From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
ثورة الفيس بوك... هل للسودان فيها نصيب؟/الفاضل ع. م. علي - أبو ظبي
By
Mar 26, 2011, 00:25

الفاضل ع. م. علي - أبو ظبي          26 مارس 2011

 

ثورة الفيس بوك...

هل للسودان فيها نصيب؟

 

       طلب مني منتدى يوسف كوة بشمال كردفان أن أخاطب جمعهم بالأبيض مساء الخميس، مركزاً على استحقاقات الإعلام الاجتماعي و ثورة الشباب، فخاطبتهم عبر الإيسكايب بما يسّره الحق عز وجل، و لكني أدركت أن الموضوع يحتاج لوقفة عبر هذا المنبر كذلك، فالناس كلفون به و مشرئبون لإمكانية استخدامه في معركتهم الوشيكة مع النظام الراهن.

       فقد بدأت المسألة في العالم العربي بإضراب عمال غزل المحلة الكبرى بمصر احتجاجاً على شروط الخدمة الظالمة و ظروف الحياة القاهرة، و تضامن معهم مجموعة من شباب الفيس بوك بالقاهرة الذين تنادوا و خرجوا في بعض المظاهرات التي قوبلت بالبطش، كما قمعت حركة عمال المحلة، و تم إسكات جميع الأصوات هنا و هناك المتضامنة معهم. و لكن حافظ شباب القاهرة على ذكرى إضراب 2008 حيّةً بتكوين (مجموعة 6 إبريل) التي سرعان ما ضمت سبعين ألف عضواً، بتعاون واتصال دائم مع مجموعة مشابهة أخرى هي (جماعة كفاية)، و هاتان المجموعتان لعبتا دوراً مفصلياً في ثورة يناير التي أطاحت بحسني مبارك، بعد مجهود لم يستغرق أكثر من سنتين.

        و لكن، ماذا حدث بعد فشل إضراب المحلّة في إبريل 2008؟

        فكر شباب الفيس بوك بمصر في الأمر ملياً و توصولوا لاستنتاجات هامة:

·       إن الإعلام الاجتماعي سلاح بتّار، و لكنه لا يكفي......تستطيع أن تأتلف مجموعات الفيس بوك وتتسامر و تتبادل المعلومات والتعليقات وتتفق حول سلبيات النظام؛ و لكن ما هي الخطوة التالية؟ كيف تخرج بهؤلاء النفر الغاضبين إلى الشوارع، و كيف تضمن لخروجهم أن يكون فعّالاً وذا مردود...وبلا مخاطر؟ إن الفيس بوك و التويتر و المسنجر و الفيديو كنفرنسنق وسائل هامة، بيد أنّها كمطرقة بلا سندان (أو مفراكة بلا راس)؛ ...فما هو الحل إذاً؟    وكيف نترجم هذه المعطيات التكنلوجية إلي نشاط ثوري يقتلع النظام من جذوره؟

·       سمع الشباب المصري بمجموعة فيس بوك اليوغسلافية في بلغراد عاصمة الصرب، تلك المجموعة التى تنادت من مقاهي الجامعة و تجمعات الحاسوب و الانترنت و شرعت في نضال من نوع جديد استقطب العاطلين والخريجين الحائرين وأصحاب الحاجة و العاجزين عن مغادرة البلاد و الساخطين على نظام الدكتاتور سلوبودان ميلوسوفتش... إلى أن أرسلوا ذلك النظام إلى مزبلة التاريخ عام 1998. فشدّ محمد عادل الرحال إلى بلغراد في صيف 2009 ليطّلع على سر اولئك الشباب، وهو أحد أعوان وائل غنيم و من مؤسسي حركة 6 إبريل، حيث قضى أسبوعين في بلغراد مع مجموعة أبتور Optor التي قادت النضال ضد نظام ميلوسوفيتش، ثم أنشأت معهد كانفاس (مركز تطبيق استراتيجيات النضال السلمي) CANVAS لتوثيق تجربتهم و تأصيلها و نقلها لكافة الشعوب التي تمر بظروف مشابهة؛ و هناك تم تعريض محمد عادل لدورة مكثّفة لمدة أسبوعين، تشرّب خلالها فلسفة المقاومة السلمية وتكتيكات العمل السلمي و الإعلام الإجتماعي، مروراً بنظريات المقاومة السلمية منذ المهاتما غاندي في جنوب افريقيا (1906-1921) ثم الهند حتى وفاته شهيداً على يد أحد المتطرفين الهندوس عام 1947؛ و كذلك مسيرة مارتن لوثر كنج و السود الأمريكان في منتصف الستينات التي كللت بالانتصار عام 1968 (ولكنها أيضاً قدمت قربانها للحرية باستشهاد الزعيم مارتن لوثر كنج على يد ضباط مكتب التحقيقات الفدرالي).

