From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
ما لكم ومال الثورات!/ كمال الهِدي
By
Mar 26, 2011, 10:49

------------------
 

 تأملات

ما لكم ومال الثورات!

 كمال الهِدي

[email protected]   

 

ما أن رأتني صديقتي اللدودة أقبلت علي بحماس بالغ وقبل أن أكمل ردي على تحيتها المقتضبة باغتتني بالسؤال: لا شك أنكم تتابعون ما يجري

في العالم العربي، فهل لديكم نية شبيهة؟!

 

قلت: ربما نثور إن لم تحل الأمور و..

 

قاطعتني بالقول: ما لكم ومال الثورات يا عزيزي.

 

وأضافت: دعوهم ينتفضوا ويثوروا فالدور لهم.

 

 أما أنتم فيكفيكم فقط أن تقوموا بدور المتفرجين.

 

واستطردت قائلة: هؤلاء محقون في ثوراتهم فهم يعانون من كبت الحريات.. التسلط.. تجبر وغطرسة الحكام.. الفساد المفرط.. نهب الثورات.. أما أنتم فما عليكم إلا أن تحمدوا ربكم بكرة وأصيلاً.

 

وأضافت صديقتي العجيبة: نعم تحمدون ربكم لأنه حباكم بكل ما يفتقده الآخرون.

 

وقالت: تتمتعون بحريات قلما يوجد لها نظير في عالمنا العربي!

 

ففي السياسة يستطيع أي سوداني أن يقول ما يحلو له في كل ما يجري.

 

 أي فرد منكم ينتقد أعلى سلطة عندكم دون أن يقولوا له شيئاً.

 

في المجال الصحي يحسدكم الآخرون على الوفرة.

 

 فالمستشفيات كما أعرف لا يمكن أن تحصيها أحدث الآلات الحاسبة!

 

أما التعليم فهذا مجالكم وحدكم ولا يضاهيكم فيه أي بلد!

 

 الجامعات ( ما شاء الله ) بالعشرات، بل قل المئات  وقد أوشكتم أن تحققوا فيها رقماً قياسياً وبعد فترة وجيزة سوف يكون لديكم في كل زقاق جامعة!

 

وأما الأسواق فقد إمتلأت بكل ما لذ وطاب.. وفرة غير عادية في مختلف السلع الغذائية.

 

في المجال الثقافي فقد أمتعوكم بأماسي الخرطوم الثقافية فطربتم حتى اكتفيتم.

 

ولا تنسى أن لديكم برنامجاً لاكتشاف نجوم الغناء تمارس فيه الليبرالية وحرية التعبير على أصولها حيث يستطيع كل من يرغب أن يحمل ( المايك) ليردد  أغنيات الآخرين.. وبالطبع لا يخفى عليك  أن الإبداع لا يقبل الاحتكار ولهذا فالأغنية عندكم يقتسمها العشرات ولا داعي لأن يكون لكل فنان أغنية أو أغنيات خاصة به.

 

من يريد أن يرقص حتى على أنغام المديح فليس هناك من  يمنعه.

 

وفي مجال الرياضة ها أنتم تجدون من يحترم شغفكم وجنونكم بكرة القدم.

 

فالقائمون على شئون اتحاداتكم وأنديتكم ومنتخباتكم يستوعبون فكرة أن كرة القدم لعبة شعبية وأنها للجميع.

 

لذلك تجد هناك من يمنح الجماهير الفرصة لدخول الملاعب مجاناً لكي تتابع مباريات أنديتها المفضلة فهل هناك رحمة وشفقة بالعباد أكثر من ذلك!

 

مدرب منتخبكم يكفي فقط أن يتلقى مكالمة هاتفية بتزكية فلان أو علان من اللاعبين لتجدوا هذا اللاعب صبيحة اليوم التالي ضمن كتيبة منتخبكم المشاركة أفريقياً.. فهل هناك رضا أكثر من ذلك؟!

 

اتحاداتكم الرياضية تمارس ليبرالية تستحق أن تقفوا أمامها إجلالاً إلى الدرجة التي جعلت أحد هذه الاتحادات يوافق قبل أيام على إقامة مباراة بين ثلاثة فرق في ذات اللحظة والملعب!

 

طبعاً لم يحدث أن سمعت طوال حياتك بمباراة كرة قدم بين ثلاثة فرق.. لكنه حدث في بلدكم فهل هناك مرونة أكثر من ذلك؟!

 

تتحدثون بحرية.. تمارسون النقد سواءً داخل المكاتب، المدارس، الجامعات أو حتى حافلات المواصلات فماذا تريدون أكثر من ذلك؟!

 

وزراؤكم يسهرون الليالي من أجل توفير كافة احتياجاتكم.

 

بل يذهب بعضهم لأبعد من ذلك بتقديم نصائحه الغالية لكم في تأكيد شديد على درجة التفاعل غير المسبوق بين المسئولين وأفراد شعبهم.

 

فوزير ماليتكم الموقر الذي طلب منكم أن تتناولوا الكسرة بدلاً عن الرغيف الفاخر المستورد قمحه أرادكم أن تكونوا أكثر أصالة وتمسكاً

 

بموروثاتكم حتى إن كلفكم ذلك المزيد من المال،  فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.. فكيف تفهمون الأمور يا عزيزي؟!

 

كما أن المسئول الذي نهاكم عن إتباع جماعة الفيس بوك إنما يريد بكم خيراً.. فالتقليد ليس من شيم الشعوب الأصيلة مثلكم.

 

يريدونكم أن تكونوا قدوة للآخرين لا أن تقتفوا أثرهم،  وهذه محمدة كبيرة يفترض أن تشكروا عليها هؤلاء المسئولين.

 

قلما يجود الدهر بمسئولين من هذه الشاكلة لذا قلت لابد أن تحمدوا ربكم كثيراً على هذه النعم.

 

حتى المساحة الشاسعة لبلدكم التي كنتم تظنون أنها ميزة ، لم يستطع سوى هؤلاء القادة أصحاب النظرة البعيدة أن يفهموا حقيقة أنها أكبر معيق لتطوركم وانطلاقتكم.

 

فبذلوا الغالي والنفس من أجل إنقاص هذه المساحة وبعد جهد جهيد كان لهم ما أرادوا.

 

أفبعد كل هذه المجهودات المقدرة يمكن أن تنتفضوا وتثوروا يا صديقي؟

 

في هذه الحالة أقل ما ستوصفون به هو الجحود ولا أظنكم تقبلون ذلك لأنفسكم!

 

لم أجد إلا أن أرد عليها بعبارة وحيدة هي: المرء لا يعرف حجم النعم التي حباه الله بها إلا إن حدثه عنها الآخرون! فشكراً لك يا صديقتي العزيزة وستجدينا من المتفرجين إن شاء الله!!!

 

 

 

 



© Copyright by sudaneseonline.com