From sudaneseonline.com

تقارير
«بشير» ضحية معامل مستشفيات الخرطوم .. وتباين الفحوصات أفقدته كليته
By
Mar 23, 2011, 12:45

معامل المستشفيات .. النتائج تحت المحك

«بشير» ضحية معامل مستشفيات الخرطوم .. وتباين الفحوصات أفقدته كليته

نائب مدير مستشفي الخرطوم : الأجهزة المتقادمة والكوادر غير المدربة وراء ضعف إمكانيات المعامل

تعارض نتائج الفحوصات  توهم المريض  بتدهور حالته الصحية

 

تحقيق : حيدر عبد الحفيظ

 

لم يشفع ل(بشير الصبيح )الموظف بجامعة جوبا تردده المتواصل على أكثر من مستوصف ومستشفى ومركز طبي لمعرفة ما ألم به من داء، إذ أصبحت كل نتائج التحاليل والتشخيصات متباينة وغير مطابقة لبعضها البعض لدرجة جعلته يحزم أمتعته متوجهاً نحو الأردن مستأصلاً في نهاية المطاف إحدى كليتيه، بعد أن اختلفت دور العلاج في البلاد حيال تشخص علته.

وبشير الذي يعول أسرة شأنه شأن آخرين في السودان يقاسون، مع محدوية الدخل في وظائف القطاع الحكومي، الاكتواء بنار تكاليف العلاج، غير أن تضارب نتائج الفوحصات هذه المرة هو أكثر ما يرهق بشير، إذ جعلته يتردد على أكثر من مستشفى حكومي وخاص ومعامل عديدة، وكل ما دله دال على إحداها لم يدخر جهداً ومالاً بحثاً عن الشفاء، وحتى فترة ما قبل سفره الآخير إلى الأردن دُل بشير عبر (اصطاف) كوادر جامعة جوبا الطبيين على معمل استاك وهو المعمل القومي لفحص الإيدز، حتى يتبين له إذا ما كان مصاباً بهذا الداء أم لا؟ نظراً لتباين نتائج الفحوصات  وتعدد نتائجها وتشتت ذهن بشير من جراء اختلاف النتائج من مشفى إلى آخر، غير أن سفر بشير للملكة الأردنية كان بمثابة وضع حد لتضارب النتائج بالسودان، بعد أن أثر تاخر تشخيص العلة في تعطل وظائف الكلية، مما اضطر الأطباء هناك إلى استئصالها حفظاً على سلامة حياته.

 وقصة بشير ليست آخر قصص تباين النتائج وعدم تطابقها، إذ لا تختلف عن قصة الشاب الناير أحمد المصطفى الذي قدم من مدينة الفاو قبيل عامين إلى مستشفى حكومي بوسط الخرطوم، وبعد إجراء الفحوصات في المستشفى، خلصت النتيجة إلى إصابته بداء السكر، وذهب بعدها إلى معامل آخرى تباينت نتائجها، وأخيراً  طفق الناير عائداً إلى موطنه حاملاً هموم الدنيا فوق رأسه من جراء ما ألم به من داء وهو في ريعان الشباب لم يصل العقد الثالث من عمره بعد، غير أنه اطمأن أخيراً لفحوصات معمل عيادة خاصة بالفاو،  خلصت نتائجها إلى أنه غير مصاب بالمرض، والآن وبعد مضي عامان على الحادثة، يعيش الناير حياة طبيعة لا يشكو معها من أي أعراض لداء السكري، كما أوهمت نتائج الفحوصات المتباينة أنه مصاب بهذا الداء.

قدم الأجهزة المستعملة

ويؤكد نائب مدير مستشفى الخرطوم دكتور مأمون  محجوب أحمد "أن  تباين نتائج الفحوصات والتحاليل الطبية يشكل قلقاً وإزعاجاً للمرضى، وتدهور في حالة المريض النفسية"، ويضع المريض في حسبانه أن حالته المرضية متدهورة وغير معروفة للأطباء، بدليل اختلاف التشخيصات في حين أن افتراضه غير صحيح.

ويعزي مأمون تضارب النتائج في العينات المراد فحصها من معمل لآخر، إلى قدم الأجهزة المستعملة واعتماد الكادر العامل على تخمين النتيجة من خلال النظر، دون اعتماده على قراءة الأجهزة التي يفترض تزويد المعامل بها، ويوصي مأمون المراكز الطبية بضرورة تدريب كوادرها الطبية العاملة في الفحص والتحليل ومتابعة آخر ما توصلت إليه الهندسة الطبية من أجهزة تحليل وتشخيص لاقتنائها مهما ارتفع ثمنها .

