From sudaneseonline.com

حـــوار
د. الجزولي دفع الله: الأجواء مهيأة للتغيير.. ولكن؟!
By
Mar 20, 2011, 11:14

                                    مع رئيس وزراء الإنتفاضة

                      د. الجزولي دفع الله: الأجواء مهيأة للتغيير.. ولكن؟!

                     الاحزاب لن تستطيع تغيـير الواقع السوداني

حاوره: فتح الرحمن شبارقة

هو من أصحاب السبق النقابي والنضالي الذي قاده  ذات يوم إلى سجن كوبر «حبيساً».. ثم، وبعد أيام قلائل قادته من كوبر إلى مجلس الوزراء «رئيساً». فقد كان د. الجزولي دفع الله وقتها نقيباً للأطباء، ورئيساً للتجمع النقابي الذي أزاح مايو من الحكم في ثورة ««6 أبريل»» الشعبية. تجربة د. الجزولي مع الإنتفاضة والثورة جعلته الشخص المناسب فيما يبدو للإجابة عن المحاور التالية بشأن الثورات التي تنطلق في المنطقة من حولنا وذلك لتقديم قراءة لها، ومقاربتها بثورة «6 أبريل» 1985م، وإحتمالات ثورة شبيهة لا تستبعدها المعارضة.. إلتقت به «الرأي العام» في مقر عيادته ببحري لتشخيص ظاهرة الثورات، جلست على كرسي في مقابلة صورة ظهر فيها الجزولي بثياب متواضعة وهو محمول على الأعناق، ومنها كانت البداية:

* يبدو أن لهذه الصورة التي تعلقها على جدران مكتبك علاقة بموضوعنا، ما قصتها؟

- هي صورة إلتقطها لي مصور مجهول في صباح السادس من أبريل، حينما أعلنت القوات المسلحة إنحيازها لثورة الشعب وحطمت الجماهير سجن كوبر كما حطمت الجماهير في الثورة الفرنسية سجن الباستيل. وأخذوني من كوبر بـ «العراقي» ولم يتركوني أرتدي ملابسي وطافوا بي حول السجن محمولاً على أعناقهم ثم ذهبوا بي إلى مستشفى الخرطوم ومنها إلى المنزل، وبعد المنزل ذهبت إلى دار الأطباء لنبدأ مرحلة جديدة من الإنتفاضة. وحقيقة أهداني هذه الصورة أحد السفراء السابقين من أبناء بحري.

* هي صورة أُلتقطت لحظة خروجك من السجن إذاً، لكن كيف دخلت إليه إبتداءً؟

- كنت يومذاك نقيب الأطباء، وإنتفاضة أبريل رغم أنها كانت إنتفاضة شعبية إلا أنها لم تكن إنتفاضة عفوية، فقد كان مخططاً لها من قبل التجمع النقابي الذي قاد إلى الإنتفاضة وكنت أرأسه كذلك.

* كيف تنظر إلى الثورات التي إنطلقت في المنطقة من حولنا؟

- تتبدى هذه الثورات للبعض وكأنها نمت من فراغ، لكن هذه ليست الحقيقة. فلا يمكن أن ينتفض شعب من فراغ، فالثورات دائماً تخرج من رحم مظالم تتراكم حتى تصل حد الإنفجار.

* من واقع الثورتين التونسية والمصرية، هل يمكننا القول إن الثورات يمكن أن تنطلق دون أن تكون لها قيادة محددة وواضحة؟

- أحياناً الثورات تصنع قيادتها بعد أن تتفجر، وسيتكشف أن في الثورات المصرية والتونسية رجالاً ونساءً كان لهم دور رائد في تفجيرها وإن لم يكن دور رسمي، ولكنه يظل دوراً أو أدواراً سمحت بأن تصل هذه الثورات إلى العلن.

* لكن الوضع الطبيعي أن يصنع القادة الثورة وليس العكس؟

- القادة لا يصنعون الثورة من لا شيء، فلا بد أن تكون الجماهير مهيأة وتكون لهم قدرات في توجيه الجماهير، لكن لا يستطيع أن يصنع قائد ما ثورة من فراغ.

* أيمكن للثورة أن تقوم صدفة؟

- لا.. مستحيل فلا بد أن يكون للثورة جذور.

