From sudaneseonline.com

بقلم :شوقى بدرى
قضايا ومنازعات امدرمانيه ( 5 ) ../شوقي بدري
By
Mar 16, 2011, 17:02

 

قضايا ومنازعات امدرمانيه ( 5 ) ..

 

في حي العباسية فوق و شمال ميدان الربيع مباشرةً سكنا لفترة . و كان الحي يحوي كل الوان الطيف والمجتمع السوداني . كنا نمثل اغلب القبائل السودانية . و لم يكن قديما في امدرمان , من المهم من اين اتيت و من أي قبيلة . و كان طرح الانسان و تصرفاته , و تعامله مع الاخرين هو الذي يحدد العلاقة .

الشخص الوحيد الذي في ذلك المربوع و الذي لم يكن سودانياً بالمنشأ كان هو جارنا اليمني علي بن علي . و كان يميزه هو لونه الفاتح . و كان متزوج من سودانية . و كان جارنا عبر الحائط من الجهة الشمالية و كان له كنتين كبير يديره اثنين من اليمنيين احدهم احمد و الاخر عرف بزغلول . و زغلول لم يكن اسمه زغلول بل كسب هذا الاسم في امدرمان . و صار حتى العم علي بن علي و بقية اليمنيين ينادونه بزغلول . وكان لعلى بن على دكان صغير آخر فى شمال قبه الشيخ دفع الله الغرقان فى مدخل ميدان البوسته .

زغلول دخل في اشتباك مع احد اهل العباسية . فقال له ابن العباسية ، و يبدو انه كان مصقوعاً ( امشي كدا عامل زي سعد زغلول ) . و زغلول كان يقول  و الله لو كنت اعرف الراجل حا يعمل لي مشكلة قدر كدا , صرت حتى في البلد اعرف بزغلول . لما دخلت معه في مشادة .

أحد الاخوة الذي ربطتنا به صداقة امدرمان ، صار احد اشقائنا , و صار من سكان المنزل , و لا تزال صلتنا و احساسنا نحوه بأنه شقيقنا لم تنقطع . وامتد هذا الشعور نحو اسرته واشقائه. كان يكثر الجلوس مع احمد و زغلول . و كان يشاركهم حتى في غربلة العيش . و كانا لا يطيقان غيابه . و كانا ينادونه للسمر معهم في المساء ، عندما يقل الزبائن . صديقنا كان صاحب مزاج كتح , و صقعي . و كان بعد ان ينصقع , يحكي لهم القصص و النكات . و يضحك الاثنان من قلبيهما . و الصديق كان طالباً في السنة النهائية و من المتوقع ان يدخل الجامعة . و كان والده الذى يعمل فى الجنوب يرسل له مبلغاً محترماً . و لكن لم يكن يذهب كثيراً الى المدرسة . و صار من اعلام امدرمان , و أحد ظرفاء  امدرمان . وهو الآن شخص متدين ومحبوب ومعتدل .

 و عندما قرر ان يرجع الى اهله , اكتشفنا انه كان عنده حساب و جرورة عند أحمد اليمني , و كذلك عند زعلول . و لم يكن احداً من الاثنين يعرف ان صديقنا يجر منه السجائر و الحلاوة و الطحنية للتحبيس بعد السجارة . و الفول و العيش و الجبنة للعشاء . و في بعض الاحيان يكن الموضوع ريال أو عشرين قرش لأغراض اخرى .

عندما اختفى صديقنا اكتشفنا انه كان عنده ديون عند فضل الساتر,  ست القام زوت , و حوا  كلاب ست العسلية . و لكن الجميع كانوا يكنون شعورا طيبا نحو صديقنا . و كنت احسب أن اليمنين سيغضبون أو يطالبون اهلي بدفع الحساب . و هذا لما كان يشاع عن تقتير اليمنين و حبهم للمال . و لكن الاثنان كانا يقولان ان ما يوجعهم اكثر ليس فقدان المال , و لكن انقطاع صلتهم و سفر الاخ الذي كان انيسهم . و كانوا يكنون له كل الحب . و قاما بتمزيق ورقة الحساب . و كانا يحاولان ان يتسقطا اخبار صديقنا و يسألون عنه عن ود حقيقي  .