كفاءة عمال    

أما مدير معمل مستوصف الشفاء دكتور صلاح بابكر يرى أن تباين النتائج في المعامل لا يخرج من إحدى العوامل الثلاثة: "الكادر الذي يدير أجهزة التحليل والأصباغ والمحاليل وأجهزة التحليل"، إذ أن أغلب كوادر التحليل العاملة في المستشفيات العامة والخاصة تعمل غير متعاقدة ب(نظام التعاون)، وهو ما يقلل من الكفاءة، نتيجة لقلة المردود المادي، بجانب نقصان الجرعات التدريبية العملية  لتلك الكوادر في الجامعات. أما الأصباغ والمحاليل فإن كثيراً من الشركات المصنعة تستعين بفنيين لا علاقة لهم بموضوع صناعة المحاليل والأصباغ، مما يقلل من دقة وضبط المحلول في النتائج المستخرجة. ويحكم صلاح على الأجهزة التي تستخدم في كثير من دور العلاج "بالمتقادمة وغير مطابقة للمواصفات والمقاييس والتي كان من المفترض أن تتقيد بها تلك الدور"، كما أن الإلمام بجوانب فنية في الأجهزة يقوي من ضبط نتائجها، فتزويد المعمل  ببطارية طاقة احتياطية تقيها من تذبذب أو انقطاع التيار الكهربائي  أثناء عملها، لأن بعض الأجهزة تقل كفاءتها بفعل هذان الأمران .

رقابة

و وحول دور الجهات الرقابية على المعامل ومدى مطابقة المعمل والكوادر للمواصفات المطلوبة توجهنا إلى مدير إدارة المعامل بوزارة الصحة الاتحادية د. النجيب سليمان سعيد، وأشار النجيب في حديثه عن فتح الباب من قبل الدولة لاستجلاب الأجهزة والكواشف من دول مختلفة كـ(أروبا وأمريكا ودول آسيوية وغيرها)، وتختلف الجودة بطبيعية الحال من دولة إلى أخرى ومن شركة إلى أخرى ، وتأسف النجيب من إقدام بعض مستشفيات ومراكز القطاع الخاص لايستيراد كواشف محاليل وأجهزة أقل جودة، بهدف تقليل التكلفة  ولضمان إقبال أكبر عدد من طالبي الفحوصات، متجاهلين ضرورة الجودة وتقديمها على الربح الحاصل من  خفض قيمة شراء الأجهزة والكواشف .

ويسند القانون في البلاد إلى مجلس الصيدلة السوداني القيام بعمل الرقابة على دخول الأجهزة الطبية والمحاليل الكاشفة، غير أن دكتور النجيب كشف عن وجود مساعي بين إدارة المعامل الاتحادية  والمجلس  القومي للأدوية والسموم للتنسيق بشأن الرقابة والاستفادة من كوادر إدارة المعامل المؤهلة والمدربة، لإحكام الرقابة على الاستيراد وتفتيش المخازن التي تحوي المحاليل  المختلفة. والتأكيد من مطابقتها للمواصفات المطلوبة خاصة وأن جو السودان متقلب وترتفع فيه درجات الحرارة إلى أعلى مستوياتها .

وييبن النجيب أن رقابة المعامل الطبية في السودان والعمل فيها يقع تحت إشراف وزارة الصحة الاتحادية التي أنشأت لكل ولاية إدارة معامل مهامها مراقبة تلك المعامل ومنحها التراخيص بعد التأكيد من استيفاءها الشروط المطلوبة، منبهاً أن بعض الولايات لا تفي بالمعايير المطلوبة، الأمر الذي يحدث خللاً في عمل معاملها، معزياً عدم الإيفاء بالمتطلبات الخاصة بجودة المعمل إلى ضعف الإمكانيات في الولايات.

وقال النجيب أن زيادة المستشفيات الخاصة جعلنا أمام تحد لإحكام الرقابة، خاصة وأن بعضها يعتمد على كثرة الرواد من طالبي الفحوصات، مما يعني كثرة الضغط في ساعات العمل وعلى الأجهزة العاملة، مما يخلق تأثيراًعلى  نتائج الفحوصات، وأضاف "المستشفيات الحكومية حصل فيها تطور كبير في معاملها وضبط نتائجها بعكس الخاصة التي فيها تابين في النتائج بصورة واضحة". واعترف مدير المعامل بوجود عمالة  في مستشفيات الحكومة تعمل بنظام (التعاون ) لعدم وجود وظائف كافية لإستعابهم كموظفين ثابتين وعدم توفير ميزانية لهم من قبل وزارة المالية لتوظيفهم رسمياً الأمر الذي يؤثر في كفاءة العمل بالمعامل . مطالباً المستشفيات الحكومية بعدم تولية منسوبي الخدمة الوطنية مسؤليات في المستشفيات حفاظاً على جودة عمل المعامل.

 



© Copyright by sudaneseonline.com