* قطعاً لم يدر بخلد الشاب بوعزيزي وهو يشعل النار في نفسه أن تلك النار ستشعل النظام بأسره.. أليس في الأمر شيء من المصادفة؟

- الثورات تبدأ بداية صغيرة ومتواضعة ولكنها تتفاعل وتكبر إذا كان المناخ مهيئاً. فمثلاً في ثورة أكتوبر  لم يكن مطروحاً في الأول تغيير النظام، ولكن الثورة أدت إلى ذلك في النهاية. بينما كان تغيير النظام مطروحاً منذ البداية في ثورة أبريل.

* ما هو وجه الشبه بين الثورات التي شهدتها المنطقة موخراً وثورة «6 أبريل»؟

- أنا أعتقد أن هناك وجه شبه، فكل هذه الثورات إنتفضت ضد أنظمة شمولية، وكلها كانت وراءها مظالم ممتدة، وكلها قامت ضد أنظمة حكم إستمرت لفترات طويلة، بن علي «22» عاماً، مبارك «30» عاماً، والقذافي «41» عاماً، وأكيد في ظل الشمولية تحدث الكثير من المظالم أولها حرمان المواطن من حقه في الديمقراطية والحرية، وتنشأ حول الحاكم المطلق بطانة لها مصالح في البلد..

* إذا كانت هذه بعض ملامح الشبه، ماذا عن ملامح الإختلاف برأيك؟

- وجه الإختلاف بين ثورتنا وهذه الثورات أنه لا توجد حتى الآن قيادة موحدة أو ظاهرة سواء أكان ذلك في الثورة التونسية أو المصرية أو حتى الليبية. وفي ثورة أبريل كان هناك تجمع نقابي فيه نقابات معروفة وممثلون معروفون قادوا التغيير. وأنا كنت أقول دائماً إن القيادات ما كانت تستطيع إحداث التغيير من فراغ، فالشعب السوداني كما أقول دائماً أشبه بمدفع محشو ومعبأ ويحتاج فقط لمن يضغط على الزناد.

* البديل هل من الضروري أن يكون جاهزاً في الثورات؟

- ليس بالضرورة أن يكون البديل جاهزاً. لكن إذا كانت هناك أفكار عامة تصلح للنقاش والبلورة قد تسهل عملية ما سيأتي. لكن في كل الأحوال تسطيع الثورات أن تصنع برنامجها فليس هناك برنامج لا يمكن أن يعدل.

* هل من الممكن سرقة الثورات؟

- سرقة كلمة كبيرة، دعنا نقول إن الثورات يمكن أن تنحرف عن مسارها.

* طيب إلى أي مدى يمكن أن نقول إن ثورة «6 أبريل» إنحرفت عن مسارها؟

- ثورة أبريل لم تنحرف عن مسارها لأن أهدافها التي وعدت بها قد حققتها.

* وما هي تلك الأهداف التي وعدت بها وحققتها بالفعل؟

- نادت بإزالة نظام مايو، وأزالته. وأن تحقق الديمقراطية، وقد تحققت إبان الفترة الإنتقالية كل الحريات التنظيمية والتعبيرية. وأن تضع دستوراً إنتقالياً مؤقتاً يحقق كل هذه الحريات، وقد فعلنا ذلك. وأن نضع قانون إنتخابات يسمح للجماهير أن تعبر عن رغبتها، وأجرينا إنتخابات سلمنا فيها الحكم للشعب بموجب إنتخابات حرة ونزيهة لم يشكك أحد في نزاهتها حتى اليوم.

* البعض يرى أن نتائج ثورتكم كانت مخيبة للآمال خاصة بعد تسليمكم السلطة للإحزاب التي قضت الفترة الديمقراطية دونما إنجاز يذكر؟

- أولاً أعتقد أنه ليس من العدل أن نُحمل نتائج خيارات شعبية أُتيحت لها كل الظروف لتأتي بقيادات ترتضيها وهو ما حدث، ولكن تلك القيادات لم تحقق تطلعات جماهيرها.. إذن الشعب مسؤول عن خياراته وليس نحن، ولكن يبدو أننا كنا مثاليين وحسني الظن في الأحزاب، فقد كنا نعتقد أن الأحزاب وبعد «16» سنة من حكم النظام المايوي كانت تدعو فيها إلى الديمقراطية، قد تعلمت. وأن الحاجز الذي بينها وبين الديمقراطية والتقدم هو النظام الشمولي، فإذا أُزيح النظام الشمولي ستنطلق الأحزاب بتجربتها خلال هذه الفترة الممتدة وتأتي بواقع جديد للسودان ولكن لسوء الحظ هذا لم يتحقق ولكن لسنا نحن المسؤولين عن ذلك.

