From sudaneseonline.com

بقلم: د. صبري محمد خليل
نصيحه الحكام بين السريه والعلنيه/د.صبرى محمد خليل استاذ الفلسفه بجامعه الخرطوم
By
Mar 24, 2011, 10:35

نصيحه الحكام بين السريه والعلنيه

د.صبرى محمد خليل استاذ الفلسفه بجامعه الخرطوم [email protected]

مذهب سريه النصيحه: يرى وجوب سريه نصيحه الحكام ويحرم علنيتها استنادا الى العديد من النصوص اهمها  الحديث المنسوب لعياض بن غنم رضي الله عنه ، الذي جاء فيه جزءان :الجزء الاول منه: جلد عياض بن غنمٍ صاحب «دارا» حين فتحت، فأغلظ له هشام بن حكيم القول، حتى غضب عياض، ثم مكث ليالي، فأتاه هشام بن حكيم، فاعتذر إليه، ثم قال هشام لعياض، ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أشد الناس عذاباً أشدهم عذاباً في الدنيا للناس»؟اما الجزء الثانيفقال عياض بن غنم: ياهشام بن حكيم! قد سمعنا ما سمعت ورأينا ما رأيت، أو لم تسمع  رسول الله يقول: «من أراد أن ينصح لذي سلطان بأمرٍ، فلا يبد له علانية، ولكن ليأخذ بيده، فيخلو به، فإن قبل منه، فذاك، وإلا، كان قد أدى الذي عليه له»، وإنك ياهشام لأنت الجرىء إذ تجترىء على سلطان الله، فهلا خشيت أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان الله تبارك وتعالى»,

وقال الإمام الشافعي  "مَنْ وَعَظَ أخَاهُ سِرًّا فقد نَصَحَه وزَانَه، ومَنْ وَعَظَهُ عَلانِيَةً فَقَدْ فَضَحَهُ وشَانَه".

مذهب علنيه النصيحه :  يرفض سريه النصيحه وبرى وجوب علنيتها احتجاجا بان  الجزء الأول من حديث عياض فقط هو الصحيح باتفاق العلماء ، وأكدته رواية مسلم ، اما الجزء الثاني منه فيرى انه لا يحتج به لسببين الأول ضعف الرواية (الروايه الاولى لأحمد مرسلة للانقطاع بين شريح وهشام،الرواية الثانية بيّن  ابن أبي عاصم في «السنة»  ضعف الرواة والانقطاع والتدليس، الرواية الثالثة لأبي  نعيم في «معرفة الصحابة» فيها عبد الوهاب بن الضحاك متروك الحديث ، الرواية الرابعة  للحاكم في «المستدرك» ضعفها الذهبي لضعف الرواة، الرواية الخامسة لأحمد كذلك قال عنها الحافظ ابن حجر موضوعة بلا ريب)  .والسبب الثاني  هو تضافر الأدلة على علانية النصيحة منها  قوله تعالى على لسان نوح ـ عليه السلام ـ (ُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وأَنصَحُ لَكُمْ وأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 62]. وعلى لسان هود ـ عليه السلام ـ : }أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ{ [الأعراف: 68]. وعلى لسان صالح ـ عليه السلام ـ : (يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكُمْ) [الأعراف: 79]. وعلى لسان شعيب ـ عليه السلام ـ :

(لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكُمْ)[الأعراف: 93]. . والحديث المشهور (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله). وحديث (والله لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذون على يد الظالم، ولتأطرونه على الحق أطراً) .وعندما أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه تحديد المهور حاجّته امرأة قرشية قائلة له: كيف تحدد المهور والله يقول اذ اتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه" فقال عمر: "أخطأ عمر وأصابت امرأة" ، ويعلق السرخسى في المبسوط على موقف الإمام على بن أبى طالب من الخوارج بقوله( فيه دليل على أنهم ما لم يعزموا على الخروج فالإمام لا يتعرض لهم بالحبس والقتل وفيه دليل على أن التعرض بالشتم للإمام لا يوجب التعذير)(ج10، ص125-126).  وقال الحسن البصري : ليس لصاحب بدعة ولا لفاسق يعلن فسقه غيبه (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للآلكائى (279 - 280 )

مذهب الجمع بين سريه النصيحه وعلانيتها: والمذهب الذى نرحجه هو الجمع بين سريه وعلانيه نصيحه الحكام  لورود نصوص مطلقه من شرطى السريه و العلنيه كقوله (صلى الله عليه وسلم)(الدين النصيحة ، قيل : لمن يا رسول الله !؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) [مسلم].  وعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: ((بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ)). [البخاري].، ورود نصوص تفيد سريه النصيحه كقوله -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- في حادثة الإفك: (إِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ) (متفق عليه). واخرى تفيد علنيتها كقوله -صلى الله عليه وسلم- في غير ما موقف: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا...).وكقوله -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ) (رواه البخاري) كما في قصة بني جذيمة.

 هذا الجمع يتحقق من خلال التمييز بين مراحل النصيحه ومضمونها، اما من حيث مراحل النصيحه فيفضل ان يكون مبتدا النصيحه السريه ، فاذا اصر المنصوح على خطاْه كانت علنيتها اسئناسا بقوله تعالى ( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولاَ لَهُ
قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)(طه:43-44 ) فجعلت الايه بدايه النصيحه القول اللين.

. اما من حيث مضمون النصيحه فيجب التمييز بين الشان الشخصى والشان العام، فيفضل سريه النصيحه فى الشان الشخصى ، كما يفضل علنيتها فى الشان العام ، ويمكن الاستئناس فى ذلك بتمييز  الامام ابن تيمية بين من اظهر المنكر و من استتر بذنبه عندما سُئلَ عن حديث:‏ ‏(‏لاغيبة لفاسق) فقال(‏ أما الحديث فليس هو من كلام النبى صلى الله عليه وسلم، ولكنه مأثور عن الحسن البصرى، أنه قال‏:‏ أترغبون عن ذكر الفاجر‏؟‏ اذكروه بما فيه يحذره الناس‏.‏ وفى حديث آخر‏:‏ من ألقى جلباب الحياء، فلا غيبة له‏.‏ وهذان النوعان يجوز فيهما الغيبة بلا نزاع بين العلماء‏.‏ أحدهما‏:‏ أن يكون الرجل مظهرا للفجور، مثل‏:‏الظلم والفواحش والبدع المخالفة للسنة، فإذا أظهر المنكر، وجب الإنكار عليه بحسب القدرة ...‏ فمن أظهر المنكر وجب عليه الإنكار، وأن يهجر ويذم على ذلك‏.‏ فهذا معنى قولهم‏:‏ من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له‏.‏ بخلاف من كان مستترا بذنبه مستخفيا، فإن هذا يستر عليه، لكن ينصح سرا، ويهجره من عرف حاله حتى يتوب، ويذكر أمره على وجه النصيحة).وكذلك يمكن الاسئناس بتمييز الامام احمد ابن حنبل بين الخاص و العام  عندما قيل له: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في اهل البدع؟ فقال: إذا صام وصلى واعتكف، فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع، فإنما هو للمسلمين.



© Copyright by sudaneseonline.com