فضل الساتر التي كانت جارتنا من الناحية الشمالية الغربية , كانت تتواجد في منزلنا يومياً . و تبدأ كل جملها بكلمة ( أجــــــييييييييي ) . و كانت تعيش لوحدها . و اشتهرت بجودة الصنف . و لفترة وجيزة رحل في ذلك المربع تاجر معروف . و تضايق من الذين يطرقون باب فضل الساتر للشراء في الليل . و من الممكن أن بعض الزوار قد طرقوا باب التاجر بالخطأ . فقام التاجر بتهديد فضل الساتر بأنه يسيطردها من الحي . فأكتفت بأن قالت له ( السكر الناس سو ليهو كشك في الجنينة ) و كانت تقصد احد كبار الضباط في حكومة عبود و كان مديراً لمؤسسة حكومية ,  و كانت له حديقة و كان كبار رجال الدولة يترددون على داره.

و اضافت فضل الساتر .( و انتوا قزازكم الليل كلو يتطاقش , و لا انتوا عشان حقكم من ارونتي ) و كانت تقصد الارمني المشهور في امدرمان و صاحب اكبر بقالة و متجر للخمور . و أسمه الحقيقي يارافنت مارقوسيان . و متجره في الركن الشمالي الغربي للجامع الكبير . و واصلت فضل الساتر قائلة ( سعادة القاضي و المفتش ما جيراني , انا بخش بيتهم كل يوم . مافي يوم سمعوني كلمة فارغة ) . و كانت تقصد والدي رحمة الله عليه ابراهيم بدري الذي كان أول مفتش اداري سوداني عندما كانت هذه الوظيفة حكرا على البريطانيين . و محمد صالح عبد اللطيف زوج اختي و كان يشاركنا السكن .

 و كانت فضل الساتر تدخل المنزل في اي وقت تشاء كأنها احد سكان المنزل كعادة اهل امدرمان قديما . ليست هنالك حواجز أو ما يفصل الناس . و بعد فترة تحسنت علاقة فضل الساتر مع التاجر بعد أن احس بأهمية فضل الساتر و أهتمام أهل الحي بها .

 صديقة فضل الساتر و رفيقتها كانت أم سعيد . و كانا لا يفترقان . و يتواجدان دائما في حوش فضل الساتر . و لكن فجأة انتعشت الخالة أم سعيد . و يبدو أنها نقشت سر الصنعة من فضل الساتر . و صارت منافسة و ان لم تكن على نفس مستواها . و أم سعيد كانت تستأجر الغرفة في حوش العم محمد خير الكبير الذي ضم مجموعة من البشر . و تزوج ابنها سعيد و هو طباخ عوازيم من السيدة فاطمة مسمار النص . و هي سيدة فاتحة اللون , تمتاز بالجمال , و تمتاز بالأدب و لطف المعشر .  و كان معروفاً بأنها تمتعت بسمعة عاصفة في بداية حياتها . و كانت تأتي الى منزلنا بأستمرار . و هي من النوع  الذي يتدخل فيما لا يعنيه و لا ترفع صوتها ابداً .

و في أحد الايام وجدت فضل الساتر ام سعيد في منزلنا و فنجان القهوة في يدها . فقالت لها بما عرف في امدرمان بنظام  جر شكل   مالك بقيتي ما بتجيني) فقالت ام سعيد بأستخفاف ( أجي اسوي عندك شنو) . فقالت فضل الساتر ( تسوي عندي شنو ؟ تلوجي زي ما كنتي بتلوجي زمان ) . و اللواجة حسب كلام اهل امدرمان هي الاكل بشراهة أو بكميات كبيرة . و لا تزال اختي نظيفة متعها الله بالصحة تقول لنا عندما تهيئ الغداء ( تعالوا يا أولاد لوجوا زي ما قالت فضل الساتر ) .

