From sudaneseonline.com

زفرات حرى بقلم : الطيب مصطفى
الزعماء العرب وسقوط ورقة التوت!/ الطيب مصطفى
By
Mar 26, 2011, 00:32

زفرات حرى

 الطيب مصطفى

الزعماء العرب وسقوط ورقة التوت!

 

عندما كتب مذيع قناة «الجزيرة» اللامع د. فيصل القاسم «إن الحاكم العربي يصر على البقاء في كرسيه حتى آخر قطرة من...» سألته عمّن يعنيه بقوله هذا فقال إن الحبيب بورقيبة رئيس تونس الأسبق الذي خلفه «بانقلاب» الرئيس المطرود زين العابدين بن علي ظل متشبثاً بالمنصب حتى بعد أن فقد الحركة تماماً وأُصيب بالزهايمر «الخرف» وكان الزوار عندما يدخلون عليه في غرفته يسدون أنوفهم من النتانة والرائحة الكريهة!!

أُتيح الفرصة للأخ الصحفي محمد عوض محمد إدريس الذي عرك الصحافة وعركته لعقود من الزمان داخل السودان وخارجه وألّف عدداً من الكتب ليدندن حول هذا المعنى:

 

قرأت كثيرًا قول الله تعالى: «وينزع الملك»، لكني لم أتبين بُعدها وعُمقها إلا بعد سقوط الرئيس المصري مبارك، إن ما حدث هناك لا يدخل بكل حال تحت مسميات التنحي والتخلي، وإنما كان نزعاً لروح جسد التصق بالسلطة كما يلتصق الغراء!، فالرئيس العربي إذا فارق الكرسي مات، تماماً مثل السمك إذا فارق الماء، ولعلمي بحساسية الشعب المصري عندما يتناول شأنه شخص أجنبي، أقول إنني لست دخيلاً على ميدان التحرير، فلقد مضيت في مصر شطراً من حياتي، دخلتها آمناً وعمري خمس سنوات، وغادرتها بعد العشرينيات، كنت هناك في منيل الروضة، البناية رقم 10، شارع سيالة الروضة، وكان معنا الرئيس الأسبق أنور السادات، والفنان عبدالحليم حافظ مع أخته علية شبانو، أظن أن في هذه الإشارة ما يشفع كجواز لمشروعية حديثي، لقد كان باستطاعة مبارك «العنيد» أن يغادر بصورة تحفظ ماء الوجه، لكن شاء الله أن يحقق فيه قوله: «وخاب كل جبار عنيد»، وهكذا تؤكد الأحداث أن كل شيء إلى صيرورة إلا الحاكم العربي الظالم، فهو يبقى إلى أن «يشيب الغراب ويحيل التراب»، يشيخ على الكرسي ثم يبدأ مدلساً في تلوين شعره بالأصباغ السوداء، الحاكم الظالم يريدها سرمدية أبدية إلى أن ينفخ إسرافيل في الصور، بعض الحكام يقولون لشعوبهم إن الله في السماء وأنا زعيمكم على الأرض، ويبلغون المدى في الإفك حين يزعمون أن التوحيد ينقسم إلى «ألوهية وربوبية»، فمن دخل مع الزعيم وحّد توحيد الألوهية ومن أبى وحّد توحيد الربوبية، ومن الحكام من استعان بثلة من علماء السلطان، أسكنها القصور الفساح وأطعمها لذيذ التفاح، لتقدم له الفتاوى الشرعية، تحرم المظاهرات وتعدها إفساداً في الأرض يستوجب القطع من خلاف، ومنهم من حول البلد من اسمها الحقيقي لتحمل اسمه وجعلها ضيعة خالصة له ولأبنائه حتى قيام الساعة، أما الشعب فعليه ألا يرفع صوته إلا حين تلج الأهداف الشباك، ومنهم من سنّ القوانين للإنترنت خوفاً من ثورات الاتصالات، ومنهم من جلس على قمة الثروة وتل الفساد وأوهم الجماهير بأنها هي التي تتحكم وتدير الشأن، ومن الحكام من سعى إلى ملء جيوب الغرب بالدولارات من عائدات النفط ليطيب له المقام بعيداً عن الانتقاد، وهكذا