·       خرج محمد عادل من بلغراد بضرورة التمسك بالمقاومة السلمية لأنها تسبب حرجاً هائلاً للنظام القمعي الحاكم، خاصة في ضوء التركيز العالمي على حقوق الإنسان و حضور القنوات و الإعلام الدولي غير الحكومي؛ وكذلك ضرورة كسر حاجز الخوف عند الجماهير بالاشتراك معها في أنشطة مطلبية و نقابية متعددة و متتالية، لا تغضب الحكومة كثيراً؛ و كذلك تفكيك الأعمدة التي يتكئ عليها النظام و هي الجيش و الشرطة و الإعلام، و عادة يبدأ هذا التفكيك بخلق وشائج و قنوات تواصل مع الشرطة النظامية بشكل خاص، ثم اكتساب الجيش إلى جانب الشارع، كما حدث في صربيا و كذلك في تونس و مصر بعد ذلك؛ أما الإعلام، فلقد اتفق الثوار في كل العالم، و خاصة العالم العربي حالياً، على تجاوز أجهزة الإعلام المحلية و الاستعانة بالقنوات المعروفة (الجزيرة أولاً، ثم الحرة  و السي إن إن و البي بي سي لاحقاً)، بالإضافة للإعلام الاجتماعي.

 

·       و تعلّم عادل، و نقل لزملائه بمصر، منهج كانفاس الثلاثي (الوحدة و الانضباط و التخطيط).  وتعلّم كذلك:-

 

-      أن الثورة ليست عملية عشوائية أو فوضوية أو تدميرية كنيران غابات كاليفورنيا عندما تضرم فى الصيف القائظ، و لكنها عمل منظم يقوم به القاع الصخري
"المكرّب " عبر دراسات و إعداد يستمر لعدة شهور أو سنوات. صحيح، قد تنقدح شرارة صغيرة، مثل انتحار بو عزيزيّ فى إحدى ضواحي تونس العاصمة، يشتعل من جرائها برميل البارود، و لكن هذا البرميل بحاجة لتعبئة و ترتيب و تراكمات من شتّى المشارب و الجهات و الفعاليات والأنشطة.

 

·       و ثمة دروس هامة أخرى من كتاب الثورة (الكتالوج) الصادر عن كانفاس:-

أولاً :- ضرورة الاعتماد أولاً على الشباب أصحاب الطاشرات و العشرينات من الخريجين العطالى...الخ، و هم المستجدّون ROOKIES.... و ليس المحترفين أو المؤدلجين و السفسطائيين والمتحجّرين .

و ثانياً :- ضرورة تجاوز الأحزاب التقليدية المترهّلة و المدجّنة من قبل النظام، و ضرورة خلق مجموعات متمركزة حول كافة القضايا الجزئية و المطلبية و الجغرافية و الإقليمية والفوية والبيئية وهكذا.

و ثالثاً :-  ضرورة التأسّى بمجموعة أبتور الصربية التى كانت من غمار الناس و أبناء الكادحين، و نجحت ثورتها رغم ذلك (أو بسبب ذلك)، و هم الآن خبراء دوليون غير باهظى التكلفة ....يقدمون خدماتهم لكافة الحركات الثورية المماثلة، وقد استفادت منهم عملياً عام 2003 حركة  Kmara  "كفاية"  في جورجيا التي انجزت ثورة الورود  Roses، و استفادت منهم حركة   Pora"" (حان الوقت) في أوكرانيا التي انجزت ثورة البرتقال. (و من هنا أتى إسم الياسمين الذي أطلق على الثورة التونسية).