لفترة صارت فضل الساتر و أم سعيد في حالة ردحي و مشاكسات . و أم سعيد لم تكن في مستوى فضل الساتر في رص الكلام و السجع و الصوت العالي . فأكتفت الخالة ام سعيد بأن سعت كلبة و اطلقت عليها اسم ( ما يقولوا ). كانت الكلبة الوحيدة التي لم اسمعها تنبح . و كان البعض يعلق عليها بأنها ماكلة مشك . و المشك هو ما يتبقى بعد تصفية المريسة . و يعطى عادة للأغنام , و يساعد هذا في در اللبن . و لكن الغنم بيكون مدومس بأستمرار .

في امدرمان كانت هنالك كلاب يحملون اسماء لتغيظ الاخرين . خاصة بين الضرات . مثل ما هامينا , و اللقا نسا , و الخوة فلوس . و لكن شكلة فضل الساتر و ام سعيد انتهت بمصالحة و تدخل أهل الحي و خاصة والدتي و اصلحت بينهما . من العادة ان يقوم الناس المعروفين بالجرورة من ستات العرقي او في بيوت المريسة و يدفع الناس في نهاية الشهر كالعادة . حتى بعض بائعات الهوى كان لهم زبائن يدفعون في نهاية الشهر . و أحد نساء امدرمان و ست العرقي , اختفى احد زبائنها . و لم يدفع المعلوم . و صار يشتري من مطار اخر . أو ما عرف في أمدرمان ببنوك الدم . فذهبت له في الصباح بعد ان انعشت سكرة الليل بنصية صباحية . فبدأ في المغالطة و أنه عرف بأنها تضيف السيكران في العرقي . و أكثر من ترديد ( اذا كان ) . فقالت له ( انا عرقي مافيهو سيكران , و لو داير تقول لي اذا كان انا حا اقول ليك لو كان و اذا انت جان انا بخور لبان و كان انت الخرطوم انا امدرمان ادفع يا سجمان و لا ....) . فدفع الرجل صاغراً و عادت العلاقة . نساء هذا الحى كانوا اكثر من بكى ابى ، ويبكون ويقولون الليله وين يا جار الهنا .

منزل العم محمد خير كان ما يقال عليه في امدرمان حوش بقر . و هذه هي الحيشان التي يستأجر منها الانسان غرفة أو جزء من الغرفة . و أكبر حوش بقر كان بالقرب من منزل الاميرالاي عبد الله خليل رئيس وزراء السودان بعد الازهري . و هذا الحوش كان يخص ود شايه  جد الاستاذ عبد الرحمن مختار و شقيقه حسن مختار . و الذي كان امام الجزيرة ابا. و في هذا المنزل نشأ عبد الرحمن مختار و حسن مختار و خيلانهم  . و لكن ابنه و خال عبد الرحمن مختار قام ببيع المنزل . فأشتراه الجبلاب و صار اكبر مركز لنسيج الفراد في امدرمان .  و بعد الجبلاب صار المنزل حوش بقر . و يسكنه مجموعة ضخمة من البشر . و كان مركزاً لشرب المريسة و الخمور البلدية . و كان هذا اشهر حوش بقر في امدرمان .

العم محمد خير و زوجته زهرة بضم الزاء , كان يجلس كل اليوم امام منزله على طاولة صغيرة . و هذا على بعد اقل من مترين من شباك مطبخنا الكبير . و كان يتناول كل وجباته و مشروبه امام الدار . و عندما يسترخي في كرسيه الوثير كان العراقي يرتفع قليلا و تظهر سرته كبالون صغير و هو لا يهتم . و العم محمد خير كان يحب أكل القطط . و كان ينصب لها الفخاخ في رأس المنزل . و الفخ عبارة عن صندوق خشبي بباب ينقفل عندما يدخل القط لأخذ قطعة اللحم المعلقة داخل الصندوق . فيضع العم محمد خير فتحة الصندوق داخل جوال و يقوم بقفل الجوال و يضرب بالقط الارض أو الحائط , و تكون عملية المزة قد أكتملت .

