تفكك السودان وتشظيه يعلمون انه داخل ماء ويخشون عليه رذاذ المطر الخفيف، ويقول ان الثورة ليست شكلا وحسب وانما هي مضمون ايضا ومضمون أي ثورة هو الوحدة والتنمية (واذا رفض السودانيون الثورة سيفقدون الوحدة حيث لا وحدة للسودان بدون ثورة) ويشدد بكو على ان الثورة هي المخرج الوحيد للسودان لأن على السودان ان يصنع نفسه من جديد وهذا لا يتم الا بواسطة الثورة، ويشير الى ان أي مجتمع تتوفر داخله طاقات لاحداث التغيير ولا يمكن في أي حال من الاحوال ان يستثنى السودان في هذا المهرجان الثوري العربي خصوصا ان لديه سوابق وذاكرة ثورية أكثر من هذه الدول نفسها التي قامت بالثورات الآن.

ويبدو بالفعل ان السودان يمور بحراك نشط اذ بات الناس يسمعون عن شباب الخلاص الوطني وشباب من اجل التغيير (شرارة) وشباب الثورة السودانية، وباسم الأخيرة يحدثنا نور الدين صلاح الدين ويحدد غاياتهم في تغيير النظام واحلال نظام ديمقراطي يحترم التعدد والتنوع ويكنس القوانين المقيدة للحريات، ولكن قبل ذلك دعونا نعود الى عوامل قيام الثورة التي قدمها الخميس الفائت في حوار مع الصحافة، عميد معهد ابحاث السلام بجامعة الخرطوم الدكتور محمد محجوب هارون عن الثورات التي تعم الاقليم، وأولها التعليم الحديث، حيث أسهم التعليم الحديث في تشكيل مجتمع جديد، إن لم يكن على نحو كامل، فبدرجة واسعة. ويوضح هارون أنّ التعليم الحديث رافعة أساسية للتحوّلات المجتمعية، مشيرا الى انه أدّى إلى تفاعلات أُخرى داخل المُجتمع العربي، وثاني العوامل اتساع قاعدة الطبقة الوسطى بسبب الانفجار الحضري الكبير بتحوّل المجتمع البدوي الريفي إلى مُجتمع حَضَري «مديني»، هُو مُجتمع الانفجار المعرفي/التقني/ المهني، مُجتمع المهنيين «العسكريين والمدنيين» والحرفيين، ورجال ونساء الأعمال، وناشطي المُجتمع المدني، وثالثها، إنّنا أمام مُجتمع منفتح داخليا وعلى العالم الخارجي حيث المواطن الفرد الحضري الحديث يتمتّع بقدرة وفيرة على تجاوز أدوات السيطرة، التى ظلت تقليديا بيد الدولة، مثل تمكّنه من العالم الاسفيري والشبكة العُنكبوتية «الإنترنت». ويقول هارون انه من الطبيعي أن يتم الآن فك القيود ويُضحي المواطن الفرد مواطناً طليقاً، ورابعها الانفجار الاقتصادي، لأن الاقتصاد لم يعد اقتصاداً تقليدياً كِفائياً، وهُناك الانفجار التقني الصناعي الذي حول عالم الواقع إلى عالم افتراضي واسع، واختصر الجغرافيا فلم تعد انت فاعلا فقط فى حُدود الجُغرافيا حيث وُجودك المادّي، بل أضحى لديك فضاءٌ افتراضي أوسع يمكنك ان تتواصل معه.

وتجتمع هذه العوامل لتتركز في عامل واحد كما يقول هارون هو ارتفاع قُدرة المواطن الفرد بما يُفضي إلى تراجُع قدرة الدولة الحديثة على السيطرة، حيث صار الآن المواطن الفرد بذاته مؤسسة، وتجاوز المنظومة القائمة وتجاوز الحالة الحزبية، وخرج بذاته ولم ينتظرها، واستطاع الشباب سواء أكان بالـ «فيس بوك» أو الـ «تويتر» بناء شبكة المواطنين الأفراد، لا التنظيم السياسي أو حتّى النقابي، وبالتالي اصبح المواطن الفرد يكتسب قُدرة مُتزايدة على السيطرة، لينشأ ما يسميه هارون المواطن المقتدر في مُقابل الدولة ذات القدرة المتراجعة على السيطرة. مطلقا على هذه الحالة المُستجدّة «هيبة المواطن»، المواطن صاحب القدرة على اختراق سيطرة الدولة، وتجاوزها أحيانا، باستخدام جُملة الادوات التى صارت الآن فى قبضة يده.

ويشير محللون الى ان السودان في حاجة الى الثورة اكثر من غيره من دول الاقليم بسبب انه يواجه  تحدي الثورة من الاطراف على نسق ما جرى بجنوبه ان لم تنجز الثورة من المركز وكما يقول عبد الله بكو فان قيام الحركات المسلحة في السودان جاء نتيجة غياب فقه الثورات الشعبية من مركز السودان ويقول ايضا ان التغيير عن طريق الاطراف خطورته في انه هزيمة لثقافة التغيير على مستوى المركز بواسطة الانتفاضات السلمية، مشددا على انه لا خوف من الثوار الذين ينتدبون انفسهم للتغيير من المركز فهم ليسوا ذئابا يذهبون بفرائسهم بعيدا مثل الحركات الانفصالية التي تأخذ اقليما وتنزوي به بعيدا. ويقول ان هذا يضع الحكومة امام خيارين اما ان تتفكك على مستوى الاطراف أو على مستوى المركز ولا خيار ثالث لها لكن العامل المشترك انها لا بد ان تتفكك، ومن هنا يبرز التحدي الذي يتصدى له شباب التغيير المسنودين بعلو كعب هيبة المواطن خصما على هيبة الدولة كما اثبتت التجارب القريبة فضلا عن العوامل الأخرى، ويقول نور الدين صلاح الدين الناطق الرسمي لشباب الثورة السودانية (كتمت) في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف أمس ان حركتهم وان كانت الآن في فترة نشوء وتخلق الا انها تتمدد وترفع وتيرة العمل داخل الجماهير المستعدة اصلا للتغيير ويقول ان الظروف مهيأة منذ امد بعيد لانقاذ السودان من الحروب الاهلية المهددة لوحدته ومن القوانين المقيدة للحريات، مشددا على ان المجتمع مهيأ للتغيير وينتظر القيادة التي يثق فيها واللحظة المناسبة، ويقول ان الشباب سيقدمون القيادة المناسبة بعد ان وصل الجميع الى ان قادة التنظيمات الموجودة في الساحة منذ آماد وصلوا مرحلة لا يستطيعون فيها التحرك قيد انملة من المكان الذي يقفون فيه، وان اللحظة المناسبة قد ازفت.



© Copyright by sudaneseonline.com