و رابعاً :- ثورة بلغراد كانت بقيادة مجموعة وليس فرداً كاريزمياً(على مبدأ القيادة الجماعية)، و من بينهم منسق اسمه بوبوفتش (مثل وائل غنيم) كان وقتها طالباً جامعياً فى الخامسة و العشرين من عمره.

و خامساً :- يجب أن يحس الشباب المستقطبون أن الصرامة و الانضباط لا تعني الرجعية و التقليدية، فلا بد من إحساس كل منهم بأنه رقم مهم و أنه ثائر وطني ضمن شباب تقدمي وcool من نوعه، و إذا تعرض للاعتقال فإن ذلك يزيد من قيمته النضالية و يضعه في مقدمة الصفوف، وحتى لو تعرًض للتعذيب فإن ذلك يضعه درجات فوق النظام من الناحية الأخلاقية والدينية، ويصبح نموذجاً حياً ومتحركاً لسوءات النظام الذى يناضل هو ورفاقه ضده..

و سادساً :- الثورة الحديثة تعني أدوات و شعارات حديثة، و لغة شعرية سجعية سهلة للأذن و اللسان، بمثلما تفتقت عنه عبقرية الشباب التونسي و المصري؛ و تعني استخدام الأغنية الجماعية و الموسيقى الشعبية والأناشيد المحبوبة  والمهرجانات الراقصة، و غير ذلك مما تجلّى في ميدان التحرير وفى الشوارع والزنقات التونسية.

و سابعاً :- لا بد أن يكون للمجموعة شعار معين LOGO مثل المطرقة و المنجل عند البلشفيك القدامى، وزي بسيط مميز إن أمكن (T shirt) بلون محدد للشباب حتى يتعرفوا على بعضهم البعض، أو أي من الرموز التى تقوّى روح التضامن والخندق الواحد.

ثامناً :- أساليب النضال القديمة من خطابة و خطباء مفوّهين عفا عليها الزمن، فالجماهير كلها تعبّر عن مكنوناتها متناغمة ...و مرددة مع بعضها البعض المقاطع و الشطرات التي تعكس رؤاها و أهدافها وسخرياتها ودعاباتها، وتحمل رسالة للمستمع وللإعلام الدولي.

 

       و هكذا فإن تجميع الناس حول مجموعات الفيس بوك ليس بالأمر العسير، و لكن المهم هو الانتقال للخطوة التالية و الأهم، و هي الخروج للعراء و الصمود حتى يلفظ النظام أنفاسه الأخيرة. إنها محاولة واحدة لا غيرها، و يجب أن يكون توقيتها صحيحاً و الإعداد لها لازباً مائة بالمائة، لأنه لا مجال فيها للتراجع أو النكوص، إذ أن النظام لو كان له اليد العليا، ورأى من الشارع تراخياً أو انتكاساً، فإن البطش سيكون أضعافاً مضاعفة عما كان عليه قبل الحراك، وستخرس المعارضة لعشرين سنة قادمة كما حدث فى المجر عام 1956 وفى تشيكوسلوفاكيا عام 1968.

 

       و من هذا المنطلق ننظر في حركة 21 مارس - الاثنين الماضي - التي أريد لها أن تكون صورة مكررة لما حدث في تونس و مصر، و إذا بها حركات ضئيلة و متقطعة، و سرعان ما تفرقت كأنها فقاقيع هوائية.

 

أين تكمن نقاط الضعف؟

-      واضح جداً أنها كانت حركة عشوائية و مبنية على الأحلام و التنظير الهلامي من جانب أطراف معظمها مقيم بالمنافي البعيدة، وكان ينقصها (الوحدة و الانضباط و التخطيط)،  ولعلها كانت مضروبة من أولها لآخرها - كأنها بالونة اختبار أطلقها النظام نفسه، ليستعرض عضلاته على طريقة (دق القراف خلّى الجمل يخاف).