كثير من أهل العباسية كانوا يربون الحمام . لزيادة دخل الاسرة . و البعض كان يقول ساخراً ( انحن بنبيع الحمام عشان نشتري الويكة )  و يضيف ( عشان نحن ما بنحب اكل الحمام ) .  وأهل الابراج كانوا لا يحبون القطط و الذين يربون القطط . و كان اصحاب الابراج ينصبون الفخاخ للقطط . و تجد القطط طريقها داخل شوال كهدية معتبرة للعم محمد خير . و في بعض الاحيان يأتي من يختفي كديسه غاضباً الى محمد خير . و تكون هنالك شمطة , و محمد خير ينكر كالعادة . وقد ينتهى الامر بالشتائم والتهديد .

أحد سكان حي الامراء كانت عنده قطة مدللة و اصيبت بوعكة . فأتى بها الى صديقه  الدكتور سلمان بدري الطبيب البيطري  لعلاجها . و الرجل حفيد الخليفة عبد الله التعايشي و بعد أن تعافت القطة اختفت . فغضب الرجل غضباً شديداً لان ابنائه متعلقون بالقطة و قال لسلمان بدري ( كيف امسكك كديستي و تقول لي شردت ) فقال له سلمان بدري بمساخة الرباطاب ( ياخي كديستك شردت , انت جدك العندو الجيوش خلى سلاطين شرد تقول لي كديستك شردت ) . و هذا الأمر ردده ناس امدرمان و حدثت قطيعة لفترة بين الرجلين بسبب الكديسة . و لكن العادة في امدرمان يتصافى الناس بعد فترة .

علي عليليبة كان جزار كيري . و جزار الكيري طبعا يذبح خارج السلخانة . و هذا ممنوع حسب القانون . و بالرغم من انه هناك كان جزارا في وسط ميدان الربيع , من الجانب الشمالي , و هو الجار المباشر للأستاذ المحامي فاروق ابو عيسى . الا ان اغلب اهل الحي كانوا يشترون من علي عليليبة . خاصة و أن جارته حوه كلاب كانت اشهر بائعة عسلية في الجمهورية . و بت أحمد اشهر بائعة عرقي في السودان . و هي من فريق عمايا شرق ميدان الربيع . و هنالك منازل كثيرة في العباسية بما عرف ببنوك الدم . حيث يذهب لشرب المريسة يوميا ً . و هؤلاء يحتاجون للشواء و الكمونية و ام  فتفت وام  مالبينه . لحلل القطر قام . و كان علي عليليبة يرتب لنا كيلويين من لحم الضان يومياً . و كان يندر أن يعطي اللحم لأختي نظيفة عن طريق الشباك  بدون ان تقرعة أو تعنفه بسبب العظام أو الشحم . و في بعض الاحيان بدون سبب وجيه . و كان يتقبل كلامها بطيبة خاطر . بالرغم انه اشتهر بحدة الطبع و الشدة . و لكن قديماً كان الرجال لا يتطاولون على النساء في  امدرمان .

بينما انا اتناول العشاء في حوش المنزل , سمعت اصواتاً تعلو . ففتحت باب الزقاق , و شاهدت اشتباك بين علي عليليبة و الدابي . ثم تراجع الدابي و هو يحمل عصا في شبه هرولة . و سمعت علي عليليبة يقول له ( انا عارف لما القاك براك بتجري ). فأنتهرتني والدتي و طالبتني بالدخول . و هي تقول ( انت ما بتخلي المشاكل , ما كفاية كم مرة جايبنك من الحراسات بشكلك ). بعد فترة ذهبت لكي اسهر مع صديقي الميكانيكي الحداد و الفنان الزين قبور رحمة الله عليه . ويفصلنا زقاق ضيق . و كنا نجتمع في منزلهم باستمرار . و يضم دارهم العامرة كثيراً من الفنانين و العازفين . ثم اتى فتحي شقيق الزين الذي كان قوياً و باطشاً و يعرف باللبخ . تشبهاً باللبخ فتوة امدرمان وكان يمارس النهب والقتل وانتهى به الامر الى المشنقه . و قال انه قد شاهد علي عليليبة امام شركة النور . و هذا ما عرف فيما بعد بالادارة المركزية . و كان هنالك ينام الترماج و البصات . علي عليليبة قد ذكر له بأنه قد طعن الدابي و انه ذاهب ليسلم نفسه للبوليس .  و حكيت لهم انا ما شاهدته . و بعد فترة سمعنا صوت عربة تدخل الزقاق الضيق . و هذا ما لم يحدث ابداً من قبل . و كان هذا ، كومر البوليس . الذي أتى لأخذ علي عليليبة . و الذي كان يواجه تهمة القتل . و كان القاضي هو جاره محمد صالح عبد اللطيف قاضي جناية امدرمان .