* بغض النظر عن المسؤول من ألا توافقني يا دكتور أن نتائج الإنتفاضة كانت مخيبة للأمال؟

- أنا معك يا أخ فتح الرحمن، لكن مشوار الديمقراطية طويل، وهو ليس أقصر مسافة بين نقطتين، بل ربما كان أطول مسافة بينهما، ولكنه يظل الطريق الوحيد الذي يوصل بين النقطة (أ) والنقطة (ب) فنحن لو إستمرت الديمقراطية وأجرينا أكثر من إنتخابات كنا سنتقدم لكن لسوء الحظ في الديمقراطية لا بد أن تكسب الزمن.

* كيف؟

- يعني لا بد أن تنجز بمستوى يجعل الشعب يصبر عليها، وإذا لم تكسب الزمن في تحقيق إنجازات تقنع بها الجماهير بصلاحها، فلن تصبر عليها ولن تعطيها الزمن، وبالتالي، يحدث ما لا نرضاه جميعاً.

* بعد مآل ثورتكم التي أفضت في النهاية إلى إنقلاب قيل إنكم ندمتم على تفجيرها؟

- لا.. أبداً فالشعب ذاق طعم الحرية، وحسّ أنه صاحب قرار وممكن يصنع التاريخ، وهذه تجربة جربناها مرتين بينما يجربها الناس لأول مرة. وهي تجربة يُمكن للشعب أن يكررها.

* ما هي أخطاء تلك التجربة؟

- الثورات في كثير من الأحيان تزيل حواجز ولكن لا تصنع التاريخ وتكون هناك إخفاقات إن لم يكن الشعب مهيأ. مثلاً الثورة الفرنسية على عظمتها إنتهت بالدكتاتور روبسبير، والثورة البلشفية جاءت بستالين، والثورة الإنجليزية أتت بكرومل.

* ماهي المعطيات التي كانت موجوداً في ثورة «6 أبريل»، وهي غير موجودة الآن؟

- الذي كان موجود وقتها نقابات تمثل القطاعات التي تنتمي إليها وبالتالي كان لقوة النقابات وزنها في المجتمع أما الآن فتوجد نقابة المنشأة وهي ديناصور غير قادر على الحركة فمثلاً نقابة المهن الصحية تضم الأطباء والممرضين والفنيين والعمال ولهؤلاء مصالح ومطالب مختلفة ولا يمكن أن يتفقوا على أي عمل وبالتالي تصبح النقابة ديناصوراً لا يتحرك.

* فيما أعلم فإن نقابة المنشأة هذه ليست بدعة إنقاذية، وإنما إطار تنظيمي موجود حتى في أكثر الدول ديمقراطية؟

- القصد من نقابة المنشأة تجميد العمل النقابي.

* هل ثمة معطيات أخرى على أيام «6 أبريل» وهي غير موجودة الآن؟

-أنا أفتكر إن النظام المايوي فقد في آخر أيامه كل قواعده وجرًب كل ما يمكن أن يستند عليه حتى أصبح مكشوفاً من ناحية القوى السياسية ولا يستند إلى شيء. والآن الإنقاذ تستند إلى حدٍ ما على قاعدة سياسية فكرية متمثلة في الحركة الإسلامية وإن لم تعد كما كانت في أوجها إلا أن الحركة الإسلامية مازالت توفر السند لنظام الإنقاذ وهذا هو الفرق بين نظام الإنقاذ ونظام بن علي ومبارك والنظام الليبي.

* على ضوء كل ذلك هل ترى المسرح مهيأ للتغيير؟

- أنا أعتقد أن المسرح مهيأ تماماً للتغيير، فإنفصال الجنوب - وهو حدث مزلزل-  والحديث عن الفساد وغياب العدالة الإجتماعية وغير ذلك من القضايا لا بد أن تحدث زلزالاً فيما تبقى من السودان، ونحن لم نتحدث بعد عن دارفور وأبيي وما يحدث في جنوب كردفان والنيل الأزرق إذاً لابد من أن يحدث تغيير في السودان.