غطّت صورة الزعيم كل المشهد، فزحف نحو مائدته الطفيليون، يأكلون الفتات، ويقبِّلون الأيادي وجهاً وظهراً، وبنظرة على الحدث المصري نجد أن الرأس انسحب ولم يُقطع وفي كل يوم يمر تمكِّن لنفسها وتبرأ ساحتها ومعها على الدرب أقلام: أسامة سرايا، ومجدي الدقاق، وعبدالله كمال، ومع مرور الوقت يختلط الثائر بالطفيلي، فلا نستطيع أن نميز بين أنس الفقي ونوارة نجم ابنة المرأة المؤمنة صافيناز كاظم، التي متعتنا في الزمن الأثير بزوايتها في مجلة المصور بعنوان «مونولوج»، وإذا وقفنا عند تشبث الحكام العرب الظالمين بالكرسي وتأملنا الحديث الذي معناه «نحن لا نعطي هذا الأمر لمن يطلبه»، فهمنا بأكثر مما فهم زين العابدين، ووعينا بأبعد مما وعى مبارك، وكثير من حكامنا يريدون أن نكون زاهدين بالرغم من أنهم عالقون لاصقون، يرومون أن نتمثل بالفيلسوف سقراط، الذي وقف أمام دكان حانوت وقال: «ما أكثر الأشياء التي لا أحتاج إليها»، أو نكون مثل زميله ديوجين، الذي وقف الإسكندر الأكبر فوق رأسه ليسأله عما يريد؟، فأجابه معرضًا: «أحب أن تخطو خطوة جانبية لكي تدع الشمس تلمع أمامي»، يتمنون أن تتقهقر الدنيا إلى ما قبل الميلاد كي يحصلوا على خيول عاديات وإبل كاسحات يطلقونها لإرهاب شباب الإنترنت في الساحات، وإذا كان الحجاج الثقفي قد رأى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، فإن الشعوب الآن ترى الشيء نفسه لكنه هذه المرة في ساحة الحكام، لقد بات تساقط الطغاة الظالمين أفكاراً فطرية تتلون وتتشكل في أدمغة الدهماء والديماجوجيين والصفوة المثقفين، ولم تتخلف إلا فئة الطفيليين المصفقين، وهي فئة لا تثبت وتتوارى بعد حين، وتخلي الساحة للثائرين الصادقين، وأذكِّر الشباب المصري بشعارهم الأخير «تطهير النظام»، قد يقول عاطفي: إن أم كلثوم صدحت بالغناء للملك فاروق وإن صالح جودت سطر في أعياد ميلاده الأشعار، ونرد عليهم بأن الملك فاروق كان محبوباً في مرحلة الشباب قبل أن يفسده «أنطونيو بوللي» الذي كان يدبر له الحفلات وموائد القمار والسهرات، وبقي على الحكام الذين يتدثرون بغطاء الامبراطورية الأمريكية والغرب أن يعتبروا، فقد تخلى هؤلاء عن رضا بهلوي الذي كان شرطياً لهم، وعن مبارك مايسترو سياستهم، ونوري السعيد الذي هرب متنكراً في زي امرأة فقبضت عليه الجماهير وسحلته في شوارع بغداد، فلا ناصر بعد الله إلا الشعوب، وعندما يخرج الشعب من قمقم الصبر لن يجدي الاتهام بالأجندات الخارجية ولا إخراج المظاهرات الطفيلية، فكلها صارت لعبة غبية لن تنطلي على شعوب الإنترنت الثورية، وعندها سوف «يفهم» الحاكم الظالم «ويعي» أن ظل الأمريكان لا ظليل ولا يغني من اللهب، ونذكر كِّل حاكم عربي أن الكرسي الذي يتربع على عرشه، محطة وصول ومحطة مغادرة، «ترانزيت». ولذا عليه أن يكون جاهزاً لمغادرته بإعداد ثلاثة خطابات، يذكر في واحد منها أنه سيموت ويُدفن في بلده، مخالفاً بذلك ربه الذي يقول: «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»!

محمد عوض محمد

 



© Copyright by sudaneseonline.com