لأن الدابي قد اتى لمنزل علي عليليبه في الليل و كان مسلحاً بعصا , و ان علي عليليبة قد طعنه بالسكين طعنة واحدة . الحقيقة هي كانت عملية شرط  بواسطة الكذلك  وهى سكين الجزار الحاده . و علي عليليبة جزار متمرس . فقد غير محمد صالح عبد اللطيف التهمة الى القتل العمد . و ليس القتل العمد مع سبق الاصرار و الترصد . و العقوبة لا تزيد 12 الى 14 سنة سجن . و لكن لا تصل الى الاعدام . و أخبرني محمد صالح قائلاً صحبك على الليلة ممكن ينوم مرتاح . فأخبرت اهل الحي خاصة اهل علي عليليبة و اصدقائة ففرح البعض , و تأسف البعض لموت الدابي . و حكم على علي عليليبة بي 12 سنة سجن .

بعد ذهاب علي عليليبة الى السجن . سكنت في منزله الخالة كلتوم . و كان لها ابن وحيد اسمه ابراهيم و هو شيطان لا يشق له غبار . و في السبعينيات كان هنالك مطعم في الطابق الارضي في بارك هوتيل وسط كوبنهاجن و كنت احب الذهاب اليه . و في احد الايام دخلت ذلك المطعم . و كانت الخالة كلتوم تجلس في ذلك المطعم و بجانبها فتاة اوربية جميلة و ترتدي ملابس انيقة . و قبل ان افيق من دهشتي ظهر ابنها ابراهيم . و الذي لا يزال يسكن معنا في السويد في الشاطئ الغربي . و هو من مواليد الفاشر . و كانت الفتاة الاوربية زوجته ايفا . و كانت الخالة كلتوم في طريقها الى المطار راجعة الى السودان . بعد اجازة في زيارة ابنها . و كانت تلك من ألطف المقابلات في العالم . فآخر شخص كنت اتوقع ان اراه في كوبنهاجن هو الخاله كلتوم  من العباسية فوق .

جار الخاله كلتوم كان نجاراً . يتمتع بشخصية غير عادية و عرف بالعباسية بعيسى بن مريم . و من سكان منزله كان يسكن شاب صغير السن من خارج امدرمان . صار فيما بعد من كبار الفنانين . و صار يزور سيده مطلقة في منزلها . فنصحه احد اصدقائه قائلاً ( ياخي ناس امدرمان ديل كان خلوك في حالك ما ت         ضيقها . و مافي لزوم توقف عربتك قدام البيت و تتضرع و تعاين للناس بدون ما تسلم و تخش ) . و كان يقول له ( انا مافي زول مالي عيني و انا و انا ... و ناس امدرمان ديل ما بهموني ) . و في احد الايام طرق الباب ولد صغير و قال للفنان الجماعة ديل عايزين يتكلموا معاك . فدخل الفنان بسرعة في عربته و ادار المحرك , و برغم من ان الاربعة لساتك كان بدون هواء الا انه انطلق بها بسرعة . و بعد فترة اتته رسالة ( ياخي المرة دي مرة في الحلة , و نحن قلنا امكن سعدها جاها . اسي لو انت عايز تجيها بي أدب نحن ما عندنا مشكلة . وقف عربتك بعيد و تعال داخل ) . و الدرس الامدرماني كان لو الناس خلوك ما تضيقها .