-      و يبدو أن الكثيرين يرغبون هذه الأيام في التسلل لصفوف المناضلين من أبواب الإعلام الإجتماعي، خاصة اولئك المرتجفين الذين يريدوا أن يقفزوا من سفينة المؤتمر الوطني الغارقة، و عيون النظام و طابوره الخامس، و الممسكين للعصا من منتصفها الوالغين فى كل الموائد،.... و لقد دل على ذلك الأسماء التي نشرت في الانترنت لأعضاء الحكومة البديلة المقترحة، و منهم أسماء مدجّنةّ و مرتشية و عميلة لنظام المؤتمر الوطني، مثل الدكتور المستهبل صاحب الجريدة المعروف بانتهازيته و خدمته للنظام طوال الخمس عشرة سنة الأوائل، والذى عاد للخرطوم بعد اتفاقية نيفاشا و تقاضى أجر خدماته التجسسية في شكل مطبعة حديثة وبيت  وتسهيلات وسيارة بي إم دبليو و هلمجراً.. هذا المأفون يقترحه بعض الكتاب الإسفيريين الطفيليين الجهلاء (على أحسن تقدير) كأحد أعضاء مجلس الرئاسة الانتقالي، وغير ذلك من الأسماء التى حشرت حشراً...كأنها أجداث تخرج من قبورها، أم لعل ذلك ضمن مخطط النظام الذى يريد للجماهير أن تعزف وتتكاسل عن الانتفاضة طالما أنها تطرح مثل هذه الأسماء الهزيلة بديلاً للمؤتمر الوطني.

-      مثل هذه القوائم ثبّطت الهمم و جعلت الناس يتساءلون: هل حركة الشباب مخترقة من النظام؟ وهل هي حركة شباب أم أطفال أغرار لا يعرفون أين  أحدث (فسى) الحوت!؟

-      لماذا غابت جماهير الحزبين الكبيرين - الأمة و الاتحادي - عن حركة 21 مارس المجهضة؛ هل هنالك موقف محدد من هذه الأحزاب رافض لمثل هذا التحرك و متواطئ مع النظام، أم أن المسألة مجرد تسيّب تقليدي و عدم انظباط  وتردد وبيات شتوي، كما حدث أيام الانتخابات الأخيرة؟

-      لكل بلد خواصّه، و يتميز السودان بعمق تجربته السياسية و عراقتها؛ و مهما تحلّى قادة الأحزاب بالغموض و التردد أو الصمت (عاملين أذن الحامل طرشاء)، فإن جماهير هذه الأحزاب لا يمكن تخطيها،  فهي موجودة في الحي و القرية و مكان العمل أو التعليم، و منها من شارك بحيوية في تظاهرات ذات دلالة سياسية أشرنا لها من قبل. لا بد من اكتساب هذه القوى لجانب مجموعات الشباب التي تتحلق الآن بالفيس بوك، على الأقل كمستشارين و أهل خبرة و مراس.

·       إن الظرف المحلي و الإقليمي و العالمي مواتي لصعود حركة الجماهير في السودان؛ و طالما أن الشباب قد تصدى لهذه المسألة مستأنساً بتقنيات القرية الكونية الحديثة وبالتجارب المصرية/التونسية/الليبية، فإنه يتعين عليهم أن يشدّدوا نضالهم من أجل تحقيق الوحدة و الانضباط و التخطيط، وأن يطهروا صفوفهم من العاهرين والمخبرين والحربائيين واللصوص ، وأن يجهدوا أنفسهم بالدرس والتحصيل الخاص بتجارب العالم الثورية،  وأن يستقطبوا سكان جميع أرجاء السودان...وليس العاصمة فقط.

·       وإذا تم تحريك الشارع ...فلتكن ضربة لازب لا رجعة  ولا نكوص بعدها.. و ليشترك فيها السودان برمّته حتى يتم القضاء على هذا النظام بأسرع فرصة ممكنة و بأقل تكلفة فى الأرواح والممتلكات.  و السلام.



© Copyright by sudaneseonline.com