* هل تعنى تغييراً كالذي حدث ويحدث في المنطقة من حولنا؟

- ليس بالضرورة أن يكون كالذي حدث في مصر أو ليبيا، وأنا أعتقد أن التغيير ضرورة وأنا على ثقة من أن الشعب السوداني قادر على إحداث التغيير الذي يتلائم مع ظرف السودان ومع واقعه.

* ما هي المخاطر المحتملة على البلاد في حال حدوث ثورة؟

- أنا عندما أتحدث عن التغيير لا أتحدث بالضرورة عن ثورة، فالشعب السوداني ممكن أن ينتهج طريقاً للتغيير يتناسب مع ظروف السودان ويحافظ وحدته ويضع في الإعتبار أن هناك إنفصالاً في الجنوب قد حدث، وأن هناك مشكلة في دارفور ومشاكل أخرى في النيل الأزرق وجنوب كردفان لكن أنا على ثقة أن الشعب الذي صنع أكتوبر وأبريل يستطيع أن يحدث تغييراً يتناسب مع ظروفه ويحافظ على وحدته.

* تغيير.. وليس بالضرورة ثورة.. ماذا تقصد؟

- من الواضح أن هناك حديثاً من داخل المؤتمر الوطني أنا آمل وأرجو أن يظل هذا الحديث جدياً ويؤدي إلى حوار سوداني حقيقي أي لا يكون مصطنعاً ومحسوم النتائج مسبقاً يجئ بالآخرين كديكور. بمعنى أن يكون هناك حوار سوداني واسع يجمع القوى السياسية حول مستقبل السودان ويتم النقاش فيه بحرية ويصل إلى برنامج يخرج السودان مما هو فيه، وإذا إتفقنا على البرنامج يسهل الإتفاق على شكل الحكومة وتصبح مسألة ثانوية سواء أكانت قومية أو ذات قاعدة عريضة وهذا هو المخرج.

* هذا المخرج.. يبدو أنه سيجعل المؤتمر الوطني قائداً كذلك لمرحلة ما بعد التغيير في وقت ينادي فيه البعض بإبعاده تماماً؟

- المؤتمر الوطني موجود وهو واقع في السودان وإذا أردنا أن نحافظ على السودان فيجب أن لا نقلل من قدر الآخرين بصورة غير منصفة، فالمخرج بالحوار الجاد الواعي الذي يشترك فيه الجميع والآن أصبحت هناك ضرورة للحوار أكثر من أي وقت مضى ولا مجال للتكتيك، فلا بد من عمل إستراتيجي خاصة بعد إنفصال الجنوب.

* كأنك تتوقع تغييراً ما، وفي نفس الوقت تستبعد تكرار سيناريو الثورات المصرية والتونسية في البلاد؟

- بنية السودان الهيكلية فيها صعوبات كثيرة، وأىة عمليات تغيير غير محسوبة قد تؤدي إلى إنشطارات في الواقع السوداني وفي جغرافية السودان وعلينا أن نبتكر الأسلوب الذي يحافظ على السودان ويتماشى مع واقعنا.

* لماذا لم تعد الأحزاب بتلك الفاعلية في تحريك الشارع برأيك؟

- لسوء الحظ فإن الأحزاب السودانية ضعيفة ولم تتطور بالشكل المتوقع منها. ونشأة بعض الأحزاب الطائفية أحدثت تركيبة من الصعب التحرك فيها بسلاسة. والأحزاب إذا لم تحقق الديمقراطية داخلها وغيرت نفسها أولاً، فإنها لا تستطيع أن تُغيّر الواقع السوداني.

* مع ضعف الأحزاب وتدجين النقابات من يملك مفاتيح الشارع إذاً؟

- يملكها المواطن السوداني الفرد. فإذا شعر هذا المواطن في يوم من الأيام بأن أفق التغيير قد انسدت أمامه، فإنه سينفجر وقد يخرج في إنتفاضة ولو لسبب بسيط جداً.



© Copyright by sudaneseonline.com