فى ايام نميرى وعنترياته الغير مدروسه ، حاول ان يحل مشاكل الغلاء بالبنونيه . ففرض اسعار لم تكن معقوله وكان الامر عباره عن توجيه كل اللوم للتجار. كأن قام بجوله بطياره هليكوبتر حول العاصمه وفرض سعر محدد لكل الخراف قبل عيد الاضحى . ولكن الناس فى امدرمان رفضوا شراء تلك الخراف بالرغم من وجود البوليس ومحاوله فرض الاسعار . وكانوا يقولون الضحيه لا تصح الا برضاء البائع والمشترى .

ومن منزلنا الحالى فى جوار قبه الشيخ دفع الله الغرقان كانت اختى نضيفه تذهب لشراء اللحمه من الجزار الاخ صباحى ، وعندما مدت نضيفه يدها بالفلوس لصباحى ابرز احدهم بطاقه . وطلب من صباحى ان يتبعه للمركز لانه قد باع باقل من التسعيره . فتصدت اختى كعادة اهل امدرمان لرجل البوليس قائله ، انت مالك باع لى بالتسعيره فسأل رجل البوليس اها التسعيره كم ؟ . فقالت نضيفه القروش دى قروش قديمه انا اديتها ليهو انحنا بنشترى بالجروره وبندفع بعدين انت دخلك شنو . فقال رجل البوليس متأسفاً الناس ديل حراميه وانحنا عاوزين نساعدكم وانتو ما دايرين تتساعدو . اكثر شئ يكرهه اهل امدرمان قديماً هو تدخل البوليس فى امورهم الخاصه . فصباحى يمت بالصله لآل الشيخ دفع الله الغرقان . ويجلس معه كثيراً الرجل الامدرمانى الاصيل الاخ محمد ود الشيخ دفع الله رحمه الله عليه . وشقيقه عبد الرحمن بمثابه الشقيق لاخوتى الصغار . وهؤلاء ابناء شقيقة الشخصيه الاسطوريه موسى ناصر المشهور بود نفاش .

فى الثمانينات قلت مداعباً عبد الرحمن ود الشيخ فى منزلنا عندما كان يشتكى من خدمات المنزل ويحتد فى الكلام مع شقيقاتى ( انت يا عبد الرحمن ده بيتكم ؟ ) . فقال لى آى ده بيتنا كل الحله دى اراضينا . المستشفى دى جدى دفعها للخواجات عشان يبنوا المستشفى الارساليه ويعالجوا الناس . وكلكم جدى لماكم وباع ليكم الارض المتر بمليم . عندكم كلام . فقلت له كلام شنو بعد ده نحن ضيوف ومفروض نكون مؤدبين .

الضابط المشهور ب ( زعوط ) كان زميلاً للدكتور محمد محجوب عثمان فى الجيش السودانى واشتهر بحب الحياة والمرح . تعرض لطعن . وحاول البوليس واهله ان يعرفوا اسم الجانى ، وكان يقول لهم انا ما راجل بسوط لكن حأقوم وحاخد بتارى . ومات مأسوفاً على شبابه بدون ان يفصح عن اسم قاتله . هذا كان يحدث كثيراً فى امدرمان لا يسمح الناس للبوليس للتدخل فى حياتهم .

الاخ الاصغر طارق هباش يتصل بى من ايرلندا فى بعض الاحيان ويتذكر الحى . ويتذكر منزلنا عندما كان من الزوار الدائمين . ويذكر لى سهوله التواصل قديماً وكيف كان يدخل فى مشاحنات مع شقيقاتى عندما لا تنفذ طلباتى . وكثيراً ما كان يقول لى ان علاقه الايرلنديين متشعبه ومتداخله وتذكره فى بعض الاحيان بعلاقات اهل امدرمان .

التحية ع. س شوقي بدري



© Copyright by sudaneseonline.com